المقالات
اتفاق سلام بين أديس أبابا وتيجراى
- نوفمبر 7, 2022
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
اعداد : مصطفى مقلد
مقدمة:
“إرساء القانون والنظام، وإعادة الخدمات والوصول من دون عوائق إلى المواد الإنسانية، وحماية المدنيين” أبرز ما اتفق عليه جانبى الصراع “الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تجراى” بوساطة الرئيس النيجيري السابق “أولوسيغون أوباسانجو” ونائب رئيس جنوب إفريقيا السابق “فومزيل ملامبو-نجوكا”، والرئيس الكيني السابق “أوهورو كينياتا”، بعد أسبوع من المحادثات فى جنوب إفريقيا.
ويمثل الإتفاق لبنة أولى وأساسية فى عملية تثبيت السلام ثم ترسيخه، حيث يشير مراقبون إلى أن الاتفاق خطوة مهمة لكنها محاطة بالمخاطر والتهديدات، فقد صرح رئيس الوزراء الإثيوبى أن الحكومة ستنتصر فى الحرب ضد متمردى تيغراى، رغم تواصل محادثات السلام فى جنوب أفريقي، لذا حاول المؤتمرون تعزيز التعاون مع وكالات الإغاثة الإنسانية كمحاولة لضمان تهدئة الأمور.
ويأتى الإتفاق بعد قرابة العامين على إشتعال الصراع والذى أدى عزل تيغراى عن العالم الخارجي، وسبب الصراع أزمة إنسانية كبيرة حيث بدأت الأدوية في النفاد، بجانب قطع الحكومة الكهرباء والهاتف والخدمات المصرفية والإنترنت، وارتكاب فظائع بما في ذلك التطهير العرقي والعنف الجنسي، ونُسبت بعض أسوأ الانتهاكات إلى القوات الإريترية التي تقاتل إلى جانب القوات الحكومية.
هذه المحادثات هي أول حوار علني ورسمى بين الجانبين، بعد اتصالات سرية سابقة، نظمتها الولايات المتحدة، جرت في سيشيل ومرتين في جيبوتي، وقد بدأت تلك المحادثات العلنية المحادثات في بريتوريا، والتدقيق فى الإتفاق الناجم يشي بأنه اتفاق هدنة، وليس اتفاق سلام شامل، لذا رحبت الأمم المتحدة ودعت لاستكمال مسارالسلام.
تفاصيل إبرام الاتفاق:
دعا الاتحاد الإفريقي الحكومة الإثيوبية وقوات إقليم تيجراي إلى محادثات سلام في جنوب إفريقيا، بهدف إنهاء الصراع المشتعل نتيجة مواجهات بين الحكومة الفيدرالية وقوات جبهة تحرير شعب تيجراي منذ نوفمبر 2020، عندما شن رئيس الوزراء الإثيوبي عملية عسكرية في المنطقة متهماً سلطات تيجراي المنبثقة من جبهة تحرير شعب تيجراي بمهاجمة معسكرات الجيش الاتحادي.
وكان الطرفان قد توصلا إلى هدنة في مارس الماضى، استمرت 5 أشهر، قبل أن يتجدد القتال في نهاية أغسطس، وسط اتهامات متبادلة بشأن الجهة التي استأنفت إطلاق النار، وفي منتصف سبتمبر الماضي، أكدت الحكومة الإثيوبية “التزامها” بمحادثات السلام برعاية الاتحاد الإفريقي، ما يعد أول إعلان رسمي للحكومة منذ تأكيد “جبهة تحرير شعب تيجراي” استعدادها لوقف إطلاق النار، والانفتاح على عملية سلام بخلاف موقفها السابق.
مضامين الإتفاق:
ينص الإتفاق على وقف المعارك ونزع السلاح الكامل لقوات”جبهة تحرير شعب تيجراي” في غضون 30 يوماً وإعادة دمج قوات تيجراى في جيش الحكومة الفيدرالية، على أن يجتمع كبار القادة من كلا الجانبين في غضون 5 أيام للإتفاق على آلية واضحة لتحقيق ذلك، كما يُمهد الاتفاق الطريق أمام القوات الفيدرالية الإثيوبية لدخول “ميكيلي” عاصمة إقليم تيجراي، وقوات الأمن الفيدرالية للسيطرة على جميع المطارات والطرق السريعة والمرافق الفيدرالية داخل الإقليم، والوصول دون عوائق للإمدادات الإنسانية، وحماية المدنيين، وخاصة النساء والأطفال والفئات الضعيفة الأخرى، على أن يتم تكليف شريك رفيع المستوى بالاتحاد الأفريقي بمهمة المراقبة والإشراف والتنفيذ.
ردود الفعل:
أشاد رئيس الوزراء الإثيوبي بجيشه والاتفاق، قائلاً إن “انتصاره التاريخي” في ساحة المعركة مهد الطريق لاتفاق السلام، ودعا شعب تيجراي إلى إنهاء إراقة الدماء، لكن على الجانب الأخر سيكون إقناع قوات تيجراي بنزع سلاحها طواعية وجعلها غير قادرة على الدفاع عن نفسها في مواجهة عدو تقاتله منذ عامين، أمر صعب قد يؤدى لعرقلة جهود السلام.
رحبت الولايات المتحدة باتفاق الهدنة، وأعربت عن انفتاحها على تحسين العلاقات مع أديس أبابا، مؤكدة على إستعدادها لإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق، وحماية المدنيين.
ظروف إبرام الإتفاق:
قبل بدء المحادثات مباشرة، استولى الجيش الإثيوبي المدعوم من الجيش الإريتري وقوات إقليمية على 3 بلدات في تيجراي حيث نفذ قصفاً مدفعياً وضربات جوية واستولت على عدد من البلدات والمدن من المتمردين، ومن بينها مدينة شير الاستراتيجية ومدينتا أكسوم وأدوا، تاركاً مفاوضي الإقليم في موقف أضعف خلال المفاوضات الحساسة.
وخلّفت الحرب الطاحنة مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين، وألقت بظلالها على إثيوبيا، فضربت اقتصادها الذي كان في يوم من الأيام سريع النمو، وأدت إلى تآكل مكانتها الإقليمية، وتآكل النسيج الاجتماعي بين مجموعاتها العرقية المتنوعة، وتسببت المعارك في وقف المساعدات الضرورية لإقليم تيجراي حيث تفيد الأمم المتحدة أن ملايين الأشخاص اضطروا إلى مغادرة منازلهم فيما يوجد مئات الآلاف على شفير المجاعة.
فى سياق موازِ، أصدر زعيم جبهة تحرير شعب تيجراي “قبل إعلان الهدنة” بياناً طغى عليه طابع التحدي، بتأكيده على أن جيش تيجراي لديه القدرة على إلحاق الهزيمة بالأعداء، لكن بعد إبرام الإتفاق قال وفد تيجراي أنه قدم “تنازلات” من أجل معالجة مصاعب شعبنا.
فتشير التوقعات أن إثيوبيا بشكل عام وتيغراي بشكل خاص مهددان بانعدام الأمن الغذائي، وفقًا لنظام الإنذار المبكر بالمجاعة، ويرجع ذلك إلى مزيج من المستويات المنخفضة لسقوط الأمطار، وعدم الاستقرار الذي يحد من النشاط الزراعي، بجانب ذلك، فإنه مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، عانت دول من بينها إثيوبيا التي تعتمد على الحبوب الأوكرانية لإطعام سكانها.
كما لا يزال يواجه البلاد اضطرابات في أجزاء أخرى، حيث ضربت موجة من الهجمات بين الأعراق منطقتي أوروميا والمنطقة الصومالية في إثيوبيا في الأشهر الأخيرة، ممّا زاد من زعزعة استقرار البلاد، التي تُواجه بالفعل جفافاً مدمراً وتفشي الأمراض.
أوجه قصور فى الاتفاق:
لم تتضح على الفور كيفية مراقبة تنفيذ الاتفاقية، وكيفية حل الاتفاق مسألة الأراضي المتنازع عليها وعودة النازحين داخلياً واللاجئين وإعادة إدماجهم، كما لم يتم الإلتفات كما يبدو للدعوات الدولية ومطالبات المقاتلين بانسحاب الجيش الإريتري من ميدان المعارك، حيث لم يشمل الإتفاق دولة إريتريا المجاورة، التي قاتلت قواتها إلى جانب الحكومة الإثيوبية في الحرب، كما لم يُعلق رئيس إريتريا “أسياس أفورقي”، ولا ممثلوه، على توقيع الاتفاق، ويمكن اعتبار أن ذلك يمثل خطوة متقدمة تحتاج لمزيد من المحادثات تضم الأطراف الإقليمية.
كما استُبعد من المحادثات أعضاء من منطقة أمهرة الإثيوبية الذين يقاتلون إلى جانب الحكومة الإثيوبية في الحرب ولديهم نزاع حدودي مع تيجراي، وتشعر تلك العرقية بخيبة أمل لعدم إشراكها في المحادثات، وقلق لأن الاتفاق لم يُوكد أن المناطق المتنازع عليها، مثل ويلكايت ورايا، تنتمي إلى عرقية الأمهرة، وليس إلى قاطني تيجراي، وترى أمهرة أن عدم وجود اعتراف بتبعية هذه الأراضى لها، يعني أنه لن يكون هناك سلام دائم في المنطقة.
ختاما، بلا شك يمثل الاتفاق خطوة إيجابية لوقف نزيف الدم والضغوط التي يتعرض لها اللاجئين والنازحين فى بيئة تعانى الفقر والجوع لأسباب محلية وأخرى دولية، فإقليم شرق إفريقيا معرض لخطر المجاعة ويزيد من ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، كما يئن المدنيين من تداعيات الحرب عليهم.
ومع هذا من الضرورى الأخذ فى الإعتبار صعوبة تحقيق الاتفاق لما يقابله من تحديات، لذا يجب دفع أطراف الصراع للتعامل وفق مبدأ حسن النية وتقديم تنازلات تحقق إتفاق سلام شامل قوى يعمل على إعادة الحياة لطبيعتها ويعالج أوجه القصور فى الاتفاق الأخير ويقدم حلول جذرية فيما يخص ترسيم الحدود وتوزيع السلطات لمنع نشوب حروب مجددا لنفس الأسباب.