المقالات
قراءة حول نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي
- يونيو 12, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد: ريهام محمد
باحثة في العلوم السياسية
في واحدةٍ من أبرز الفعاليات الديمقراطية العالمية، شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت يوم الأحد الموافق التاسع من يونيو الجاري، تحقيق الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب ملحوظة، مُحْدِثَةً زلزاًلا سياسيًّا قويًّا سيؤدي لمزيدٍ من التحوُّلات الجديدة في دول الاتحاد الأوروبي، وخاصَّةً في فرنسا، كما زادت من حالة الشَّكِّ السائدة بشأن التوجُّهات السياسية المستقبلية لأوروبا، ولكن دون الإخلال بالتوازن السياسي القائم في بروكسل، جاءت هذه النتائج على خلفية ارتفاع تكاليف المعيشة واستياء المزارعين، بينما ظلَّت الصراعات المستمرة في غزة وأوكرانيا مؤثرةً على توجُّهات الناخبين؛ إذ أحْرَزَتْ الأحزاب اليمينية المتطرفة المركز الأول في “فرنسا، وإيطاليا، والنمسا”، وجاءت ثانيةً في كُلٍّ من “ألمانيا، وهولندا”.
كيف جاءت نتائج الانتخابات في مختلف الدول الأوروبية؟ وما هي تداعيات هذه المكاسب على عملية صُنْع القرار داخل أوروبا؟
نتائج انتخابات أوروبا … ردود أفعال متفاوتة:
يوم الخميس الماضي الموافق ٦ يونيو ٢٠٢٤، توجَّهت الأنظار نحو صناديق الاقتراع في البرلمان الأوروبي إيذاناً ببدْء انتخابات هي الأُولى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، استمرت أربعة أيام في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي لاختيار 720 نائبًا جديدًا، في القارة التي تشهد ظروف جيوسياسية مهمة وتزايدًا في النزعة القومية.
وأظهرت النتائج النهائية للانتخابات احتفاظ كُتْلة يمين الوسط بالصدارة بحصولها على رُبع عدد المقاعد، بينما حـل الاشتراكيون في المركز الثاني، جهةٍ أُخرى، تكبَّد الليبراليون وأحزاب البيئة خسائر كبيرة فقدوا فيها ثُلث مقاعدهم، اذ حصلت مجموعة حزب الشعب على 26.3% من المقاعد، تليها مجموعة الاشتراكيين بنسبة 18.8% ثم الليبراليون بنسبة 11.5%، كما حصل المحافظون على نسبة %10 من المقاعد بينما بلغ نصيب اليمين المتطرف %8,1 ووصلت أحزاب البيئة إلى المركز قبل الأخير بنسبة %7,4، وكانت التوقعات المبكرة تشير إلى أداء قوي لأحزاب اليمين المتطرف عبر دول الاتحاد الأوروبي نظراً لحالة عدم الرضا الكبيرة لدى الناخبين وانتقادهم الحاد للتيارات السياسية السائدة، وقد سجل اليمين المتطرف زيادة ملحوظة في عدد المقاعد بفوزه بالمركز الأول في كل من إيطاليا وفرنسا والمركز الثاني بهولندا وألمانيا.[1]
وتمخَّضت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي عن ردود فعل متفاوتةٍ بين إحراز الأحزاب اليمينية القومية والمتطرفة مكاسب مهمة في بعض الدول، بينما أصفرت النتائج في انتكاسةٍ كبيرةٍ وتوجيه نقْدٍ لاذِعٍ لبعض أصحاب المناصب الحاليين، بالأخص أصحاب القوتين الرئيسيتين فى الاتحاد، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس، ويمكن إبراز ردود الفعل حول نتائج الانتخابات كالتالي:
احتفالات عارمة:[2]
احتفلت رئيسة المفوضية الأوروبية ومرشحة حزب الشعب الأوروبي لتولي هذا المنصب مُجدَّدًا، الألمانية “أورسولا فون دير لاين” بفوز مجموعتها السياسية الكبيرة في الانتخابات الأوروبية التي اتسمت بتميُّزٍ ملحوظٍ.
وفي ايطاليا، اجتاز حزب إخوة إيطاليا (فراتيلى ديتاليا) اليميني المتطرف بزعامتها، المرتبة الأُولى في نتائج الانتخابات الأوروبية فى إيطاليا بما لا يقل عن 27% من الأصوات، وان لم يتخلف يسار الوسط كثيرا عن حزبها.
أما في هنغاريا فقد حقق حزب “فيديسز” بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أُوربان المركز الأول؛ ومع ذلك حصد “بيتر ماغيار” الحليف السابق والمنافس الحالي لأوربان نحو 30% من الأصوات.
وفي النمسا، حصل “حزب الحرية” اليميني المتطرف على 27% من الأصوات، وفي إسبانيا والبرتغال كان أداء اليمين المتطرف أقل مما شهدته السباقات الانتخابية الوطنية الأخيرة، حيث أظهرت النتائج الرسمية في اسبانيا على حصول الحزب الشعبي اليميني، الممثل الرئيسي لتشكيل المعارضة الاسبانية؛ على 22 مقعدا في البرلمان الأوروبي مقابل 20 مقعد للاشتراكيين بزعامة رئيس الوزراء “بيدرو سانشيز”، وحقق حزب فوكس اليميني المتطرف تقدما بحصوله على 6 مقاعد.
بينما تفوَّق رئيس الوزراء الوسطي “دونالد تاسك” بفارق ملحوظٍ في بولندا على حزب القانون والعدالة الذي يُشكِّكُ في أوروبا.
انتكاسات مريرة:
ففي فرنسا، وصلت موْجة صعود اليمين الشعبوي إلى حدٍّ قويٍّ، دفع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى اتّخاذ إجراءات حاسمة، فقد رَدَّ على هزيمة حزبه أمام الأحزاب اليمينية المتشددة بحل البرلمان الفرنسي والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة محفوفة بالمخاطر للجمعية الوطنية في الثلاثين من يونيو والسابع من يوليو المقبل، في خطوة أثارت دهشة واستغراب الجميع، ففي التصويت الخاص بالبرلمان الأوروبي – الذي كان يُتوقع أن يكون آخر تصويت يعُمُّ البلاد قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2027 – كانت التوقعات تشير إلى حصول حزب التجمع الوطني بقيادة “مارين لوبان” على نحو 32% من الأصوات؛ وهي نسبة تتجاوز ضعف النسبة التي حققها حزب ماكرون الذي فاز عليه بفارق ضئيل منذ خمس سنوات، فيما اشارت تقديرات اخرى إلى تحقيق حزب الاسترداد، الحزب اليميني المتطرف المعروف بمواقفه المناهضة للمهاجرين والذي تترأسه “ماريون ماريشال” (ابنة شقيقة لوبان)، لنحو 5% من الأصوات، وبهذه الأرقام أصبح اليمين المتشدد القوة السياسية الضاربة في البلاد.[3]
وقبْل حتى إعلان نتائج الانتخابات الرسمية، طالبت الأحزاب المعارضة بحل البرلمان في حال هزيمة التحالف الوسطي بقيادة الرئيس، وبذلك قد يراهن ماكرون بما تبقى له من مصداقية سياسية في مناورة قد تؤدي إلى تقويض شعبيته بشكلٍ كبيرٍ؛ حيث ستُحصد معظم الأصوات لصالح حزب التجمُّع الوطني.
في ألمانيا، سجَّل الائتلاف الحاكم أداءً هو الأدنى في تاريخه أمام المحافظين وحزب “البديل من أجل ألمانيا” المتشدد، على الرغم من سلسلة الفضائح التي عصفت بـ “البديل من أجل ألمانيا” وأبرز مرشحيه خلال الحملة الانتخابية، والطرد الذي تعرض له الحزب من التحالف الأوروبي الذي يضم التجمع الوطني وغيره قبل الانتخابات، الا ان الحزب المتشدد تمكن من هزيمة الأحزاب الثلاثة المُكوّنة للائتلاف، ووصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة المستشار “أولاف شولتس” إلى أدنى مستوياته في الانتخابات الوطنية منذ تأسيسه قبل 150 عامًا، أما الحزب الديمقراطي الحر، وهو الشريك الأضعف في هذا الائتلاف، بالكاد تجاوز نسبة التصويت الـ5%، وفي حال لم يصل لهذا السقف المتوقع له في الانتخابات العامة المقبلة العام المقبل، فسوف يتم استبعاده من البرلمان، وبدوره، واصل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كأهم حزب معارض تقدمه بشكلٍ جيِّدٍ، لا سيما بين الوسطيين المحاصرين.[4]
وعلى نقيض الخطوة التي اتخذها ماكرون، أعلن المستشار الألماني، أولاف شولتز، أنه لن يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرةٍ، وأكَّد المتحدث باسم الحكومة “شتيفن هيبشترايت” أن موعد الانتخابات سيكون وفقا لما هو مقرر في خريف ٢٠٢٥، نافيًا الفكرة الخاصة بإمكانية بدء انتخابات جديدة في ألمانيا الآن كرد على نتائج الانتخابات.[5]
وفي بلجيكا، فشل حزب “فلانس ميلانج” المعروف بمواقفه المناهضة للأجانب في تحقيق النتائج المتوقعة وتصدر التصويت، وكان رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دى كرو، قد اعلن عن عزمه في تقديم استقالته، بعد النتيجة الكارثية لحزبه فى الانتخابات العامة، التي فازت فيها الأحزاب القومية، فيما عاش الحزب الديمقراطي السويدي اليميني ليلة انتخابيةً سوداويةً، خلافًا للتوقعات.[6]
وعليه، فتُعدُّ أُولى القرارات التي سيتخذها البرلمان الجديد تتمثل في انتخاب رئيس جديد يتمتع بالأغلبية المطلقة، كما سيقوم بانتخاب رئيس جديد للمفوضية الأوروبية -الذِّراع التنفيذي للبرلمان- أو قد يعيد انتخاب أورسولا فون دير لاين الرئيسة الحالية لفترة جديدة، ومن الجدير بالذكر أن فرص “أورسولا فون دير لاين” في الاستمرار بمنصبها الحالي تبدو كبيرة، وذلك بعد أن حقق التحالف اليميني المعتدل الذي يضم حزب الشعب الأوروبي -الذي تنتمي إليه- مركز الصدارة مع زيادة نسبة الأصوات مقارنة بعام 2019، ورغم ذلك، قد تُشكّل الزيادة المتواضعة للمقاعد التي حصل عليها اليمين المتشدد عائقاً لألمانيا في تحقيق الأغلبية اللازمة للمصادقة على بقاء فون دير لاين في منصبها داخل البرلمان الأوروبي؛ هذا الأمر من المتوقع أن يتم التصويت عليه خلال شهر يوليو القادم، لذا فإن الأسابيع المقبلة، ستهيمن التساؤلات حول قدرة “فون دير لاين” على الفوز بولاية جديدة، وقدرتها على إقناع شخصيات مثل ميلوني لدعمها، وما قد ينجم عن ذلك من تكاليف سياسية، في الوقت نفسه، ستكون الأنظار موجهة نحو باريس حيث قد يجد أي سياسي بارز ومؤيد قوى للاتحاد الأوروبي نفسه وسلطته في موقف حرج على الساحة الأوروبية.[7]
الأسباب وراء صعود اليمين المتطرف[8]:
تشير نتائج الانتخابات الأخيرة لأعضاء البرلمان الأوروبي التي شهدت صعود اليمين المتطرف؛ إلى إخفاق الأحزاب التقليدية وحكومات بعض الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي في معالجة القضايا الداخلية الملحة، ولا سيما تلك المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية، حيث مثلت قضايا مثل البطالة، والرعاية الصحية، والتعليم حيّزاً أكبر من الاهتمام مقارنة بالقضايا الأوروبية المشتركة الأخرى، باستثناء قضية تقديم الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا التي واجهت انتقادات شديدة خصوصاً في ألمانيا، حيث تداخلت خطابات الأحزاب المعارضة اليمينية في معظم دول الاتحاد الأوروبي بالتركيز على فشل الحكومات والأحزاب التقليدية بتقديم نفسها كخيار بديل قادر على مواجهة هذه التحديات بشكل فعّال، كما جددت هذه الأحزاب مواقفها المناهضة للهجرة.
فطوال عقودٍ مضت، وضع الاتحاد الأوروبي اليمين المتطرف على هامش السياسة، ومع انتقال هذا الطيف السياسي من الهامش إلى مركز المشهد السياسي، بات يجذب أصوات قطاعات واسعة من المجتمع، وقد استند الصعود القوي لهذه الأحزاب أساسياً إلى معاناة العديد من الناخبين من أزمة تكاليف المعيشة والمخاوف المرتبطة بالهجرة وتكاليف التحول نحو الطاقة المتجددة والشعور بعدم الرضا حيال التوترات الجيوسياسية المتزايدة بما فيها الحرب في أوكرانيا، حيث استخدمت أحزاب اليمين ورقة الأزمات الاقتصادية الأوروبية بعد جائحة كورونا والتي تفاقمت بالغزو الروسي لأوكرانيا وما نتج عنه من ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار الطاقة والمواد الغذائية للترويج لنفسها كبديل للشعوب الأوروبية، كما وفّرت الأحداث الأمنية في أوكرانيا وفلسطين أساساً قوياً أيضا مكنت الأحزاب اليمينية من استغلالها، اذ استفادت هذه القوة السياسية من الظروف السائدة لاستهداف الحكومات باستخدام شعارات ومواضيع متسقة في بعض الحالات، بينما قدمت رسائل متناقضة في حالات أخرى، لكن في النهاية عززت هذه الاستراتيجيات مواقعها على حساب خصومها،
كما لعبت قضية الهجرة دوراً محورياً في جاذبية اليمين المتطرف أيضاً؛ إذ تستغل الأحزاب اليمينية المتطرفة زيادة أعداد اللاجئين والمهاجرين كورقة رابحة في برامجها السياسية والانتخابية، وخاصة في ظل تراجع مستوى معيشة ورفاهية الشعوب الأوروبية، كذلك تناول قضايا الحرب الثقافية مثل الإجهاض وحقوق المثليين، كما جددت هذه الأحزاب مواقفها المناهضة للهجرة، وأضافت الأحزاب الشعبوية الأوروبية مؤخراً الغضب الشعبي تجاه اللوائح البيئية إلى قائمة اهتماماتها الملحة، وقد عزز زخم اليمين المتطرف نقص البدائل الجذابة الأخرى، فضلا عن قوة خطابها الشعبوي الذي قوى رصيدها لدى فئات من الأوروبيين بالرغم من عدم تقديمها لأي حلول واقعية لإخراج دول الاتحاد من الأزمات الاقتصادية المتفاقمة.
تداعيات صعود اليمين المتطرف على أوروبا وبعض الملفات الحاسمة:
تشير المخاوف الحالية إلى أن تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي قد يؤثر بشكل كبير على نهج الاتحاد الأوروبي في عدة قضايا حاسمة، وفيما يلي أبرز تداعيات هذا السيناريو المحتمل:
صعوبة توسع الاتحاد الأوروبي وتعزيز سلطة الدول القومية: من المتوقع أن تعرقل صعود التيارات اليمينية أي جهود مستقبلية لتوسيع الاتحاد الأوروبي، خاصة فيما يتعلق بضم دول جديدة مثل أوكرانيا خلال السنوات الخمس القادمة، وهي المدة الزمنية لدورة البرلمان الأوروبي، هذا السيناريو يُرجح تراجع المحاولات الرامية لتوسيع الاتحاد بالتزامن مع زيادة تركيز كل دولة على مصالحها الخاصة ورفض تدخل بروكسل، مما يعزز المخاوف من تفككه المستقبلي وزيادة التوتر حول التعاون في قضايا الحدود والتقدم الاقتصادي بين دول الاتحاد.
من جهة أخرى، فقد وعدت الأحزاب اليمينية بإعادة تشكيل “اتحاد مختلف”، والذي يمنح سلطات أوسع للدول القومية ويحد من التدخل المركزي لبروكسل، ومن ثم ففوز الأحزاب ذات التوجهات اليمنية سيُعقد مهمة المفوضية الأوروبية في استصدار قوانين جديدة من الحكومات الوطنية، بما فيها تلك المتعلقة بالسياسات الصحية وغيرها.[9]
اللجوء والهجرة: فيما يخص الهجرة، يتوقع تطبيق إجراءات أشد للحد من الهجرة والمهاجرين وتصاعد الأجواء السلبية تجاه الجاليات العربية والمسلمة باعتبار ذلك أحد الملفات الأساسية ضمن البرامج الانتخابية للأحزاب اليمينية المتطرفة.
فتحول البرلمان الأوروبي نحو اتجاه يميني يمكن أن يؤدي إلى تشريعات أكثر صرامة بشأن الهجرة عبر دول الاتحاد، حيث ان خطب وسياسات الأحزاب اليمينية ركزت بشكل أساسي على مخاطر الهجرة وتأثيراتها السلبية المحتملة على الهوية الوطنية وفرص العمل ومستوى المعيشة؛ وقد ساهم ذلك بالفعل بوصول بعض هذه الأحزاب إلى الحكم كما هو الحال مع حزب “إخوة إيطاليا” عام 2022 وغيره في فرنسا وهولندا والمجر ودول أخرى، ومن المتوقع أيضا أن تُفرض قيود على السفر والتنقل بحرية بين دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب رغبة الأحزاب اليمينية في تعزيز المصالح الوطنية لكل دولة بشكل فردي، مما يتعارض مع مزايا تأشيرة “شنغن” التي كانت تتيح حرية التنقل لبلدان الاتحاد السبع والعشرين.[10]
الحرب الأوكرانية: تشهد بعض التيارات اليمينية الصاعدة في الانتخابات الأوروبية تقاربًا مع موسكو، مما قد يترتب عليه ظهور نمط تفكير جديد ومغاير في إدارة الحرب وتحديد مستقبلها، فقد أسهمت حرب أوكرانيا، التي اندلعت في فبراير 2022، بشكل كبير في تفاقم الأزمات الاقتصادية في أوروبا وأدت إلى خروج مظاهرات تدعو للحد من المساعدات المالية الضخمة المقدمة لأوكرانيا منذ اندلاعها.
والجدير بالذكر أيضا أن اليمين المتطرف يشهد انقسامًا داخل البرلمان الأوروبي بشأن موقفه من روسيا، فمثلا، يُعتبر رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، أحد أجرأ السياسيين اليمينيين الذين يعبرون بشكل علني وواضح عن عدم رضاهم تجاه الحرب وعقوبات فرضتها أوروبا على روسيا، نجد على النقيض حزب “إخوة إيطاليا”، الذي حقق تقدمًا ملموساً أيضًا في انتخابات البرلمان الأوروبي؛ إذ تُعرب زعيمته ورئيسة الوزراء جورجيا ميلوني عن تأييدها للحرب ضد روسيا، ومن ثم فوصول أحزاب يمينية متطرفة إلى البرلمان الأوروبي أو إلى السلطة في بلدانها، قد يؤثر على مسار الحرب، وذلك أن بعضها لا تدعم استمرار هذه الحرب، وقد تدفع نحو تخفيض الدعم المالي والعسكري لكييف.[11]
تحول الطاقة: أدت حرب أوكرانيا إلى أكبر أزمة طاقة شهدتها أوروبا خلال هذا القرن، وقد صاحب ذلك قرارات الاتحاد الأوروبي بالتدرّج نحو الاستغناء عن الغاز والنفط الروسيين، مما تسبب بارتفاع هائل بالأسعار وفي ضوء ذلك بدأت بعض الدول مثل ألمانيا باتخاذ إجراءات لإعادة تفعيل وتعزيز استخدام المفاعلات النووية بدعم فرنسي واضح لهذه الخطوات.
كما توجه الاتحاد الأوروبي لتعزيز اللجوء للطاقة المتجددة والمفاهيم الحديثة كالاعتماد على الهيدروجين والميثان الحيوي كبدائل محتملة، ومن ثم فمع صعود الأحزاب اليمينية الرافضة لكثير من العقوبات المفروضة على روسيا ووقف استيراد الغاز والنفط منها تحديداً، فمن المرجح أن تتراجع برامج تحول الطاقة بالنظر لمواقف تلك الأحزاب.[12]
الحرب على غزة: فيما يتعلق بإسرائيل، فعلى الرغم من التاريخ المضطرب والمعاداة السامية التي عاشها اليهود في أوروبا، فهناك تزايد ملحوظ من المتطرفين الأوروبيين الذين يعتبرون “نتنياهو” حليفاً لا يمكن الاستغناء عنه، والعكس، ويُعزى هذا التقارب بشكل أساسي إلى التوجهات المشتركة المعادية للمسلمين بين إسرائيل وبعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
وبينما تدعو التكتلات الوسطية في البرلمان الأوروبي إلى الحفاظ على حق إسرائيل والدفاع عنها مع بقاء هامش للنقد والمساءلة، يتبنى بعض تكتلات اليمين المتطرف موقفًا غير مسبوق وغير مشروط بدعم إسرائيل، يشمل هذا الدعم العلني كامل تأييد بناء المستوطنات الجديدة ودعم الحكومات الإسرائيلية حتى لو ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادات جماعية؛ سواء كان ذلك ضد الفلسطينيين أو العرب من جنسيات أخرى، ومن ثم فمن المرجح أن تشهد الفترات المقبلة تداعيات مهمة ودعم غير مسبوق من تلك الأحزاب لصالح إسرائيل والتأثير على مسار الحرب في غزة.[13]
وبناءا على ما سبق، فإنه بالرغم من التوقعات التي تشير إلى أن صعود اليمين المتطرف قد يحدث زلزالاً سياسياً داخل المؤسسة السياسية في أوروبا في ظل وجود تحديات مستقبلية فيما يخص تشكيل الأغلبية المطلوبة داخل البرلمان الأوروبي لتمرير التشريعات أو لإجراء المفاوضات حول القضايا المحورية التي تهم شعوب الاتحاد، الا أن زيادة نفوذ هذه الأحزاب لا يشكل خطراً مباشراً بعد، في ظل التوازنات الحالية في البرلمان الأوروبي التي تضمن استقراراً نسبياً، علاوة على ذلك فإن الخطر المحتمل لهذه الأحزاب سيتلاشى تدريجياً مع تخليها عن بعض مواقفها ووعودها الأساسية عند مواجهتها للواقع الموضوعي حال وصولها إلى السلطة، ومع ذلك، وبالنظر الى تفاقم الظروف الاقتصادية والاجتماعية على مستوى القارة وانعدام الاستقرار الأمني عالميا، فمن المتوقع أن تستمر الاتجاهات الشعبوية القائمة على إثارة مشاعر الجماهير المحبطة وتحفيزها عاطفياً بدون قدرة حقيقية على تطبيق حلول عملية ملموسة لفترة معينة.
المصادر:
[1] الانتخابات الأوروبية.. ما سر صعود اليمين المتطرف في أوروبا؟، الجزيرة، يونيو ٢٠٢٤. https://rb.gy/4dbiti
[2] فاطمة شوقي،”ماذا يعنى فوز اليمين المتطرف فى الانتخابات الأوروبية؟.. تقدم الأحزاب الشعبوية تحدث زلزال أوروبى.. ماكرون يحل البرلمان.. رئيس وزراء بلجيكا يستقيل.. النتيجة كارثية على ألمانيا.. وفى إيطاليا استفتاء على ميلونى”، اليوم السابع، يونيه ٢٠٢٤. https://rb.gy/vyxtxu
[3] ربي خدام الجامع، تداعيات الانتخابات الأوروبية: هل يتغير ميزان القوى في الاتحاد؟، سوريا تي في، يونيو ٢٠٢٤. https://rb.gy/5ssi68
[4] المرجع نفسه.
[5] انتخابات أوروبا: تصدر المحافظين وصعود اليمين الشعبوي، DW، يونيو ٢٠٢٤. https://rb.gy/wpgaoc
[6] فاطمة شوقي،”ماذا يعنى فوز اليمين المتطرف فى الانتخابات الأوروبية؟.. تقدم الأحزاب الشعبوية تحدث زلزال أوروبى.. ماكرون يحل البرلمان.. رئيس وزراء بلجيكا يستقيل.. النتيجة كارثية على ألمانيا.. وفى إيطاليا استفتاء على ميلونى”، مرجع سابق.
[7] ربي خداع جامع، مرجع سابق.
[8] تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية.. الأسباب والتداعيات، الحرة، يونيو ٢٠٢٤. https://rb.gy/0ba4lw
[9] نتائج انتخابات أوروبا.. تغييرات كبرى منتظرة في 5 ملفات حاسمة، سكاي نيوز عربية، يونيو ٢٠٢٤. https://rb.gy/yyedb2
[10] المرجع نفسه.
[11] تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية.. الأسباب والتداعيات، مرجع سابق.
[12] نتائج انتخابات أوروبا.. تغييرات كبرى منتظرة في 5 ملفات حاسمة، مرجع سابق.
[13] هاني عضاضة، انتخابات البرلمان الأوروبي: ماذا يعني صعود اليمين المتطرّف؟، منصة درج، يونيو ٢٠٢٤. https://rb.gy/g07yb4