تعرضت الدولة المصرية على مدار التاريخ للعديد من المؤامرات التي تستهدف أمنها واستقرارها ووحدة شعبها، إلا أنها نجحت فى كشف العديد من تلك المؤامرات والتصدي لها بفضل وعي الشعب المصري ووحدة الصف الوطني. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاطر قائمة تتطلب من الدولة المصرية وشعبها مواصلة اليقظة والحذر. ومن أبرز تلك المؤمرات ما تقوم به حركة الأفروسنتريك أو “المركزية الأفريقية” التي تسعى إلى الترويج لفكرة أن المصريين القدماء كانوا أفارقة سود البشرة، وذلك بهدف إضعاف الهوية المصرية وإثارة الانقسامات بين المصريين، ولقد بدأت هذه الحركة بالظهور ما بين عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، وتتمركز خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية عند الأفارقة الأمريكيين، وأصبح لها انتشار واسع بين الجاليات الإفريقية جنوب الصحراء في أوروبا، وبين الأفارقة جنوب الصحراء وعند الأقليات السوداء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.[1]
يؤيد أنصار المركزية الإفريقية عدة ادعاءات مثل أن مساهمات الأفارِقة السود قد تم التقليل من شأنها أو تشويه سمعتها كجزء من إرث الاستعمار وعلم أمراض العبودية المتمثل في “إخراج الأفارقة من التاريخ”. كما يدعي أتباع تلك النظرية أن الحضارة المصرية القديمة هي حضارة أفريقية سوداء، وأن المصريين المعاصرين هم أحفاد المستعمرين الذين توالوا على مصر. كما يزعمون أن الحضارة الإغريقية في اليونان أسسها المصريون، وأن حضارة اليونان كانت النواة لحضارة الغرب ومن ثم فإن الحضارات حول العالم منشأها الأفارقة السود. ومن هنا كان لا بد من التركيز على هذا الموضوع لما له من تداعيات سلبية على الهوية والحضارة المصرية، ولما أثارته هذه الحركة من ادعاءات يجب تفنيدها، وذلك من خلال التعرف على جذور الحركة الأفريقية وأبعادها، ومباديء عملها، وأيضًا التعرف على مزاعم الحركة الأفريقية والرد على ادعاءاتها، وأخيرًا ما السيناريوهات المستقبلية للهوية الأفريقية على مصر…
أولًا نشأة الأفروسنتريك وأبعادها:
بدأ ظهور حركة الأفروسنتريك أو “المركزية الأفريقية” منذ أواخر العشرينيات وبداية ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك بالتحديد في عام ١٩٢٨، وتتمركز خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية عند الأفارقة الأمريكيين، وأصبح لها انتشار واسع بين الجاليات الإفريقية في أوروبا، وبين الأفارقة جنوب الصحراء وعند الأقليات السوداء في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. تعود جذور الحركة إلى عالم الاجتماع والتاريخ الأمريكي الأسود الشهير دو بويز، والذي يعد أول من صك مصطلح Afro-centric للمرة الأولى كوصف للمشروع الذي أراد تدشينه باسم “دائرة المعارف الإفريقية” Encyclopaedia Africana على غرار “دائرة المعارف البريطانية”Encyclopaedia Britannica[2] ومع حلول الثمانينيات صاغ “موليفي اسانتي” أبرز المختصين في الدراسات الأفريقية مصطلح “الأفروسنتريزم”، وأسمى المُنتمين إليه والمعتقدين فيه “أفروسينتريك”، ليعبر عن تيار المركزية الأفريقية، وأصبح لديها انتشار واسع بين الجاليات الأفريقية في الولايات المتحدة وأوروبا، فضلًا عن الأقليات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ولقد اكتسبت النزعة المركزية الأفريقية شرعية كبيرة وصدى واسع في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، نتيجة لحركة الحقوق المدنية، والحركة متعددة الثقافات، وهجرة أعداد كبيرة من غير البيض، ولقد ازداد اتباعها بشكل كبير خلال الثمانينيات، عندما شعر العديد من الأمريكيين الأفارقة بالغربة عن “الثورة المحافظة” للرئيس رونالد ريغان، لكنهم في الوقت نفسه انجذبوا إلى دعوة المحافظين للعودة إلى القيم التقليدية، إن رد الفعل المعقد للأفروسينتريين على النهضة المحافظة انعكس بشكل كبير وعزز على حد سواء العناصر المحافظة في التفكير الأفريقي المركزي.[3]
وبشكل عام نجد أن “الأفروسينتريك” هي حركة عالمية تتمحور حول التعصب العرقي لأصحاب البشرة السوداء، حيث ظهرت في البداية بدعوى الإعلاء من شأن الثقافة الأفريقية وحمايتها من التزوير، إيماناً من أتباعها بأن هناك من عبث بسرد التاريخ العالمي ما نتج عنه تهميشهم. وبالفعل، بدأوا في البحث عن أي صلة تربطهم بالحضارات القديمة ونسب كل إنجاز بشري في أفريقيا لمن ينحدرون من أصول أفريقية ويتمتعون بالبشرة السمراء فقط لا غير.
وتتلخص رؤية المركزية الأفريقية للحضارة الفرعونية في اعتقادهم أن ملوك “كيميت” أي مصر القديمة والشعب المصري آنذاك ينحدرون من أصول أفريقية تحديدًا من سلالة “كوش”. فعلى سبيل المثال، يزعمون أن ملوك وملكات الفراعنة ذو ملامح أفريقية وبشرة سوداء، مثل الملكة تي زوجة امنحتب الثالث في الأسرة الـ١٨، وإختاتون ونفرتيتي وتوت عنخ آمون والملك سنوسرت وغيرهم. هم يرون أيضًا أن المصريين الحاليين لا علاقة لهم بالمصريين القدماء، لأن المصري القديم هاجر للجنوب تدريجيًا بعد دخول العرب إلى مصر ومن قبلهم الرومان، وذلك وفقًا لرؤيتهم الخاصة. وترى الأفروسينتريك أن من ينتمي لمصر الآن هم خليط من جنسيات كثيرة لا تمت بصلة للعرق المصري القديم، بل ويصفون السكان الحاليين بأنهم “عرب غزو مصر واستوطنوها”.[4]
ثانيًا مبادىء عمل منظمات الأفروسنتريك:
تعتبر حركة الأفروسنتريك هي حركة فكرية وسياسية تهدف إلى إعادة تقدير وتقويم الهوية والإسهامات الإفريقية في تاريخ البشرية، تنطلق هذه الحركة من انتقاد للنظرة التي تستهين بالحضارات الإفريقية وتشارك في مؤامرة لإخفاء دورها في التطور الإنساني. وتسعى حركة الأفروسنتريك إلى إبراز التاريخ والثقافة والعلوم والفنون والدين والأخلاق والسياسة الإفريقية كجزء لا يتجزأ من التراث الإنساني، وإلى تعزيز الوحدة والتضامن بين الشعوب الإفريقية والأفارقة في المهجر. تقوم حركة الأفروسنتريك على مجموعة من المبادئ[5] والمفاهيم التي تحدد رؤيتها وأهدافها، حيث من بين هذه المبادئ، يمكن ذكر مايلي:
1- الأفروسنترية: هي موقف فكري وعاطفي يضع إفريقيا والإفريقي في مركز الاهتمام والتقدير، وينظر إلى العالم من منظور إفريقي، ويعد الإفريقي فاعلًا وليس متلقيًا في التاريخ والثقافة.
2- الأفروصلة: هي مفهوم يشير إلى الارتباط والانتماء بين الإفريقي والأفارقة في المهجر، والتضامن والتعاون بينهم في مواجهة التحديات المشتركة، والسعي إلى تحقيق الوحدة والتكامل بينهم على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي.
3- الأفروصورة: هي مفهوم يشير إلى الصورة الذاتية للإفريقي والأفارقة في المهجر، والتي تعبر عن هوية وكرامة وثقة وإبداع إفريقية، وتستند إلى تاريخ وثقافة وعلوم وفنون ودين وأخلاق إفريقية.
4- الأفروطلب: هي مفهوم يشير إلى المطالبات والحقوق التي ينادي بها الإفريقي والأفارقة في المهجر، التي تشمل: الاستقلال والسيادة على أرضهم، والتعويض عن الظلم التاريخي الذي تعرضوا له، والاعتراف بدورهم في التاريخ الإنساني، والحصول على فرص عادلة في التعليم والصحة والعمل والثروة.
5- الأفروسنتريزم أو الأفروسنتريك: والتي تسمى أيضًا كما سبق وأشرنا بالحركة المركزية الأفريقية، وتأسست بشكل فعلي على يد الناشط الأمريكي من أصل إفريقي “موليفي أسانتي” في فترة الثمانينيات وفق الموسوعة البريطانية. وتسعى هذه الحركة إلى “تسليط الضوء على الهوية والمساهمات للثقافات الإفريقية في تاريخ العالم”. وتنشط في الولايات المتحدة وفي بعض الدول الأوروبية وبين الجماعات ذات الأصول الإفريقية. ومن بين النظريات التي يروج لها مؤيدو الحركة “أن أصل الحضارة المصرية إفريقي فقط”.[6]
ثالثًا مزاعم حركة الأفروسنتريك وتفنيدها:
تقوم حركة المركزية الأفريقية على عدد من الادعاءات فيما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة والتي يمكن الرد عليها وتفنيدها فيما يلي:
1- الادعاء بأن الحضارة المصرية القديمة كانت حضارة أفريقية سوداء[7]: يدعي الأفروسنتريون أن المصريين القدماء كانوا جزءًا من الثقافة الأفريقية السوداء وأن الحضارة المصرية كانت نتيجة إسهامات الشعوب الأفريقية السوداء. التفنيد: تظهر الرسوم والنقوش المصرية القديمة تنوعًا كبيرًا في لون البشرة والملامح الجسدية، مما يشير إلى خليط من الأعراق المختلفة. الفن المصري يصور الناس بملامح تختلف من البني الداكن إلى الفاتح، وهو ما قد يعكس تنوع سكان مصر القديمة أو الاستخدام الرمزي للألوان. بالإضافة إلى أن الأدلة الجينية والدراسات الحديثة على الحمض النووي للمومياوات المصرية تكشف أن سكان مصر القديمة كانوا يتمتعون بمزيج جيني يشمل شمال إفريقيا والشرق الأدنى وأوروبا. دراسة نشرت في عام ٢٠١٧ في مجلة Nature Communications أشارت إلى أن المومياوات المصرية القديمة كانت لها سمات جينية ترتبط بشكل أكبر بالشرق الأوسط مقارنة بأفريقيا جنوب الصحراء.
2- الادعاء بأن الحضارة المصرية كانت تتأثر بشكل أساسي بالشعوب الأفريقية جنوب الصحراء: يدعي البعض أن التأثيرات الثقافية والإنجازات في مصر القديمة كانت ناتجة بشكل أساسي عن التأثيرات القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء[8]. التفنيد: ويمكن الرد على ذلك بالأدلة الأثرية حيث أن الاتصالات بين مصر وشعوب أفريقيا جنوب الصحراء كانت موجودة، لكن الأدلة الأثرية تشير إلى أن التأثيرات الثقافية الرئيسية جاءت من شمال إفريقيا والشرق الأدنى. مصر القديمة كانت مركزًا للتفاعل الثقافي والتجاري بين مختلف الشعوب، مما جعلها تتأثر بشكل كبير بحضارات البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى. بالإضافة إلى الأدلة اللغوية، حيث أن اللغة المصرية القديمة كانت جزءًا من العائلة الأفروآسيوية، مما يشير إلى صلات ثقافية وجغرافية أقرب إلى شمال إفريقيا وغرب آسيا بدلاً من أفريقيا جنوب الصحراء .
3- الادعاء بأن اليونانيين والرومان سرقوا معرفتهم من الأفارقة: يعتقد الأفروسنتريون أن العديد من الأفكار الفلسفية والعلمية التي نسبت إلى اليونانيين والرومان قد تم أخذها من الأفارقة، خاصة من المصريين القدماء. التفنيد: بينما تأثر اليونانيون بالفعل بالمصريين في بعض المجالات، مثل الرياضيات والفلسفة والدين، فإن الثقافة اليونانية تطورت بشكل مستقل وابتكرت العديد من المفاهيم الجديدة. كان هناك تبادل ثقافي نشط بين الحضارات، ولكن لا يمكن اختزال الإنجازات اليونانية والرومانية إلى مجرد سرقة أو تبني غير مدروس للمعرفة.[9]
4- الادعاء بأن الإنجازات العلمية والثقافية المصرية كانت نتاجًا حصريًا للحضارة الأفريقية السوداء: يعتقد الأفروسنتريون أن الإنجازات في الرياضيات والهندسة والفلك في مصر القديمة كانت نتيجة مباشرة لتأثيرات الشعوب الأفريقية السوداء. التفنيد: يمكن الرد على ذلك من خلال أن الحضارة المصرية القديمة تطورت بشكل مستقل واستفادت من مساهمات متعددة من مختلف الشعوب التي عاشت في مصر أو تفاعلت معها تجاريًا وثقافيًا. العلوم والتكنولوجيا في مصر القديمة، مثل بناء الأهرامات وكتابة الهيروغليفية، تعكس درجة عالية من الإبداع المحلي والتطوير الداخلي وليس من مساهمات لحضارات خارجية دخيلة على الحضارة المصرية القديمة.[10]
نخلص من ذلك، أن الحضارة المصرية القديمة كانت واحدة من أكثر الحضارات تعقيدًا وتنوعًا في تاريخ البشرية. وعلى الرغم من أن مصر القديمة تأثرت وتفاعلت مع العديد من الثقافات والشعوب، إلا أنها تطورت بشكل مستقل وحافظت على طابعها الفريد. مزاعم الأفروسنتريك التي تدعي أن مصر القديمة كانت حضارة سوداء بحتة أو أن إنجازاتها كانت نتيجة تأثيرات حصرية من أفريقيا جنوب الصحراء، لا تعكس بشكل كامل التعقيد الثقافي والتاريخي لهذه الحضارة. كما التاريخ المصري القديم يجب أن يُفهم باعتباره نتاجًا لتفاعل معقد بين شعوب شمال إفريقيا والشرق الأدنى والمناطق المجاورة. الأدلة الجينية والأثرية تظهر بوضوح التنوع العرقي والثقافي في مصر القديمة، وهو ما يعكس موقعها الجغرافي كنقطة تلاقي بين القارات.
بالنظر لحركة الأفروسنتريك يمكن تقديم عدد من التصورات المختلفة لإدراك الهوية الإفريقية في مصر وتأثيرها على العلاقات المصرية الإفريقية من خلال ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1- السيناريو الاتجاهي الخطي:
يُفترض هذا السيناريو استمرار حالة معينة من الإدراك المصري للهوية الإفريقية التي تتسم بعدم الارتباط القوي مع الهوية الإفريقية. النقطة المحورية هنا هي المتغيرات النفسية والاجتماعية التي تؤثر على المصريين وتجعلهم ينظرون لحضارتهم القديمة كحضارة منفصلة قائمة بذاتها وليست جزء من الهوية الإفريقية الكبرى. هذا السيناريو يتوقع أن هذه العوامل لن تتغير بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى استمرار النهج البعيد لمصر عن التعاطف العميق مع الهوية الإفريقية، وبالتالي استمرار العلاقات المصرية الإفريقية على نفس المنوال دون تقدم كبير.[11]
2- السيناريو الإصلاحي التفاؤلي:
في هذا السيناريو، يتم التركيز على التغييرات الإيجابية والإصلاحات التي يمكن أن تحدث في الطريقة التي يدرك بها المصريون الهوية الإفريقية. يُفترض أن هناك إمكانية لتعديل النظرة المصرية نحو الهوية الإفريقية عبر تعزيز الفهم والاعتزاز بالتنوع الثقافي والهوياتي. يمكن أن يحدث ذلك من خلال جهود سياسية وثقافية تهدف إلى ربط الهويات المتعددة للمصريين (العربية، الفرعونية، الإسلامية، الإفريقية) بطريقة تجعلها متكاملة وليست متضاربة. في هذا السياق، يمكن أن تسعى القيادة السياسية في مصر إلى تعزيز العلاقات المصرية الإفريقية عبر مبادرات اقتصادية وثقافية. هذا السيناريو يتوقع أن تصبح مصر أكثر اندماجاً مع إفريقيا، مما يؤدي إلى تحسين العلاقات وتعاون أكثر إيجابية.
3- السيناريو التحولي التشاؤمي:
يفترض هذا السيناريو أن تواجه الهوية الإفريقية لمصر تحديات كبيرة تهدد وجودها أو قيمتها في الوعي المصري. التحديات يمكن أن تنشأ من عوامل متعددة، مثل التوترات السياسية، الأزمات الاقتصادية، أو النزاعات الثقافية، التي قد تؤدي إلى أزمات في العلاقات المصرية الإفريقية. في هذا السيناريو، قد تنشأ صراعات بين دوائر الانتماء المختلفة في مصر، مما يعزز شعوراً بالتنافر أو التضاد بين الهوية المصرية والإفريقية. مثل هذه الأزمات قد تؤدي إلى تدهور العلاقات بين مصر والدول الإفريقية، وربما إلى عزلة مصر عن بقية القارة.
تقدم هذه السيناريوهات الثلاثة رؤية متباينة لكيفية تطور الهوية الإفريقية في مصر وتأثيرها على العلاقات المصرية الإفريقية. السيناريو الأول يتوقع استمراراً للوضع الراهن دون تغييرات جوهرية. السيناريو الثاني يركز على إمكانيات الإصلاح والتقارب الثقافي بين مصر وإفريقيا. أما السيناريو الثالث فيحذر من مخاطر وتحديات قد تؤدي إلى تدهور العلاقات. كل سيناريو يعتمد على عوامل متعددة، بما في ذلك التغيرات في السياسات الداخلية والخارجية، والتطورات الاقتصادية، والتحولات الثقافية في مصر.
الخاتمة
في ختام هذا النقاش حول حركة الأفروسنتريك وتأثيراتها المحتملة على الهوية المصرية، يتبين أن التعامل مع هذه الحركة يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد تعترف بالتاريخ المعقد والمتداخل للمنطقة. حيث يعتقد بعض المحللين أن الفهم العميق لحركة الأفروسنتريك ليس بالضرورة أن يؤدي إلى تهديد محتمل، بل أيضًا يمكن أن يكون فرصة لتعزيز الحوار حول الهوية الثقافية والتاريخية لمصر.
كما أن تاريخ مصر العريق والمميز هو نتاج لمزيج من التأثيرات الثقافية المتنوعة، الأفريقية منها والشرق أوسطية والمتوسطية. ومن الضروري أن نُدرك هذه الهوية المتعددة الطبقات كقوة ثقافية تُثري المجتمع المصري وتُعزز من وحدته. حيث يمكن تقديم عدد من التوصيات لمواجهة تحديات الأفروسنتريك وتداعياتها:
1- التعليم والتوعية الثقافية: يجب تعزيز المناهج التعليمية لتعكس التاريخ المصري بموضوعية، وإبراز التنوع الثقافي والتاريخي الذي أسهم في تشكيل الهوية المصرية. من المهم أن يتم تقديم التاريخ المصري بشكل شامل يعترف بالإسهامات الأفريقية وغيرها.
2- البحث العلمي والتاريخي: تشجيع ودعم الأبحاث العلمية والتاريخية الموضوعية التي تساهم في توضيح الحقائق التاريخية بعيدًا عن الأيديولوجيات السياسية أو الأهداف الضيقة. التعاون مع مؤسسات أكاديمية دولية قد يساعد في تقديم رؤية متوازنة.
3- الحوار الثقافي: فتح قنوات للحوار الثقافي بين مصر وأفريقيا والعالم، يهدف إلى تعزيز الفهم المتبادل وتبادل وجهات النظر حول التاريخ المشترك، بما يُعزز العلاقات بين الشعوب ويقلل من فرص سوء الفهم.
4- السياسات الثقافية والإعلامية: تبني سياسات إعلامية وثقافية تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي، وتقديم مصر كجسر بين الثقافات والحضارات، بدلاً من التركيز على الانقسامات.
5- اليقظة الأمنية: استمرار مؤسسات الدولة في مراقبة ودراسة الحركات التي قد تسعى لزعزعة الاستقرار أو إثارة الانقسامات، مع الحفاظ على حرية التعبير وحقوق الإنسان.
6- تطوير استراتيجية دبلوماسية ثقافية: استخدام الدبلوماسية الثقافية كأداة لتعزيز صورة مصر كدولة تتبنى التنوع الثقافي. يمكن تحقيق ذلك من خلال مشاركة قوية في المنظمات الثقافية الأفريقية والعالمية، واستضافة الأحداث الثقافية التي تحتفي بالتاريخ المشترك.
7- تشجيع البحوث متعددة التخصصات: دعم البحوث التي تجمع بين تخصصات متعددة مثل علم الآثار، والتاريخ، والأنثروبولوجيا، والعلوم السياسية، لتحليل العلاقة المعقدة بين مصر وأفريقيا من زوايا مختلفة. يمكن أن تساهم هذه البحوث في تقديم رؤى جديدة ومفيدة حول كيفية تعزيز الهوية الوطنية.
8- الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية: استخدام منصات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية لنشر الوعي وتعليم الجمهور حول الهوية المصرية وتاريخها المتنوع. يمكن أن تسهم هذه المنصات في نشر المعلومات الصحيحة والتصدي للشائعات أو التضليل بشكل فعال وسريع.
9- إنتاج محتوى إعلامي متنوع: دعم إنتاج الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية والمقالات الصحفية التي تستعرض الحقائق التاريخية بشكل متوازن وتروج لفهم متعمق للعلاقات التاريخية بين مصر وأفريقيا. يمكن أن يلعب الإعلام دورًا حاسمًا في تعزيز الفهم العام ومنع التضليل.
ختامًا:
تكمن قوة مصر في قدرتها على دمج الماضي مع الحاضر بشكل يُعزز من هويتها الفريدة والمتعددة الأبعاد. مواجهة التحديات تتطلب وعياً وطنياً مستمراً وإرادة قوية للحفاظ على الوحدة والتنوع الثقافي. إن الحفاظ على هذه الهوية المتنوعة هو السبيل لضمان مستقبل آمن ومستقر لمصر وأجيالها القادمة.
قائمة المراجع
أولًا المصادر باللغة العربية
[2] ربيع أبو زامل، المركزية الإفريقية” في الفكر السياسي لـ”موليفي كيتي أسانتي، قراءات أفريقية، تاريخ النشر: ٢٧ يوليو ٢٠٢٣، تاريخ الإطلاع: ١٦ يونيه ٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://m-r.pw/YOGO
[11] حركة “الأفروسنتريك” والسيناريوهات المستقبلية على الهوية الإفريقية لمصر، دراية المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية، تاريخ النشر: ٢٨ يناير ٢٠٢٤، تاريخ الإطلاع: ١٦ يونيه ٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://m-r.pw/NNGf
English Resources
[1] Gerald. E, Afro centrism; Definitions, Examples, History, Beliefs and facts, Britannica, published at: 2020, reviewed at: May 18. 2024, available at: https://www.britannica.com/event/Afrocentrism
