رضوى رمضان الشريف
رغما عن التحذيرات الصينية للزيارة، وصلت طائرة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، مساء الثلاثاء 2 أغسطس، إلى العاصمة التايوانية تايبيه، وتأتي تلك الزيارة في إطار جولة آسيوية تقوم بها بيلوسي وتضم زيارات معلنة إلى سنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية واليابان.
وتعتبر بيلوسي أرفع مسؤول أميركي منتخب يزور تايوان منذ رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش عام 1997.
وأعلنت بيلوسي لدى وصولها إلى تايوان، بأن زيارتها تظهر التزام واشنطن القوي حيال الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبرها الصين جزءا من أراضيها، كما أكدت بأن زيارتها لا تتعارض بأي شكل مع السياسات الأميركية التي تعترف بـ “صين واحدة” ولم تعترف رسميا بتايوان كدولة مستقلة.
بالرغم من ذلك، ترى الصين أن زيارة مسؤول أميركي رفيع المستوى، والتي قد تكون الأولى في نحو 25 عامًا، تحمل اعترافًا ضمنيًا من أميركا باستقلالية تايوان، والتي تعتبرها الصين جزءًا أساسيًا من أرضها.
وعلى صعيد آخر، حذرت روسيا أيضا الولايات المتحدة من الزيارة، وأشارت إلى أن إقدامها على الذهاب إلى تايوان يعد “عملاً استفزازيًا” يضع أميركا في مسار تصادمي مع الصين، متهمة أيضا الولايات المتحدة بـ”زعزعة العالم”.
يذكر أن قضية تايوان -الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تعتبرها الصين جزءًا من أراضيها -لاتزال واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل بين واشنطن وبكين. وتربط الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين، وليس مع تايوان، لكن واشنطن تحافظ على ما تسميه “علاقة قوية وغير رسمية” مع الجزيرة.
رد صيني صارم
وسط تصاعد التوترات الكلامية بين واشنطن وبكين بشأن زيارة بيلوسي، أعلنت وزارة الدفاع الصينية أن الجيش الصيني سيعتزم إجراء عمليات عسكرية واسعة ردا على الزيارة، وأنه سينشر قوات بشكل متناسب مع تهديدات الأمريكية، مؤكدةً أن النهاية لن تكون جيدة للأميركيين.
وأدانت الخارجية الصينية ما أسمته “الخيانة الأميركية المتعمدة” لمبدأ “الصين واحدة”، كما اعتبرت الخارجية الصينية أن الولايات المتحدة باتت أكبر” تهديد للسلام” في العالم، مؤكدة أن الصين لن ترضخ أبدا لمثل هذه التحركات الأميركية في تايوان.
كما أوقفت الصين صادرات الرمال الطبيعية إلى تايوان فضلا عن وقف استيراد بعض الأسماك والفواكه من الجزيرة الأربعاء الثالث من أغسطس، وجاء في بيان صادر عن وزارة التجارة الصينية إن هذه الخطوة تستند إلى أحكام القانون ذي الصلة لكنه لم يذكر مزيدا من التفاصيل، وفقا لوكالة بلومبرج للأنباء. وقال جيش التحرير الشعبي إنه في “حالة تأهب قصوى” معلنا عن مناورات بحرية عسكرية حول الجزيرة تبدأ الأربعاء الثالث من أغسطس وتشمل “إطلاق نار بالذخيرة الحية” في مضيق تايوان.
ينظر إلى هذه المناورات على أنها أكبر استعراض للقدرات العسكرية من بكين منذ أزمة مضيق تايوان عام 1995 عندما أطلقت الصين صواريخ فوق تايوان وأرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات.
لماذا تعارض الصين هذه الزيارة؟
يأتي موقف بكين الصارم الرافض لزيارة نانسي بيلوسي لتايوان، بأنه يمثل رسالة خاطئة جدا للقوى الانفصالية الساعية لما يزعم “استقلال تايوان”، ومخالفة خطيرة لمبدأ الصين الواحدة، وانتهاكا شديدا لسيادة الصين وسلامة أراضيها، وزعزعة شديدة للسلام والاستقرار في مياه مضيق تايوان، وضررا بالغا للعلاقات الصينية الأمريكية، وستؤدي إلى وقائع وعواقب وخيمة جدا، مهما كانت مبررات الزيارة في هذا التوقيت.
طبقا لبكين، هناك صين واحدة فقط في العالم، وتايوان جزء لا يتجزأ عن الصين، ويعد الالتزام بمبدأ الصين الواحدة من القواعد الأساسية للعلاقات الدولية، والتوافق الشامل لدى المجتمع الدولي، ويعتبر الشرط المسبق والمرجعية لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة وتطويرها.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، يدعي الجانب الأمريكي بأنه يلتزم بسياسة الصين الواحدة، غير أنه تراجع عنها على الصعيد العملي في إطار ما يمسي بالاستراتيجية الغامضة، حيث بقوم بطمس وتجويف مبدأ الصين الواحدة، ويحاول تحدي واستفزاز الخط الأدنى للصين، فيلاحظ وجود انخراطاً دبلوماسياً متنامياً بين تايبيه وواشنطن، وهذا يتضمن زيارة مفاجئة قام بها ستة من المشرعين الأمريكيين للجزيرة في أبريل الماضي.
هل يوجد احتمالية لحدوث صدام عسكري؟
بالرغم من التصعيدات الكلامية، واستعراض بكين لقدراتها العسكرية في الساعات الأخيرة، إلا أن الصين من المستبعد أن تواصل تلك التهديدات العسكرية بسبب علاقاتها المتنوعة والمشتركة مع الولايات المتحدة، وخاصة العلاقات الاقتصادية الوثيقة، فضلا عن التحديات الداخلية المرتبطة بشكل كبير بتداعيات فيروس كورونا، ومخاوف داخلية بانخراط في صراع عسكري غير مأمون نتائجه.
فيمكن أن يؤدي التصعيد مع الصين -على المستوى الدبلوماسي-إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية وزيادة الركود في الأسواق، وهو ما رفضت إدارة بايدن الاعتراف به، حيث يوجد قلة في البنتاغون يعتقدون حقًا أن الصين تتطلع إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي، وذلك أولاً بسبب عدم استعدادها لصراع عسكري كبير في هذا الوقت، وثانيًا بسبب التأثير الاقتصادي السلبي المحتمل محليًا.
ومن المحتمل أن يقتصر الرد الصيني مستقبلا على فرض إجراءات معقدة ومشددة على العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين، حيث قد تصدر الصين إدانات قوية أو تسحب بعض الأصول أو الاستثمارات من الولايات المتحدة ردًا على ذلك؛ وقد تنخرط أيضًا في بعض الاستفزازات الطفيفة في المنطقة مثل زيادة الوجود العسكري في بحر الصين الجنوبي.
زيارة لن تتخطى الخطوط الحمراء
في حين حذر بعض المسؤولين في إدارة بايدن من زيارة بيلوسي إلى تايوان لأنها تخلط بين دعم الولايات المتحدة الطويل الأمد لسياسة الصين الواحدة، ودعمها لتايوان وإن كان بشكل غير مباشر، إلا أن زيارتها حظيت بدعم كبير من الحزبين في الكونجرس الأمريكي، إذ أصبح الديمقراطيون والجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ أكثر تشددًا بشأن الصين، خاصة بعد موقفها الداعم لروسيا وبالتالي شجع العديد من كلا الجانبين بيلوسي على الزيارة.
ويعتبر البعض أن بيلوسي بكونها أول امرأة تتولى منصب رئيس مجلس النواب، وسعيها لتحقيق مجد شخصي يرتبط بخصوصية وتاريخية الزيارة، كما تريد أن تتسلط عليها الأضواء كون هناك تكهنات بأن فترة ولايتها المتبقية موضع شك لأن الجمهوريين يتطلعون إلى استعادة السيطرة على مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لشهر نوفمبر.
حفظ ماء الوجه
يمكن وصف زيارة بيلوسي بأنها “رمزية”، وأن الدعم الأمريكي لتايوان لن يتخطى “الخطوط الحمراء”، خاصة أن واشنطن ليس بإمكانها فتح جبهات أخرى وتقديم أي دعم لجبهات جديدة، وتوجه الولايات المتحدة من خلال تلك الزيارة رسالة للعالم، بأنها قادرة على تنفيذ رؤيتها ومنع “العالم متعدد الأقطاب” وكذلك إشغال الصين في كيفية الرد على واشنطن، ووضعها في حيرة من أمرها.
ورغم أن الزيارة تتخطى الخطوط الحمراء بالنسبة للصين، إلا أن الأمر يظل حتى الآن داخل إطار محدود، خاصة أن بيلوسي هي رئيسة البرلمان ولا تمثل “منصب تنفيذي” على غرار رئاسة الولايات المتحدة والتي كانت ستكون تخطيا للخطوط بشكل أكبر وتعقد الموقف بشكل أكثر حدة.
أما بشأن التهديدات الكلامية الحادة من جانب بكين، يأتي إصدار تلك التهديدات لحفظ ماء الوجه رغم تحذيرات بكين السابقة عن عواقب الزيارة، وتأتي أيضا لاختبار مدى صلابة إدارة بايدن التي يُنظر إليها على أنها ضعيفة، واستجابة للاستقطاب المتصور داخل الولايات المتحدة والذي يرغب الحزب الشيوعي الصيني في استغلاله دون تكاليف كبيرة لهيبته.
الخاتمة
بينما يتعامل المجتمع الدولي مع أزمات كبيرة، مثل نقص الطاقة والتضخم ونقص الغذاء، جزئيًا بسبب الحرب مع أوكرانيا، وجزئيًا بسبب السياسات الاقتصادية والعوامل البيئية في مختلف البلدان، تزداد حالة التخبط الدولي من حيث التخطيط الاستراتيجي واختلال معايير التوازنات وأسس التحالفات، مما يؤشر بأن العالم أصبح غير قادر على استيعاب أزمة دولية خانقة جديدة.
وبالنظر للعام الجاري بأحداثه الراهنة والمشؤمة، أثبتت الدول المنوطة بحفظ السلم والأمن الدوليين؛ أي الدول الدائمة لمجلس الأمن، بأنهم أكبر تهديد للسلم والأمن الدوليين.
وبالرغم من ذلك، العلاقة بين الصين والولايات المتحدة تستمر رغم الخلافات، وأن بعض التوترات تسيطر على المشهد لبعض الوقت، ولكن لا تتدحرج للصدام المباشر، حيث سبق و أن تجنبت بكين بشدة أي مناوشات مع البحرية الأميركية في المنطقة؛ حتى الآن لم تتجاوز الاستفزازات الأمريكية ومحاولات التجسس ولم تقم بمهاجمة الجيش الأميركي على الرغم من وجود فرصة كبيرة للقيام بذلك.
التهديدات الصينية لن تكون أكثر من هواء جيوسياسي ساخن، فرغم تصاعد خطاب بكين، فإن هبوط طائرة بيلوسي في تايبيه لن يشكل عملاً حربياً أو غزوا، حيث أوضحت إدارة بايدن أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين لم تتغير ولن تتغير بغض النظر عن زيارة بيلوسي إلى تايوان.