المقالات
حسابات الربح والخسارة: الموقف الهندي من الحرب الإسرائيلية على غزة
- مايو 21, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: رضوى الشريف
باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط
مقدمة
عندما شنَّت حركة حماس هجومها غير المسبوق على إسرائيل، في السابع من أكتوبر2023، سارعت الهند باتّخاذِ موقفٍ داعمٍ للعمليات العسكرية الإسرائيلية؛ حيث أعرب رئيس الوزراء الهندي، “ناريندرا مودي”، بأن بلاده تتضامن مع إسرائيل وتدين حركة حماس، وهو ما يُثير تساؤلاتٍ عديدةً عن دوافع الهند لدعم إسرائيل في الحرب الحالية، خاصَّةً أن الهند كانت من أوائل الدول المؤيدة للقضية الفلسطينية.
وبالعودة للتاريخ، كانت للهند علاقةٌ مختلفةٌ تمامًا مع الإسرائيليين والفلسطينيين خلال نضال الهند من أجل الاستقلال عن البريطانيين، دعمت الحركة الهندية المناهضة للاستعمار القوميين الفلسطينيين، واقترحت الهند خُطَّةً في عام 1947؛ لإنشاء دولة فيدرالية مستقلة في فلسطين (مع ضمانات دستورية للأقلية اليهودية)، وكانت الأسباب مُعقَّدةً، وتنْبُع جزئيًّا من انزعاج النُّخَب القومية في مرحلة ما بعد الاستعمار في الهند بشأن الحكمة وراء إنشاء ما اعتبروه دولةً استيطانيةً، في ظل الانتداب البريطاني السابق على فلسطين، ونتيجة لذلك، عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا في عام 1947، يُوصي بإقامة دولة إسرائيل إلى جانب دولة فلسطينية، كانت الهند المستقلة حديثًا واحدةً من الدول غير العربية القليلة التي صوَّتت ضد هذا الإجراء، وفي عام 1974، أصبحت الهند أوَّلَ دولةٍ غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”، ومرَّةً أُخرى، حقَّقت الهند سابقةً أُخرى، عندما أصبحت أوَّلَ دولةٍ غير عربية تعترف بدولة فلسطين، عندما أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية، في عام 1988.
وحتى عندما اعترفت الهند رسميًّا بإسرائيل، في عام 1950، إلا أن الاتصالات «الهندية – الإسرائيلية» كانت محدودةً؛ نظرًا لخوف رئيس الوزراء “جواهر لال نهرو” من إثارة المعارضة، وخاصَّةً من جانب المسلمين الهنود، ولم تمنح الهند اعترافًا دبلوماسيًّا كاملًا بإسرائيل إلا في عام 1992، ولكن جاءت نقطة التحوُّل في العلاقات بين البلديْن، في عام 1999، عندما دخلت الهند في حرب مع باكستان، بشأن منطقة كشمير المتنازع عليها، وأظهرت إسرائيل استعدادها لتقديم الأسلحة والذخيرة. [1]
أدَّى انتخاب مودي في عام 2014 إلى وضع التقارُب «الهندي – الإسرائيلي» في حالة تأهُّب أعلى، وفي حين حرصت الحكومات السابقة على إبقاء تعاملاتها مع إسرائيل صامتةً إلى حدٍّ كبيرٍ، فإن حكومة مودي كانت علنيةً في تعاملها مع إسرائيل، كان مودي أوَّل رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، في عام 2017، وقد ردَّ عليه بالمثل عندما سافر نتنياهو إلى دلهي، في عام 2018، ومن المؤكد أن التوافق الأيديولوجي بين الزعيميْن اليمينييْن كان أكثر وضوحًا مما كان عليه في الحكومات السابقة.
ملامح الموقف الهندي من الحرب الإسرائيلية على غزة
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، أظهرت نيودلهي موقفها من الحرب عن طريق النَّهْج الآتي:
-
الإعلان لأكثر من مرَّةٍ عن تضامنها مع إسرائيل: جاء المؤشر الأول لردِّ الهند على الحرب بين إسرائيل وحماس، في 7 أكتوبر الماضي، عندما نشر مودي تغريدةً على منصَّة إكس ( تويتر سابقًا) قائلًا: “تضامن الهند مع إسرائيل في هذه الساعة الصعبة”، وبعد ثلاثة أيام، عبَّر مودي عن شكره لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على المحادثة الهاتفية، مضيفًا أن “شعب الهند يقف بحزمٍ إلى جانب إسرائيل في هذه الساعة الصعبة، الهند تدين بشدَّة وبشكلٍ لا لبْس فيه الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره”.
-
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الهندية، كرَّرت في 12 أكتوبر الماضي، موقف الهند الثابت بدعْم حلِّ الدولتيْن لإسرائيل وفلسطين، إلا أنه في 18 أكتوبر، في أعقاب انفجار مستشفى المعمداني مباشرة، تجنَّب مودي بوضوحٍ، إلقاء اللوْم على إسرائيل. [2]
-
امتناع عن التصويت: امتنعت الحكومة الهندية، في 27 أكتوبر الماضي، عن تصويتٍ في الأمم المتحدة على قرارٍ يدعو إلى وقْف إطلاق النار لأسبابٍ إنسانيةٍ في غزة، مُدَّعِيةً أن “القرار لا يتضمن إدانةً صريحةً للهجوم على إسرائيل”.
-
قمْع المظاهرات الداعمة لفلسطين: قامت السلطات الهندية بإسكات الأصوات الداعمة لفلسطين في البلاد، عبْر قمْع التحرُّكات الشعبية والمتظاهرين، في حين أنها سمحت بالتظاهرات الداعمة لإسرائيل في مختلف أنحاء البلاد.[3]
-
تزويد إسرائيل بعشرات الآلاف من عُمَّال البناء والتمريض: في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر الماضي، حظرت إسرائيل عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين؛ الأمر الذي جعل تل أبيب تُعاني من أزمة نقْص العمالة، ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في أواخر شهر يناير الماضي، بأن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إحلال العمالة الهندية محلّ العمالة الفلسطينية، ويتراوح العدد المقرر استقدامه بين 10-20 ألف هندي خلال أشهر، وبالفعل في شهر أبريل الماضي، تمَّ ارسال الدُّفْعة الأُولى من العمالة الهندية إلى إسرائيل، طبقًا لتصريحات، راندير جايسوال، المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية.[4]
-
بيْع مُسيَّرات هندية الصُّنْع من طراز “هيرميس 900” إلى إسرائيل: ذكرت مجلة شيبارد التجارية للصناعة الدفاعية لأول مرَّةٍ، في أوائل فبراير، أنها استوردت 20 طائرةً دون طيار من طراز هيرميس 900 هندية الصُّنْع من مشروعٍ مشتركٍ مقرُّه حيدر أباد بين شركة Adani Enterprises الهندية وشركة التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية Elbit Systems، وتعتبر طائرة هيرميس دون طيار من أخطر الطائرات دون طيار المستخدمة في الحرب على غزة؛ حيث إن التعاون بينAdani وElbit Systems جعل الهند واحدةً من الشركات الرائدة في تصنيع الطائرات دون طيار في العالم.
على الرغم من هذا الدعم الواضح للحكومة الهندية لإسرائيل، فإن نيودلهي قد أرسلت مساعداتٍ إنسانيةً إلى قطاع غزة، كما أجرى مودي اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن محمود عباس، يوم 19 أكتوبر الماضي؛ لتقديم تعازيه في الضحايا المدنيين الذين استُشْهِدُوا بعد الهجوم على المستشفى الأهلي المعمداني في القطاع، مُشدِّدًا في تغريدةٍ له على منصَّة “إكس” على دعم بلاده “المبدئي والدائم” بشأن القضية «الفلسطينية – الإسرائيلية».
ماهي الدوافع وراء الدعم الهندي لإسرائيل؟
ترجع الأسباب التي دفعت الهند لاتخاذ موقفٍ مؤيدٍ وداعمٍ للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، إلى الأسباب التالية:
-
الهوية القومية لحزب بهاراتيا جاناتا:
على الرغم من إقامة الهند علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، منذ العام 1992، إلَّا أن هذا التقارُب الهندي الإسرائيلي بدأ يأخذ منحىً تصاعُديًا مع وصول حزب بهاراتيا جانتا القومي المتطرف للحكم، عام 1998، فقد أدَّى وصول هذا الحزب إلى صعود عقيدة “الهندوتفا” الهندوسية المتطرفة، والتي ساهمت في انتشار المشاعر المؤيدة لإسرائيل بين مؤيدي اليمين الهندوسي.[5]
وينظر أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا، إلى الصراع بين إسرائيل وحركة حماس من منظور الهوية القومية الهندوسية، يروْن في إسرائيل انعكاسًا للهند التي تُعدُّ دولةً ذات أغلبية عِرْقية قومية تواجه تهديدًا وجوديًّا من الإرهاب؛ ففي سياق ذلك، أشار وزير من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إلى أن الهند “قد تواجه الوضع نفسه الذي تواجهه إسرائيل اليوم إذا لم تقف ضد التطرُّف ذي الدوافع السياسية”.
ويعقد الحزب الحاكم مقارنات بين هجوم حماس على إسرائيل والوضع في الهند قبْل وصول مودي إلى السلطة، في عام 2014؛ حيث نشر تغريدة تقول: “ما تواجهه إسرائيل اليوم، عانت منه الهند بين عامي 2004 و2014″، كما وصلت الأمور إلى حدِّ أن بعض القوميين الهندوس اليمينيين تجمَّعُوا خارج السفارة الإسرائيلية في نيودلهي، مطالبين بالانضمام إلى القوات الإسرائيلية؛ لمحاربة “العدو المشترك” لكُلٍّ من إسرائيل والهند.
هذه السردية عزَّزت التعاون الهندي مع الخبراء الأمنيين الإسرائيليين، إضافةً إلى شراء مُعدّات وبرامج متخصصة من إسرائيل لمكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن، ويهدف كل ذلك إلى دعْم قدرات الحكومة الهندية في التعامُل مع المعارضة السياسية والأقليات.
-
الارتقاء بمستوى العلاقات مع إسرائيل:
شهدت العلاقات «الهندية – الإسرائيلية» تحسُّنًا كبيرًا تحت قيادة ناريندرا مودي، الذي أصبح أوَّل رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، في عام 2017، مُنْذُ بدْء العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، بجانب ذلك، يُعدُّ التعاون بين الطرفين في المجال العسكري – بشكلٍ عامٍ – هو أحد أهم أشكال التعاون بينهما؛ حيث تعتبر الهند أكبر مستوردٍ للسلاح في العالم، وتأتي إسرائيل كرابع أكبر مُورِّدٍ لها بعد روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وفقًا لبيانات معهد سيبري حول صادرات الأسلحة إلى الهند، من عام 2012 إلى عام 2022 ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، استوردت الهند قُرَابةَ 50% من إجمالي صادرات إسرائيل من السلاح في الأعوام الخمس الأخيرة.[6]
وتستورد الهند من إسرائيل طائرات بدون طيار وأنظمة مراقبة ورادارات ونُظم اتصالات، إضافةً الى التعاون بينهما في المشروع الأبرز، وهو نظام الدفاع الجوي “براق 8″، كما وقَّعت الشركات الإسرائيلية اتفاقيات تفاهُم مع شركات هندية حكومية، تهدف إلى بناء مشروعٍ مشتركٍ لصناعة الطائرات بدون طيار ومشاريع متعلقة بنُظُم الاتصالات والحروب الإلكترونية.
ولا يقتصر التعاون بين البلديْن على الجانب العسكري، بل تعدَّاه إلى معظم المجالات الاقتصادية والعلمية كالطب والزراعة والري والمواصلات والطاقة البديلة وتكنو لوجيا المعلومات، فقد أصبحت الهند ثالث أكبر شريك اقتصادي لإسرائيل في آسيا، وقد تمَّ في السنوات الأخيرة، توقيع عشرات الاتفاقيات التجارية وغيرها بين شركات إسرائيلية والشركات الهندية، وبشكلٍ شِبْه يومي، تنشر غرفة التجارة الإسرائيلية الواقعة في تل أبيب عقودًا وصفقات مع شركات هندية، بل وتحُثُّ رجال الأعمال الإسرائيليين على التعاون التجاري مع الهند، ويحظى قطاع الماس والأحجار الكريمة بحصَّة الأسد من التبادل بين الطرفين؛[7] لذا يمكن القول: بأن رئيس الوزراء الهندي ساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلديْن؛ حيث وصل حجم التجارة بينهما إلى 10.1 مليارات دولار في السنة المالية، 2022-2023، وفقًا لبيانات السفارة الهندية في إسرائيل.
-
تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة:
تسعى الهند إلى تقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة، وذلك في إطار الجهود الأمريكية لاحتواء الصعود الصيني وتأسيس الحوار الأمني الرباعي، هذا النَّهْج عزَّز من مكانة الهند في النظام الأمني الذي تسعى واشنطن لتشكيله في منطقة الإندوباسيفيك، وفي الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني على الصعيد العالمي وفي منطقة الشرق الأوسط.
ويبدو أن الموقف الهندي الذ اتَّسم بالتذبْذُب تجاه الحرب «الروسية –الأوكرانية»، جعل نيودلهي تدين حركة حماس بشكلٍ واضحٍ وسريعٍ في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر؛ وذلك من أجل إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة بشأن استعدادها لدعم حليف استراتيجي لواشنطن في المنطقة، هذه الخطوة قد تساهم في تقليص التوتُّر الذي شاب العلاقات «الهندية – الأمريكية»؛ نتيجة تبنِّي حكومة مودي لبعض السياسات التي لا تتوافق مع رُؤَى الإدارة الأمريكية، مثل الموقف من الحرب «الروسية – الأوكرانية».
العواقب المحتملة للدعم الهندي لإسرائيل
تؤدي إطالة أَمَدِ الحرب الإسرائيلية على غزة إلى خلْق تحديات كبيرة أمام الهند، أهمها التأثير سلبًا على آفاق الممر الاقتصادي بين الهند والخليج العربي وأوروبا، الذي تمَّ الإعلان عنه خلال قمة مجموعة العشرين كبِنْيةٍ تحتيةٍ تجاريةٍ متعددة الأطراف بقيادة الهند، يربط هذا الممرّ المقترح الهند بالإمارات العربية المتحدة عبْر رابط بحري، ثمَّ بخط سكك حديدية يمر عبْر السعودية، الأردن، وإسرائيل، ويتصل بأوروبا من خلال ميناء حيفا، ولكن عطَّلت عملية «طوفان الأقصى» هذا المشروع؛ حيث لا يُوجد أُفُق واضحٌ لتنفيذ هذه الخطة التي تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على السلام في المنطقة.
وعلى صعيدٍ آخر، تُشكِّلُ الحرب على غزة وتطوّر نطاقها واستمرار عسكرة البحر الأحمر تهديدًا خطيرًا على تجارة الطاقة؛ حيث ارتفعت أسعار النفط، التي كانت عند 88 دولارًا للبرميل قبْل عملية «طوفان الأقصى»، لتتجاوز 100 دولار للبرميل[8]، وباعتبار الهند ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، فإنها ستتأثر بشكلٍ كبيرٍ بالتضخُّم وتباطُؤ النمو الاقتصادي.
أمَّا داخليًّا؛ فهناك مخاوف من احتمال تفاقُم الغضب بين السكان المسلمين المحليين، خاصَّةً بعدما اتهمت المعارضة الهندية، 15 مايو الجاري، رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بالإدلاء بتصريحاتٍ تُشهِّرُ بالمسلمين، وتُؤجِّجُ توتُّرات طائفية في خضمّ العملية الانتخابية الجارية في الهند.
ويجدر بالذكر ، بأن المعارضة بقيادة حزب المؤتمر بجانب زعماء مسلمي الهند، البالغ عددهم 200 مليون، قاموا بإدانة العملية العسكرية الإسرائيلية، ومع ذلك، لا تزال الطبقة الوسطى، التي تدعم مودي في الغالب، تشعر بالقلق في شأن “الإرهاب الإسلامي”؛ حيث ينظرون إلى هجوم “حماس”، باعتباره تذكيرًا بالمأساة التي وقعت في مومباي، عام 2008.[9]
بالإضافة إلى التحديات السابقة، فمن المحتمل بأن تتأثر علاقات نيودلهي مع الدول الإسلامية، خاصَّةً دول الخليج العربي؛ حيث يعمل نحو 8.5 مليون هندي؛ ما يُشكِّلُ 65% من جميع الهنود العاملين في الخارج؛ لذا فإن دعم نيودلهي غير المشروط لإسرائيل، خاصَّةً في ظل السياسات التدميرية التي تمارسها تل أبيب ضد الشعب الفلسطيني في غزة، قد يؤدي إلى توتُّر هذه العلاقات.
الخاتمة
تاريخيًّا: كانت الهندُ ملتزمةً تمامًا تجاه القضية الفلسطينية، حالها كحال باقي القضايا العربية الأخرى التي تعاطفت معها الهند نتيجة للمشاعر المشتركة المناهضة للاستعمار، كما كانت القيادة السياسية في نيودلهي حسَّاسةً تجاه أكبر أقليّة دينية في الهند وهم المسلمون، ومع ذلك، منذ وصول ناريندرا مودي إلى السلطة، في عام 2014، تراجع الدعم الهندي للقضية الفلسطينية بشكلٍ كبيرٍ، بل وباتت الهند واحدةً من أقرب حلفاء إسرائيل في السنوات الأخيرة.
ويرجع هذا التحوُّل في دعْم الهند لإسرائيل بشكلٍ كبيرٍ إلى السياسة الواقعية التي تتبناها الحكومة الهندية الحالية، بالإضافة إلى التوافُق بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ حيث ترى نيودلهي أن علاقاتها المتشابكة مع تل أبيب تُعزِّزُ من نفوذها وحضورها في منطقة الشرق الأوسط، خاصَّةً أنها لا تُبْدِي أيَّ تعاطف مع حركة حماس أو مؤيديها.
كما تهدف حكومة مودي من تطوير علاقاتها مع تل أبيب من أجل التقرُّب من الولايات المتحدة؛ حتى تتمكن من الاستفادة من دور اللوبي الصهيوني في أمريكا؛ لتعزيز أُسُس علاقاتها مع واشنطن، وبما أن الهند تنافس الصين في المجال الاقتصادي، فهي بحاجةٍ إلى دعْم الولايات المتحدة ؛حتى تتمكن من كبْح جماح هذا العملاق الناشئ بالقرب من حدودها، وزيادة ثقلها الاقتصادي والعسكري ضد بكين، ولا تستطيع الهند أن تتحمل رُؤْية تدهور علاقاتها مع الدول العربية؛ لأن هذا قد يساعد الصين على التقدُّم في منافستها مع الهند على النُّفُوذ في الشرق الأوسط.
وبالرغم من ذلك، فإن الحرب على غزة تأتى في لحظةٍ غير مناسبة بالنسبة للهند؛ حيث كانت البلاد قد بدأت بالسيطرة على التضخُّم والتباطُؤ الاقتصادي للخروج من ظلال جائحة (كوفيد – 19)، وما يُعقِّدُ الأمر، استمرار عمليات الحوثي العسكرية في البحر الأحمر ضد السفن الداعمة لإسرائيل، والتي تُؤثِّرُ على الهند أكثر من غيرها، وتواجه السفن التجارية لهذا البلد أزمةً خطيرةً؛ من أجل الوصول إلى إسرائيل، وعليها اختيار طريق آخر غير مضيق باب المندب؛ لتجنُّب التوتُّرات؛ ما يُكبِّدُها خسائر فادحة؛ بسبب المسافة الطويلة التي ستقطعها السفن الهندية.
كما أن استمرار الحرب وتوسُّع نطاقها يضر بطموحات الهند الاقتصادية، خاصَّةً مشروع (الممر الهندي الأوروبي)، الذي من المفترض أن يربط المحيط الهندي بالخليج العربي، ومن هناك إلى موانئ اليونان ودول أوروبية أخرى، واستثمرت الهند بشكلٍ كبيرٍ في هذا المشروع، سواء من الناحية المالية أو من محاولة التقارُب الأخير مع منطقة الخليج العربي.
لذا فيتوجب على الهند، إذا أرادت أن يُعترف بها كقوةٍ صاعدةٍ عالميًّا، ولا سيما بين بلدان الجنوب العالمي، أن تحافظ على علاقات جيِّدة مع العالم العربي، وأن تساهم في الضغط على إسرائيل للالتزام بقواعد الحرب؛ من أجل رسْم صورةٍ إيجابيةٍ عن سياسات نيودلهي؛ فالحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب أهدرت التوازنات بين السياسة والاقتصاد؛ ما أحدث ضررًا كبيرًا في النموذج الإسرائيلي الذي يسعى المسؤولون الهنود إلى اتّباعه لتطوير أمتهم تكنولوجيًّا واقتصاديًّا وزراعيًّا، الهند الآن على مُفترق طُرُق، وإذا طال الصراع، فإن أيَّ موقفٍ غير متوازنٍ سيضر بمصالحها على المدى القريب في منطقة الشرق الأوسط.
المصادر:
[1] أمين شعبان عبد النبي، إسرائيل والهند: توسيع نطاق “الأمن القومي الإسرائيلي”، مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد،20 العدد 79 (صيف 2009).
[2] How India Became Pro-Israel, Time Magazine, 17 November 2023, available at: https://time.com/6336217/india-modi-pro-israel/
[3] دعم لا مشروط وقمع مظاهرات.. كيف أصبحت الهند مؤيدة قوية لإسرائيل؟، العربي الجديد، 5 نوفمبر 2023، متاح على الرابط: https://shorturl.at/aOTRb
[4] لتعويض نقص العمالة.. عشرات الهنود في طريقهم إلى إسرائيل رغم الحرب، euro news، 4 إبريل 2024، متاح على الرابط: https://arabic.euronews.com/2024/04/04/indian-workers-leave-foor-israel-constructions-jobs-conflict-hamas-gaza-war
[5] مصطفى شلش، حدود التأثير السياسي للقومية الدينية بين الهند وإسرائيل، مركز الدارسات العربية الأوراسية، 15 يناير 2022، متاح على الرابط: https://eurasiaar.org/political-influence-religious-nationalism-india-israel/
[6] الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى الهند “لم تتأثر” رغم الحرب في غزة، AL-Monitor، 24 فبراير 2024، متاح على الرابط: https://www.al-monitor.com/ar/originals/2024/02/alsadrat-alskryt-alasrayylyt-aly-alhnd-lm-ttathr-rghm-alhrb-fy-ghzt
[7] Bilateral Economic Relations, Embassy of India Tel Aviv, December 2023, available at: https://www.indembassyisrael.gov.in/pages?id=nel5a&subid=7ax9b
[8] تصاعد الصراع في غزة سيرفع النفط إلى 100 دولار للبرميل، الجزيرة نت،11 أكتوبر 2023، متاح على الرابط: https://shorturl.at/siire
[9] 200 مليون مسلم في الهند، “أقلية غير مرئية” في عهد بهاراتيا جاناتا، بي بي سي نيوز، 29 إبريل 2024، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/c3glpd135y0o