إعداد: عنان عبد الناصر
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
جاء قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإيران في أعقاب عددٍ من الاتصالات رفيعة المستوى، وذلك في إطار خدمة وتعزيز المصالح المشتركة، وقد أعاد إعلان مسؤولين إيرانيين وسودانيين عن العمل على تسريع إعادة فتْح السفارتيْن بين البلديْن؛ ما طرح العديد من التساؤلات، بشأن دلالات الدَّفْع باتجاه ذلك المسار، في ظلِّ الحرب المشتعلة داخل السودان منذ 9 أشهر بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي أوْدت بحياة الآلاف، وشرَّدت الكثير من الملايين من أبناء الشعب السوداني، وفقًا لما أشارت إليه التقديرات الأممية.
وقد التقى وزير الخارجية السوداني المُكلَّف (علي الصادق) بالنائب الأول للرئيس الإيراني (محمد مخبر) في العاصمة الأوغندية (كمبالا)، وذلك على هامش مشاركتهم في قمة دول عدم الانحياز، وناقش المسؤولون استعادة العلاقات الثنائية بين البلديْن، والتسريع من خطوات إعادة فتْح السفارات بينهما.
العلاقات “السودانية – الإيرانية” بين الانقطاع والعودة
قام السودان بقطْع علاقاته مع إيران، خلال عام 2016، لكن خلال أكتوبر الماضي 2023، تمَّ الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، وقد طرح إعلان السودان وإيران عن تسريع مساعي استئناف العلاقات الثنائية بين البلديْن تساؤلات مختلفة، حوْل الأهداف الكامنة خلْف هذه الخطوة، خاصَّةً في ظلِّ تعقُّد الحلِّ السياسي داخل السودان، فضلًا عن تسليح وتحشيد المدنيين، في إطار الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
أهداف محتملة من استعادة العلاقات مع إيران
أشار بعض المحللين السودانيين إلى أن السودان تمتلك مجموعةً من الأهداف جرَّاء هذه الخطوة، وتتمثل هذه الأهداف فيما يلي:
- الحصول على دعم الجيش بالسلاح؛ حيث إن قوات الجيش في حاجةٍ إلى التسليح والدعم، مقابل ما تتلقاه قوات الدعم السريع من دعْم.
- خلْق توازن من خلال الصين وروسيا وإيران؛ حيث تُشكِّلُ إيران مفتاحًا مهمًا ومؤثرًا في ذلك الاتجاه.
- ترغب إيران في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع السودان؛ لأنها جُزْءٌ مهمٌ من دول العالم الإسلامي، ولا ترتبط هذه الخطوة بالحرب الدائرة داخل السودان، ولكن بما تتبنَّاه إيران من استراتيجيةٍ بضرورة الانفتاح.
ويمكن القول: إن عامل السلاح يُعتبر بمثابة الدَّافع المباشر لاستعادة العلاقات السودانية مع إيران؛ حيث إن المتغيرات الدولية بشأن التعامُل واستئناف العلاقات الإقليمية مع إيران، شكَّلت دافعًا للسودان؛ للمُضيّ في اتجاهٍ مماثلٍ، ولكن من أجل الحصول على الدعم العسكري، وقد أشار بعض المحللين السودانيين إلى أنه لا يُستبعد إقدام إيران على تزويد الجيش في السودان بالطائرات المسيرة (من دون طيار)؛ لكي تتمكن قوات الجيش من مواصلة المعارك مع قوات الدعم السريع.
تداعيات استعادة العلاقات الثنائية بين السودان وإيران
إن التقارُب بين السودان وإيران سيكون له تداعيات عِدَّة، خاصَّةً مواقف القوى الدولية والإقليمية، في ظلِّ استمرار النِّزَاع داخل السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، ويتضح أن قوات الجيش داخل السودان تريد أن تثبت أن لديها الكثير من البدائل التي يمكن أن يتم الاستناد إليها في حربها ضد قوات الدعم السريع، وذلك من خلال التقارُب مع حليفٍ إقليميٍّ قويٍّ، يمتلك الكثير من الخبرات في دعْم حلفائه، وإمدادهم بالعتاد العسكري، والخبرات التي تُشكِّلُ عاملاً مهمًا في تغيير توازن القوى القائم في ساحات القتال.
فعلى الصعيد العملي، يمكن أن تقوم إيران بإمداد الجيش السوداني بسلاحٍ يساعد المؤسسة العسكرية في الصمود لفترة أطول، واستنزاف قوة الطرف الآخر، ومن المحتمل أن تسعى إيران إلى استعادة حضورها القوي داخل السودان والمنطقة، حيث إن التقارُب الأخير بين الجانبيْن، سوف يساعد إيران على إعادة تموْضعها في شرق أفريقيا، التي تمتلك فيها حضورًا عسكريًّا قويًّا، من خلال الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى العلاقات القوية مع عددٍ من دول المنطقة، مثل كينيا وإريتريا وجزر القمر، بجانب بعض الأطراف الفاعلة في الصومال.
ويمكن أن يتحوَّلَ السودان لمركزٍ لنشاط إيران في وسط القارة حتى غربها، وصولًا إلى جنوب القارة، خاصَّةً في ظلِّ المساعي الإيرانية؛ لتنشيط استراتيجيتها تجاه القارة؛ من أجل مواجهة العُزْلة المفروضة عليها من قِبَلِ الغرب.
الاتجاه نحو الاستثمار في السودان بصفته دولة صراع
على الرغم من أن إيران أعربت من خلال تصريحٍ لها عن مدى قلقها إزاء الأحداث التي تشهدها السودان جرَّاء الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلَّا أنه من المتعارف عليه أن إيران تتبنَّى اتجاهاتٍ لتوسيع استثماراتها داخل الدول التي تشهد نزاعاتٍ وصراعاتٍ عسكريةٍ؛ إذ إنها تُشكِّلُ بيئةً خصْبةً لتوسيع نفوذها؛ اعتمادًا على حالة التفكُّك التي تشهدها.
تعتمد إيران على التغلْغُل الفكري في الدول التي تشهد نزاعاتٍ وصراعاتٍ قبْل توسيع رُقْعة نفوذها؛ إذ تتجه نحو تقديم وطرْح أفكارها كمسارٍ للخروج من الأزمات، وتطرح ذلك في شكْل إقامة مكتبات عامَّة في بعض المراكز الثقافية، مثل المركز الثقافي في الخرطوم، بالإضافة إلى بعض المكتبات الأُخرى في مدينة أم درمان، وقد يصْعُبُ التنبؤ بطبيعة التحرُّكات الإيرانية داخل السودان؛ ما يشير إلى صعوبة تقويض النفوذ الإيراني في السودان، وذلك إذا استمرت النزاعات العسكرية والسياسية داخل الأراضي السودانية.
وتسعى إيران إلى اختراق الدول التي تنْشُبُ فيها الصراعات السياسية والعسكرية المسلحة، وقد برزت فرصة إيران لتحقيق أهدافها داخل القارة السمراء، وإقامة مصانع للأسلحة وتوريدها لوكلائها، فبالنسبة لإيران تُعدُّ السودان أرضًا خصْبةً، في ظلِّ الصراع القائم بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي يُعدُّ بمثابة فُرْصةٍ لتعزيز التغلْغُل الإيراني داخل السودان؛ بناءً على تصاعُد وتيرة الأحداث السياسية هناك.
ختامًا:
يمكن القول: إن إيران تمتلك مجموعةً من المساعي حول إعادة التموْضع إقليميًّا، بصورةٍ مختلفةٍ عن العلاقات المتوترة التي سادت خلال السنوات الماضية، وفي ظلِّ السياق الإقليمي المُعقَّد، فإن إيران سوف تتجه نحو استغلال كافَّة الفُرَص؛ من أجل استعادة نفوذها داخل القارة الأفريقية، ويبدو أن السودان من أهم الدول التي سوف تسعى إيران من خلالها لاستعادة نفوذها، وهو ما يمكن أن يكون له الكثير من التداعيات على التوازُنات داخل القارة السمراء.