المقالات
التعاون العسكري الروسي الإثيوبي وتأثيره على أزمة سد النهضة
- سبتمبر 22, 2021
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد وتحرير: حسناء تمام كمال
تمهيد:
في تحرك مفاجئ، أعلنت وزارة الدفاع الإثيوبية، الإثنين 12 يوليو، توقيع اتفاقية للتعاون العسكري مع روسيا، تشمل تعزيز قدرات الجيش الإثيوبي المهارية والتكنولوجية، ووفقًا لما أعلنته مسؤولة الشؤون المالية، في وزارة الدفاع الإثيوبية “مارثا ليويج”، أن هذه الاتفاقية ستكون لها أهمية كبرى، في أخذ العلاقات بين البلدين إلى مستوى أعلى.
يأتي هذا التعاون بعد أيام من جلسة مجلس الأمن، التي بدأت يوم 11 يوليو، وجاءت بناءً على طلب مصر والسودان بعقد جلسة لمناقشة أزمة سد النهضة، وخلال تلك الجلسة وبعكس موقف أغلب الدول -التي تفهمت تخوفات مصر والسودان وحقوقهم في تأمين مواردها المائية واستخداماتها- وصفت روسيا موقف دولتي المصب (بأنه مندفع)، وأبدت دعمًا لإثيوبيا، كل هذه المستجدات جعلت الموقف الروسي موقف يقتضي الوقوف عليه.
وفي هذا الصدد، نتناول بشكل موضوعي، دوافع هذا الموقف الروسي، وتأثيره كفاعل جديد، تدخل في أزمة سد النهضة، وموضع هذا الموقف من الأزمة، وكذلك السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذا الموقف وتبعاته.
ماهي دوافع الموقف الروسي؟
يمكن تفسير الانخراط الروسي في الشرق الأوسط، بأنه مرتبط بشكل أساسي بسياستها الخارجية والدور التنافسي الذي تلعبه مؤخرًا؛ لذا تحاول الاستفادة من التوترات في المنطقة؛ لتحقيق انتصارات على حساب خصومها، وخصوصًا في ظل حالة الصراع البارد بين الولايات المتحدة وروسيا، الذي انتقل مؤخرًا إلى دول البحر المتوسط و للقرن الأفريقي، ومن ثَمَّ استعادة توازن القوى مع الولايات المتحدة، كما يجدر الإِشارة إلى أن التحرك قد يكون نكايةً في الولايات المتحدة، التي تدعم الموقف المصري في أزمة سد النهضة، حتى أن الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”، أبدى تفهمًا للموقف المصري بشأن قضية سد النهضة، حتى وإن دفعها حقها في تأمين مواردها المائية تفجير السد.
كما يبدو أن روسيا تهدف إلى إيصال رسائل أخرى لمصر من تعاونها مع إثيوبيا، مفاد هذه الرسائل، هي القدرة الروسية على الوجود عسكريًّا في إثيوبيا، بالرغم من التحفظ المصري على وجود قواعد عسكرية روسية في المنطقة، خاصةً داخل ليبيا والسودان
بشكل أساسي، إن روسيا تجد في أفريقيا البيئة الخصبة لاستثماراتها، خصوصًا في تصدير الأسلحة وعقد صفقات التسليح والتدريب، الذي تمثل البيئية الأفريقية المليئة بالصراعات، أرضًا مناسبةً له، إضافةً إلى تطلعها للاستثمار في مشروعات الغاز في أفريقيا، والتي تطمح للوجود فيها بشكل أكبر، خلال الفترة القادمة، وفي مختلف القارات
من ناحية أخرى، قد تقدم روسيا ذاتها باعتبارها السلطة الأعلى المسؤولة عن حماية الطائفة الأرثوذكسية، والتي تمثل الأغلبية المسيحية في إثيوبيا، خصوصًا في ظلِّ وجود إثيوبيا في وسط إقليمي مسلم، لكن هذا النهج، وإن سُلِكَ، فسيكون ادعائيًّا؛ لتبرير موقفها، غير نابع من تخوف حقيقي على المسيحية في إثيوبيا.
هل يتفهم الطرف الروسي حساسية التدخل؟
في أوقات الأزمات يقتضي السعي نحو الحل، أن يراعي الأطراف الخارجيون الذين يدخلون على خط الأزمة، ألَّا يُحدِثَ التدخل ضررًا، ليس ذلك فحسب، بل يجب أن يكون التدخل خطوةً إيجابيةً نحو الحل، وهو ما يعرف باسم “تفهم حساسية الصراع”، وفي ظل الأزمة الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، و الحديث عن الخيار العسكري، وتزايد التوتر بين الأطراف، قد يترجم التعاون الإثيوبي الروسي العسكري، بأنه دعم روسي للموقف الإثيوبي في مواجهة الموقف المصري والسوداني.
وبالتالي، إن أرادت روسيا ضبط موقفها وإبداء تفهم حساسية الأزمة، يتطلب الأمر منها، الإعلان بوضوح عن غرض واضح ومحدد لهذا التعاون، وما هي طبيعة هذا التعاون وحدوده القصوى والدنيا؛ لإزالة الغموض الشائع بشأنه، وعلاقته بأزمة السد، كما يجب أن توضح موقفها من الخيار العسكري في أزمة سد النهضة، وأن تشارك مصر والسودان بهذا الموقف بشكل رسمي، عبر نقاش مفتوح مشترك مع دولتي المصب؛ لإيضاح طبيعة هذا التدخل، (موقفه وحدوده).
ولدى روسيا إمكانية وفرصة لإبداء تفهم هذه الحساسيات، خصوصًا في ظل الحراك المصري السوداني، الذي يجريه وزراء الخارجية، وبالتحديد، في ظل زيارة وزيرة الخارجية السودانية “مريم الصادق المهدي” إلى جمهورية روسيا، والتي ستمتد حتى يوم 14 يوليو، مع تلويحها لإمكانية قيام تعاون عسكري مع روسيا، وهي بذلك، وفَّرت طريقًا آخر؛ لتحقيق التطلعات الروسية، بغير الانحياز، الذي يزيد أزمة سد النهضة الأثيوبي توترًا.
تصعيد سياسي اقتصادي مرتقب: بالرغم من حالة الاستغراب التي خلقها الموقف الروسي في الأوساط المصرية والسودانية، لكن بالنظر إلى مساق الأزمة بشكل كامل، وتحديد ما نقف عليه الآن من هذا المساق، يجعلنا لا نستغرب هذا الموقف وهذا للأسباب الآتية:
فشل عقد المفاوضات، بعد فشل مراحل متعددة من البحث عن حل لأزمة سد النهضة، والتي بدأت باللجان الفنية، ثم مكاتب المستشارين، ثم الإحالة إلى مجلس الأمن، والذي أحالها بدوره إلى الاتحاد الأفريقي، وفشل الاتحاد الأفريقي، والعودة مجددًا إلى مجلس الأمن، يؤكد أن المساعي الدبلوماسية، تواجه أزمةً حقيقةً، وأن الأطراف كافةً تشهد حالةً من القلق؛ بسبب فشل كل هذه المساعي، وهذا التوتر تعبير واضح عن الاستياء المصاحب لفشل التوصل لاتفاق.
استبعاد الخيار العسكري: من ناحية أُخرى، وبالرغم من حضور الخيار العسكري على الساحة، لكنه يظل خيارًا أخيرًا، وغير مُفضل، وفي ظل تعثر المسار الدبلوماسي- وإن كان بشكل مؤقت- فيمكن أن يمثل الضغط بالتحالفات السياسية والعسكرية، والمصالح الاقتصادية، هو سبيل الأطراف لتقوية مواقفهم، وإحداث توازن في المواقف السياسية، والضغط للتوصل لتسوية مرضية، لكلٍ منهم.
وبالتالي، من المتوقع، أن تشهد الفترة الحالية والقادمة تصعيدًا أكبر بين الأطراف بالوسائل المذكورة، وسيستمر هذا التصعيد حتى التوصل لتسوية.
سيناريوهات الأزمة:
في ظل هذا الموقف المرتبك، يظهر لدينا ثلاث سيناريوهات محتملة لتطورها نشير إليها كالآتي: –
استمرار الضغط الروسي: وهذا السيناريو الأكثر ترجيحًا، بأن تواصل روسيا الظهور في أزمة سد النهضة، باعتبارها حليفًا لإثيوبيا؛ بهدف إحداث توزان قوى للموقف الإثيوبي، خاصةً، في ظل التفهم الدولي لموقف مصر والسودان في مقابل الموقف الإثيوبي، ويدعم هذا الموقف التطلعات الروسية الصاعدة في أفريقيا، وخصوصًا في إقليم وسط أفريقيا، وهذا سيجعل التدخل الروسي أزمةً في حد ذاته لدولتي المصب.
التراجع مع زيارة “مريم المهدي”:
وهذا السيناريو، يبدو تفاؤليًّا إلى حد كبير، ويستند هذا السيناريو على تفهم أن روسيا تبدي تفهم الاستغراب والاستياء المصري السوداني من هذا التحرك، خاصةً أن مصر تربطها علاقات مستقرة مع روسيا، وأن السودان أبدى تطلعًا في زيارة وزيرة الخارجية للتعاون السوداني الروسي، لكن هذا السيناريو مستبعد إلى حد كبير.
توقف الدور الروسي: هناك سيناريو آخر، يطرح توقف الدور الروسي عند هذا الحد، والاكتفاء بإعلان التعاون مع إثيوبيا، باعتبار أن روسيا لن تراهن على إثيوبيا، في ظل ضبابية موقف، لا أزمة سد النهضة وسبل حلها، وهذا سيناريو وارد، لكنه غير مرجح، لكنه بالتأكيد سيكون لصالح دولتي المصب، ويزيل تعقيدًا على وشك الحدوث
الخلاصة والتوصيات
إجمالًا، يمكن التأكيد، أن الموقف الروسي في أزمة سد النهضة، تدخلٌ يتطلب مراعاة حساسية الأزمة، خصوصًا في ظل وجود مصالح مشتركة مع مصر، وإمكانية للتعاون السوداني الروسي، من ناحية أُخرى، فإن الدور الروسي لا يمكن التعويل عليه كحليف استراتيجي لاعتبارات مرتبطة بالداخل الروسي، وبالتالي، فإن روسيا يمكنها أن تحقق مكاسب متبادلة، بدون الانحياز لأحد أطراف أزمة سد النهضة، وفي هذا الصدد يمكن تقديم عدد من التوصيات منها الآتي: –
- على الجانب الروسي الإعلان بوضوح عن حدود التعاون الروسي الإثيوبي.
- على دول المصب التقدم بطلب رسمي لروسيا حول موقفهم العسكري من أزمة سد النهضة.
- على المجتمع الدولي دعم العودة إلى مائدة التفاوض.
- على وسائل الإعلام التوقف عن طرح البُعد الديني في الصراع كمدخل ومبرر للتعاون الروسي الإثيوبي.
ملخص:
في تحرك مفاجئ، أعلنت وزارة الدفاع الإثيوبية، الإثنين 12 يوليو، توقيع اتفاقية للتعاون العسكري مع روسيا، تشمل تعزيز قدرات الجيش الإثيوبي المهارية والتكنولوجية، أتى هذا التحرك في اليوم التالي لعقد جلسة مجلس الأمن لمناقشة أزمة سد النهضة، التي أبدت روسيا فيها دعمًا لإثيوبيا.
تناول هذه الورقة بشكل موضوعي، دوافع هذا الموقف الروسي، وتأثيره كفاعل جديد تدخل في أزمة سد النهضة، وموضع هذا الموقف من الأزمة، وكذلك السيناريوهات المحتملة لمستقبل هذا الموقف وتبعاته.
ارتبط الموقف الروسي بعدد من الدوافع والطموحات، كان أهمها تعزيز توازنه كفاعل دولي، وفي مواجهة النفوذ الأمريكي من ناحية، ومحاولة تأكيد وجودها العسكري في القرن الأفريقي، وشمال أفريقيا الذي ترفضه مصر، إضافةً إلى إشباع تطلعاتها الاقتصادية الاستثمارية.
وتؤكد الورقة، أن الموقف الروسي في أزمة سد النهضة يتطلب المراجعة؛ لمراعاة حساسية الأزمة، خصوصًا في ظل وجود مصالح مشتركة مع مصر، وإمكانية التعاون السوداني الروسي، من ناحية أٌخرى، فإن الدور الروسي لا يمكن التعويل عليه كحليف استراتيجي؛ لاعتبارات مرتبطة بالداخل الروسي، وبالتالي، فإن روسيا يمكنها أن تحقق مكاسب متبادلة، بدون الانحياز لأحد أطراف أزمة سد النهضة، كما تتوقع الورقة، أن تشهد الفترة الحالية تزايدًا في وتيرة التصعيد بين الأطراف.