شهدت أمريكا الجنوبية موْجاتٍ مستمرةً من الانقلابات العسكرية على مدار التاريخ، وكان آخرها المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفَّذها قائد الجيش السابق الجنرال خوان خوسيه زونيغا، والتي ألقت بظلالها على أحداثٍ مثيرةٍ في البلاد اللاتينية؛ الأمر الذي دفع القادة الإقليميين والدوليين إلى التنديد على تلك الأوضاع؛ لما لها من تداعيات سلبية، تركت بصمتها على المنطقة والنظام الدولي ككل.
الانقلاب العسكري على الحُكْم في بوليفيا
شهدت بوليفيا، مساء الأربعاء، أزْمَةً سياسيةً جديدةً، وحالةً من الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي، على وقْع حادث الانقلاب العسكري، الذي قام به عسكريُّون مُنْشَقُّون يقودهم الجنرال خوان خوسيه زونيغا؛ إذ قامت تلك القوات باقتحام القصر الرئاسي والمباني الحكومية بمركبات مدرعة وسط العاصمة لاباز، في خطوةٍ تُعدُّ بمثابة محاولةٍ للتمرُّد العسكري على النظام الحاكم، لتغيير الحكومة وإعادة هيكلة الديمقراطية في البلاد، ولكن هذا الانقلاب سُرْعان ما باء بالفشل، ولم يستمر لأكثر من ساعات معدودة، وتمَّ القبض على زونيغا ومعاونيه، فضلًا عن تعيين قادةٍ جُدُد للجيش والبحرية والجوية، أدَّت اليمين الدستورية أمام الرئيس آرسي في القصر الرئاسي.[1]
توقيت حسَّاس وظروف مُعقَّدة
تزامنت تلك الأحداث مع انتشار شائعات، بشأن الإطاحة بقائد الجيش خوان زونيغا، قبْل يومٍ واحدٍ فقط من الانقلاب، على إثْر تهديداته المستمرة بمنْع الرئيس السابق إيفو موراليس من الترشُّح للانتخابات الرئاسة مرَّةً أُخرى، المقرَّرة العام المقبل، مُدَّعِيًا أنه غير مؤهل من الناحية القانونية، ولم يعُدْ بإمكانه أن يكون رئيسًا للدولة، وفي هذا السياق، تجْدُرُ الإشارة إلى تولِّي موراليس الرئاسة سابقًا، في الفترة من 2006 إلى 2019، وذلك بعد إعادة انتخابه في 2009، ومرة أخرى في 2014، ثمَّ استقال موراليس من الرئاسة عام 2019، على هامش الاضطرابات والاتهامات الاجتماعية بتزوير الانتخابات.[2]
كما جاءت محاولة الانقلاب بالتزامن مع أزمة اقتصادية حادَّة، وفي الوقت الذي واجهت فيه البلاد شهورًا من المعارك والتوتُّرات السياسية بين الرئيس الحالي لويس آراسي، وحليفه السابق موراليس، بشأن السيطرة على الحزب الحاكم، وبالتالي أسفرت تلك الاشتباكات إلى شَلِّ جهود الحكومة للتعامُل مع الأزمة الاقتصادية.
تداعيات الانقلاب الفاشل في بوليفيا:
تُعرف بوليفيا بتاريخها المضطرب والمليء بالتوتُّرات السياسية، فقد شهدت إلى ما يقْرُب من 200 انقلاب وثورة، منذ أن حصلت على استقلالها عن إسبانيا، وتُعدُّ محاولة الانقلاب الحالية، الحدث الثاني مُنْذُ عام 2019، عندما تمَّت الإطاحة بموراليس، في انقلابٍ دعمته الحكومة الأمريكية، وبينما تواجه بوليفيا محاولةً انقلابيةً أُخرى لإقالة الرئيس آرسي، فإن الدولة تقع على حافَّة الهاوية، ومن المتوقع أن ينْجُمَ عن هذا الانقلاب مزيدٌ من التداعيات والتأثيرات السلبية على الداخل البوليفي المُحتدِم بالاضطرابات السياسية، والتي قادت إلى مزيدٍ من الرُّكُود الاقتصادي الذي تُعاني منه بوليفيا، في ظِلِّ استنفاد احتياطي البنك المركزي من العُمْلة الصعبة، ووسط نُضُوب صادرات الغاز في تلك الدولة الحبيسة؛ إذ أعاد الانقلاب العسكري الفاشل بوليفيا إلى بوْتقة مشتعلة من الصراعات السياسية، التي شكَّلت أحد أهم عوامل تقويض الأمن وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، فمن الناحية الاقتصادية، نجد أن الدولار الأمريكي قد ارتفع بمقدار 20 نقطةً في السوق السوداء، وبالتالي يبدو أن هناك حالةً من عدم اليقين الاقتصادي المرتبط بالانخفاض الهائل في قيمة العُمْلة في فترة ما قبْل وبعد الانقلاب.[3]
وتجْدُرُ الإشارة هنا أيضًا إلى أحد مظاهر الانقسامات الداخلية في بوليفيا، حينما أعلنت الرئاسة قطْع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، على هامش أحداث السابع من أكتوبر؛ الأمر الذي أجَّجَ الانقسام بين الحزب الحاكم، والمعارضة التي تميل إلى البقاء، على وِفَاقٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
الرُّدود الدولية على الانقلاب العسكري في بوليفيا:
راقب المجتمع الدولي عن كَثَبٍ تطوُّر الأوضاع في بوليفيا، خاصَّةً بعد مطالبة الرئيس البوليفي للتدخُّل الدولي للمساعدة؛ ما سلَّط الضوء على خطورة الوضْع؛ نظرًا للتداعيات الكبيرة الناجمة عن تلك الأحداث على المنطقة والنظام الدولي ككل، فقد أدان القادةُ الإقليميُّون والدوليُّون محاولةَ الانقلاب الفاشلة على الرئيس آرسي، وفيما يلِي أبرز الإدانات الإقليمية والدولية الخاصة بالانقلاب:
فمن جهته، ندَّدَ الرئيس البوليفي، بالتحرُّكات غير الشرعية لوحدات الجيش، مطالبًا بالتنظيم والتعبئة للحفاظ على الديمقراطية، كما أعلن البيت الأبيض أيضًا عن متابعته للأوضاع، داعيًا إلى الهدوء من أجل الاستقرار، أمَّا رئيس الوزراء الإسباني، فقد ندَّد بالانقلاب ودعا إلى احترام الديمقراطية وحُكْم القانون، ومن جانبها، ندَّدت الحكومة البرازيلية بمحاولة الانقلاب، وأعلنت عن تضامنها ودعمها للرئيس آرسي، أمَّا روسيا فقد أعربت عن قلقها البالغ، داعيةً جميع القوى السياسية إلى التكاتُف؛ من أجل تعزيز المجتمع البوليفي وضمان استقراره والحفاظ على سيادته، كما أعربت الخارجية الصينية، عن ثقتها في قدرة الحكومة البوليفية، في الحفاظ على الأمن والاستقرار بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها الدولة، وأدان قادةُ كُلٍّ من “الإكوادور، والمكسيك، وتشيلي، والبيرو، وكولومبيا، وفنزويلا” الانقلاب، مطالبين باحترام الديمقراطية والدستور في بوليفيا، ومن جانبه، أدان الاتحاد الأوروبي الانقلاب العسكري في بوليفيا، واعتبره محاولةً لخرْق النظام الدستوري والإطاحة بالحكومات المُنْتَخَبَة ديمقراطيًّا، أمَّا الأمم المتحدة، فقد أعربت عن قلقها العميق، بشأن الأوضاع في بوليفيا، ودعت لإجراء تحقيقٍ شاملٍ، فيما يتعلق بمزاعم العُنْف المحيطة بالانقلاب الفاشل.[4]
ختامًا:
يمكن القول: إنه على الرَّغْم من فشل محاولة الانقلاب العسكري في بوليفيا، وافتقارها إلى أيِّ دعْمٍ حقيقيٍّ، خاصَّةً بعدما وحَّدَ منافسو الرئيس آرسي صفوفهم للدفاع عن الديمقراطية، فإن التوتُّرات السياسية الناجمة على وقْع تلك الأحداث لا تزال قائمةً، ومن المتوقع، أن تُلْقِي بظلالها على الانتخابات الرئاسية القادمة، كما أن المجتمع الدولي ككل ينظر إلى بوليفيا كدولة يمكن أن تُغيِّرَ حكومتها في أيِّ لحظةٍ؛ لذلك يتعين على الحكومة أن تدرك أن بوليفيا تسير بمسارٍ غير مضمونٍ وغير مُسْتَدَامٍ، وبالتالي لا بُدَّ من تنفيذ تدابيرَ تصحيحيةٍ لإصلاح الاقتصاد وتهدئة الأوضاع والتوتُرات السياسية الحالية، في خطوةٍ جادَّةٍ للتحرُّك نحو إجراء انتخابات رئاسية سِلْمِيَّة عام 2025.
المصادر:
[1] PAOLA FLORES AND MEGAN JANETSK, Bolivian general arrested after apparent failed coup attempt as government faces new crisis, AP news, 27 June 2024, available at: https://2u.pw/l4qSrYm9
[2] العربية، تفاصيل محاولة انقلابية فاشلة.. ماذا حدث في بوليفيا؟، 27 يونيو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/Mr7Wsydv
[3] Americas Quarterly, REACTION: Bolivia’s Failed Coup Attempt and What It Means, 27 June 2024, available at: https://2u.pw/Ev0r5eek
[4] مركز الاتحاد للأخبار، إدانات إقليمية ودولية واسعة لمحاولة الانقلاب في بوليفيا، 28 يونيو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/hHrYagW2
