المقالات
تزايد تهديدات القرصنة قبالة السواحل الصومالية: بين الدوافع والتداعيات
- مايو 18, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: منة صلاح
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
على الرغم من تراجع أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية في السنوات الأخيرة بعد أن بلغت ذروتها في عام 2011م، إلا أنها عادت بقوة في كل أنحاء القرن الأفريقي؛ إذ عادت هجمات الحوثيين ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندن وخليج عدن؛ مما أدى إلى عودة ظاهرة القرصنة الصومالية من جديد، فتعمل جماعات القرصنة على استغلال الأزمات السياسية والأمنية في منطقة القرن الأفريقي بشكل عام والصومال بشكل خاص؛ لتعزيز نشاطها؛ مما زاد من المخاوف الخاصة بسفن الشحن وقوات الأمن الخاصة التي تكافح تلك الأنشطة، بما يهدد الملاحة البحرية على الصعيد العالمي.
نبذة تاريخية عن القرصنة الصومالية
لم تتزايد أنشطة القراصنة قبالة السواحل الصومالية بشكل مطرد، بل حدثت على ثلاث مراحل، فقد استمرت المرحلة الأولى منذ التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكنها شهدت مستويات منخفضة نسبياً من القرصنة، وتركزت بشكل رئيس في خليج عدن، وبدأت المرحلة الثانية في عام 2005م، وشهدت تكراراً للهجمات التي نفذت قبالة السواحل الصومالية على المحيط الهندي من جانب جماعات قراصنة أكبر حجماً وأكثر تنطيما، أما المرحلة الثالثة بدأت في عام 2007م، عندما زاد القراصنة الصوماليون مرة أخرى من حيث عدد ونطاق هجماتهم، وعلى الرغم من انخفاض عدد الهجمات الناجحة منذ عام 2011م، إلا أن القراصنة الصوماليون ما زالوا قادرين على اختطاف السفن التجارية على بعد مئات الأميال[1].
فقد تراجعت أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية بعد عام 2011م؛ إذ أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سبعة قرارات تستهدف القرصنة الصومالية بين ديسمبر 2010م ومارس 2022م، وهو ما سمح للقوات البحرية والجوية الأجنبية بدخول المياه الصومالية والقيام بدوريات فيها، وأذن بعملية “أتلانتا” التي تقوم بها قوة بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي؛ بهدف مكافحة أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال.
عوامل عودة ظاهرة القرصنة الصومالية
عادة ما ترتبط عوامل نشاط القرصنة بالأوضاع الاقتصادية في الصومال، فضلاً عن مجموعة أخرى من العوامل مثل السياسات الداخلية المتقلبة وتغير المناخ وضعف الاقتصاد وضعف الخدمات العامة والبنية التحتية، وهو ما دفع البعض إلى ممارسة أنشطة غير مشروعة مثل القرصنة، كما تعتبر هجمات الحوثيين في جنوب البحر الأحمر بمثابة دافع لعودة القرصنة الصومالية، فقد أدى انشغال القوات الدولية بهجمات الحوثيين في خليج عدن والبحر الأحمر إلى عودة أنشطة القراصنة الصوماليين الذين تمكنوا من قرصنة سفن بلغارية وسريلانكية، وهو ما قد يعقد من مهمة القوات البحرية المشتركة التي تعمل على تأمين الملاحة.
هذا فضلاً عن مدى الترابط بين القراصنة الصوماليين وحركة الشباب الإرهابية؛ إذ أبرم مقاتلو حركة الشباب في محافظة سناج شمالي الصومال اتفاق حماية القراصنة مقابل 30% من إجمالي عائدات الفدية وسهم من أي غنيمة يغنمونها، وقد يعمل هذا الاتفاق على مد حركة الشباب بالأموال التي تحتاج إليها، لا سيما بعد تضييق الحكومة الصومالية الخناق على مصادر تمويلها غير القانونية وتجمييد حساباتها المصرفية، وقد تتفاوض الحركة مع القراصنة الحوثيين للحصول على الأسلحة[2].
كما تعتبر ولاية بونتلاند المصدر الرئيس لأطقم القراصنة؛ بسبب جغرافيتها ووضعها السياسي، وتعد أقرب مناطق الصومال إلى ممرات الشحن العالمية، وشهدت مؤخراً حالة من عدم الاستقرار الداخلي في أعقاب الاشتباكات العنيفة التي وقعت في عاصمة الولاية “غاروي” في يونيو؛ إذ استبك أنصار الفصائل المسلحة المتنافسة بينما كانت الحكومة الإقليمية تناقش تعديلات دستورية كان من شأنها تغيير نظام التصويت وتمديد ولاية الرئيس “سعيد عبد الله دني”؛ مما أدى إلى مقتل حوالي 35 فرداً وإصابة 30 آخرين، فقد كان النظام الداخلي في بونتلاند بمثابة فرصة لعودة القرصنة[3].
أنشطة القرصنة الصومالية 2024
أعرب المكتب البحري الدولي التابع لغرفة التجارة الدولية “IMB” عن قلقه إزاء استمرار أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية في تقرير الربع الأول لعام 2024م؛ إذ تم تسجيل حوالي 33 حادثة قرصنة وسطوا مسلحاً ضد السفن في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024م، وهو رقم يتزايد مقارنة بـ27 حادثة مسجلة في نفس الفترة من عام 2023م، ومن بين الحوادث الـ33، تم الصعود على متن 24 سفينة، وحاولت 6 منها شن هجمات، وتم اختطاف اثنتين، وتم إطلاق النار على واحدة، كما تم أخذ 35 من أفراد الطاقم كرهائن واختطاف تسعة وتهديد واحد، ونُسبت هذه الحوادث إلى قراصنة صوماليين أظهروا قدرات متزايدة واستهدفوا السفن على مسافات بعيدة من الساحل الصومالي[4].
التداعيات الناجمة عن القرصنة الصومالية
- التأثير على الشحن العالمي:
مثلت القرصنة قبالة السواحل الصومالية تهديداً كبيراً لنشاط الشحن العالمي في أواخر العقد الأول وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وذلك عندما نجح القراصنة في اختطاف أكثر من 100 سفينة تجارية؛ مما أدى إلى ارتفاع تكلفة النقل البحري في المنطقة، فوفقاً لتقرير صادر عام 2011م عن المنظمة الصومالية “Ocean “Beyond Piracy قد اقتربت التكلفة غير المباشرة للقرصنة من 6 مليارات دولار؛ بسبب عدة عوامل، مثل إعادة توجيه السفن وارتفاع أقساط التأمين وتوظيف أفراد أمن خاصين.
وعلى الرغم من أن صناعة الشحن أصبحت أكثر استعداداً لمواجهة هجمات القراصنة، إلا أن استمرار القرصنة قبالة القرن الأفريقي قد يزيد من أقساط التأمين على السفن التجارية التي تعبر غرب المحيط الهندي؛ مما قد يضيف ضغوطاً على صناعة الشحن العالمية التي تواجه بالفعل تكاليف متزايدة جراء تحويل جزء من الشحن العالمي من البحر الأحمر إلى الطريق الأطول بكثير حول الطرف الجنوبي من أفريقيا، هذا فضلاً عن ارتفاع أسعار التأمين على الشحن في البحر الأحمر جراء الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرار القيود على حركة المرور عبر قناة بنما بسبب الجفاف؛ لذا قد تؤدي أعمال القرصنة الصومالية إلى تغذية أسعار شحن الحاويات المرتفعة بالفعل؛ ما يزيد من تكاليف سلاسل التوريد العالمية.
- عسكرة غرب المحيط الهندي بين الهند والصين:
قد تزيد أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية من عسكرة غرب المحيط الهندي بما يزيد التوترات الجيوسياسية بين الهند والصين، فمن المرجح أن تستمر الهند والصين في نشر السفن في غرب المحيط الهندي لتأمين السفن التي ترفع أعلامهما أو المتجهة إليهما، وبالفعل قامت الهند بتعزيز تواجدها البحري في المنطقة منذ ديسمبر 2023م، وتتطلع إلى الاستفادة من التهديد الذي تشكله القرصنة الصومالية للقيام بتأمين قاعدة عسكرية في سيشيل، أما الصين على النقيض من ذلك، فقد تعزز جهودها لمكافحة القرصنة من القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي، ويمكن أيضاً للسفن الصينية أن تتطلع إلى إجراء زيارات إلى الموانئ كجزء من عمليات مكافحة القرصنة، وهو ما قد يزيد من التوترات بينها وبين الهند، وقد تحدث مواجهات محتملة[5].
وعلى الرغم من أن عودة نشاط القرصنة قبالة السواحل الصومالية قد يستمر إلى ما بعد أزمة البحر الأحمر الحالية، إلا أنه من غير المرجح أن يصل التهديد إلى ما وصل إليه في مطلع عام 2010م، وفضلاً عما قد تؤديه القرصنة قبالة السواحل الصومالية من تصاعد المخاوف بشأن عسكرة المحيط الهندي بين الهند والصين، إلا أنه من المرجح أن تقوم تركيا بتوسيع انتشارها البحري قبالة السواحل الصومالية، بعد إبرامها اتفاقية الدفاع الثنائية مع الصومال في 8 فبراير 2024م.
إجراءات مكافحة القرصنة الصومالية
هناك العديد من الإجراءات والتدابير لمكافحة أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية، وهناك اتباع لهذه الإجراءات إلى حد كبير وتتمثل فيما يلي:
- تتبع معظم السفن التجارية التي تبحر عبر خليج عدن والحوض الصومالي والمحيط الهندي إجراءات الحماية الذاتية التي أوصت بها منظمات الصناعة البحرية، وعند انخفاض عدد السفن التي بها حراس مسلحين، فإن معظم السفن التجارية تنضم إلى عمليات العبور الجماعية، وتتبع مراكز الأمن البحري، وتتبع أيضاً ممر العبور الموصى به والمحمي من قبل القوات البحرية الدولية.
- تستمر الجهود الدولية لتعزيز قدرة الصومال والدول الإقليمية الأخرى على تسيير دوريات في مياهها الوطنية؛ إذ لا تزال بعثة بناء القدرات التابعة للاتحاد الأوروبي في الصومال، تدعم قطاع الأمن البحري في الصومال؛ لردع القراصنة ومحاكمتهم، وتشير العمليات الناجحة التي اضطلعت بها قوة الشرطة البحرية في بونتلاند إلى أن هذه الجهود تؤتي ثمارها.
- يحتفظ الاتحاد الأوروبي بمهتمه في الصومال, وكذلك التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية؛ بهدف مكافحة القرصنة خارج المياه الإقليمية للصومال والدول الساحلية الأخرى في المنطقة.
- هناك عدد من الأدوات القانونية التي تتيح محاكمة القراصنة وسجنهم في الصومال، والجدير بالذكر أن نجاح المحاكمة والسجن يشير إلى أن القرصنة لا تزال عملا غير مربح، قبالة الساحل الصومالي، بالنسبة للقراصنة الآخرين.
ويستمر تنفيذ إجراءات مكافحة القرصنة من جانب تحالف واسع من الجهات الحكومية والخاصة، ويشمل دولا من خارج المنطقة ودولا إقليمية وسلطات صومالية، وإذا استمرت تلك الجهات في الحفاظ على تنفيذ هذه الإجرءات فإن القرصنة الصومالية ستظل غير مُربحة[6].
ختامًا:
وفي ظل التحديات الأمنية المستمرة على طول الساحل الصومالي ستواصل جماعات القراصنة جهودها؛ لاستغلال الاضطرابات المستمرة في البحر الأحمر، وسوف تركز على السفن التجارية التي تفتقر إلى التدابير الأمنية الكافية، ولكن على الرغم من تزايد أعمال القرصنة قبالة الساحل الصومالي، إلا أن هناك بعض التحسينات في المشهد الأمني البحري، مقارنة بذروة القرصنة الصومالية في عام 2011م، ودفعت الهجمات الأخيرة البحرية الهندية إلى تعزيز تواجدها بشكل كبير قبالة الساحل الصومالي، وهو ما قد يعمل على الحد من احتمالية نجاح هجمات القراصنة.
المصادر:
[1] Edward R. Lucas, Somalia’s “Pirate Cycle”: The Three Phases of Somali Piracy, Journal of Strategic Security, Volume 6, No. 1: Spring 2013, p.5.
[2] Report: Al-Shabaab Extends Reach With Offer To Protect Somali Pirates, Africa Defense Forum, 2024.
[3] George Hancock, Piracy is Back in the Horn of Africa – What’s Behind its Return?, The Royal United Services Institute for Defence and Security Studies, 1 February 2024.
[4] New report highlights continued threat of Somali piracy, the International Chamber of Commerce, 2024.
https://www.icc-ccs.org/index.php/1348-new-report-highlights-continued-threat-of-somali-piracy
[5] The Implications of Resurging Pirate Attacks off Somalia’s Coast, RANE, Feb 26, 2024.
https://worldview.stratfor.com/article/implications-resurging-pirate-attacks-somalias-coast
[6] Peter Viggo Jakobsen, Somali pirates are back in action: but a full scale return isn’t likely. Here’s why, The Conversation Africa, 2023.