المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > من قيصري التركية إلى شمال سوريا: قراءة في الدوافع وتصاعد الأحداث
من قيصري التركية إلى شمال سوريا: قراءة في الدوافع وتصاعد الأحداث
- يوليو 3, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: أماني السروجي
باحثة في الشئون التركية
شهدتْ مناطقُ في ريفيِ حلب وإدلب شمالَ غربيِ سوريا خروجَ مئاتِ المتظاهرينَ رافضينَ للوجودِ التركيِ في المنطقةِ، وتخللتْ هذه التظاهراتِ إشتباكاتِ عنيفةٌ بين الجيشِ التركيِ والمسلحين، وإقتحاماتٍ لمبانٍ تحتَ إدارةِ الحكومةِ التركية، فضلاً عن قيامِ بعضِ الشبابِ السورىِ بإحراقِ العلمِ التركي، والهجومِ على المقارِ والنقاطِ التابعةِ للجيش التركي، وهو ما دفعَ تركيا لإغلاقِ معبرِ بابِ الهوى وثلاثِ معابرَ أخرى لحينِ إشعارٍ آخر، وهي الممراتُ الرئيسيةُ لعبورِ حركةِ التجارةِ والركابِ لأكثرَ من 3 ملايينَ نسمة، وقد جاءَ هذا بعد أحداثِ مدينةِ القيصري وإنتشارِ صورٍوفيديوهاتٍ لاعتداءاتِ شبابٍ أتراكٍ على متتلكاتِ السوريين، كما جاءَ ذلك في ظلِ تصريحاتِ أردوغان لتطبيعِ العلاقاتِ مع نظامِ بشار الأسد، لذا سوفَ يستعرضُ هذا التقريرُ أحداثَ 30 يونيو في مدينةِ قيصري، والاشتباكاتِ بين المسلحينَ والجيشِ التركيِ في شمالِ سوريا، فضلاً عن توضيحِ الموقفِ التركيِ إزاءَ هذه التوتراتِ، ومحاولةِ الوصولِ إلى الأسبابِ الحقيقيةِ التي تكمنُ خلفَ تلكَ الأحداثِ.
أحداثُ الشغبِ والتخريبِ بولايةِ قيصري التركية:
انتشرَ فيديو في 30 يونيو على منصاتِ التواصلِ الإجتماعيِ يُظهرُ تعدى شابٍ سورىِ الجنسيةِ على فتاةٍ تركيةٍ تبلغُ من العمرِ 5 سنوات في منطقةِ دانشمنت غازي بولايةِ قيصرى التركية، وتبعهُ انتشارُ أخبارٍ مغلوطةٍ ومنشوراتٍ استفزازيةٍ على وسائلِ التواصلِ المختلفةُ، محرضةً على أعمالِ العنفِ ضد اللاجئيينَ السوريين، أدتْ إلى إندلاعِ سلسلةٍ من الاعتداءاتِ والهجماتِ والتدميرِ وإحراقٍ جماعيٍ من قبلِ العشراتِ من الشبانِ الأتراكِ على ممتلكاتِ سوريين بالولايةِ، حيثُ قاموا بحرقِ محالٍ تجاريةٍ والهجومِ على سياراتِ سوريينَ، ورمِي البيوتِ بالحجارةِ وتكسيرِ زجاجِ النوافذِ.
وعلى الرغمِ من قيامِ وحداتِ الأمنِ باعتقالِ المتهمِ، ووضعتْ الجهاتُ المختصةُ الطفلةَ تحتَ الحمايةِ، و أصدرتْ حاكمةُ ولايةِ قيصري بياناَ توضحُ فيه ان المتهمَ والطفلةَ هما أقرباءٌ من أصحابِ الجنسيةِ السوريةِ، و أكدتْ أن الولايةَ تتابعُ الموضوعَ بعنايةٍ فائقةٍ، ودعتْ المواطنينَ إلى التحلِي بالهدوءِ وضبطِ النفسِ وعدمِ الانخراطِ في أي أعمالٍ غيرِ مصرحٍ بها من قبلِ السلطاتِ الرسميةِ، إلا أن الشبابَ التركيَ استمروا في الهجومِ متجاهلينَ جميعَ التصريحاتِ لاسيَّما التصريحُ الذي يتعلقُ بأن المتهمَ يعاني من أضطراباتٍ عقليةٍ، واستمروا في أعمالِ التخريبِ والهجومِ، فتدخلتْ قواتُ الأمنِ لفضِ هذه الأعمالِ، واعتقلتْ 67 شخصاً، وتفرقَ التجمعُ بعد الساعةِ الثانيةِ فجراً، وبدأتْ الأجهزةُ الأمنيةُ باتخاذِ الإجراءاتِ القانونيةِ المناسبةِ بحقِ المتورطين في أعمالِ العنفِ والشغبِ التي انتشرتْ في المدينةِ، كما تمَ فتحُ تحقيقاتٍ ضد الأفرادِ الذين نشروا منشوراتٍ تدعوا للعنفِ والفتنةِ.
إشتباكاتِ بين المسلحينَ والجيشِ التركيِ في شمالِ سوريا:
يبدو أن الأمرَ لم يتوقفْ عند حدودِ مدينةِ قيصرى التركيةِ بل ازدادَ الأمرُ سوءاً بعدما جاءَ الردُ على ما حدثَ من اعتداءاتٍ على السوريينَ في قيصرى، من شمالِ سوريا، حيثُ أندلعتْ تظاهراتٌ غاضبةٌ تهددُ وتستنكرُ أحداثَ قيصري، في ريفي حلبِ وإدلب شملتْ مدنَ البابِ وإعزاز والراعي وعفرين وجرابلس، وصولاً إلى معبرِ بابِ السلامةِ الحدوديِ معَ تركيا، مناهضةً للجيشِ التركيِ، بالإضافةِ إلى اقتحاماتٍ لمبانٍ تديرُها الحكومةُ التركيةُ، واشتباكاتٍ عنيفةٍ بين الجيشِ التركيِ ومسلحين، مما دفعَ الجيشَ التركيَ إلى إرسالِ تعزيزاتٍ إلى الشمالِ السوريِ، في اتجاهِ المعابرِ الحدوديةِ مع إدلب وحلب.
وقد أوضحتْ بعضُ التقاريرِ أن العشراتِ من المسلحينَ تجمعوا عندَ دوارِ مدينةِ الراعي، شمالي حلب، لمنعِ دخولِ الأرتالِ والشاحناتِ التجاريةِ التركيةِ، واقتحمَ المحتجونَ مركزَ البريدِ التركيِ في مدينةِ الراعيِ، وطردوا الموظفينَ الأتراكَ منه، كما اشتبكَ الجيشُ التركيُ والمسلحونَ في عفرين، عندَ معبرِ بابِ السلامةِ، واطلقَ المسلحونَ الرصاصَ على المدرّعاتِ التركيةِ في المكانِ، واقتحموا مقرَّ الواليِ التركي في منطقةِ عفرين، وإما عن الأتاربِ فقد شهدتْ أيضًا احتجاجاتٍ سيطرَ خلالهَا المسلحون على مدرّعةٍ تابعةٍ للجيشِ التركيِ في المنطقةِ، مما أدىَ إلى تدخلِ الجيشِ التركي ووقوعِ عددٍ من الإصاباتِ في صفوفِ المسحلينَ، هذا فضلاً عن احتجاتِ المسلحين أمامَ مبنى النفوسِ في مدينةِ أعزاز، مطالبينَ الموظفينَ بإخلاءِ المبنى، والعودةِ إلى تركيا.
وعلى أثرُ هذه الأحداثِ قامتْ تركيا بإغلاقِ معابرِ الراعي وبابِ السلامةِ وجرابلس، في ريفِ حلب، لحينِ إشعارٍ آخرَ، فاتجهَ المتظاهرونَ نحو معبرِ بابِ الهوى شماليِ إدلب التي تسيطرُ عليها هيئةُ تحريرِ الشامِ وفصائلُ متحالفةٌ معها، وهاجمَ شبانُ نقاطَ الجيشِ التركيِ في قرى الأتارب والأبزمو وتقاد، وأنزلوا الأعلامَ التركيةَ وخربوا السواترَ المحيطةَ، واعتدوا على المصفحاتِ العسكريةِ، مما دفعَ هيئةَ تحريرِ الشامِ نحو إغلاقِ الطريقِ على المتظاهرينَ وإرسالِ تعزيزاتٍ كبيرةٍ إلى بابِ الهوى، لمنعِ المتظاهرين من مهاجمةِ قواتِ أنقرةَ في المعبرِ بعدما قامَ أحدُ المتظاهرين بإحراقِ العلمِ التركيِ، وقامتْ تركيا بإغلاقِ معبرِ بابِ الهوى.
ردودُ الفعلِ التركيةِ تجاهَ التوتراتِ الجاريةِ:
1- الرئاسةُ التركيةُ:
أكدَ الرئيسُ التركيُ أردوغان إن “الخطابَ المسمومَ للمعارضةِ” هو أحدُ الأسبابِ وراءَ أحداثِ العنفِ التي استهدفتْ لاجئين سوريينَ في مدينةِ قيصري (وسط تركيا)، إثر مزاعمَ بتعدىِ شابٍ سوريٍ على طفلةٍ، كما اضافَ – خلالَ اجتماعهِ مع الإداراتِ المحليةِ لحزبِ العدالةِ والتنميةِ – إنه من العجزِ اللجوءُ للكراهيةِ لتحقيقِ مكاسبَ سياسيةٍ، كما أشارَ إلى انَ التمييزَوالتهميشَ لم ولن يجدا مكاناَ في سياساتِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ.
2- وزارةُ الداخلية التركية:
قالَ وزيرُ الداخليةِ التركيِ علي يرلي قايا، إنه في أعقابِ الحادثِ البشعِ الذي وقعَ في قيصري نُفذت أعمالٌ استفزازيةٌ ضد السوريينَ في جميعِ أنحاءِ بلادنِا امتداداً للاضطراباتِ التي بدأتْ في وقتٍ متأخرٍ من يومِ الأحد في مدينةِ قيصري وصولاً إلى كلٍ من هطاي، غازي عنتاب، قيصري، كونيا، بورصة، وحيِ سلطان بايلي في إسطنبول.
كما أضافَ في بيانٍ على حسابهِ أن الشرطةَ في تركيا اعتقلت 474 شخصاً شاركوا في هجماتٍ استهدفتْ الجاليةَ السوريةَ في أنحاءِ البلادِ، و تبينَ أن بينهم 285 من أصحابِ السوابقِ الجنائيةِ في جرائمَ مختلفةٍ تهريبِ المهاجرين، التعديِ بالضربِ، المخدرات، وغيرِها. كما أعلنَ أنه جرتْ مشاركةُ 343 ألفَ تغريدةٍ من نحوِ 79 ألفِ حسابٍ على منصةِ «إكس»، عقبَ الاستفزازاتِ في قيصري، وأن 37 في المائة من الحساباتِ جرى تحديدُها على أنها روبوتاتٌ، واضافَ مشدداً «لن نتسامحَ مع من يهددُ السلامَ وأمنَ بلادِنا بمنشوراتٍ استفزازيةٍ وخطاباتِ كراهيةٍ».
وإما عن أحداثِ شمالِ سوريا فقد استنكرتْ وزارةُ الخارجيةِ التركيةِ، استغلالَ أحداثِ ولاية قيصري كأداةٍ للاستفزازِ خارجَ حدودِ البلادِ، وقالتْ الوزارةُ «ليس من الصوابِ استغلالُ الحوادثِ المؤسفةِ التي وقعتْ في ولايةِ قيصري وأطلقتْ إجراءاتٌ عدليةٌ بحقِ المتورطين بها، كأداة للاستفزازِ خارجَ حدودِنا. الجهودُ والموقفُ المبدئيُ الذي تبديهِ تركيا من أجلِ سلامةِ الشعبِ التركي، يفوقُ جميعَ أشكالِ الاستفزاز»
3- وزارةُ العدلِ:
أعلنَ يلماظ تونش، وزيرُ العدلِ التركيِ، فتحَ تحقيقٍ بشأنِ حادثةِ الاعتداءِ على العَلمِ التركي في شمالِ سوريا التي ظهرتْ في مقاطعَ مصورةٍ انتشرتْ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ، وأعلنَ عبرَ حسابهِ في إكس إن مكتبَ المدعي العامِ في أنقرة فتحَ تحقيقاَ بسببِ «إهانة رموز سيادة الدولة»، مضيفاً أن «عدمَ الاحترامِ والاعتداءاتِ القبيحةِ على عَلمِنا المجيدِ الذي يأخذُ لونَه من دماءِ شهدائِنا الأحباءِ أمرٌ غيرُ مقبولٍ على الإطلاقِ».
4- المعارضةُ التركيةُ:
نشرَ حزبُ الشعبِ الجمهوريِ تغريدةَ ألقىَ فيها باللومِ على أردوغان وحكومتِه، قال فيها، أن أردوغان وحكومتَه هي المسؤولُ الرئيسيُ عن المشهدِ الكارثيِ الحاليِ، وأن سياسةَ تركيا الخاصةَ بالشرقِ الأوسطِ وسياستَها المتعلقةَ بسوريا واللاجئين قد أنهارتْ، كما اضافَ ان أردوغان تسببَ بانهيارِ سوريا بالسياسةِ التي يتبعُها وحولَ تركيا إلى مستودعٍ عالميٍ للاجئين ولم يخجلْ من التساومِ مع أوروبا على حياةِ هؤلاءِ اللاجئيين، وعلى تركيا الالتزامُ بتطبيقِ مبدأِ عدمِ التدخلِ في شؤونِ الجيرانِ الذي شكلَ حجرَ الأساسِ لعهدِ أتاتورك، وإعادةَ تحديدِ سياستِها بشأنِ سوريا وإدراكِ أن استمرارَ الوضعِ الراهنِ بلغَ طريقاَ مسدوداَ، كما دعا الحزبُ إلى مواصلةِ عمليةِ التطبيعِ معَ إدارةِ الأسد، ودعا المواطنينَ إلى الاعتدالِ والحذرِ من الأعمالِ الاستفزازيةِ التي قد تحدثُ في مثلِ هذه الأجواءِ.
أبرزُ أسبابِ التوتراتِ والأحداثِ الأخيرةِ في شمالِ سوريا:
على الرغمِ من أن الأحداثَ الأخيرةَ وأعمالَ العنفِ في شمالِ سوريا جاءتْ كردِ فعلٍ على ما حدثَ في تركيا في 30 يونيو في مدينةِ قيصرى من اعتداءاتٍ على السوريينَ وممتلكاتهِم إلا أنها ليستْ السببَ الرئيسيَ في إندلاعِ هذه الأحداثِ فقد كانت فقط الشرارةَ التى أدتْ إلى إندلاعِ هذه التوتراتِ، ويوجدُ أسبابٌ أخرى خلفَ هذه الأحداثِ تتمثلُ أبرزُها في:
التقاربِ الأخيرِ بين الجانبِ التركي والسورى، فقد صرحَ الرئيسُ أردوغان في 28 يونيو للصحفيينَ، أنه «لا يوجدُ أيُّ سببٍ لعدمِ إقامةِ علاقاتٍ بين تركيا وسوريا، وأننا مستعدونَ للعملِ معاً على تطويرِ العلاقاتِ مع سوريا تماماً كما فعلنَا في الماضي،ولا يمكنُ أن يكونَ لدينا أبداً أيُّ نيةٍ أو هدفٍ مثلُ التدخلِ في الشؤونِ الداخليةِ لسوريا»، وعلى الجانبِ الآخرِ ابدىَ الرئيسُ السوريُ، بشار الأسد انفتاحَ سوريا على “جميعِ المبادراتِ المرتبطةِ بالعلاقةِ مع تركيا والمستندةِ إلى سيادةِ الدولةِ السوريةِ على كاملِ أراضِيها من جهةٍ، ومحاربةِ كلِ أشكالِ الإرهابِ وتنظيماتِه من جهةٍ أخرى”، خلالَ لقائهِ مع مبعوثِ الرئيسِ الروسيِ، ألكسندر لافرنتييف.
أدتْ هذه التصريحاتُ إلى إثارةِ مخاوفَ وإستياءِ الكثيرِ من المعارضينَ السوريين، حيث أنه في حالِ قامتْ أنقرة بالتطبيعِ مع نظامِ بشار الأسد لن تسمحَ أنقرة لأي هيئات أو منظمات معارضة لنظامِ الأسد أن يعملَ أو يمارسَ أي أنشطةٍ على أراضيِها، والاعترافِ بنظامِ بشار الاسد سوف يعنِي أن تلكَ المعارضةَ لم تعدْ شرعيةً، مما يؤثرُ بدورهِ على موقفِ الدولةِ التركيةِ.
وأيضًا على أثرِ هذه التصريحاتِ أكدتْ “الإدارةُ الذاتيةُ الديمقراطيةُ لإقليمِ شمال وشرق سوريا” أن “أي اتفاقٍ مع الدولةِ التركيةِ يكرّسُ التقسيمَ وهو تآمرٌعلى وحدةِ سوريا وشعبِها” وهو مايعني أن مشاعرَ الاستياءِ والغضبِ في شمالِ سوريا لم تكنْ وليدةَ الساعةِ ولم تكنْ ققط بسببِ أحداثِ قيصرى فهي نابعةٌ من المخاوفِ المتعلقةِ بتصريحاتِ أردوغان، حيث يروا أن المصالحةَ وإن تمتْ فهي مؤامرةٌ كبيرةٌ ضد الشعب السوري بكلِ أطيافهِ وكذلكَ شرعنةِ واضحةٍ للاحتلالِ التركيِ.
إلا أنه لا يتوقعُ عودةُ العلاقاتِ بين تركيا وسوريا على النحوِ المتوقعِ، فالهدفُ الاساسيُ لتركيا من التطبيعِ مع نظامِ الاسد هو الحفاظُ على استقرارِ سوريا وعدم تقسيمِها عبرَ قواتِ سوريا الديمقراطيةِ وحزبِ العمالِ الكردستانيِ، حيث من شأنِ هذا التقسيمِ أن ينتقلَ لها، ولا يضمنُ لها التطبيعُ مع نظامِ بشارِ الأسد عدمُ قيامِ كيانٍ كرديٍ فمن الممكنِ أن يقامَ بموافقةِ بشار الأسد، كما أنه لا يتوقعُ أن تخلىَ تركيا المناطقَ التي تحتَ رعايتهِا في شمالِ سوريا لنظامِ الاسد، ولا يوجدُ نيةٌ لطردِ المعارضةِ السوريةِ من الأراضيِ التركيةِ.
عدمِ وجودِ قوانينَ رادعةٍ للعنصريةِ في تركيا، خلالَ السنواتِ الأخيرةِ تصاعدتْ حدةُ الكراهيةِ في تركيا تجاهَ اللاجئيين السوريين، لا سيَّما في ظلِ تصاعدِ خطابِ العنصريةِ ضد اللاجئيين من قبلِ المعارضةِ التركيةِ، وتحميلِهم أسبابَ معظمِ المشاكلِ التي تعيشُها البلادُ في الوقتِ الحاليِ حتى إن بعضَ الأحزابِ .القوميةِ واليمينيةِ خصتهُم بالمسؤوليةِ عن ارتفاعِ معدلاتِ الجريمةِ والبطالةِ في البلادِ، وهو ما نتجَ عنه سقوطُ قتلى وجرحي بدافعِ العنصريةِ، وعلى الرغمِ من اتخاذِ الحكومةِ التركيةِ إجراءاتٍ لمواجهةِ حملاتِ العنصريةِ والكراهيةِ، إلا أن الامرَ يزدادُ نظراً لغيابِ الموقفِ الحازمِ من جانبِ الحكومةِ التركيةِ، وعدمِ اتخاذِ إجراءاتٍ قانونيةٍ وتجريميةٍ بحقِ كلُ من يمارسُ السلوكَ العنصريَ، لذا يجبُ ان تعملَ الحكومةُ التركيةُ على سدِ الثغراتِ القانونيةِ التي يستفيدُ منها دعاةُ التحريضِ دونَ ردعٍ أو عقوباتٍ قانونيةٍ، كما يجبُ تحديدُ المصطلحاتِ السياسيةِ الاجتماعيةِ (فالمهاجرونَ غيرُ الشرعيينَ شيءٌ وتلفظُ أو ذكرُ جنسيةٍ معينةٍ شيءٌ آخرَ).
رغبةِ بعضِ الجماعاتِ في توجيهِ تركيا نحو إعادةِ ترتيبِ أولوياتها المتمثلةِ في مكافحةِ الإرهابِ، حيثُ تأتيِ هذه التوترات في ظلِ استعدادِ تركيا العسكريِ ضد حزبِ العمالِ الكردستاني، فقد أكدَ اردوغان ان بلادَه لن تتردَ في شنِ هجومٍ جديدٍ بشمالِ سوريا إن أجرتْ جماعاتٌ يقودُها أكرادٌ انتخاباتٍ في المنطقةِ، حيث تعتبرُ تركيا الميليشيا الكرديةَ المعروفةَ باسمِ وحداتِ حمايةِ الشعبِ “جماعة إرهابية” مرتبطةٍ بحزبِ العمالِ الكردستانِي، الذي يقودُ تمرداً ضد تركيا منذُ عامِ 1984، وترىَ تركيا أن إجراءَ إنتخاباتٍ من جانبِ الجماعاتِ الكرديةِ السوريةِ المسلحةِ هو خطوةٌ نحو إنشاءِ كيانٍ كرديٍ مستقلٍ عبر حدودِها، وهو ما يهددُ سلامةَ اراضيِ سوريا وتركيا، لذا لا يستبعدُ أن يكونَ لهذه الجماعاتِ يدٌ في تحريضِ السوريينَ في شمالِ سوريا وترتيبِ صفوفهِم للتظاهرِ والقيامِ بأعمالِ عنفٓ ضدَ الوجودِ التركيِ في المنطقةِ.
دعايةِ المعارضةِ السوريةِ ضد اللاجئين، وانتقاداتهِا لسياساتِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ، لذا استخدمتْ الملفَ السورىَ كأداةٍ لإثباتِ فشلِ سياساتِ الحزبِ الحاكمِ وتحقيقِ أهدافهِا السياسيةِ، وذلكَ من خلالِ استخدامِ قادةِ المعارضة التركية خلالَ السنواتِ الأخيرةِ الخطابِ العنصريِ ضد اللاجئيينَ السوريين، و تصويرِهم على أنهم عبءِ على الاقتصادِ والمجتمعِ التركىِ، وتضخيمِ التحدياتِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ المرتبطةِ بهم، وهو ما ظهرَ بوضوحٓ في الفترةِ قبلَ إجراءِ الانتخاباتِ العامةِ الأخيرةِ، حيثُ ساعدهَا ذلك على حشدِ عددٍ كبيرٍ من المؤيدينَ لها.
كما استمرتْ المعارضةُ في استخدامِ هذا الخطابِ بعد الإنتخاباتِ، فقد استمرَ زعيمُ حزبِ النصرِ ورئيسُ تحالفِ الأجدادِ السابقِ، أوميت أوزداغ، فى التصريحاتِ التحريضيةِ الواسعةِ، التى تدعو إلى طردِ كافةِ اللاجئينَ من الأراضىِ التركيةِ، وحذرَ من إقدامِ السوريين على القيامِ بأعمالِ شغبٍ على الأراضىِ التركيةِ، كما حدثَ من قبلِ المهاجرينَ غيرِ الشرعيينَ فى فرنسا.
وزارَ عددٌ من المؤثرينَ والساسةِ الأتراكِ المعارضين لوجودِ اللاجئين والمهاجرينَ فى تركيا، العاصمةَ السوريةَ دمشق، بهدفِ الترويجِ لفكرةِ أن الحربَ في سوريا أنتهتْ وان الأوضاعَ اصبحتْ مستقرةً وآمنةً، كما أشارَهؤلاء الزوارُ إلى أن اللاجئينَ السوريينَ لا يغادرون تركيا بحجةِ استفادتهِم من الخدماتِ المجانيةِ التى تقدمُها الحكومةُ التركيةُ.
فضلاً عن قدرةِ المعارضةِ التركيةِ في استخدامِ وسائلِ التواصلِ الإجتماعىِ وبعضِ وسائلِ الإعلامِ للترويجِ للشائعاتِ ضد السوريينَ خلالَ الفترةِ الأخيرةِ، فقد تداولتْ حساباتٌ مؤيدةٌ للمعارضةِ مقاطعَ فيديو لم يتمْ التحققُ منها، تظهرُلاجئينَ سوريين يقومونَ بالسباحةِ فى مناطقَ ببلديةِ إزمير يحظر فيها السباحة “مثيرينَ فزعَ المواطنين، كما انتشرتْ شائعةٌ أخرى تفيدُ بأن سوريين قاموا بتسميمِ كلبٍ وهاجموا منازلَ مواطنينَ أتراك، مما أدىَ إلى تنظيمِ مظاهرةٍ لمجموعةٍ من الشبانِ فى مدينة “ديلوفاسي” بولاية “كوجالى” تدعو إلى طردِ السوريينَ، وظهرَ لاحقاً أنها كانتْ مشاجرةً بين أشخاصٍ أتراكٍ على خلفيةِ وفاةِ الكلبِ، وأن السوريين الذين كانوا حاضرينَ لم يشاركوا فى الشجارِ.
لذا يبدو بشكلٍ كبيرٍ مساهمةُ المعارضةِ في إنتشارِ الفيديو المتعلق بتعدىِ الشابِ السورىِ على الفتاةِ الصغيرةِ، والمساهمة في نشرِ منشوراتٍ إستفزازيةٍ لتأجيجِ الفتنةِ بين الشعبِ التركي واللاجئين السوريين لاسيما بعدما أظهرتْ التحقيقاتُ أن ٣٧بالمئة من الحساباتِ التي ساهمتْ بتداولِ الفيديو جرى تحديدُها على أنها روبوتاتٌ.
وختامًا:
يمكنُ القولُ إن أحداثَ مدينةِ قيصرى لم تكنْ السببَ الوحيدَ خلفَ أعمالِ العنفِ والشغبِ في شمالِ غربِ سوريا بل يوجدُ أبعادٌ أخرى للموضوعِ ساهمتْ في تكوينِ مشاعرِ الغضبِ والاستياءِ لدى الشعبِ التركيِ والسوريِ، فقد عملتْ المعارضةُ التركيةُ على استخدامِ الخطابِ العنصرىِ ضدَّ اللاجئيينَ السوريين خلالَ السنواتِ الأخيرةِ، لما لهُ من تأثيراتٍ إيجابيةٍ في تحقيقِ أهدافهِا السياسيةِ وحشدِ المؤيدينَ لها، وهو ما ساهمَ في رسمِ صورةٍ سلبيةٍ لدى الشعبِ التركيِ تجاهَ اللاجئينَ السوريين وجعلهِم يبدون ردةَ فعلٍ كبيرةٍ تجاهَ حادثةِ تعديِ الشابِ السورى على الفتاةِ الصغيرةِ دونَ الإنتظارِ لمعرفةِ حقيقةِ الأمرِ، كما كان لتصريحِِ أردوغان تجاهَ نظامِ بشار الاسد دورٌ كبيرٌ في خلقِ مشاعرِ الغضبِ تجاهَ الوجودِ التركيِ في شمالِ سوريا، وكانت تلك الأحداث جميعها في ظلِ غيابِ قوانينَ رادعةٍ للعنصريةِ في المجتمعِ التركيِ بشكلٍ خاصٍ والمجتمعِ الدوليِ بشكلٍ عامٍ.
المراجع:
تركيا تغلق الحدود مع سوريا بعد اندلاع أعمال عنف في البلدين، الشرق الأوسط، 2 يوليو 2024.
https://2u.pw/YrODw6Tv
زيد سليم، معاذ العباس، اعتداءات على سوريين في قيصري التركية وتبعاتها تمتد إلى شمالي سوريا، موقع الجزيرة، 2 يوليو2024. https://2u.pw/mRIf1XPX
سوريا: عشرات المصابين في اشتباكات بين المسلحين والجيش التركي في ريفي حلب وإدلب، الميادين، 1يوليو 2024. https://2u.pw/cRPovc4C
أحداث عنف واعتداء على ممتلكات السوريين في تركيا، موقع بكرا، 2يوليو 2024. https://bokra.net/Article-1547541
تصاعد “الكراهية” في تركيا.. عوامل محرّضة واعتداءات لا حدود لها، موقع الحرة، 26يوليو 2024. https://2u.pw/YtojnSHJ
بعد تصريح بشار الأسد.. أردوغان يُعلق على إمكانية عودة العلاقات مع سوريا، موقع سي أن أن، 28يونيو2024. https://2u.pw/ALf2c5ef
سعيد عبد الرازق، اتساع الاحتجاجات ضد السوريين بتركيا وترجيح وجود «مؤامرة»، الشرق الاوسط، 2يوليو 2024. https://2u.pw/n6TBxR3g
أردوغان يتهم “الخطاب المسموم” للمعارضة بتفجير العنف ضد سوريين في قيصري، موقع الجزيرة ، 1يوليو 2024. https://2u.pw/IWTsXTsv
أحمد محمد فهمي، التوظيف السياسى للخطاب العنصرى المتزايد فى تركيا، مركز شاف، 15 اغسطس2023. https://shafcenter.org/التوظيف–السياسى–للخطاب–العنصرى–المتز/
الشعب الجمهوري يتهم أردوغان بالفشل في إدارة الملف السوري، جريدة زمان التركية، 2يوليو2024. https://2u.pw/R5nFkYog
تركيا وشمال سوريا.. مآلات وأبعاد “الصدع الخطير”، موقع الحرة، 2يوليو 2024. https://2u.pw/lbm8loGE
أحمد محمد فهمي، الحملات الأمنية التركية ضد المهاجرين غير الشرعيين.. المحفزات والأهداف، مركز شاف، 25يوليو 2023. https://2u.pw/XzsX1iW