استمرار عدوى الانقلابات في غرب أفريقيا.. دلالات ومستقبل المشهد في بوركينافاسو
إعداد : حسناء تمام كمال
في تطوُّرٍ مهمٍ للأوضاع في بوركينافاسو، أقال العسكريون رئيس المجلس العسكري الحاكم، بول هنري سانداوغو داميبا، الذي وصل هو نفسُه إلى السلطة، في يناير من العام الجاري، على أثر انقلاب، وعيَّنوا بدلًا منه «إبراهيم تراوري» على رأس المجموعة الحاكمة، كما أُعلن إغلاق الحدود، بالإضافة إلى تعليق العمل بالدستور.
وفي تطوُّرٍ متصلٍ، صرَّح مسؤولون دينيُّون ومحليُّون، أن رئيس المجلس العسكري الحاكم في بوركينافاسو، اللفتنانت كولونيل بول داميبا، وافق على الاستقالة، وصرَّح هؤلاء في بيانٍ، «إثر ما قامت به الوساطة»، التي تولَّاها مسؤولون دينيُّون ومحليُّون بين المُعَسْكَرَيْن، اقترح الرئيس، بول هنري داميبا، بنفسه، أن يُقدِّم استقالته؛ لتجنُّب مواجهات ذات تداعيات إنسانية ومادية خَطِرَةٍ، وفي هذا الصَّدَدِ، نقترب من المشهد في بوركينافاسو، ونحاول فهْم أبرز «سماته، وأبعاده، ومستقبله».
أولًا: الأبعاد والدَّلالات
الانقلاب الثاني خلال عام
ويُعدُّ هذا الانقلاب الثاني، خلال ثمانية أشهر، في بوركينافاسو، وتاريخيًّا وقعت عدة انقلابات في بوركينافاسو، كان أولها انقلاب «سأنجلي إيميزانا» في بوركينافاسو عام ١٩٦٦، ومنذ ذلك الحين وحتى الانقلاب الحالي، وقع في بوركينافاسو حوالي 10 انقلابات.
بل ويعتبر امتدادًا لموْجة الانقلابات التي شهدتها غرب أفريقيا، فعلى مدار العاميْن الماضييْن، شهدت دولٌ في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل انقلابات، ومحاولات انقلاب، واحدة تِلْوَ الأخرى، في البداية كانت مالي، ثمَّ تشاد، ثمَّ مالي مجددًا، وبعدها «غينيا، وبوركينا فاسو، وغينيا، وبيساو».
وليد تدهوُر أمني
في خطابٍ «تراوري» بعد تنصيب نفسه رئيسًا للمجلس الحاكم، يقول: إن «داميبا» لم يُعْطِ الجانب الأمني الأولوية المطلوبة، ويظل الفشل ُالأمنيُّ المُبرِّرَ الأول لقادة الجيش، الذين أزاحوا «داميبا»، معتبرين أنه لم يُغيِّر شيئًا على صعيد الاستقرار الأمني، فتشهد بوركينافاسو اضطرابات داخلية، وازدادت الأوضاع الأمنية سُوءًا فيها، بعد أن حوَّلت فرنسا قواعدها العسكرية إليها بدلًا من جارتها مالي، وما تبعه من توجيه الحركات الإرهابية المسلحة لعملياتها صوْب مُدُنِها وقُرَاها.
وبالأساس، بدأت هجمات المتطرفين عام 2015، ويَنْشَط هناك كلا تنظيمي «القاعدة، وداعش»، ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2021، فإن بوركينافاسو الدولة الرابعة عالميًّا في التأثُّر بالهجمات الإرهابية، خلال العام الماضي، وعلى سبيل المثال، وقع في أغسطس الماضي، أربع عمليات إرهابية، أسفرت عن عشرات الضحايا، توالت هذه العمليات في سبتمبر.
تفاقُم الانقسام بين عناصر الجيش
من جهةٍ أُخرى، يجْدُرُ الإشارة إلى أنَّ التحرُّك بالسيطرة على السلطة، يكشف عن انقسامٍ عميقٍ داخل الجيش، وفصلٍ جديدٍ مثيرٍ للمخاوف في بوركينافاسو؛ إذ يُعدُّ «داميبا» أحدَ قادة الجيش، ورتَّب معهم في مطلع العام الجاري، الانقلاب على سلفه، والخلاف بين الطرفيْن في هذا المدى القصير، يشير إلى أن انشقاقًا قد جرى داخل صفوف الجيش، وقد يكون مُعرًّضًا للتفاقُم، ويعكس احتمالية حدوث انقلابات أُخرى مستقبلًا.
تزايُد الرَّفْض للوجود الفرنسي في غرب أفريقيا
عقب وقوع الانقلاب، أضرم مُحتجُّون غاضبون النيران في مباني السفارة والقنصلية الفرنسيتيْن، في «واغادوغو»، عاصمة بوركينافاسو، يهتفون ضد فرنسا، التي يتهمونها بأنها تدعم «داميبا»، وتُوفِّر له الحماية، ورُوِّجت أنباءٌ، بأن «داميبا» لجأ إلى القاعدة العسكرية الفرنسية، واحتمى بها.
ومن جهة «داميبا» نفى اللجوء إلى قاعدة «كامب وينسي» العسكرية الفرنسية، معتبرًا ذلك «مجرد تسميم من أجل التلاعُب بالرأي العام»، ومن جهةٍ أُخرى، أدانت «باريس» ما وصفته بـ «أعمال العنف» ضد السفارة الفرنسية لدى بوركينافاسو، داعيةً كل الجهات المعنية؛ لضمان أمنها، وذلك عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد، وقالت الخارجية الفرنسية في بيانٍ: «نُدين بأشدِّ العبارات العُنْف ضد نفوذنا الدبلوماسي في بوركينافاسو.
كل ذلك يدل على أن الوجودَ الفرنسيَّ، وتدخلَّه على خطِّ الأزمات الداخلية في بوركينافاسو، أصبح سُبَّةً يتقاذفُها الفاعلون الداخليّون، وتهمةً يَجِبُ درْؤُها، وهو الأمر نفسه الذي حدث في دولة الجوار مالي؛ إذ تشهد العلاقات بين فرنسا ومالي تدهوُرًا حادًّا، ولا تُرحِّب النخبة الحاكمة في مالي بالوجود الفرنسي إطلاقًا؛ ما دفع إلى إنهاء عمل فرنسا العسكري في مالي؛ ما يعني أن هناك ميْلًا إقليميًّا في غرب أفريقيا؛ لإبعاد الوجود الفرنسي، بل وإقصاء الفاعلين الداخليِّين المرتبطين به؛ الأمر الذي يُعدُّ تحدِّيًا كبيرًا بالنسبة للجانب الفرنسي، وفُرَصًا لمنافسيه.
ثانيًا: إدانةٌ وحَذَرٌ إقليمي وعالمي
حذَّرت كافة الدول رعاياها، وطالبتهم بتوخِّي الحَذَر في التعامُل مع الأحداث الجارية في بوركينافاسو، كما أعرب عددٌ من المنظمات الإقليمية والعالمية عن إدانتها ما جرى.
الولايات المتحدة
أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن بالغ قلقها، إزاء تطوُّرات الأحداث في بوركينافاسو، مشيرةً إلى أنها تُرَاقِبُ عن كَثَبٍ الوضْعَ المُتقلِّبَ، وتدعو جميعَ الجهات الفاعلة إلى ضبْط النفس.
إيكواس
اعتبرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «ايكواس»، أن استيلاء العسكريِّين على السلطة في بوركينا فاسو، جاء في وقتٍ غير مناسبٍ، بعد أن أحرزت البلادُ تقدُّمًا نحو العودة إلى الحكم الدستوري، مُدِينَةً بذلك الانقلاب الثاني، الذي تشهدُه في ثمانية أشهر.
الاتحاد الأفريقي
أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه العميق، إزاء عودة ظهور الأوضاع غير الدستورية للحكم في بوركينافاسو، وعبر القارة الأفريقية، داعيًا الجيش إلى الابتعاد الفوري والكامل، عن أيِّ عملٍ من أعمال العنف، أو التهديد ضد السُّكَّان المدنيِّين، والحريات العامة، وحقوق الإنسان.
الأمم المتحدة
أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الانقلاب الذي نفَّذتْه مجموعةٌ عسكريةٌ في بوركينافاسو، وأدان بشدةٍ أيَّ محاولةٍ للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ودعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن العنف، ونصح بالانخراط في الحوار.
يمكن القول: إن مجمل الأوضاع في بوركينافاسو تشير إلى هشاشة الوضع السياسي داخل البلاد، بما قد ينْتُجُ عنه أزماتٌ متنوعةٌ متلاحقةٌ؛ الأمر الذي سيفرض تدخُّلاتٍ مباشرةً ومتعددةً على المستوى الدُّولي والإقليمي؛ لمحاولة احتواء الوضع؛ تجنُّبًا لانتقال تداعياته لدول الجوار، وتحجيم انتشار عدوى الانقلابات في الإقليم.
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول
ويرجح هذا السيناريو، أن يجري التوصُّل إلى تسويةٍ بين الطرفيْن، وذلك من خلال أن تمتثل الجهة المنقلبة إلى شروط «داميبا»، في أن يتقدم باستقالته، وفي المقابل، توفير ضمانات؛ هدفها سلامته، وسلامة من يدعمه في القوات المسلحة، وهذا السيناريو هو الأقلُّ حِدَّةً وعُنْفًا على الإطلاق من بين كافة السيناريوهات، كما قد يكون محاولةً للالتفاف على الجانب الدستوري، وبالرغم من ذلك، فهذا السيناريو لا يضمن السيطرة الكاملة على الأوضاع، وكذا حالة الـتأزُّم الجديدة التي حلَّت على المشهد.
السيناريو الثاني
ويرجح هذا السيناريو، أن تكون استقالة «داميبا» والضمانات المُقدَّمة من قِبَلِ السلطة الجديدة غير مُرْضِيةٍ للشارع، أو يدخل في اتفاقٍ لا يحظى بتوافق، ومن ثمَّ خلْق حالة واسعة من الاحتجاج على هذه التسوية، وذلك على غرار ما حدث في السودان، وهو ما أسفر عن حالةٍ من الانقسام المستمر حتى اليوم في السودان، فقد ينتقل هذا السيناريو لبوركينافاسو بدرجةٍ ما، وهذا المشهد يخلق أطرافًا جديدةً؛ نتيجة انقسام الأطراف على ذاتها، كما أن استقالة «داميبا»، قد يُولَدُ من رَحِمِهَا تيارات أُخرى، بعضها عنيف، على غرار ما جرى بعْدَ حلِّ المحاكم الإسلامية في الصومال، وهذا السيناريو مطروحٌ بشدّة.
السيناريو الثالث
ويتوقع هذا السيناريو، أن تقوم السلطات المُنْقَلِبة، بفرض كامل سيطرتها على الشارع، وعلى نظام الحكم في بوركينافاسو، ومواجهة أيِّ محاولاتٍ للاحتجاج والتظاهُر من ناحية، بجانب ملاحقة «داميبا» من جهةٍ ثانيةٍ، وهذا السيناريو غيرُ مُسْتَبْعَدٍ، خصوصًا أنه تمَّ التعامُل مع عملية الانقلاب التي جرت في مطلع العام الجاري بالطريقة ذاتها.