مصطفي أحمد مقلد
مقدمة:
انطلقت النسخة الـ19من المناورات العسكرية “الأسد الأفريقي” في 22 مايو، وتستمر حتى 16 يونيو الجاري، والتي تحتضنها المغرب بشكلٍ دوريٍّ، وهي أكبر مناورة سنوية مشتركة للقيادة الأمريكية في أفريقيا، ويتم تنفيذها هذه المرة في المغرب وغانا والسنغال وتونس، ويشير ذلك الى أن المناورات تتسم بالاستقرار من حيث الزمن والمكان، كما أنها اتسعت على مستوى الرقعة الجغرافية؛ لمواجهة التهديدات في منطقة الساحل والصحراء بالأساس، بما فيها المخدرات والإرهاب والهجرة غير الشرعية.
وتضم مناورات هذا العام تدريبات رماية حية متعددة الذخائر والأسلحة وتدريبًا بحريًّا وجويًّا، بجانب تدريب الإنزال القسري المشترك مع المظليين في تدريب ميداني، وثلاث فعاليات على هامش برنامج المساعدة المدنية الإنسانية، وأخيرًا تدريبات متعلقة بإزالة التلوث النووي والإشعاعي والبيولوجي والكيماوي؛ فمنطقة الصحراء الكبرى معروفة بالتلوث النووي والكيماوي؛ حيث يحذر إستراتيجيون من استغلال جماعات إرهابية “الغبار النووي الموجود في منطقة الصحراء الأفريقية الكبرى، وإعادة تدويره، وتصنيع قنبلة نووية منه؛ لذا تظهر أهمية المناورات في هذا الصدد.
وينظر “رئيس هيئة أركان القيادة الأمريكية في أفريقيا” لتلك المناورات، باعتبارها ركيزةً أساسيةً من ركائز إستراتيجية “تمرين أفريكوم”، و”أحد أهم التدريبات الأمريكية في العالم”، باعتبارها فرصةً لإجراء اختبار جاهزية واقعية وديناميكية وتعاونية في بيئة قاسية، تجمع بين عديد من الوحدات الجغرافية والوظيفية، إضافةً إلى نقاط العبور البحرية الإستراتيجية وممرات الشحن العالمية.
القراءة المغربية للمناورات:
ويشارك في مناورات “الأسد الأفريقي” العسكرية أكثر من ستة آلاف جندي، ينحدرون من 20 بلدًا من أفريقيا ودول أوروبية، فضلًا عن حضور 27 بلدًا بصفة مراقب، وقال الجيش المغربي في بيان نشرته وكالة المغرب الرسمية: إنه “تم تنظيم حفل بمدينة أكادير، للإعلان عن الإطلاق الرسمي لتمرين ’الأسد الأفريقي’ المشترك متعدد الجنسيات، بحضور ممثلين عن البلدان المشاركة” (ولم يذكرها البيان).
وتأتي في إطار التأكيد على خارطة طريق، تم اعتمادها في أكتوبر 2020، من جانب المغرب والولايات المتحدة، تتعلق برفع مستوى التعاون العسكري لعشر سنوات، وتهدف لرفع درجة الجاهزية العسكرية، وتعزيز الكفاءات وقابلية التشغيل البيني للقوات، بجانب القيام بمشاريع مشتركة للاستثمار بالمغرب في مجال صناعة الدفاع.
يعتبر المغرب “الأسد الأفريقي” تعبيرًا عن مدى تطور العلاقات العسكرية مع أمريكا، في وقتٍ تعقد الرباط صفقات مع واشنطن؛ للتزود براجمات الصواريخ “هيمارس” وصفقات أخرى قبلها، تتيح تجديد الترسانة العسكرية المغربية، كذلك يستفيد المغرب من التنسيق العسكري، في سياق التنافسات الإقليمية؛ حيث يسعى المغرب إلى استثمار هذا التراكُم الناجح في التعاون العسكري؛ لتعظيم نفوذه على المستوى القارِّي ودعم قضاياه، بالنظر إلى أنه يُجري جزءًا من تلك المناورات في إقليم الصحراء، منذ أن اعترفت واشنطن، في 10 ديسمبر 2020، بسيادة المغرب على الإقليم، وهو ما تعتبره المغرب نجاحًا مهمًا.
الجزائر تراقب بحذر:
تعتبر الجزائر أن هذه المناورات العسكرية تهدد أمنها، وبالتالي، ترد الجزائر بإجراء مناورات إما تسبق أو تعقب مناورات “الأسد الأفريقي” على مدار آخر 3 سنوات، بخاصة بعد اتفاقية التحالف العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمغرب؛ حيث تُجري مناورات “الأسد الأفريقي”، للمرة الثالثة على التوالي، بمنطقة “المحبس” على خط التماس عند الحدود مع الجزائر، وهي أقرب نقطة لمخيمات تندوف في الأراضي الجزائرية، معقل جبهة “البوليساريو”؛ لذا كان قد شهد رئيس أركان الجيش الجزائري مناورات بالذخيرة الحية، تحت شعار “عزم 2023″، وكان هذا التدريب قبل “الأسد الأفريقي” بأسبوعين، قرب الحدود مع المغرب، وأشارت وسائل إعلام جزائرية إلى أن وحدات اللواء التاسع المدرع مدعومة بوحدات من القوات البرية والقوات الجوية قامت بتنفيذ التدريب بالذخيرة الحية.
مستهدفات الولايات المتحدة من وراء المناورات:
تنظر الولايات المتحدة نظرةً أشمل لتلك التدريبات فتراها ضرورة لإعادة تأكيد وجودها في إقليم شمال أفريقيا، في ضوء سعي أطراف دولية مناوئة للتواجد هناك، وللتعبير عن أن ذلك جزء من الإستراتيجية الأمريكية تجاه أفريقيا، والتشديد على أن اهتمامها لا يغدو يقتصر فقط على أفريقيا جنوب الصحراء، بل يشمل أيضًا شمال أفريقيا؛ بالنظر لأهميته، خاصةً بعد اشتعال الحرب الأوكرانية.
ومن ناحيةٍ أُخرى، لمواجهة انتشار جماعات متطرفة عنيفة في منطقة الساحل، وتعتبر المغرب نقطةً مناسبةً لانطلاقها لمواجهتهم، فضلًا عن مرتزقة “فاغنر”، كما أنها تعتبر المناورات غير موجهة ضد الجزائر، بجانب ذلك تعتبر المناورات خطوة تؤكد وجود حلفاء وشركاء يعملون للدفاع عن مصالح مشتركة، وفي السياق نفسه، خلال قمة حلف الناتو في مدريد، كان قد أعلن “بايدن” تقوية الحضور العسكري الأمريكي في أوروبا، بما في ذلك “جناحها الجنوبي” في إسبانيا وإيطاليا المقابلتين لسواحل شمال أفريقيا.
التنافس الأمريكي “مع أطراف مناوئة” على شمال أفريقيا:
- إيران:
في أكتوبر الماضي، قال وزير الخارجية المغربي: إن “بلاده تعاني التدخُّل الإيراني”، وفي وقت سابق أيضًا، أشار سفير المغرب لدى الأمم المتحدة إلى الوجود الإيراني في شمال أفريقيا ومخيمات تندوف في الجزائر، التي تؤوي عددًا من أنصار جبهة “بوليساريو”، التي قال: إنها تتلقى تسليحًا من إيران، عن طريق الجزائر أو عبر “حزب الله” اللبناني، وكان قد أعلن المغرب في مايو 2018، قطْع علاقاته مع إيران، إثر اتهام “حزب الله”، بالدخول في علاقة عسكرية مع جبهة “بوليساريو”.
من ناحيةٍ أُخرى، تحاول إيران تثبيت أقدامها أكثر في أفريقيا، بالتركيز على عددٍ من الدول التي لها مواقع إستراتيجية في القارة على غرار إريتريا المُطلِّة على مضيق باب المندب، أو حتى بمد نفوذها عبر المسلك الديني في غرب أفريقيا؛ حيث تواجه نيجيريا تصاعُد نشاط جماعات إسلامية شيعية متشددة.
- الصين:
زاد وجود الصين في المنطقة المغاربية في السنوات الأخيرة؛ ما أثار مخاوف القوى الغربية، وتتركز القدرة التنافسية الصينية في البنية التحتية؛ حيث تبلغ قيمة العقود التي فاز بها المُروِّجُون الصينيون في المغرب العربي 70 مليار دولار بين عامي 2009 و2019.
وتساعد التجارة العالمية في تفسير سبب استثمار الصين في شمال أفريقيا؛ حيث استهدفت مبادرة “الحزام والطريق” الموانئ الرئيسية في دول البحر الأبيض المتوسط الأخرى، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا واليونان وإسرائيل، وبالتالي، كان الاهتمام بشمال أفريقيا ما من شأنه أن يعزز قدرات الشحن الصينية في حوض البحر المتوسط.
وتراقب الولايات المتحدة تنامي العلاقات “الصينية – المغربية” في السنوات الأخيرة؛ حيث تصاعد التبادُل التجاري والسياحي والثقافي، كما تمول الصين مجمعات نور 2 ونور 3 للطاقة الشمسية بالقرب من مراكش، ويشمل التعاون إنشاء مدينة صناعية بتمويل بقيمة 10 مليارات دولار في طنجة، والتي ستمنح بكين مركزًا تكنولوجيًّا بجوار أحد أكثر الموانئ ديناميكية في القارة.
- روسيا:
ترى موسكو أن الوصول إلى البحر المتوسط قد يحوّل روسيا إلى جهة فاعلة أساسية في منطقة النفوذ الأوروبي، وقد يُقلِّلُ أيضًا من قدرة الولايات المتحدة على المناورة، وتبرز الجزائر كالحليف الأقرب لروسيا، لكن أيضًا المغرب تعمل على تنويع شركائها الدوليين، ويظهر ذلك في عقد اتفاقيات عسكرية مع روسيا، واحتضانها منتدى “العالم العربي ـ روسيا 2021″، بجانب وجود “فاغنر” في ليبيا، وهو ما “ينغص” على مصالح الغرب، وبذلك تبحث روسيا عن موطئ قدمٍ في شمال أفريقيا.
عودة غربية من البوابة الإيطالية:
عبَّرت إيطاليا عن انتهاج إستراتيجية جديدة تجاه شمال أفريقيا قوامها – بشكل أساسي- ملفات الطاقة ومكافحة الهجرة غير النظامية ومواجهة تصاعد نفوذ كلٍّ من روسيا والصين، وكانت “ميلوني” كانت قد أشارت لذلك النَّهْج الجديد، من خلال “خطة ماتّي”؛ حيث ترى أن المصلحة الجيوسياسية لأوروبا بأكملها أن تكون أكثر حضورًا في أفريقيا، على أنه ستكون مجموعة إيني رأس حربة الإستراتيجية الإيطالية “التنموية” الجديدة في أفريقيا، فالشراكة في مجال الطاقة من خلال التنقيب عن الغاز والنفط وإنتاجه واستيراده، وأيضًا الشراكة في قطاع الطاقات المتجددة، تمثلان قاطرة الاستثمارات الإيطالية.
على الصعيد الجيوسياسي، لا تمثل الصين تحديًا كبيرًا لإيطاليا في ليبيا، بالنظر إلى أن عدم استقرار الوضع الأمني في الأخيرة، لم يشجع بكين على رمي ثقلها في السوق الليبية، ولأن إيطاليا تحتل مكانةً بارزةً من خلال هيمنة إيني على قطاع المحروقات في ليبيا، لكن التحدي الأكبر لروما يتمثل في روسيا وذراعها الأمني “فاغنر”، التي تمثل تهديدًا لاستثماراتها في قطاع النفط بليبيا، ولا تملك إيطاليا خيارات كثيرة لمواجهة “فاغنر” في ليبيا، لكنها تعمل بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين والأمريكيين؛ لمحاصرة نفوذ “فاغنر” ودفعها للانسحاب من البلاد.
ختامًا:
لا يمكن الاقتصار في الإشارة لتلك المناورات العسكرية على الأهمية الإستراتيجية فقط، فهي تحمل دلالات سياسة مهمة، فيمكن اعتبار تلك المناورات، أنها تمثل برقيةً أمريكيةً لمنافسيها، بأنها لا تزال حاضرة بقوة في شمال أفريقيا، وأن الجهود الأمريكية في هذا الإقليم لا تنفصل عن مساعيها لمواجهة تنامي نفوذ روسيا والصين، بخاصة في أفريقيا، ومن المنطقي، أن تنطلق تلك الرسالة من المغرب؛ فهي البلد الأفريقي الوحيد المرتبط مع الولايات المتحدة باتفاقية تبادُلٍ تجاريٍّ حرٍّ، كما أن المغرب شريكٌ مميز للناتو، وهو ما تعبر عنه الشراكة الإستراتيجية بين الدولتيْن.