المقالات
تحركات نشطة توطد العلاقات التركية – السعودية
- يوليو 29, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد/ هنا محمد داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
تشهد العلاقات التركية – السعودية خلال هذه الفترة تحركات نشطة في مجالات عِدة وعلى مستويات رفيعة، حيث شهدت هذه الفترة مجموعة من الزيارات الذي نفذها الجانب السعودي إلى تركيا والتي وصلت إلى أربعة زيارت في شهر واحد فقط، وينطبق الوضع نفسه على زيارات نفذها الجانب التركي في فترات متباينة خلال الأشهر الماضية، وهذه التحركات تشير إلى التعاون النشط والفعال بين الدولتين في مجالات مختلفة جاء في مقدمتها مجال التعاون الدفاعي والعسكري يليه الملفات الأقليمية والتي كان أهما الأوضاع الأخيرة في غزة وتبادل وجهات النظر حولها، وفي نظرة على هذه التحركات النشطة يمكن التركيز على الزيارت الأخيرة من الجانب السعودي وأهم مخرجاتها وماذا يعني ذلك للعلاقات التركية السعودية.
زيارة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لتركيا.
جاءت الزيارة في 14 يوليو إلى اسطبنول بشكل رسمي في قصر دولما بهتشه، كانت الزيارة تهدف بشكل أساسي لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وبحث المستجدات الإقليمية والدولية المشتركة بينهما، جاءت الزيارة بشكل رفيع المستوى حيث اجتمع الأمير فيصل بن فرحان بالرئيس التركي أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان لمناقشة تطورات العلاقات بينهما واستعراضها وأثناء اجتماع الوزيران جاءت أهم مخرجات الزيارة حيث وقعا مذكرة التفاهم بشأن إنشاء مجلس التنسيق بين حكومة المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا بهدف دفع العلاقات بشكل أكثر نشاطًا وتكثيف التنسيق الثنائي وتنشيط مجلس التنسيق التركي السعودي الذي تم تأسيسه في عام 2016، ومن المقرر أن تستضيف المملكة العربية السعودية الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق باعتباره آلية تجمع أهم الملفات والتطلعات المشتركة في المجالات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والسياحية والدفاعية وكذلك الثقافية[1].
وفي إطار هذه المحادثات تم تناول الأوضاع في الشرق الأوسط وبالأخص التركيز على القضية الفلسطينة وموضوع غزة باعتبارها أهم الموضوعات على طاولة التباحث ومسار الحرب الإسرائيلية على غزة مع التأكيد على تطابق وجهات النظر بين الجانبين بضرورة وقف إطلاق النار واستمرار تقديم المساعدات وتناول خطوات إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، كما أكد الطرفان على اتفاقهما على “حل الدولتين” وأن زيادة عدد الدول المعترفة بفلسطين والذي وصل عددها ل 149 دولة تمثل عامل إيجابي ومشجع لاتخاذ الحلول السلمية[2]، حيث يسعى الطرفان لإحياء السلام في المنطقة وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفي اعتقادي أن كلا الدولتين على الرغم من علاقتهما الجيدة بالولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الداعم الأساسي لإسرائيل، فإن ذللك لا يمنعهما من القيام بجهود حقيقية تجاه القضية الفلسطينية.
وكذلك تطرقت المباحثات لأهمية الملف الاقتصادي في العلاقات الثنائية بينهمتا حيث أكد وزير الخارجية فيصل بن فرحان على حجم القفزة في ميزان التبادل التجاري بين البلدبن والذي وصل إلى 6.8 مليارت دولار في عام 2023 بزيادة 15% عن العام السابق[3]، ومن المتوفع أن يزداد حجم التبادل التجاري بعد هذه التحركات النشطة حيث ستستفاد تركيا على المستوى الاقتصادي بشكل أكبر وكذلك السعودية ستسفاد على الجانب الدفاعي في حين ستكون العوائد كبيرة على كلا الطرفين.
زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان لتركيا.
جاءت هذه الزيارة خلال الأسبوع ذاته إلى العاصمة أنقرة واستقبله رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية خلوق غورغون، هذه الزيارة بشكل أساسي تؤكد على المكانة الواسعة الذي اكتسبته تركيا في مجال الصناعات الدفاعية واستقبل أردوغان وزير الدفاع السعودي بحضور وزير الدفاع التركي يشار غولر وتأتي هذه الزيارة بعد عام من توقيع خطة التعاون العسكري بينهما، وتعد هذه الزيارة هي دليل واضح على التعاون الدفاعي الذي يسعا الطرفين إليه كما أشار محللين عِدة إلى رغبة تركيا في إشراك السعودية في ملفات التصنيع الدفاعي وإلى اهتمام السعودية كذلك بالجهود التركية في هذا المجال وبالأخص ليدها اهتمام ببعض أنواع السلاح المنتج من أنواع الذخائر والعربات المصفحة وزوارق الحدود التي تنتجها تركيا.
ويصف محمد زاهد جول رئيس تحرير انديبندنت تركية باعتبارها زيارة تاريخية ويعتبرها أولى خطوات تنفيذ وتطبيق الإتفاقيات الذي تم توقيعها بين الطرفين خلال العاميين الماضيين، وبالفعل هو ما يتجلى لنا خلال هذه الزيارة حيث تم توقيع مذكرات تفاهم بين عدد من الشركات السعودية والتركية بعد التباحث بين وزير الدفاع السعودي وعدد من رؤساء الشركات الصناعية الكبرى حول إمكانيات تعزيز فرص التعاون في المجال العسكري والدفاعي وأكد وزير الدفاع السعودي على مدى التطور التقني والاستراتيجي الذي تشهده تركيا، يمكن القول أن هذه الزيارة تعتبر استكمالًا لجهود أردوغان الذي بدأها في زيارته للسعودية في 2023 التي عبرت عن عزم أنقرة الحقيقي للتعاون في المجال الدفاعي والعسكري وبالأخص تعبر عن استكمال التعاون لتوطين صناعة المسيرات في المملكة، ويمكن القول أنه إلى جانب ما تظهره هذه الزيارة من إرتقاء بالعلاقات الثنائية إلا إنها توضح المكانة التي اكتسبتها تركيا في مجال الصناعات الدفاعية.
زيارة وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد بن عبدالله الحقيل.
هذه الزيارة كانت تهدف لتعزيز التعاون في مجالات التطوير العقاري والبنية التحتية وبدء تحالفات بين المقاولين السعوديين والأتراك وتعزيز الاستثمار بينهما، واستقبل الزيارة رئيس مكتب الاستثمار التركي بوراك داغلي أغلو وبشكل أساسي كات ملفات الزيارة حول سبل تعزيز الاستثمار العقاري لكي تعود فوائده على كلا الطرفين من خلال تبادل الخبرات والبحث عن كل السبل الممكنة التي تعزز من فرص الاسثمار وتعتبر هذه الزيارة الثانية من نوعها حيث زار الوزير ماجد بن عبدالله الحقيل تركيا العام الماضي شهدت حينها توقيع اتفاقيات في مجالات التطوير العقاري وعدد من القطاعات الاستثمارية الأخرى[4]، وهذه الزيارة على الرغم من أهميتها في مجال الاستثمار إلا أنها تعكس أن الرغبة في توثيق العلاقات بين الطرفين ليست رغبة شكلية وإنما هي عن رغبة حقيقية تسعى للتكامل في كل الملفات.
زيارة الوزير عبدالله الربيعة المستشار في الديوان الملكي.
في إطار عمل مركز الإغاثة للملك سلمان في مدينتي الريحانية وغازي عنتاب بالمجهورية التركية كانت هذه الزيارة بمثابة متابعة للأعمال والجهود الإغاثية التي تقدمها المملكة العربية السعودية للمتضررين من الزلزال من الشعبين السوري والتركي، وخلال هذه الزيارة تم تدشين برنامج للتأهيل السمعى و6 برامج تطوعية أخرى وتوزيع سلال غذاء في مدينة الريحانية وولاية غازي عنتاب، وأثناء الزيارة قام بتفقد مشروع الوحدات السكنية التي تم تسليمها لمتضرري الزلزال مما يوضح الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لاعتبار الشعب التركي هو شعب شقيق.
ماذا تعني هذه التحركات للعلاقات التركية – السعودية ؟
من المعروف أن العلاقات التركية – السعودية قد عانت مرحلة سابقة من الخلافات كان نتاج لملفات متشابكة عندها تضاربت فيها وجهات النظر والخطوات التي عبرت عن التبايد في أهداف وتطلعات السياسة الخارجية بما فيها ردود الفعل المختلفة حول ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وكذلك الاختلاف حول مسألة الحصار الخليجي على قطر والمساندة التي قدمتها تركيا لها، كما كان حادث اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في إسطنبول عامل ساعد في الخلاف بينهم، ثم جاءت مرحلة الوفاق بعد مساعي أنقرة لتحسين العلاقات بينهم في إطار سعى أردوغان في تغير مسار السياسة الخارجية بعدما أدرك أن القطيعة مع دول مثل السعودية ومصر لن تعود بالنفع على أي من منهم.
جاء الوفاق بينهم قائم على مرتكزات عِدة كان أهمها عدم وجود مشكلة حقيقية ومباشرة بينهم بل كانت المسائل الخلافية عن اختلاف فقط في وجهات النظر وكلا الدولتين في حاجة لتعزيز مصالحهما المشتركة بالأخص أن تركيا شريك دولي مهم وفاعل في المنطقة، كذلك كلا الدولبتن لهما علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية قد يمكنهما ذلك من تعزيز التفاهم واتخاذ خطوات مشتركة وكانت هذه المرتكزات هي بداية الوفاق بين البلدين[5].
وعلى الرغم من أن السنوات الماضية شهدت زيارات هامة واتفاقيات في مجالات متباينة أهمها العسكرية والدفاعية، تأتي هذه التحركات الأخيرة والتي جاءات بشكل تدريجي مناقشة ملفات مرتبطة بالمساعدات الإغاثية حتى إرتقت إلى زيارات رفيعة المستوى على مستوى وزراء الخارجية وهو ما يوضح الرغبة في الإنتقال بالعلاقات ليس فقط للعودة بها لطبيعتها ولكن للإرتقاء بها بشكل استراتيجي، وأثبتت هذه التحركات أن الرغبة في التعاون واتخاذ خطوات مشتركة هي ليست فقط رغبة شكلية وإنما رغبة حقيقة نابعة من إيمان الدولتبن بالفوائد التي ستعود عليهم وبأهمية الدور الذي تلعبه كل منهما في منطقة الشرق الأوسط، وتجلى من خلال هذه الزيارات أن التعاون بينهم ليس مقتصرًا على مجال واحد وإنما متسع ليشمل كل المجالات من أبسطها لأكثرها أهمية واستراتيجة.
وختامًا
يظهر لنا من خلال الحراك النشط التركي السعودي أن كلا الدولتين استطاعا تجاوز الخلافات التي كانت بينهم وبدأ التقارب يزداد بشكل حقيقي وبرجماتي أيضًا بهدف خدمة مصالح كلا الطرفين حيث يظهر لنا من خلال الزيارت الأخيرة المتبادلة بين الطرفين خلال هذا الشهر والأشهر الماضية أن التعاون ليس مقتصرًا على تحقيق مصالح طرف واحد وإنما بشكل متساو ربما ستكون عوائد هذا التقارب، وكان إعادة تنشيط مجلس التنسبق التركي – السعودي خلال الزيارة الأخيرة من وزير الخارجية السعودي هي خطوة في غاية الأهمية على المستوى الإستراتيجي حيث سيكون هذا المجلس هو المرتكز لدفع الخطوات الحقيقية على أرض الواقع.
كما تشير هذه التحركات إلى مكانة تركيا التي اكتسبتها بعد جهودة الواسعة لإن تكون رائدة في مجال الصناعات الدفاعية وفي اعتقادي كان هذا الدافع الأول والبمحرك للجانب السعودي لاتخاذ خطوات أكثر فاعلية، حيث تسعى المملكة العربية السعودية في مقدمة أهدفها إلى تأمين المجال العسكري وكانت الشراكة مع تركيا هي الحل الأمثل، وكما تحتاج السعودية إلى الخبرة التركية في هذا المجال فإن تركيا في حاجة للاستثمارت السعودية الضخمة ولذا من المتوقع أن تزداد وتيرة التعاون بين البلدين وأن يزداد كذلك حجم التبادل التجاري بينهما وربما هذا التقارب سيكون دافعًا لنجاح مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا ومجلس التعاون الخليجي.
المصادر:
[1] “تفعيل مجلس التنسيق بين السعودية وتركيا، جريدة زمان التركية، 15/7/2024، تفعيل مجلس التنسيق بين تركيا والسعودية (zamanarabic.com)، تاريخ الدخول 17/7/2024.
[2] ” وزير الخارجية السعودي يعلن عن برتوكول مجلس التنسيق مع تركيا”، صوت بيروت إنترناشونال، 15 يوليو 2024، وزير الخارجية السعودي يعلن عن بروتوكول مجلس التنسيق مع تركيا (sawtbeirut.com)، تاريخ الدخول 17/7/2024
[3] “توقيع برتوكول تعديل محضر إنشاء المجلس التنسيقي التركي- السعودي، ترك برس، 15 يوليو 2024، https://www.turkpress.co/node/102153 ، تاريخ الدخول 17/7/2024.
[4] “وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان يختتم زيارته الرسمية إلى الجمهورية التركية”، وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، 8/7/2024، وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان يختتم زيارته الرسمية إلى الجمهورية التركية (momrah.gov.sa)، تاريخ الدخول 18/7/2024.
[5] أحمد محمد فهمي، العوامل المؤثرة فى تطور العلاقات السعودية التركية، مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية، أكتوبر 2023، العوامل المؤثرة فى تطور العلاقات السعودية التركية – مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية (shafcenter.org)، تاريخ الدخول 18/7/2024.