المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > محادثات جنيف: هل ستكون نقطة تحوُّل في مسار الحرب السودانية؟
محادثات جنيف: هل ستكون نقطة تحوُّل في مسار الحرب السودانية؟
- أغسطس 18, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء ماهر
باحثة في وحدة الشؤؤن الأفريقية
في خِضَمِّ اشتدادِ المعاركِ في عِدَّةِ مُدنٍ بالسودان، ووصول الوضع الإنساني إلى ذرْوَتِه؛ نتيجةً لتعثُّر وصولِ المساعداتِ الإنسانيةِ، دَعَتْ واشنطن الجيشَ السودانيَّ وقوات الدَعْم السريع لإجراء جولةٍ جديدةٍ من المفاوضات، في جنيف، في 14 أغسطس الجاري؛ بهدفِ توسيعِ نطاقِ إيصالِ المساعداتِ الإنسانيةِ، وإيجادِ آلية مراقبة؛ لضمان تطبيق المُخْرَجات، وبينما رحَّبَتْ قوات الدعم السريع بحضور المفاوضات، رفضت الحكومة السودانية المشاركة؛ ما يثير التساؤل حول جدْوَى هذه المحادثات، في ظلِّ وجود العديد من الفاعلين الدوليِّين والإقليميِّين، الذين يرغبون في توقُّف القتال، على الرَّغْم من عدم حضور ممثلين للجيش السوداني، أم ستكون هذه المحادثات مُجرَّد “حِبْر على ورق”، ولن تُسْفرَ عن أية نتائج.
الأطراف المشاركة في المفاوضات
انطلقت فى مدينة جنيف السويسرية، يوم الأربعاء 14 أغسطس الجاري، محادثاتٌ حول السودان، تستمر لمدة عشرة أيام، وتستضيفها سويسرا والمملكة العربية السعودية، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات العربية المتحدة، بصفة مراقب، وقد ذهب وفدٌ من قوات الدعم السريع لحضور المباحثات، بينما رفضت الحكومة السودانية الذهاب؛ إذ تتمسَّكُ بمواصلةِ القتال ما لم تتم الاستجابة لشروطها، وللمرة الأولى، تجتمع هذه الأطرافُ جميعًا على طاولةٍ واحدةٍ؛ للتباحُث بشأن إنهاء الحرب السودانية.
السياق الراهن للمبادرة الأمريكية
تأتي المبادرة الامريكية لوقْف الحرب السودانية، في ظل سياقٍ وطنيٍّ مُعَقَّدٍ للغاية، فقد تفاقمت الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية بشكلٍ غيْر مسبوقٍ؛ الأمر الذي أدَّى إلى كثرة الدعوات الدولية المُطَالِبة بوقْف الحرب السودانية؛ ولذلك تمَّ عقْد العديدِ من المؤتمرات، منها؛ مؤتمر باريس لمواجهة الحالة الإنسانية في السودان، ومؤتمر الجامعة العربية في مصر، ومباحثات جنيف في يوليو الماضي، وتَبِعَها قراراتُ مجلس الأمن والسِّلْم الأفريقي على مستوى الرؤساء، ثم اجتماع القوى السياسية السودانية في القاهرة، واجتماع جيبوتي لوقْف الحرب، ومؤخرًا تمَّ إجراءِ مباحثات «سودانية – أمريكية» للتشاور بشأن مشاركة الجيش في مفاوضات جنيف بسويسرا، ولكن فشلت المباحثات، وفي هذا الإطار، أعلنت واشنطن تمسُّكَها ببدْءِ المحادثات، حتَّى فى غيابِ ممثلي الحكومة السودانية والجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الذى أبْدَى تحفُّظات على الطَّرْح الأمريكي.
وفي السياق ذاته، نجد أن توقيت هذه المحادثات يأتي في خِضَمِّ المعركة الانتخابية لرئاسة البيت الأبيض، وبالتالي تصبح جزءًا من مؤشرات الحملة للحزب الديمقراطي؛ لذلك هي مبادرة تمَّ التخطيط لها بعناية؛ للحدِّ الذى لا يتيح فرصًا للفشل فيها، ويتوقع أن تكون هناك عِدَّة سيناريوهات؛ لضمان الوصول للنتيجة المرْجُوَّة، خاصَّةً أن الإدارةَ الديمقراطيةَ متهمةٌ بالضَّعْف في سياستها الخارجية؛ لذلك تسعى إدارة بايدن أن يكون لها دوْرٌ في إنهاء الأزمات العالقة، كملفيْ “غزة، والسودان”.
أهداف واشنطن من المفاوضات
تهدف واشنطن إلى عقْد المباحثات مع طرفيْ الصراع؛ من أجل التوصُّل إلى وقْف القتال والانتهاكات العنيفة التي يعاني منها الشعب السوداني، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية، والتشديد علي ضرورة تطويرِ آليةٍ قويةٍ للرَّصْد والتحقيق؛ لضمان تنفيذِ أيِّ اتفاقٍ بين طرفيْ الصراع، وضمان عمليةٍ إنسانيةٍ شاملةٍ لتوصيل الغذاء للمحتاجين داخل البلاد، دون وجودِ أيِّ عائقٍ؛ لذلك تُصِرُّ واشنطن على حضور طرفيْ الصراع للمحادثات؛ لحماية المدنيِّين وإنقاذ أرواحهم، وإيجاد حلٍّ سِلْميٍّ لوقْف القتال، في ظل المعاناة الإنسانية والدمار في البلاد، واختيارُ واشنطن سويسرا مستضيفًا للمفاوضات دليلٌ على إشراك أوروبا وحلف الناتو في الخطوات اللاحقة للتفاوُض، وخاصَّةً قضية الرقابة الفعَّالة لوقْف إطلاق النار في حالة إذا تخلَّفت جهود مجلس الأمن في اتخاذ قرارات حاسمة.
ما السبب وراء عدم مشاركة الحكومة السودانية في مباحثات جنيف؟
عبَّرت سلطاتُ السودان عن تحفُّظِها على الدعوة الأمريكية لإجراء مفاوضات في جنيف، وعن اختلافها مع الولايات المتحدة في شأن المشاركين، رافضةً المشاركة في هذه المفاوضات؛ إذ تحتجُّ الحكومة السودانية على إشراك الإمارات العربية المتحدة، في حين ترى الولايات المتحدة، أن “أبو ظبي، والقاهرة” يمكن أن تكونا ضامنتيْن لتنفيذ الاتفاقية، وترفض سلطاتُ السودان أيضًا، نقْل المفاوضات من منصَّة جدة بالسعودية إلى منصَّة أُخرى، رغم تأكيد المبعوث الأمريكي، أن مباحثات جنيف ما هي إلا امتدادٌ لـمنبر جدة، فضلًا عن اعتراض الجيش على عدم تنفيذ الالتزامات الخاصة بسحب المقاتلين من المناطق المدنية وتسهيل توصيل المساعدات[1].
جهود مكثفة لإقناع البرهان بالحضور
تضغط الإدارة الأمريكية بقوةٍ على الجيش السوداني؛ لحضور المفاوضات، ففي اليوم الأول من المحادثات، أعطتْ الجيشَ السودانيَّ مُهْلَةً لا تتجاوزُ ثلاثة للمشاركة في مفاوضات سويسرا لوقْف القتال، ويؤكد المبعوث الأمريكي، التواصُل مع الجيش السوداني يوميًّا، بشكلٍ مُكثَّفٍ هاتفيًّا؛ لدعوته إلى المشاركة في المفاوضات، ولكنه جدَّد تأكيدَ رفْضِهِ للمبادرة، وتمسُّكِهِ بتنفيذ إعلان جدة، وفي 17 أغسطس الجاري، كَشَفَ رئيسُ مجلسِ السيادةِ الانتقاليِّ في السودان عبد الفتاح البرهان، أن الإدارة الأمريكية وافقتْ على أحدِ مطالِبِهِم، بعقْد لقاءٍ يجمعهما إلى جانب المملكة العربية السعودية؛ لمناقشة تنفيذ إعلان جدَّة المُوقَّع بين الجيش وقوات الدعم السريع[2].
سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول: نجاحُ مباحثات جنيف
من المحتمل، أن يتخذَّ الأطرافُ قراراتٍ حاسمةً، في ظلِّ تمسُّك الولايات المتحدة بالتفاوُض وإقناع الجيش السوداني بالحضور، وفي ظلِّ هذه الضغوط، قد يرسل الجيشُ السودانيُّ وفدًا للتفاوُض، وفي ظلِّ ذلك، يتمُّ الاتفاقُ على عددٍ من القرارات، منها؛ التدخُّل الدولي لحماية المدنيِّين وتقديم المساعدات الإنسانية، وقْف إطلاق النار الدائم، وتحويل الخرطوم لعاصمةٍ منزوعة السلاح، إضافةً إلى إشراك قوات الشرطة والأمن في عملية تأمين المرافق العامة، ونشْر قواتٍ أفريقيةٍ لحراسة المؤسسات الإستراتيجية في العاصمة، والبَدْء في عمليةٍ سياسيةٍ لتسوية الأزمة بشكلٍ نهائيٍّ، وإرسال قواتٍ دوليةٍ أو إقليميةٍ؛ لتأمينِ إيصالِ المساعداتِ الإنسانيةِ بصورةٍ عاجلةٍ إلى ملايين المواطنين المُهدَّدين بالمجاعة، وإخراج قوات طرفيْ القتالِ إلى مراكز تجميع.
السيناريو الثاني: تعثُّر مباحثات جنيف
في حالة إصرار الحكومة السودانية على عدم حضور المباحثات، وعدم استجابة الطرفيْن بتنفيذ قررات المبادرة السابقة، وإصرار الحكومة السودانية على حسْم الصراع عسكريًّا، فمن المحتمل، أن تذهب جهودُ هذه المحادثات سُدَىً، ولم يتم الالتزام بها كغيرها من المبادرات الأخرى لحلِّ الأزمة السودانية، وسيؤدي فشل المبادرة الأمريكية في مفاوضات جنيف إلى مزيدٍ من التمدُّد والتوسُّع لنطاق الحرب، بعد أن شَمِلَتْ ولامست نيرانها أكثر من نصف ولايات السودان؛ ما يعني مزيدًا من المعاناة والتشريد للسودانيِّين، ودفْع البلاد نحْو مصيرٍ مجهولٍ، وقد يُسْفِرُ عن ذلك، قيام واشنطن بفرْض عقوباتٍ أشدّ قسوة، وقد تصل إلى حظْر الطيران الحربي وحظْر استيرادِ الأسلحةِ، مثلما حدث في دارفور من قبْل.
ختامًا
في الوقت الذي تنعقد فيه الآمال في أن تؤدي مفاوضات جنيف إلى وضع حد للعنف والتوصل لحل تفاوضي يوقف نزيف الدم الذي يمزق السودان منذ أكثر من 16 شهرًا، ويضع حدًا للمأساة الإنسانية التي تهدد أكثر من نصف سكان البلاد، كانت الانقسامات العميقة بين الجيش والدعم السريع إضافة إلى كثرة الاعتراضات على عقد هذه الجولة من المفاوضات أكبر من هذه الطموحات، وهو ما يجعل هناك صعوبة في الوصول إلى اتفاق على المدى القريب، وفي ظل هذه الخلافات ستركز جهود الوسطاء الدوليين على إيجاد طريقة إيصال المساعدات الإنسانية بشكل فوري لمنع تفاقم الأزمة خاصة مع انتشار وباء الكوليرا في العديد من المدن بالسودان، كما أنه لابد من اتخاذ قرارات حاسمه ضد الطرفين لردعهم عن القيام بالأعمال العدائية والوصول إلى اتفاق ينهي حالة الاقتتال الدامي الذي كان الشعب هو ضحيته في المقام الأول والأخير.
المصادر:
[1] واشنطن للجيش السوداني: يتعين عليكم حضور محادثات جنيف، العربية، السعودية، 2024م، متاح على: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/sudan/2024/08/16
[2] البرهان : وفد حكومي سيتوجه الى جنيف للقاء رعاة إعلان جدة، سودان تربيون، 2024م، متاح على: https://sudantribune.net/article289655/