المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > قراءةٌ أوليةٌ حولَ استقالةِ رئيسةِ وزراءِ بنجلاديش ” الشيخة حسينة”
قراءةٌ أوليةٌ حولَ استقالةِ رئيسةِ وزراءِ بنجلاديش ” الشيخة حسينة”
- أغسطس 5, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: مريم هشام
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
بعد اكثرِ من شهرٍ على الاحتجاجاتِ الطلابيةِ في بنجلاديش وقعَ ضحيتُها مئاتِ القتلى، أعلنَ قائدُ جيشِ بنجلاديش “وقار الزمان” في خطابٍ أذيعَ على التليفزيونِ الحكوميِ استقالةَ رئيسةِ الوزراءِ “الشيخة حسينة” من منصبِها الاثنين 5 اغسطس الجاري بعدَ حكمٍ دامَ لمدةِ ٢٠ عامًا و ذكرت مصادرُ مقربةٌ من رئيسةِ الوزراءِ أن الشيخةَ حسينة غادرتْ العاصمةَ إلى “مكانٍ اكثر امانًا” بالتزامنِ مع مظاهراتٍ حاشدةٍ طالبتْ باستقالتهِا و ذكرَ مصدرٌ أن الشيخةَ حسينةَ غادرتْ جواً دون الكشفِ عن وجهتهِا، و عرضتْ قناةُ “بنجلاديش ٢٤” مشاهدَ توضحُ ابتهاجَ الجماهيرِ ملوحين للكاميرا احتفالا بخبرِ الاستقالةِ.
و يُذكرُ أن بنجلاديش تمرُ بفترةٍ عصيبةٍ منذ يونيو الماضي عندما اعلنتْ المحكمةُ العليا عودةَ العملِ بنظامِ الحصصِ “الكوتا” في الوظائفِ الحكوميةِ و خروجَ اللآلافِ إلى الشوارعِ في العاصمةِ دكا في احتجاجاتٍ مطالبين الحكومةَ بوقفِ العملِ في الوظائفِ المدنيةِ بنظامِ الحصصِ.
تغيرُ مطالبِ الاحتجاجاتِ من المطالبةِ بإلغاءِ نظام “الكوتا” إلى المطالبةِ باستقالةِ “الشيخة حسينة”:
في سياقٍ من التوترِ البنجلاديشيِ تتسارعُ فيه الأحداثُ و تتفاقمُ و بعدَ ردِ الفعلِ العنيفِ الذي ابدتهُ الحكومةُ تجاهَ المتظاهرينَ في العاصمةِ دكا، تجاوزتْ مطالبُ الاحتجاجاتِ أكثرَ من مجردِ إلغاءِ نظامِ الحصصِ، و بدأتْ تعلو الأصواتُ الداعيةُ بتغييرِ القيادةِ السياسيةِ المستبدةِ خاصةً بعد تجاهلِ حكومةِ الشيخةِ حسينة الاعتذارَ عما حدثَ من أعمالِ عنفٍ أثناءَ فض المظاهراتِ أدت إلى وقوعِ عددٍ كبيرٍ من الضحايا و المصابين من بينهم أطفالٌ و إن ما مرتْ به البلادُ في الاسابيعِ القليلةِ الماضيةِ من هدوءٍ نسبيٍ لم يدمْ طويلاً بعد أن بدأتْ تظهرُ دعواتٌ للعصيانِ المدنِي من قبلِ المحتجينَ يومَ السبت 3 اغسطس الجاري متحديينَ بذلك قرارَ الحكومةِ بحظرِ التجوالِ ليلا، و في محاولةٍ من الشيخة حسينة احتواءَ الموقفِ صرحتْ بأنها على استعدادٓ لدخولِ نقاشٍ مع المحتجينَ و الاستماعِ لمطالبهِم، كما وصفتْ من يقومون بأعمالِ العنفِ بأنهم ارهابيون و ليسو طلاباً، و في صباحِ يومِ الأحد 4 اغسطس الجاري بدأتْ مظاهراتٌ عنيفةٌ أدتْ إلى هجومٍ بين المحتجينَ من جهةٍ و بينَ الحكومةِ و المؤيدين للنظامِ من جهةٍ آخرى و بدأتْ تعلو الهتافاتُ المطالبةُ برحيلِ الاستبدادِ، و يعدُ ذلك اليومُ هو اليومُ الأكثرُ دمويةً منذُ بدءِ الاحتجاجاتِ، حيث ارتفعتْ حصيلةُ القتلى إلى 300 قتيلٍ من بينهم 14 شرطياً، و نتيجةً لما حدثَ فرضتْ الحكومةُ حظرَ تجوالٍ جديدٍ كما اعلنتْ عن عطلةٍ عامةٍ لمدةِ ثلاثةِ أيامٍ تبدأُمن يومِ الاثنين 5 اغسطس[1].
كان من المقررِ أن يظهرَ قائدُ الجيشِ البنغاليِ في خطابٍ للشعبِ يوم الاثنين 5 اغسطس دونَ ذكرِ ما الذي سوف يحتويهِ خطابُه، و في صباحِ يومِ الاثنين 5 اغسطس الجاري ظهرَ قائدُ الجيشِ في خطابٍ على التبلفزيونِ الوطنيِ معلناً أن رئيسةَ الوزراءِ “الشيخة حسينة” اعلنتْ استقالتهَا و جاري تشكيلُ حكومةٍ انتقاليةٍ، و طالبَ “وقار الزمان” الطلابَ بالعودةِ إلى منازلهِم و الاطمئنانِ فإن الحكومةَ تعملُ على تشكيلِ حكومةٍ انتقاليةٍ تقودُ البلادَ إلى برِ الأمانِ، و ذكرتْ مصادرُ مقربةٌ من الشيخةِ حسينة أنها فرتْ من مقرِ إقامتهِا في العاصمةِ دكا بالتزامنِ مع احتجاجاتٍ شديدةٍ شهدتهَا البلادُ صباحَ الاثنين، و انتقلتْ رئيسةُ الوزراءِ بموكبٍ اولا من ثم استقلتْ مروحيةً إلى الهندِ، و تعهدتْ نيودلهي بالحفاظِ على سلامةِ الشيخة حسينة[2].
الأسبابُ الكامنةُ وراءَ اشتعالِ الاحتجاجاتِ في بنجلاديش منذ البداية:
أولًا: ملامحُ حكمِ رئيسةِ الوزراءِ “الشيخة حسينة”
وصلتْ الشيخةُ حسينة إلى السلطةِ للمرةِ الأولى في عام ١٩٩٦، و على الرغمِ من النموِ الإقتصاديِ الحادثِ في فترةِ ولايتهِا الأولى، فقد عانتْ من اضطراباتٍ سياسيةٍ حتى انتهتْ تلك الفترةُ بهزيمِتها الانتخابيةِ امامَ ضياء عام ٢٠٠١، و تعتبرُ فترةُ ولايةِ الشيخةِ خسينة الأولى هي اولُ فترةِ ولايةٍ كاملةٍ لرئيسِ وزراءِ بنجلاديش منذ استقلالهِا، و في عام ٢٠٠٨ فازتْ حسينةُ في الانتخاباتِ و بدأتْ فترةَ ولايةٍ جديدةٍ، تم تجديدُها لولايةٍ ثالثةٍ في عامِ ٢٠١٤ في انتخاباتٍ قاطعَها الحزبُ الوطنيُ البنجلاديشُي، و في عامِ ٢٠١٨ فازتْ بولايةٍ رابعةٍ بعد انتخاباتٍ مشوبةٍ بأعمالِ العنفِ و تمَ وصفُها بأنها انتخاباتٌ مزورة[3]ٌ.
من الجديرِ بالذكرِ أن الشيخةَ حسينة تسيطرُ على نظامِ الحكمِ منذ ٢٠ عامًا، ظهرتْ خلالهَا امامَ العالمِ بصورةِ المرأةِ العلمانيةِ المحتفظةِ بتراثِ و زيِ بلدهِا، و لكن في الحقيقةِ فإن حكمَ الشيخةِ حسينة مشوبٌ بالعديدِ من المشكلاتِ، التي تظهرُ في الوقتِ الحاليِ على هيئةِ تراكماتٍ أدتْ لانفجارِ شرارةِ الاحتجاجاتِ، و يمكنُ الإشارةُ إلى تلكِ المشكلاتِ كما هو موضحٌ في التالي:
-
خلالَ حكمهِا نجحتْ الشيخةُ حسينة في تقسيمِ الشعبِ إلى قسمين بحسبِ تقريرٍ نشرتهُ صحيفةُ “نيويورك تايمز الامريكية”، القسمُ الأولُ هم المؤيدونَ لها، و هي فئةٌ ذاتُ صلاحياتٍ عديدةٍ في المجتمعِ و تحظىَ بالعديدِ من الفرصِ داخلَ البلادِ، و القسمُ الثاني هم المعارضونَ، تلك الفئةُ التي نجحتْ الشيخةُ حسينة في زرعِ الرعبِ في قلوبهِم على مدارِ سنواتٍ من الاعتقالاتِ و التعرضِ للعنفِ، مما تسببَ في هروبِ العديدِ منهم إلى خارجِ بنجلاديش.
-
لم يكنْ نظامُ الحصصِ هو أساسُ شعلةِ الغضبِ التي قادهَا الطلابُ، بل ان تراكماتِ النظامِ هي ما تسببتْ في ذاكَ الغضبٓ، تأسسَ نظامُ الكوتا منذ أكثرَ من خمسِ عقودٍ على يدِ الشيخِ مجيب عبدالرحمن، و هو والدُ الشيخةِ حسينة، و كان الهدفُ من انشاءهِ هو ضمانَ فرصِ عملٍ للمحاربينَ في حربِ الاستقلالِ و أهاليهِم، أيضا يعطيِ النظامُ نسبةً لقانطِي المناطقِ النائيةِ و الفئاتِ المستضعفةِ، آنذاك تمَ النظرُ للنظامِ على انه وسيلةُ تكريمٍ للمحاربينَ الذين عانوا خلالَ الحربِ ضدَ باكستان، و لكن بمرورِ الوقتِ بدأَ النظامُ يفقدُ قيمتَه بظهورِ أجيالٍ لم تشهدْ الحربَ من الأساسِ، و تحولَ النظامُ إلى وسيلةٍ يقومِ من خلالهِا النظامُ باستثناءِ أفرادٍ بعينِهم للإستمتاعِ بذلك الامتيازِ، ففي الوقتِ الحاليِ يشكلُ أحفادُ المقاتلين القدامى حوالي ٠,١٢ ٪ إلى ٠,٢٪ من إجماليِ الشعبِ وفقَ تقريرٍ نشرتهُ الصحيفةُ المحليةُ في بنجلاديش “برثوم ألو” [4].
-
فإنه مع زيادةِ معدلاتِ البطالةِ داخلَ بنجلاديش بدأَ الاستياءُ يظهرُ على ملامحِ الشعبِ، و كانت احتجاجاتُ عام ٢٠١٨ سببًا في إلغاءِ نظامِ الحصصِ “الكوتا” الذي خصصَ نسبةً كبيرةً من الوظائفِ لأحفادِ المقاتلين و الفئاتِ الضعيفةِ تاركًا أقلَ من نصفِ الوظائفِ لباقيِ الفئاتِ.
-
عبرتْ فئةُ الشبابِ خلالَ السنوات السابقةِ عن استيائهِا من انتشارِ الفسادِ و سياسةِ المحسوبيةِ و استغلالِ الوظائفِ الحكوميةِ كمنحِدٍ تعطَى لمؤيديِ النظامِ في حينِ أن عدداً كبيراً من الشبابِ خريجيِ الجامعاتِ يعانون حالةً من البطالةِ و انخفاضِ مستوى المعيشةِ، الوضعُ الذي أدى إلى شعورهمِ بالظلمِ و الرغبةِ في تغييرِ القيادةِ السياسيةِ المستبدةِ[5].