تمضى إثيوبيا فى سياسة فرض الأمر الواقع غير عابئة بالاتفاقيات الدولية المنظمة لنهر النيل وتسعى من وراء ذلك لإلغاء الاتفاقيات القائمة على أمل تنظيم وضع جديد يكون لإثيوبيا فيه الهيمنة على النيل الأزرق على حساب “مصر والسودان”، واستغلت إثيوبيا التعامل مع حوض النيل على أنه وحدة واحدة لتستدعى دول المنبع الأخرى فى قضاياها ومناقشاتها فى مواجهة مصر والسودان، ولتمرر إثيوبيا روايتها على أنها رواية الأغلبية لدول حوض النيل وهو ما ظهر جليا عند التوقيع على اتفاقية عنتيبى 2010، التى قسمت دول حوض النيل الى دول منبع (الأغلبية) ودولتى مصب (الأقلية)، وتم رفض مقترحات مصر التى تحمى أمنها المائى مثل: مثل احتفاظ مصر والسودان بحق النقض على المشروعات على النيل والإخطار المسبق.
ولدى دول روافد النيل الأبيض والبحيرات الاستوائية مشكلة فى إدارة مياه النهر، فرغم أن كمية الأمطار المكونة للنهر عند بحيرة فيكتوريا تصل الى 118 مليار متر مكعب، فإنه لا يصل منها عند مصر سوى 13 مليار متر مكعب وهى حصة مصر،فحصةمصرفيالنيلالأبيضهىحصةأقلية،بينماالنسبةالأكبرمنمياهالأمطارالمكونةلبحيرةفيكتوريا والنيلالابيضيتمإهدارهانتيجةالبخربسببدرجات الحرارةالمرتفعةدونوجودجهودحثيثةلتلافىتلكالمشكلة.
وتسهم المياه القادمة من البحيرات الاستوائية بـ13 مليار متر مكعب أى 15% من مياه النيل، بالتالى محاججة تلك الدول لمصر بأنها صاحبة النصيب الأكبر غير واقعية، فهى انعكاس لاستثارة إثيوبيا باعتبارهم “دول منبع”، وهو ما يوضح حاجة مصر لإزالة التصورات والفهم الخاطئ عن استحواذها على النصيب الأكبر من مياه النيل والبدء فى ممارسات عملية تأكد التمسك بالاتفاقيات التاريخية.
وهنا تظهر فكرة “تقسيم حوض النيل” إلى أقاليم أو قطاعات حسب روافده الأساسية، ويمكن اعتبار “إعلان المبادئ المشتركة 2015” – الذى اتجه لتنظيم عمل السد الإثيوبي- اتفاق سياسى قدم الخطوة الأولى لفصل التنظيم القانونى للنيل الأزرق عن النيل الأبيض، حيث ينص الإعلان على أن البلدان المعنية – وهى مصر والسودان وإثيوبيا فقط- “ستستخدم مصادر المياه المشتركة -أى النيل الأزرق- بطريقة عادلة ومناسبة”، مع الأخذ فى الاعتبار العناصر “الطبيعية” و”المناخية”، و”الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية”، و”احتياجات السكان التي تعتمد على مصادر المياه”، و”الاستخدامات الحالية والمحتملة لمصادر المياه”، وهو الاتفاق الذى وقعته الدول الثلاث دون دول حوض النيل الأبيض.
ويرى خبراء أن شؤون مياه النيل الأبيض ينبغى أن تناقش من حيث تبادل المنافع وتلافى الأضرار بين الدول التى يجرى بينها فقط، وهى كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبروندى والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والسودان ومصر، ويتم بحث سبل إدارة المياه واستقطاب الفواقد ومنع الإهدار وإقامة سدود توليد الكهرباء أو تخزين المياه للرى بين هذه الدول بعيدًا عن إثيوبيا، والتى ليس لها شأن مطلقًا بالنيل الأبيض.
ويمكن ترجمة ذلك من خلال مأسسة التعاون المائى وإبراز جهود مصر فى التنمية فى دول حوض النيل الأبيض مثل مبادرتها للربط الملاحى بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، ونجاحها فى بناء سد «جوليوس نيريرى» فى تنزانيا، واستلهام تجربة التعاون الناجح فى حوض نهر النيجر بإنشاء “هيئة حوض نهر النيل الأبيض” لتجمع فى عضويتها دول حوض النيل الأبيض بغرض تعزيز الإدارة المتكاملة لموارد المياه عبر الحدود، ويمكن تحقيق هذا التقدم من خلال دمج البيانات الفنية حول الهيدرولوجيا والجغرافيا فى نظام النهر مع السياسة الاقتصادية للدول الأعضاء.
ويتبقى تقسيم النيل الأبيض، بما يدفع باتجاه التخلص من منطق تقسيم الدول إلى دول منبع ودول مصب، إلى ثلاثة أنظمة هيدرولوجية هى:
دول البحيرات الاستوائية: أوغندا – تنزانيا – الكونغو – كينيا.
دول روافد النيل الأبيض: رواندا – بوروندى – جنوب السودان.
دول الشمال: مصر – السودان.
وهو ما يجعل التباين الجغرافى والهيدرولوجى أوضح مما يساعد فى تحديد أفضل وأدق لطبيعة المشروعات المائية المزمع إنشاؤها لتعظيم المنافع.
كما أن الممارسة العملية لتنظيم أوضاع المياه فى حوض النيل الأبيض تخلق وضعًا قانونيًا يمكن المحاججة به بشأن حوض النيل الأزرق، فاتفاقية 1953 الموقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا، بخصوص إنشاء خزان “أوين” عند مخرج بحيرة فيكتوريا، أشارت إلى أن بناء خزان أوين سيتم وفقًا لروح اتفاقية 1929، كما تعهدت بريطانيا فى تلك الاتفاقية نيابة عن أوغندا، بأن إنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء لن يكون من شأنهما خفض كمية المياه التى تصل إلى مصر، أو تعديل تاريخ وصولها إليها، أو تخفيض منسوبها بما يسبب أى إضرار بمصلحة مصر، ثم جاءت اتفاقية 1991: بين مصر وأوغندا، وهدفها التأكيد على اتفاقية 1953، وقد وقَّعها الرئيس المصرى حسنى مبارك والرئيس الأوغندى يورى موسيفينى، وتُعَد هذه الاتفاقية اعترافًا ضمنيًا باتفاقية 1929.