المقالات
قراءة نقدية لدراسة بعنوان: «Türkiye’s Cards In the World: Raising the Stakes»
- مايو 28, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية وحدة الشرق الأوسط
اعداد/ هنا داود
باحثة في الشؤون التركية
مقدمة
تعد تركيا فاعل دولي هام ونشط في كثير من مناطق العالم وكانت تركيا تمثل تحدي أمام سياسات الاتحاد الأوروبي لفترات طويلة وحتى الأن وذلك كونها تتدخل في كثير من الصراعات الدولية ولذلك ظلت عملية اندماج تركيا مع الاتحاد الأوروبي تواجه صعوبات عدة، في الفترة الأخيرة شهدت العلاقات بين تركيا والاتحلد الأوروبي بعض التوترات ولكن في الوقت ذاته تزايد الإدراك والوعي حول أهمية التعاون وإيجاد صيغة للتعاون ولذلك اتخذت تركيا خطوات إيجابية تجاه الاتحاد الأوروبي كان آخرها الموافقة على انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) كما قدمت المفوضية الأوروبية ورئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروربي توصيات لتعزيز التعاون مع تركيا في المجالات المشتركة[1].
في هذا الإطار يمكن تقديم قراءة نقدية لدراسة بعنوان Türkiye’s Cards In the World: Raising the Stakes[2] والتي تم إعدادها بواسطة معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) وهو وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي تقوم بتحليل قضايا السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية، وتتمثل مهمته الأساسية في توفير التحليل وتنظيم منتديات المناقشة للمساعدة في صياغة سياسة الاتحاد الأوروبي، وفي اضطلاعها بتلك المهمة، يعمل أيضا كحلقة وصل بين الخبراء الأوروبيين وصناع القرار على جميع المستويات، وتعزز قدراته التحليلية للاتحاد الأوروبي وتساعد في صياغة نهج مشتركة، وهي تجمع بين مسؤولي الاتحاد الأوروبي والخبراء الوطنيين والأكاديميين وصناع القرار ووسائل الإعلام وممثلي المجتمع المدني من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وبقية العالم، وهذا الدراسة تم نشرها في مايو الجاري تناقش التواجد التركي في أربعة من مناطق العالم هما ( غرب البلقان، جنوب القوقاز، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، جنوب أفريقيا) وتحاول الدراسة تقديم توصيات تساهم في خلق نهج مشترك للتعاون في هذه المناطق[3].
يقدم الملخص التنفيذي لمحة عامة عن كل فصل من الفصول الخمسة التي تتناول كل منطقة على حدة، على سبيل المثال، يحلل الفصل الأول الدوافع وراء السياسة الخارجية التركية في البلقان الغربية، والتي يرى المؤلف أنها قائمة على البراغماتية الاستراتيجية التي تخدم المصالح الوطنية بدلاً من اعتبارات الهوية، ويناقش الفصل الثاني مساعي تركيا لاستغلال ضعف نفوذ روسيا في القوقاز الجنوبية، مع الأخذ بعين الاعتبار قيود المصالح الروسية والأذربيجانية.
أما الفصل الثالث فيركز على تحول تركيا الاستراتيجي نحو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج، كما يسلط الضوء على الجهود المبذولة لسد الخلاف في العلاقات مع دول الخليج، ويشير الفصل الرابع إلى التوسع التركي المتزايد في دول جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا، لا سيما في منطقة القرن وغرب إفريقيا، وأخيرًا، يقدم الفصل الختامي توصيات سياسية للاتحاد الأوروبي للتعامل مع الديناميكيات المتغيرة في العلاقات التركية مع كل منطقة.
ولتحليل هذه الدراسة سيتم التطرق لأهم أفكار فصول الدراسة على حدة مع التطرق لأهم النتائج التي وصل إليها كل فصل
الفصل الأول: بعنوان “تركيا في غرب البلقان”
كتب الفصل “بوجانا زوريتش” وهي باحثة متخصصة لفترة طويلة في العمل على منطقة غرب البلقان وفي مجالات مرتبطة بها، حيث تتمحور مسيرتها المهنية حول الالتزام باستكشاف القضايا الجيوسياسية المهمة، مع التركيز على مؤسسات الاتحاد الأوروبي والسياسة الخارجية الروسية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي، و تركز على عمليات التأثير وتدخل الجهات الفاعلة الخارجية في غرب البلقان[4].
يناقش الفصل الأول الوجود التركي في منطقة غرب البلقان، ويرفض بالأساس فكرة “عودة تركيا للبلقان” بل يؤكد أن تركيا دائمًا ما كانت لاعب حاضر في المنطقة ولم تغب عنها حيث تربطها روابط ثقافية وتاريخية، ويشكل هذا الارتباط التاريخي والثقافي أساس نفوذ تركيا، وبعد حروب البلقان في التسعينيات، عززت تركيا بنشاط علاقاتها مع هذه الدول، واليوم، تظل تركيا شريكًا أساسيًا بسبب موقعها الجغرافي، وحجم سكانها، وأهميتها الاستراتيجية من خلال الناتو وتدعم تركيا تطلعات الاندماج الأوروبي الأطلسي (الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو) لدول غرب البلقان، ويؤكد أنه حتى مع التحولات الأخيرة في السياسة الخارجية التركية، حافظت البلاد على نهج متسق بشأن القضايا الإقليمية، حيث تعمل كقوة موازنة تسعى إلى إيجاد قاسم مشترك مع جميع دول البلقان.
العلاقات الاقتصادية كركيزة للدور التركي في المنطقة
تشير الدراسة إلى أن العلاقات الاقتصادية تشكل ركيزة أساسية لانخراط تركيا الدبلوماسي في المنطقة حيث عززت تركيا حضورًا اقتصاديًا قويًا، وتجاوزت التجارة لتشمل قطاعات حيوية مثل البنية التحتية والمصارف والتصنيع وتجادل الدراسة إلى أنه على الرغم من زيادة التواجد التركي والاستثمارت التركية إلا أن الاتحاد الأوروبي مازال يلعب دورًا أكبر في المنطقة وتزداد نسب التبادل التجاري له مع دول غرب البلقان بشكل كبير عن نسب التبادل التجاري التركي مع الدول نفسها، وتركز تركيا بشكل أساسي حسب ما تشير إليه الدراسة على الاستثمار في البنية التحتية في البلدان ذات الشبكات غير المتطورة، ولا تشكل غرب البلقان استثناء ًحيث تلعب الشركات التركية دورًا مهمًا في تحسين الاتصال الإقليميـي في المنطقة، وإلى جانب الاستثمار في البنية التحتية تلعب دول كبير في تقديم المساعدات الإنمائية لدول المنطقة.
كذلك توضح الدراسة على تزايد النفوذ التركي مجال الطيران حيث تعمل شركات الطيران الوطنية كأدوات للقوة الناعمة والدبلوماسية العامة، بغرض تعزيز الارتباطات الدولية الإيجابية بالبلد حيث تتمتع اسطنبول بموقع جغرافي جيد للاستفادة من الأسواق الواقعة شرقًا وغربًا، بما في ذلك البلقان، و تتصدر الخطوط الجوية التركية المشهد من خلال توفير شبكة واسعة من الرحلات الجوية المباشرة إلى جميع عواصم غرب البلقان.
العلاقات الثنائية بين تركيا ودول غرب البلقان – التحول البراغماتي
على الرغم من تاريخ الدعم الذي قدمته تركيا للمنطقة تشير الدراسة إلى أن العلاقة بين تركيا ودول غرب البلقان تشهد تعقيدًا في الفترة الأخيرة رغم أنها دائمًا ما كانت تحافظ على علاقات ثنائية قوية مع كل دولة في غرب البلقان، مع تلبية احتياجاتها والتماشي مع ظروفها، وكانت تركيا من أكبر الداعمين للدول الجديدة وداعمة لانضمامها للاتحاد الأوروبي، وأن انضمام تركيا للناتو ساعدها في الترويج لمبادرات إقليمية تساعد على نشر الاستقرار في المنطقة، ولكن كما توضح الدراسة في السنوات الأخيرة بدأت تركيا تتبع نهجًا أكثر براغماتية نتيجة لسياسات أردوغان السلطوية.
ولكن مع ذلك، تسعى تركيا إلى تعزيز دورها كلاعب أمني رئيسي في غرب البلقان من خلال زيادة مشاركتها في عمليات حفظ السلام وتعزيز التعاون العسكري مع دول المنطقة، وعلى الرغم من العقبات، لا يزال يُنظر إلى تركيا كشريك أمني مهم من قبل دول أخرى في غرب البلقان، وترى تركيا أن صادراتها من الطائرات بدون طيار المتطورة تمنحها نفوذا دبلوماسيا أكبر.
أدوات القوة الناعمة التركية في البلقان: المنح الدراسية والإعلام والمسلسلات
تؤكد الدراسة على سعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في غرب البلقان ليس فقط من خلال العلاقات الاقتصادية والسياسية ولكن أيضًا من خلال أدوات القوة الناعمة حيث تعد المنح الدراسية التي تقدمها تركيا للطلاب البلقانيين أداة فعالة لبناءعلاقات طويلة الأمد وتعزيز التفاهم الثقافي، تحتل منطقة البلقان المرتبة الرابعة من حيث عدد المستفيدين من المنح التركية، كما حققت المسلسلات التركية شعبية كبيرة في البلقان، حيث حلّت محل المسلسلات اللاتينية الأمريكية التي كانت رائجة في السابق و تعالج هذه الأعمال الدرامية مواضيع تتعلق بالعائلة والقيم الاجتماعية، مما يجعلها تحظى بشعبية لدى الجماهير البلقانية بسبب التشابه الثقافي واللغوي ونجحت تركيا في تصدير مسلسلاتها التلفزيونية إلى العديد من الدول غير الناطقة باللغة الإنجليزية، حيث تحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
الدين كأداة للتقارب والاختلاف
تتناول الدراسة أيضًا دور الدين كأداة للتقارب والاختلاف في العلاقات التركية مع دول غرب البلقان، تلعب القواسم المشتركة الدينية والثقافية دورًا مهمًا في تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول ذات الأغلبية المسلمة في المنطقة ومع ذلك، فإن استخدام الدين كأداة للسياسة الخارجية له وجهان على سبيل المثال، أدى دعم تركيا لاستقلال كوسوفو إلى توتير العلاقات مع صربيا.
كما جاء في هذا الفصل من الدراسة فإنه في اعتقادي أن تركيا لم تنقطع بالفعل عن منطقة غرب البلقان بل ظل التراث التركي والرومز التركية المختلفة التاريخية والدينية هامة للمنطقة ومؤثرة على ثقافتها وبالتالي هي لم تغيب عن المنطقة ثم عادت لها بل ظل تأثيرها متواجد، وفي اعتثادي أن التواجد التركي في منطقة غرب البلقان الهدف الأساسي لها هو تعزيز وضع تركيا كمنافس على الصعيد الدولي ولاعب إقليمي قوى وليس المحرك الأساسي العلاقات الاقتصادية على الرغم من أهميتها، إلا أن تركيا تسعى من خلال استثمارتها في مجالات البنية التحتية على سبيل المثال إلى فرض تواجدها من خلال أساليب القوة الناعمة
الفصل الثاني: بعنوان”تركيا في جنوب القوقاز”
كاتب الفصل هو أوندريج ديتريش خبير أمن بارز في أوروبا الشرقية وروسيا والقوقاز، ومحلل أمن ذو خبرة واسعة تركز على أوروبا الشرقية وروسيا والقوقاز تمتد خبرته لأكثر من عقدين، حيث شغل مناصب بحثية في مؤسسات مرموقة مثل المعهد الأوروبي لدراسات الأمن EUISS وحلف الناتو و يشغل حاليًا منصب كبار المحللين لروسيا والجوار الشرقي في EUISS في باريس[5].
يشير الفصل إلى العلاقة الوثيقة مع أذربيجان، المُتجذرة في اللغة المشتركة والقرابة العرقية، باعتبارها حجر الأساس لسياسة تركيا تجاه جنوب القوقاز وتهدف تركيا إلى تعزيز هذه الرابطة من خلال مفهوم “أمة واحدة، دولتين” ولذلك تدعم أذربيجان في صراعها مع أرمينيا، في حين تشير الدراسة أن علاقات تركيا مع أذربيجان تتسع لتشمل طموحات جيوسياسية أوسع في جنوب القوقاز وتسعى تركيا إلى ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية رئيسية من خلال تعزيز العلاقات مع جميع دول المنطقة، بما في ذلك جورجيا، ومواجهة النفوذ الإيراني.
حلم الممر الأوسط: طموحات تركيا الجيوسياسية في جنوب القوقاز.
كما توضح الدراسة أنه على الرغم من أن المؤشرات الاقتصادية التقليدية مثل حجم التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر قد تشير إلى حضور تركي متواضع في منطقة جنوب القوقاز مقارنة بقوى مثل روسيا أو الصين، إلا أن الدراسة تؤكد على أن رؤية تركيا الاستراتيجية وطموحاتها الإقليمية تتجلى بشكل أوضح في مشروع الممر الأوسط.
العلاقات السياسية والعسكرية: إدارة التعقيد
تشير الدراسة أن تركيا في سعيها لتنفيذ سياسة إقليمية أكثر طموحًا، كان على تركيا ليس فقط إدارة علاقتها المتعددة الأبعاد مع روسيا، ولكن أيضًا التحرك بحذر ضمن مشهد جيوسياسي معقد يضم مجموعة متنوعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين، وبالرغم من أن أنقرة قد نجحت إلى حد كبير في المناورة دون الوقوع في صراعات كبيرة، إلا أن هذا التعقيد الجيوسياسي فرض قيودًا على خياراتها السياسية، إلى جانب الحاجة إلى تجنب مواجهة مباشرة مع موسكو، وهذا جعل من الضروري عليها الحفاظ على واتزان في تحركاتها الإقليمية.
على جانب أخر تشير الدراسة إلى علاقاتها المعقدة مع أرمينيا وينبع ذلك من دعم تركيا لأذربيجان وكذلك سرديات القومية الحديثة المتضاربة وإرث الإبادة الأرمنية، ومع ذلك، لم تكن العلاقة دائمًا متوترة إلى هذا الحد حيث اعترفت تركيا في البداية باستقلال أرمينيا ولم ترفض إقامة علاقات دبلوماسية معها ألا عندما رفضت أرمينيا منح اعتراف رسمي بحدود الدولة القائمة، وتظل علاقة تركيا بأرمينيا رهينة لشراكتها الوثيقة مع أذربيجان، تعود الشراكة بين تركيا وأذربيجان إلى ثلاثة عقود لكنها توطدت في السنوات الأخيرة، كما لعب التدريب العسكري الذي قدمته تركيا دورًا مهمًا أيضًا في معالجة الفجوة في القدرات بين أذربيجان وأرمينيا الموروثة من الحقبة السوفيتية، وكانت المناورات العسكرية المشتركة، بما في ذلك تلك التي أجريت في مناطق قريبة من منطقة الصراع، إشارة واضحة على دعم تركيا لأذربيجان.
القوة الناعمة لتركيا في المنطقة: بناء الصورة
كانت تركيا منذ التسعينيات نشطة في مجال البرامج الثقافية والتنموية والتعليمية في المنطقة، في محاولة لممارسة القوة الناعمة ولكن، واجهت هذه الجهود عقبات داخلية وإقليمية متنوعة وبالتالي استخدام القوة الناعمة كوسيلة لتعزيز سعي أنقرة لتحقيق طموحاتها الإقليمية، لم يكن كافياً لإزالة القيود الاقتصادية والسياسية على مكانتها الإقليمية أو إيجاد مجالات نفوذ جديدة كبيرة، بل إن هذه الجهود تعكس سعي تركيا لإيجاد توازن بين أدوات القوة الصلبة والناعمة في سياساتها الخارجية الإقليمية.
مساعي لاستقرار المنطقة
يسعى الاتحاد الأوروبي لإعادة الانخراط مع تركيا بهدف تخفيف التوترات في جنوب القوقاز وتعزيز التعاون المشترك، حيث تشير الدراسة إلى أن جنوب القوقاز منطقة ذات فرص كبيرة لتحقيق مصالح مشتركة، وأن نجاح مساعي الاتحاد الأوروبي سيخلق ظروفًا مواتية للأمن والازدهار الإقليميين.
يتطلب تحقيق هذا السيناريو الإيجابي إزالة الحواجز الحالية أمام الاتصال، بما في ذلك الحدود المغلقة بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا، وتؤكد أهمية دعم الاتحاد الأوروبي لاتفاق سلام شامل بين أذربيجان وأرمينيا، كخطوة أساسية لإعادة تطبيع العلاقات وفتح الحدود وتسهيل التقدم في مشاريع الاتصال الإقليمية، ووجوب أن تفيد مشاريع الاتصال هذه جميع الفاعلين المحليين وأن تُصمم لدعم خيارات كل دولة على حدة، وليس تقييدها.
لا يختلف النفوذ التركي في هذه المنطقة بشكل كبير عن تواجدها في منطقة غرب البلقان، ولكن هنا تظهر تركيا بطموحاتها العثمانية بشكل أكبر ويظهر ذلك من خلال دعمها لأذربيجان من منطلق مفهوم “الأمة الواحدة” وتركيا تعمل جاهدة من أجل حل النزاع بين أذربيجان وأرمينيا ولعل هذا من أهم ما يجب التنسيق حوله بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وهو ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي هو ما أغفلته الدراسة في هذا الفصل أن دور الاتحاد الأوروبي في منطقة القوقاز أصبح يتميز بالمحدودية بالأخص في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان ومع تراجع النفوذ الروسي في المنطقة كان من المتوقع أن يملأ الاتحاد الأوروبي الفراغ الذي أحدثه ولكن من الواضح أن تركيا تتنافس على هذع المكانة بشدة[6].
الفصل الثالث بعنوان ” تركيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”
كاتب الفصل داليا غانم وبينار أكبينار، داليا غانم محللة هي خبيرة بارزة في الشؤون الدولية، تعمل كمحللة مسؤولة في تحليل وبحوث منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية (EUISS) و تتمتع بخبرة واسعة في مجال العلاقات الدولية، مع تركيز خاص على علاقات الاتحاد الأوروبي مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وبينار أكبينار تشغل منصب أستاذة مساعدة في مجال الشؤون الدولية بقسم العلاقات الدولية وبرنامج الدراسات الخليجية بكلية الآداب والعلوم في جامعة قطر وحاصلة على شهادة الدكتوراه من كلية السياسة والعلاقات الدولية والفلسفة (SPIRE) بجامعة كيلي، كما تتمحور اهتماماتها البحثية حول مجالي السياسة الخارجية وحل النزاعات، مع تركيز خاص على تركيا ومنطقة الشرق الأوسط والخليج.
يناقش الفصل حضور تركيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال وسائل القوة الناعمة التي تمثلت في انتشار الأعمال الفنية الدرامية بشكل كبير، وكذلك من خلال المجال الدفاعي وبالأخص الطائرات بدون طيار التي يتم الترويج لها ونشرها في كثير من المناطق.
كذلك يتناول دعم أردوغان للقضية الفلسطينة ولكن أشارت الدراسة إلى هذا الدعم تم الإعلان عنه بشكل صريح مؤخرًأ ، وكذلك المساعدات الإنسانية المستمرة التي تقدمها أنقرة للاجئين من سوريا وأفغانستان ودول أخرى في المنطقة على اعتبار أن هذه الموضوعات هي مؤشرات على طموحات تركيا في المنطقة.
سياسة التنويع الاستراتيجي التي تتبعها تركيا: التركيز على شمال إفريقيا والعالم العربي
على مدار العقدين الماضيين، أصبحت التجارة محركًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية التركية وكما تشير في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أعادت تركيا توجيه تجارتها بشكل استراتيجي نحو العالم العربي، وشهدت زيادة كبيرة في الصادرات حيث قفز حجم التجارة مع الدول العربية بشكل كبير من 9 مليارات دولار في عام 2005 إلى 46 مليار دولار في عام 2022.
التقارب مع الجزائر
وتشير الدراسة إلى أن توسيع علاقات تركيا مع دول شمال تركيا من أحد أهم دوافعه هو الوصول للأسواق في دول جنوب الصحراء على اعتبار هذه المنطقة بوابة لدول جنوب إفريقيا، حيث عدّ الجزائر بوابة تركيا إلى السوق الأفريقية الأوسع، حيث تُمثّل أحد أهم الشركاء التجاريين لتركيا في شمال إفريقيا، وتعكس الزيارات المتكررة للرئيس أردوغان إلى الجزائر (سبع زيارات بين عامي 2005 و 2023) عمق العلاقات الثنائية ورغبة تركيا في تعزيزها.
وتُترجم هذه الرغبة على أرض الواقع من خلال حجم الاستثمارات التركية في الجزائر، حيث حققت تركيا هدفها الاستثماري البالغ 5 مليارات دولار عام 2023، متجاوزة فرنسا لتصبح المستثمر الأجنبي الرائد خارج قطاع المحروقات الجزائري.
وعلى صعيد الطاقة، تحتل الجزائر المرتبة الرابعة كمورد للغاز لأنقرة، حيث قامت شركتا سوناطراك (الجزائر) وبوتاش (تركيا) المملوكتان للدولة بتمديد اتفاقيات الغاز الطبيعي حتى عام 2027، مما يضمن استمرار الجزائر في توريد 4.4 مليار متر مكعب سنويًا إلى تركيا.
مصر تقارب بعد سنوات من التوتر
تتميز العلاقات بين تركيا ومصر بِعِقدٍ من التذبذب بين فترات من التعاون الوثيق وتوترات كبيرة، ومع ذلك، شهدت العلاقات مؤخرًا تقاربًا حذرًا بين البلدين، مدفوعًا ببراغماتية اقتصادية مشترك وتعود جذور التوتر إلى الإطاحة العسكرية بالرئيس مرسي في مصر عام 2013، والتي أدت إلى فترة من العداء الشديد اتسمت بالهجمات الإعلامية والطرد الدبلوماسي والتنافس على النفوذ الإقليمي.
وعلى الرغم من هذه الخلافات السياسية، استمرت التجارة بين البلدين في الازدياد، حيث نما حجم الصادرات التركية إلى مصر وتسارعت وتيرة النمو في أوائل عام 2021، مدفوعة بالتحديات الاقتصادية الداخلية التي تواجهها كلا الدولتين، وتُشكل الطاقة المتجددة والسياحة مجالات رئيسية للتعاون بين تركيا ومصر، حيث تسعى كلتا الدولتين إلى تعزيز اقتصادها من خلال هذين القطاعين.
وبالتالي يُظهر التنامي المطرد للعلاقات بين تركيا والجزائر ومصر التزام تركيا بتعزيز علاقاتها مع الدول العربية وشمال إفريقيا، وتُقدم هذه العلاقات فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري، وتُساهم في تعزيز مكانة تركيا كلاعب إقليمي هام.
العلاقات مع دول الخليج
كذلك يسعى هذا الفصل إلى فهم جهود تركيا لتحسين علاقاتها مع دول الخليج الغنية، بما في ذلك قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث شهدت العلاقات بين تركيا ودول الخليج فترات من التعاون والتوتر على مر السنين، إلا أن تركيا تبنت مؤخرًا استراتيجية لحل الصدع وتعزيز الشراكات الاقتصادية.
كان لتركيا تضامنًا قويًا مع قطر خلال فترة عزلتها الدبلوماسية (2017-2021)، حيث قدمت وجودًا عسكريًا وإمدادات ضرورية ودعمًا دبلوماسيًا، وردت قطر بالاستثمار بكثافة في تركيا (بزيادة قدرها 500٪ بين عامي 2016 و 2019) والمناصرة لأنقرة في المحافل الدولية مثل جامعة الدول العربية.
كما شهدت العلاقات التركية الإماراتية تحولًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، نجحت تركيا في بناء علاقة أكثر ودية مع الإمارات، حيث تم توقيع اتفاقية تجارية في مايو 2023 لعلاقات أوثق بين البلدين، بالإضافة إلى ذلك، يهدف اتفاق مبادلة العملات بقيمة 4.7 مليار دولار المبرم في ديسمبر 2023 بين البنكين المركزيين إلى استقرار أسعار الصرف وتسهيل التجارة عبر الحدود، مما يعزز العلاقات الاقتصادية بشكل أكبر.
وفي 22 أبريل من هذا العام، توصلت تركيا إلى اتفاقية مهمة مع دول الخليج، تشمل اتفاقًا مبدئيًا بشأن بدء مشروع طريق التنمية مع قطر والعراق والإمارات العربية المتحدة، والذي يهدف إلى بناء شبكة من السكك الحديدية والطرق تربط العراق بأوروبا عبر تركيا .
تقارب حذر مع السعودية
كانت العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية في السابق متوترة، لكن فصل جديد يتميز بتحسن العلاقات بحذر مهد الطريق للتعاون الاقتصادي المحتمل. تسعى كل من تركيا والسعودية إلى تنويع اقتصاديهما وجذب الاستثمارات الأجنبية. في عام 2023، وصلت التجارة الثنائية بين البلدين إلى 6.8 مليار دولار ، بزيادة قدرها 50٪ في عامين، حيث يتشارك البلدان هدف زيادة التجارة الثنائية إلى أكثر من 10 مليارات دولار على المدى القصير. وأجرت شركة أرامكو، عملاق النفط السعودي المملوكة للدولة، محادثات مع شركات المقاولات التركية بشأن المشاركة المحتملة في مشاريع بقيمة 50 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
تسلط جهود تركيا لتحسين علاقاتها مع دول الخليج الضوء على استراتيجيتها الأوسع لتعزيز موقعها الإقليمي وتعزيز اقتصادها من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول الخليج الغنية، تأمل تركيا في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز التجارة، وتأمين مصادر تمويل بديلة.
التواجد التركي في سوريا وليبيا (مساعي تركيا للموازنة السياسية في شمال أفريقيا تواجه صعوبات)
تشهد الساحة السياسية في شمال إفريقيا تعقيدات عدة، لا سيما فيما يتعلق بوجود تركيا في كل من سوريا وليبيا وتبرز هذه التعقيدات جلية في العلاقات بين تركيا والجزائر، حيث تتباين المواقف حيال الأزمات الإقليمية.
التواجد التركي في الأزمة السورية يمثل موقف صدام أو عدم اتفاق مع العديد من الأطراف وأهمهم في شمال إفريقيا الجزائر ومصر، حيث تعارض تركيا حكومة الأسد وتقدم الدعم للمعارضة السورية، وبالتالي اختيار الطرف المناسب في الصراع السوري يمثل نقطة محورية في العلاقات الثنائية بين تركيا والجزائر، فتأتي الأزمة الليبية والدعم التركي للأطراف المتصارعة في الحرب الأهلية محل خلاف مما يعيق مساعي تركيا في إقامة علاقات مستقرة مع دول الجوار ولكنتشير الدراسة إلى أن الجزائر تخشى تفاقم هذه الأزمة وتسعى لحلها من خلال الطرق السلمية لتجنب عدم الاستقرار وانتشار الأسلحة على الحدود.
فيما يخص الجانب المصري تشير الدراسة أن العلاقات بين مصر وتركيا مازالت علاقات هشة بسبب التراكمات التاريخية والقضايا العالقة أهمها نقطة جماعة الأخوان المسلمين وأنها مازالت نقطة خلاف في العلاقات الثنائية، كذلك المصالح المتنافسة في مناطق شرق المتوسط وليبيا من أهم الملفات الذي لابد من تنسيق التعاون حولها، ولكن في اعتقادي أن مسألة الأخوان المسلمين كنقطة خلافية أصبحت أقل إيجابية بعد الخطوات الإيجابية التي اتخذتها في هذا الإطار.
وكذلك التواجد في ليبيا يمثل أحد النقاط الخلافية الهامة وبالأخص مع الجانب المصري حيث تشير الدراسة إلى أنه في عام 2019، تدخلت تركيا عسكريًا في ليبيا لدعم حكومة طرابلس ضد قوات المشير خليفة حفتر أثار هذا التدخل جدلًا واسعًا، ولّد تعقيدات إقليمية وتحديات قانونية، ومع توقيع مذكرة التفاهم لإقامة مناطق اقتصادية خاصة كانت تخدم المصالح التركية بشكل كبير وبالتالي أدانت المفوضية الأوروبية هذه الاتفاقية وأصبح موقف هذه الاتفاقية غير محدد حتى الأن، و على الرغم من الخلافات السابقة، تتعاون مصر وتركيا الآن بحذر بشأن القضية الليبية، يتشارك البلدان الرغبة في تحقيق الاستقرار الإقليمي، حتى لو اختلفت أهدافهما طويلة و لا يزال ترسيم الجرف القاري والمناطق الاقتصادية الخاصة غير محلول حيث يتطلب معالجة هذه القضية بالنسبة للاتحاد الأوروبي حوارًا حسن النية ومفاوضات وفقًا للقانون الدولي.
علاقات متوترة مع الاتحاد الأوروبي ( التواجد التركي المعقد في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط)
تقر الدراسة أن التواجد التركي في منطقة الشرق الأوسط له أدوار متعددة الأوجه ولكنه يصب في النهاية في تعزيز مصالحها الإقليمية وتشير إلى أن التوتر في منطقة شرق المتوسط بين تركيا والاتحاد الأوروبي يرجع إلى عام 2019 مع قيام تركيا بأنشطة حفر في المياه المحطية بقبرص وليس فقط ذلك ولكن أدى تواجدها في سوريا وتدخلها بين أطراف النزاع جعلها تُستبعد من منتدى غاز شرق المتوسط، ولكن يقر بأنها تسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة وهو ما يتفق مع مصالح الاتحاد الإوروبي الاستراتيجية الذي يرغب في شرق المتوسط مستقر وآمن، والحل المقترح لذلك هو ضمان علاقة تعاونية متبادلة المنفعة بين تركيا والاتحاد الأ,روبي.
دور تركيا المتنامي في مجال المساعدات الإنسانية والتعليم بالمنطقة العربية
تشهد منطقة الشرق الأوسط والتنمية (MENA) صعودًا لتركيا كلاعب رئيسي في مجال المساعدات الإنسانية حيث تحتل تركيا المرتبة الأولى عالميًا من حيث الإنفاق الإنساني للفرد الواحد نسبة إلى الدخل القومي.
تشير الدراسة إلى أن نمط تقديم المساعدات الحيوية في أوقات الأزمات من خلال تدخل تركيا في الصومال وسوريا، والمعروفتين كركيزتين أساسيتين لدبلوماسيتها الإنسانية وغالبًا ما تعمل جهود تركيا الإنسانية والمساعدات الإنمائية الرسمية (ODA) جنبًا إلى جنب كجزء من استراتيجية القوة الناعمة الأوسع لتركيا.
في عام 2021، كان الشرق الأوسط المستقبل الأساسي للمساعدات الإنمائية الرسمية التركية، حيث تم تخصيص 6.8 مليار دولار للمنطقة، تليها آسيا وأفريقيا، وإثباتًا لالتزامها بالشرق الأوسط، خصصت تركيا 91.1% من إجمالي مساعداتها الإنمائية الثنائية الصافية في عام 2021 إلى أفضل 10 متلقين لها، ومن المهم أن خمسًا من هذه الدول – سوريا، وفلسطين، والعراق، وأفغانستان، وليبيا – تقع داخل المنطقة، حيث تحصل سوريا على النصيب الأكبر.
وكما توضح الدراسة أن جهود تركيا الإنسانية تركز على ثلاثة مجالات رئيسية: المساعدات الطارئة والإغاثة الطبية ، تنمية البنية التحتية والاستثمار في رأس المال الاجتماعي والبشري.
تستهدف المساعدات الطارئة والإغاثة الطبية المراحل الأولى من الأزمات، مستفيدة من القدرات المتنامية لتركيا في القطاع الصحي على مدى العقدين الماضيين، أصبحت تركيا مركزًا رئيسيًا للسياحة العلاجية، ويعكس هذا الدور المتنامي لتركيا في مجال العمل الإنساني الطبي، والذي يتضمن نشر العيادات المتنقلة والعيادات والحافلات الطبية والمعدات والمستشفيات المتنقلة، بالإضافة إلى التبرعات بالأدوية. وتوضح هذه الجهود سياسة تركيا المتمثلة في الاستفادة من قطاعها الصحي المزدهر لتقديم المساعدات الإنسانية الطبية.
خلال أزمة كوفيد-19، برزت تركيا كلاعب مهم في دبلوماسية الجائحة منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر وما تلاه من رد عسكري إسرائيلي على قطاع غزة، كثفت تركيا جهودها الإنسانية في غزة، وحشدت مؤسسات مثل الهلال الأحمر التركي (بالتعاون مع الهلال الأحمر المصري)، والوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، ووزارة الدفاع، ووزارة الصحة، والعديد من المنظمات غير الحكومية وتشمل هذه المساعدات حملات التبرعات النقدية، ونشر مستشفى ميداني، وأطباء وعاملين صحيين أتراك آخرين وخبراء آخرين، وإمدادات أساسية مثل الوقود والمولدات الكهربائية والإمدادات الطبية وحزم الطعام والوجبات الساخنة والمياه والملابس ومواد الأطفال والرضع وأدوات النظافة الشخصية والبطانيات .
الدبلوماسية الثقافية التركية في الشرق الأوسط
تقدم تركيا منحًا دراسية للطلاب من دول الشرق الأوسط للدراسة في الجامعات التركية. في عام 2022، حصل 15٪ من المنح الدراسية على طلاب من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما تحاول تركيا ترميم وإعادة بناء المواقع الثقافية والتاريخية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الآثار القديمة والمباني التاريخية والمعالم الثقافية وتشمل هذه المشاريع ترميم مسجد حليم سليمان باشا في مصر، الذي بني عام 1528، وترميم مسجد القطعاوية في الجزائر.
بنت تركيا مراكز ثقافية جديدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك مركز ثقافي لأتراك الدوريس في لبنان، وقاعة مؤتمرات في مدرسة شهيد المفتي حسن خالد الثانوية العامة في بيرت وتقدم الدعم للمشروعات الثقافية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مهرجانات الموسيقى ومعارض الفنون على سبيل المثال، دعمت تركيا مهرجان الموسيقى العربية في القاهرة، ومعرض الكتاب العربي الدولي في الرياض.
ولكن هذا الدور كما تشير الدراسة يواجه بعض التحديات
قد يُنظر إلى التدخلات الإنسانية التركية في الشرق الأوسط على أنها ذات دوافع سياسية، خاصة في المناطق التي لها روابط تاريخية مع تركيا أو لديها مصالح استراتيجية. يمكن أن تقوض هذه التصورات حياد وفعالية هذه الجهود.
قد تؤدي التدخلات الإنسانية على نطاق واسع إلى إرهاق قدرة تركيا ومواردها، خاصة عند معالجة الأزمات الإنسانية الكبرى أو الصراعات الممتدة
ولذ تعد تُعد الدبلوماسية الثقافية أداة مهمة تستخدمها تركيا لتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط من خلال التعليم والحفاظ على التراث الثقافي وبناء المرافق الثقافية الجديدة ودعم المشاريع الثقافية، تسعى تركيا إلى تعزيز التفاهم والتعاون بين الشعوب في المنطقة.
وبالتالي تواجد تركيا في منطقة الشرق الأوسط والخليج أمرًا لا يمكن إنكاره فنفوذها الثقافي وجهودها الإنسانية وروابطها الاقتصادية المتنامية أعادت تشكيل المشهد حيث تتغير التحالفات وتعيد تعريف ديناميكيات القوة التي كانت تشكلها سابقًا جهات فاعلة راسخة مثل أوروبا والولايات المتحدة وتجد أصبحت فاعل نشط في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.
الفصل الرابع “لعبة تركيا الطويلة في أفريقيا مسار ديناميكي للتأثير”
كاتب هذا الفصل “روسيلا مارانجيو” باحثة في EUISS وهي مختصة في دراسة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا حيث تركز أبحاثها على العلاقات مع المنظمات الإقليمية والفرعية، والتوجه الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي نحو أفريقيا، والتفاعل بين الإنسانية والتنمية والسلام، ودور البعثات المدنية للسياسة الأمنية والدفاعية الشاملة. قبل انضمامها إلى EUISS، عملت كموظفة مدنية في عدة مناصب في أفريقيا، بما في ذلك البعثات الأوروبية، والسياسة الأمنية والدفاعية الشاملة والبعثات الأممية.
يناقش هذا الفصل التواجد التركي في إفريقيا و بحسب ما تشير إليه الدراسة يمكن تفسيره من جانبيين أحدهم الرغبة في توسيع النفوذ السياسي وفرض وجودها كفاعل نشط ومهيمن والجانب الأخر من أجل تأمين فرص للشركات التركية لخلق فرص استثمار رخيصة وكذلك الاستفادة من موارد القارة، وفوائد الاستثمارات التركية تكمن في أنها تسهم في توفير السلع الاستهلاكية وفرص العمل المحلية.
في الفترات الأخيرة، كثفت تركيا تواجدها في بكافة السبل الدبلوماسية والاقتصادية والمساعدات الإنسانية والتنمية والأمن في تعاملاتها مع القارة، تؤكد تركيا على التقارب والتضامن مع الدول الأفريقية، والاستفادة من موقعها الجغرافي، و الروابط الدينية المشتركة و تلعب الدبلوماسية العامة دورًا كبيرًا في توطيد العلاقات بين الطرفين.
استراتيجية تركيا في إفريقيا
أصبجت تركبا قادرة على القيام بدور الحليف للدول الأفريقية، على الرغم من أن القدرة الاستثمارية الخاصة بها أصغر مقارنة بالدول المنافسة في المنطقة مثل الصين يجادل هذا الفصل بأن النهج الاستراتيجي لتركيا في إفريقيا يمتد إلى ما وراء مساهماتها المالية والمادية من خلال التوافق مع النخب والسكان الأفارقة على حد سواء ومع ذلك، فإن هذا يخلق ديناميكية معقدة مع الاتحاد الأوروبي، حيث تتشابك تركيا بين أدوار الشريك والمنافس.
توسعت العلاقات الاقتصادية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. في عام 2023، بلغ حجم التجارة بين تركيا ودول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 9.9 مليار يورو، بزيادة قدرها 55٪ عن عام 2013. كما زاد الاستثمار الأجنبي المباشر التركي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 189٪ منذ عام 2014، ليصل إلى 379 مليون يورو في عام 2022.
تسعى تركيا إلى شق طريق مميز عن القوى الاستعمارية الأوروبية السابقة في إفريقيا
على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت تركيا توسعًا ملحوظًا في مشاركتها في مجالات الأمن والدفاع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث قامت بتزويد العديد من الدول في المنطقة بطائرات مسيرة من طراز Bayraktar TB-2، وكذلك المركبات المدرعة وحاملات الجنود، بالإضافة إلى تقديم الدعم المادي والتدريب لتعزيز قدرات شركائها الأمنيين وفي إطار هذه الجهود، قامت تركيا بتوقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية متنوعة مع بلدان المنطقة، وأنشأت أكبر قاعدة عسكرية خارجية لها في مقديشو بالصومال لتدريب الجيش الصومالي، مما يؤكد على التوغل المتزايد للتأثير التركي في المشهد الأمني والدفاعي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى خلال السنوات الأخيرة.
نهج تركيا في السودان:
يُعدّ نهج تركيا الدقيق في السودان مثالًا جيدًا لاستراتيجيتها لموازنة المصالح الاقتصادية مع موقفها فيما يتعلق بالجهات الفاعلة الأخرى، فبعد سقوط نظام البشير في عام 2019 والصراعات اللاحقة بين الفصائل العسكرية، أعطت تركيا الأولوية للسياسات متعددة القطاعات في عام 2023 وبالتالي، وضعت نفسها كوسيط محتمل وسط المنافسة المتزايدة على النفوذ، بما في ذلك من دول الخليج.
المنافسة في البحر الأحمر:
يبدو أن المنافسة مع الإمارات العربية المتحدة في البحر الأحمر آخذة في التناقص حاليًا قد يكون ذلك جزئيًا بسبب التحديات الاقتصادية المحلية لتركيا والتي تحد من الموارد المتاحة وتدفعها إلى التوجه نحو دول الخليج بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير المحتمل لمذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال في يناير 2024.
الدبلوماسية العامة والتعاون الاقتصادي:
استخدمت تركيا نهجًا متعدد الأوجه لتعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، بما في ذلك الدبلوماسية العامة والتعاون الاقتصادي والاستثمارات في البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.
في الدبلوماسية العامة وصل عدد الزيارات الرسمية إلى 24 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عام 2014، ومن خلال التعاون الاقتصاد توسعت تركيا علاقاتها التجارية مع إفريقيا، حيث وصلت تجارتها مع دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى 7.1 مليار يورو في عام 2023 وزادت الاستثمارات التركية المباشرة في إفريقيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث بلغت 379 مليون يورو في عام 2022.
نما الاستثمار التركي في إفريقيا بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، مدفوعًا بعدد من العوامل، بما في ذلك النمو الاقتصادي القوي للبلاد، وتوسيع علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأفريقية، وقدراتها المتزايدة في مجال البنية التحتية. تشارك الشركات التركية بشكل متزايد في مجموعة واسعة من المشاريع في إفريقيا، من البناء والنقل إلى الطاقة والرعاية الصحية.
الفصل الخامس “الاستنتاجات”
كاتب هذا الفصل “داليا غانم” وتقدم فيه تقدم الدراسة أهم النتائج الذي تم الوصول إليها وبعض التوصيات:
العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا: مسار معقد يتطلب تعاونًا استراتيجيًا
العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا معقدة، تتسم بتداخل التعاون والتوتر. بينما بذل الجانبان جهودًا لتهدئة التوترات في شرق المتوسط، تُشدد استنتاجات المفوضية الأوروبية لشهر يونيو 2021 على ضرورة استمرار هذه الجهود، يُقدم التأثير المتنامي لتركيا في البلقان والقوقاز الجنوبي وأفريقيا والشرق الأوسط فرصة لكلا الجانبين لإعادة التركيز على مجالات مشتركة وبناء شراكة استراتيجية، تُصبح هذه الشراكة ذات أهمية متزايدة للاتحاد الأوروبي في ظل التحولات الجيو-سياسية الأوسع نطاقًا.
التوصيات
تأسيس مؤسسة مشتركة للاتحاد الأوروبي وتركيا للتنمية:
تشير الدراسة إلى أن الطرفان خبرات كبيرة في مشاريع التنميةو يمكن تعظيم تأثيرهم الإقليمي من خلال إنشاء مؤسسة مشتركة للبنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية وتمويلها من مصادر مختلفة، بما في ذلك ميزانية الاتحاد الأوروبي، وميزانية تركيا الوطنية، والمؤسسات المالية الدولية، والقطاع الخاص. سيعزز هذا النهج التعاوني البحث والتطوير، ويعزز في النهاية الاستقرار الإقليمي.
تسريع الاستثمارات العامة والخاصة في مجالات رئيسية:
لتسريع الاستثمارات العامة والخاصة في المجالات الرئيسية مثل الاتصال والرقمنة والطاقة والنقل والاتفاق الأخضر، يجب إعطاء الأولوية لتوقيع العقود في إطار منصة الاستثمار في تركيا، يتطلب ذلك تعاونًا وثيقًا مع المؤسسات المالية الأوروبية والدولية، في هذا السياق، يجب تشجيع البنك الأوروبي للاستثمار على استئناف نطاق عملياته الكامل في تركيا.
تقترح الدراسة أنه يمكن للاتحاد الأوروبي البناء على القدرات الدبلوماسية من خلال إنشاء منصة حوار، وتمكين الجهود المشتركة في مبادرات حل النزاعات وخلق نهج أكثر تعاونًا تجاه تحديات الأمن الإقليمي وتقترح أن يقوم الجانبين بإنشاء إطار رسمي للجهود المشتركة لحل النزاعات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا يمكن أن يأخذ هذا الإطار أحد شكلين:
مجموعة عمل مخصصة لحل النزاعات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا مع ممثلين عن الخدمات الدبلوماسية لكلا الجانبين وخبراء حل النزاعات.
فرق عمل موضوعية تركز على نزاعات إقليمية محددة، وحل النزاعات في المناطق الحرجة ويمكن أن تجمع هذه المبادرة بين الموارد المالية للاتحاد الأوروبي والتأثير والصلات الإقليمية لتركيا للحصول على أقصى تأثير.
تعزيز الحوار الاستراتيجي
تؤكد على ضرورة استئناف الحوارات رفيعة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، مع ضرورة عقد مجلس الشراكة والحوار السياسي رفيع المستوى على المستوى الوزاري على اعتبار انه من شأن إعادة تفعيل هذه الحوارات أن يُساهم في بناء علاقة أكثر شفافية وفعالية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ممّا يسهل حلّ المشكلات بشكل تعاوني بالإضافة إلى ذلك، يجب على كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا السعي لتنظيم جولات جديدة من الحوارات رفيعة المستوى حول مجالات ذات أهمية مشتركة مثل تغير المناخ والصحة العامة والهجرة والأمن والزراعة والبحث والابتكار
وغيرها من التوصيات مثل تعزيز التعاون الإقليمي:
من خلال الاستثمار تركيا المزيد من رأس المال السياسي في أطر التعاون الإقليمية مثل عملية تعاون جنوب شرق أوروبا (SEECP) والعمل على تبادل الخبرات وأفضل الممارسات في مجال إدارة الكوارث وحماية البيئة.
تحسين التقييمات الأمنية:
أي العمل على تبادل المعلومات والتعاون في تقييمات التهديدات المتعلقة بالإرهاب والتطرف وعدم الاستقرار الإقليمي ، وإجراء حوارات أكثر هيكلية ومنتظمة حول السياسة الخارجية والقضايا الإقليمية و الاستفادة من المزايا الفريدة لتركيا (التاريخ، القوة الاقتصادية، الموقع الجغرافي) للمساهمة في الحد من التطرف الإسلام، في منطقة غرب تقترح الدراسة أن الاتحاد الأوروبي وتركيا يمكنهما التعاون في مجموعة من المجالات لتعزيز التنمية المستدامة والسلام والاستقرار في غرب البلقان، يمكن للتعاون أن يشمل تمويل وبناء مشاريع البنية التحتية، تعزيز تطوير الطاقة المتجددة، تعزيز التعليم والتدريب المهني، تعزيز الإنتاجية الزراعية، وتعزيز النظم الصحية، هناك أمثلة عديدة على التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في غرب البلقان، بما في ذلك الممر الأوسط، والصندوق البلغاري التركي للتعاون والتنمية، ومبادرة “أصدقاء الوساطة”
في جنوب القوقاز ، يمكن للاتحاد الأوروبي التأكيد على أهمية تجنب التصعيد في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان وتشجيع تركيا على استخدام نفوذها لتسهيل الحوار والوساطة، كما يمكنهما العمل معًا لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي، وذلك من خلال تسهيل الشراكات الاقتصادية وتشجيع مشاريع البنية التحتية المشتركة، و التعاون لتعزيز نظام إقليمي متوازن، وذلك بالتأكيد على المخاطر المحتملة للهيمنة الروسية والاعتراف بالاستراتيجية التركية لتجنب المواجهة مع روسيا، أخيرًا، ولابد من تطوير نهج شامل لأمن الطاقة وإدارة الموارد، مع التركيز على تعزيز حلول الطاقة المتجددة والتعاون في مجال إدارة موارد المياه.
في الشرق الأوسط والخليج، يمكن للاتحاد الأوروبي وتركيا الشراكة لتوسيع الجهود الإنسانية والثقافية والتعاون في مجال إدارة الهجرة، يمكن أن يشمل ذلك تبادل المعلومات وأفضل الممارسات.
أما في إفريقيا تشير الدراسة إلى أن الاتحاد الأوروبي يمكنه الاستفادة من النجاحات التي حققتها تركيا في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تم الجمع بين مشاريع البنية التحتية الكبيرة والمبادرات الاجتماعية، والاستثمار في النمو الإقليمي، مما يجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة ويحفز التجارة داخل إفريقيا، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي تعزيز شراكته مع الاتحاد الأفريقي من خلال توسيع المشاركة من مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك القطاع الخاص والمدن والمنظمات غير الحكومية، و الاستفادة من قوته الناعمة من خلال زيادة التبادلات التعليمية مع إفريقيا وتعزيز الشراكات طويلة الأجل.
أخيرًا، يمكن لتركيا والاتحاد الأوروبي التعاون في مجالات ذات اهتمام مشترك في إفريقيا، مثل التحولات الخضراء، والتخفيف من تغير المناخ، وعملية السلام، والتعاون الأمني. يجب على الطرفين الحفاظ على نهج تعاوني يتجنب تقويض شراكات بعضهما البعض على القارة.
مما سبق يظهر أن تزايد النفوذ التركي أصبح في تزايد في العديد من مناطق العالم وهذا التنافس يخدم مصالحها الاقتصادية والسياسة والأمنية وعلى الرغم من أن هذه الدراسة تعكس وجهة نظر الاتحاد الأوروبي إلا أنه تعكس في الوقت ذاته تخوفاته من أن تزايد النفوذ التركي قد يهدد مصالحها وأهدافه.
كذلك تعكس الدراسة القدرات التركية ونشاطها على الساحة السياسة الخارجية في مناطق عديدة ومن خلال وسائل متعددة منها الاقتصادي وهو الأهم والمحرك في افريقيا من اعتقادي، ومنها وسائل القوى الناعمة مثل الدراما والإعلام والتي استطاعت أن تهيمن بقوة في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز، والأدوات الدبلوماسية حيث تسعى لإثيات وجودها من خلال الوساطة في الصراعات بين الدول، وكذلك المساعدات الإنسانية التي تفرض وجودها من خلاله بالأخص في إفريقيا والشرق الأوسط، لذا يمكن القول أن تركيا أصبحت لاعب إقليمي قوى على الساحة الدولية وأصبحت محققة العديد من النجاحات على صعيد السياسية الخارجية.
وبخصوص التوصييات التي تم تقديمها فهي تحاول التركيز على تحقيق تكافؤ بين الطرفين بحيث لا تسطيع تركيا فرض نفوذ يهدد مصالح الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من هذه الجهود إلا أنه من أهم التوصييات الواجب تقديمها هو كيفية التعامل مع طلب تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي
المصادر:
[1] Adam Michalski, Turkey and the European Union: in a maze of disputes, Centre for Eastern Studies, 2024, OSW Commentary 586,
[2] Dalia Ghanem (Editor), Türkiye’s Cards In the World: Raising the Stakes, May 21, 2024, https://www.iss.europa.eu/content/t%C3%BCrkiyes-cards-world
[3] “European Union Institute for Security Studies (EUISS)”, An official EU Website, European Union Institute for Security Studies | European Union (europa.eu), Access 16/5/2024.
[4] “Bojana Zorić”, LinkedIn, Bojana Zorić – Associate Analyst for Western Balkans – EU Institute for Security Studies | LinkedIn, Access May 15,2024.
[5] “Ondrej Ditrych”, LinkedIn, Ondrej Ditrych – Senior Analyst – EU Institute for Security Studies | LinkedIn, Access May 16, 2024.
[6] ” التحولات المتوقعة للتنافس على منطقة القوقاز، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 19 يناير 2025، مركز المستقبل – (futureuae.com)، تاريخ الدخول 20/5/2024.