المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > تهديدُ أردوغان بغزوِ إسرائيلَ: الأسبابُ وردودُ الأفعالِ
تهديدُ أردوغان بغزوِ إسرائيلَ: الأسبابُ وردودُ الأفعالِ
- أغسطس 6, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: أماني السروجي
باحثة في الشئون التركية
أجتمعَ الرئيسُ رجب طيب أردوغان بأعضاءِ حزبِ العدالةِ والتنميةِ في 28 يوليو الماضي، بولاية ريزا شمالِ تركيا لمناقشةِ الأوضاعِ الاقتصاديةِ والعسكريةِ والسياسيةِ لتركيا، وخلالَ الاجتماعِ أدلى بتصريحاتٍ تتعلقُ بالقضيةِ الفلسطينيةِ، تتضمنُ تهديداً بالتدخلِ العسكريِ التركيِ ضد إسرائيلَ في حربهِا مع غزةَ، كما فعلتْ تركيا في السابقِ في ليبيا وفي النزاعِ بين أذربيجان وأرمينيا في كاراباخ. وقد أدتْ هذه التصريحاتُ إلى تصاعدِ حدةِ التوترِ بين تركيا وإسرائيلَ، كما أثارتْ حرباً كلاميةً وتلاسناً حاداً بين مسؤوليِ البلدينِ، حيثُ قامَ وزيرُ الخارجيةِ الإسرائيلِي “يسرائيل كاتس” بالردِ على هذه التصريحاتِ من خلالِ تحذيرِ أردوغان بمصيرِ الرئيسِ العراقيِ الراحلِ صدام حسين، كما طالبَ مدونون إسرائيليون حلفَ شمالِ الأطلسيِ (الناتو) بطردِ تركيا.
سيناقشُ هذا التقريرُ تصريحاتِ الرئيسِ اردوغان تجاهَ غزة، واستعراضَ بعضِ ردودِ الأفعالِ تجاهَ هذه التصريحاتِ، فضلاً عن مناقشةِ أبرزِ الاسبابِ التي دفعتْ أردوغان للإدلاءِ بهذه التصريحاتِ، ومحاولةِ توقعِ مسارِ تلك التصريحاتِ التركيةِ الأكثرِ حدةً منذ اندلاعِ الحربِ في غزة.
أهمُ ردودُ الافعالِ تجاهَ تصريحاتِ أردوغان عن غزة:
جاءتْ تصريحاتُ اردوغان الأخيرةُ في 28 يوليو خلالَ اجتماعٍ علنيٍ مع حزبِ العدالةِ والتنميةِ، بعد حربٍ كلاميةٍ” مع تلِ أبيب انطلقتْ منذ أسبوعٍ، وقال أردوغان في هذه التصريحاتِ إن “النقطةَ التي وصلتْ إليها تركيا في الصناعاتِ الدفاعيةِ لا ينبغي أن تخدعَ أحداً، فلو كانت تركيا قويةً للغايةِ فلن تتمكنَ إسرائيلُ من فعلِ ما فعلتهُ بفلسطين”، يجبُ أن نكونَ أقوياءَ للغايةِ حتى لا تتمكنَ إسرائيلُ من فعلِ هذه الأشياءِ في فلسطين”، وأضافَ “تماما كما دخلنا قرهَ باغ (أذربيجان) وكما دخلنَا ليبيا قد نفعلُ الشيءَ نفسَه معهم.. لا يوجدُ شيءٌ لا نستطيعُ فعلَه.. فقط يجبُ أن نكونَ أقوياءَ ومن ثمَّ ماذا نفعلُ؟.. نقومُ بهذه الخطواتِ”.
وقد أثارتْ هذه التصريحاتُ ردودَ فعلٍ واسعةٍ من الجانبِ الإسرائيليِ وتبعهَا ردودُ فعلٍ تركيةٍ ودوليةٍ، كالتالي:
وزيرُ الخارجيةِ الإسرائيليِ يسرائيل كاتس: قالَ عبرَ تغريدةٍ على موقعِ “إكس”: إن “أردوغانَ يسيرُ على خطى صدام حسين ويهددُ بمهاجمةِ إسرائيلَ”، “فقط دعوهُ يتذكرُ ما حدثَ هناك وكيف انتهىَ الأمرُ”، وأرفقَ مع التغريدةِ صورةً معدّلةً تجمعُ أردوغانَ والرئيسَ العراقيَ السابقَ صدام حسين.
زعيمُ المعارضةِ في إسرائيلَ يائير لابيد: كتبَ في منشورٍ عبرَ موقعِ “إكس”، إن “إسرائيلَ لن تقبلَ تهديداتٍ من ديكتاتورٍ، ويتعينُ على العالمِ، خاصةً أعضاءَ حلفِ شمالِ الأطلسيِ، أن يُدينوا بشدةٍ تهديداتهِ الشنيعةَ ضد إسرائيلَ، وإجبارَه على إنهاءِ دعمهِ لحماس”، كما قالَ “الرئيسُ أردوغان يصرخُ ويَهذي مرةً أخرىَ، إنه خطرٌ على الشرقِ الأوسطِ”.
تباينتْ الأراءُ حولَ تغريدةِ وزيرِ الخارجيةِ الإسرائيليِ، حيث قالَ البعضُ انه يهددُ الرئيسَ التركيَ بمصيرِ صدام حسين الذي توعدَ بحرقِ نصفِ إسرائيلَ وقصفِ تلِ أبيب عام 1990، وهو الأمرُ الذي يكشفُ دورَ الصهاينةِ في إسقاطِ نظامِ صدام حسين، كما طالبَ مدوّنون إسرائيليون الناتو بإخراجِ تركيا من الحلفِ، ومحاسبةِ الرئيسِ أردوغان على تصريحاتِه التي وصفوهَا بغيرِ المسؤولةِ.
كما أشارَ آخرون إلى قوةِ تركيا العسكريةِ قائلون “أن تركَيا بعكسِ دولةِ الاحتلالِ عضوٌ رئيسيٌ وصاحبةُ ثاني أكبرِ قواتٍ مسلحةٍ داخلَ حلفِ الناتو بعد أميركا، وأقوى قواتٍ مسلحةٍ في الشرقِ الأوسطِ وثامنُ أقوى قواتٍ مسلحةٍ في العالمِ”، ورأى متابعون إسرائيليون أن ردَ وزيرِ خارجيتِهم بهذه التدوينةِ وهذا الأسلوبِ يزيدُ من عُزلةِ تل أبيب، وأن الدبلوماسيةَ الإسرائيليةَ في خطرٍ بسببِ تهورِ رأسِ الهرمِ فيها.
فى السياقِ، دعا عضوُ مجلسِ النوابِ الهولنديِ خيرت فيلدرز: إلى طردِ تركيا من حلفِ شمالِ الأطلسِي بسببِ تصريحاتِ أردوغان، وكتبَ على منصةِ “إكس”: “أردوغان الإسلاميُ الفاشيُ يهددُ بغزوِ إسرائيل، هذا الرجلُ مجنونٌ تماماً، يجبُ طردُ تركيا من حلفِ شمالِ الأطلسِي”.
إما عن ردودِ الفعلِ التركيةِ:
وزيرُ الخارجيةِ التركيِ هاكان فيدان: انتقدَ تصريحاتِ كاتس واصفاً إياهُ بـ”المريض”، وقال عبر حسابهِ على منصةِ إكس، إن “يسرائيل كاتس، بدلَ أن يمارسَ مهامَه وزيراً للخارجيةِ، يجعلُ بلدنَا ورئيسنَا باستمرارِ موضوعاً لأوهامهِ الخاصةِ، هذا مرضٌ بكل معنى الكلمة”، وأضافَ أن “وجود هذا الشخصِ المهوسِ بالافتراءِ والكذبِ، بالكابينةِ الحكوميةِ هو نموذجٌ لوقاحةِ حكومةِ (رئيسِ الوزراءِ بنيامين) نتنياهو المرتكبةِ للإبادةِ الجماعيةِ، والتي لا تعرفُ الحدودَ”.
رئيسُ دائرةِ الاتصالِ في الرئاسةِ التركيةِ فخر الدين ألطون: قال في منشورٍ على منصةِ إكس “لا يمكنُ لرئيسنِا ولا بلدنِا تعلّمَ أيِ شيءٍ من قتلةٍ أمثالكِم، مرتكبيِ الإبادةِ الجماعيةِ، وأيديكمِ ملطخةٍ بالدماءِ”، وأضافَ “يوما ما ستحاسبون على المجازرِ التي ارتكبتمُوها في حقِ إخواننِا الفلسطينيين، والإبادةِ الجماعيةِ الشائنةِ”.
أبرزُ الأسبابِ التي دفعتْ بأردوغان للإدلاء بهذه التصريحاتِ:
تصاعدُ الجرائمِ في قطاعِ عزة: منذُ بدايةِ العدوانِ الإسرائيليِ على قطاعِ غزة بعد عمليةِ طوفانِ الأقصى في ٧ اكتوبر ٢٠٢٣ وحتى الآن، ودولةُ الاحتلالِ مستمرةٌ في تنفيذِ الغاراتِ الجويةِ على مختلفِ أجزاءِ غزة، والتي أدتْ إلى استشهادِ ما يزيدُ عن 40 ألفٍ فلسطينيٍ في غزة، وإصابةِ 77143 فلسطينيٍ أغلبهُم من النساءِ والأطفالِ، كما قامتْ دولةُ الاحتلالِ بتدميرِ أغلبِ البنى التحتيةِ والتجهيزاتِ وأغلبِ المؤسساتِ الصحيةِ والتعليميةِ والإداريةِ، وحتى الآنَ لازالتْ مستمرةً دولةُ الاحتلالِ في جرائمِها بدونِ توقفٍ، لذا يمكنُ القولُ إن تصريحاتِ الرئيسِ أردوغان جاءتْ كتعبيرٍ عن شدةِ الغضبِ من الجرائمِ الإسرائيليةِ، ولحثٌِ المجتمعِ الدولىِ على التحركِ لحلٌِ القضيةِ الفلسطينيةِ، وإيقافِ أعمالِ العنفِ المستمرةِ في غزة.
الضغوطُ الداخليةُ والحزبيةُ: حيثُ إنه مع تصاعدِ أعمالِ العنفِ في قطاعِ غزةَ وتزايدِ جرائمِ دولةِ الاحتلالِ، تزايدتْ الضغوطُ الشعبيةُ على الحكومةِ التركيةِ لاتخاذِ موقفٍ أكثرَ حدةٍ ضدَ إسرائيلَ، حيث إن الشعبَ التركيَ يرى أن موقفَ القيادةِ التركيةِ سلبيٌ تجاهَ العدوانِ الإسرائيليِ، كما قامتْ أحزابِ المعارضةِ التركيةِ باستغلالِ الوضعِ وقامت بشنِ دعايةٍ سوداءَ على الحزبِ الحاكمِ، لحشدِ التأييدِ الشعبيِ لها، وطالبتْ باتخاذِ إجراءاتٍ لقطعِ العلاقاتِ مع دولةِ الاحتلالِ، كما ساهمَ التناقضُ في التصريحاتِ الرسميةِ والإجراءاتِ الفعليةِ للحكومةِ في تزايدِ الشكوكِ الشعبيةِ حولَ التزامِ الحكومةِ بدعمِ القضيةِ الفلسطينيةِ، وطالبوا أردوغانَ باتخاذِ مواقفَ تصاعديةٍ، أدتْ هذه الضغوطاتُ إلي قيامِ أردوغان بالإدلاءِ بهذه التصريحاتِ، لاسيَّما بعد خطوةِ تعليقِ تركيا العلاقاتِ التجاريةِ مع إسرائيلَ.
استعراضُ قوةِ تركيا العسكريةِ والاقتصاديةِ: تحدثَ اردوغان خلالَ تصريحاتهِ عن قوةِ تركيا العسكريةِ وقدرتِها على تغييرِ التوازناتِ الإقليميةِ في مناطقِها القريبةِ، من خلالِ الإشارةِ إلى دورِ القواتِ العسكريةِ التركيةِ في الحربِ الأهليةِ الليبية، حيثُ وقفتْ تركيا بجانبِ حكوماتِ الغربِ الليبىِ، مما أدىَ إلى تغييرٍ كاملٍ في التوازناتِ، كما أشارَ إلى التدخلِ العسكريِ التركيِ في حربِ قرة باغ، فقد أدتْ الطائراتُ المسيرةُ التركيةُ، ومنتجاتُ صناعةِ الدفاعِ التركيةِ دعمًا كبيرًا لأذربيجان، مما أسفرَ عن تغييرِ مسارِ الحربِ وتحقيقِ النصرِ لها، كما أن التهديدَ بالتدخلِ التركيِ في ضد إسرائيلَ في غزة يشيرُ إلى قوةِ تركيا الاقتصاديةِ وقدرتهِا على تحملِ الضغوطاتِ الإقتصاديةِ التي سوف تنتجُ عن تدخلهِا ضد إسرائيلَ.