المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > العلَاقاتُ التركيةُ العراقية: استمرار مرحلةِ التحالفاتِ
العلَاقاتُ التركيةُ العراقية: استمرار مرحلةِ التحالفاتِ
- أغسطس 24, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: هنا داود
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
في ظلِّ الوضع الراهنِ في الشرق الأوسط وحالةِ عدم الاستقرار، فإن أحدَ أهداف السياسةِ الخارجية التركيةِ هو خَفْضُ التصعيد وإعادةُ الاستقرار للمنطقة ومَنْعُ تدهور الوضع لما هو أسوء، وكخطةٍ مسبقةٍ اتخذت تركيا خطواتٍ واسعةً وناجحةً في تصفية الخلافات مع دول المنطقة ومحاولةِ الانتقال بالعلاقات الثُنائيةِ إلى الأمام، وفي العلاقات الثنائيةِ التركية – العراقية نَجِدُ أنها دخلت في مرحلةٍ إيجابية أُزِيلتْ فيها العديدُ من العَقَباتِ والمسائل الشائكة والخلافية بينهم، وفي هذا التعاون الثنائي الذي يَسْتَمرُ بشكل مُثمرٍ ستكون تركيا مستفيدةً بشكلٍ كبير لتحقيق أهدافها فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني (PKK) والتضييق على نشاطاته بالأخصِّ بعد اعتراف العراق باعتباره مصدر تهديدٍ مشتركٍ، ولذا كان محورُ زيارةِ وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى تركيا يَتركّزُ حول التعاون الأمني وتفعيلِ الآلية الأمنية المشتركة.
العَلاَقاتُ التركية – العراقية
كانت العلاقاتُ الثنائية بين البلدين فى حالةِ تدهورٍ منذ عام 1958، أي منذ صعودِ نظام البَعْثِ الاشتراكي في بغداد حيث بدأت خلافات بين الدولتين كان أبرزُها الخلاف حول الحقوق المائية بنهري دجلة والفرات والتي تُعْتبَرُ مسألةً قائمةّ حتى وقتنا الحالي، واستمرت العلاقاتُ في حالةٍ من التدهور بعد الحرب الباردةِ في الوقت الذي كان شمالُ العراق هو الملاذَ لحزب العمال الكردستاني الذي كان يَخوضُ حربًا ضد الحكومة التركية.
واستمرت العلاقاتُ الثنائيةُ على هذه الوتيرة وبهذا الشكل حتى تغيرت تمامًا وانتقلت لمرحلةٍ جديدةٍ من التحالفات ولكن لماذا؟
ملفُ المياه اشتّدَ التوتر بين الدولتين حينما بدأت تركيا في بناء سدودٍ لتوليد الكهرباء على نهري دجلة والفرات حيث ازدادت مخاوفُ كلٍ من العراق وسوريا من استحواذ تركيا على نسب المياهِ في النهرين والتأثير على الحصص الخاصة بهم، واستمرت اللجانُ المشتركةُ من أجل الوصول إلى تسويةِ تكون مُطَمْئنةً لكل الأطراف، وعلى الرغم من أنها تعثرت لسنواتٍ عدة إلا أن الوضعَ تغير تمامًا بعد زيارة أردوغان للعراق في إبريل 2024 حيث تمَّ توقيعُ إطارٍ استراتيجيٍ يَشملُ 24 اتفاقًا منهم يَتعلقُ بتحقيق التفاهم في ملف المياه، وتخصيص نسب المياه للعراق بشكلٍ مُنصفٍ وعادل، وكذلك التزمت فيه أنقرة بتقديم الدعم الفني في إدارة المياه وأنظمةِ وتِقْنياتِ الريّ الحديثة، لا يمكن القول بأن هذه المسألة تم تسويتها بشكلٍ تام، ولكن خلال مرحلة التحالفات التي تَتّسعُ سيكون من السهل على العراق الحصول على مطالبها أو الاقتراب منها.
تَواجدُ حزب العمال الكردستاني من أهمِّ الملفات المشتركة بين البلدين، كما هو معروفٌ بَدأَ حزب العمال الكردستاني في بناء معسكراته على طول الحدود العراقية المشتركة مع تركيا وإيران منذ التسعينيات واشْتبَكَ في مواجهات شديدة مع الحكومةِ التركية وكان تَدخلُ تركيا للتضييقِ على الحزبِ ونشاطاتهِ من أكثر الملفات خلافًا مع الحكومة العراقية، ولكن انْقلَبَ الوضع تمامًا حيث اعترفت العراق بالحزب كمنظمةٍ محظورةٍ وباعتباره تهديداً مشتركاً لكل من تركيا والعراق للعديدِ من الأسباب أولُّها أن تواجد الحزب بنشاطاته بالفعل أصبح يُهدّدُ الأمنَ القومي للعراق وبشدةٍ وليس تركيا فحسب، ولأن تعاونَ العراق مع تركيا في هذا الملف سيحقق لها العَديدَ من المكاسب في الملفات الأخرى أبرزُها في ملف المياه و مشروعِ طريقِ التنمية.
مشروعُ طريق التنميةِ تُخَطّطُ تركيا لمشروع التنمية الذي سيربطُ المحيطَ الهندي بأوروبا ويَمرُّ بالعراق ثم برًا إلى موانئ تركيا على البحر الأبيض المتوسط بهدف خَلْقِ تكاملٍ اقتصاديٍ، وقد أصبح المشروعُ بسبب الظروف الراهنة أكثرَ قابليةً للتنفيذ حيث سيضمن مكاسبَ عدةً لكلا الدولتين وقد حصل المشروع على دعمٍ ماليٍ من الإمارات العربية المتحدة ووقطر، ويَخلقُ المشروعُ في حال نجاحه ترابطاً اقتصادياً كبيراً بين تركيا والعراق يساعدهم على تسويةِ الملفاتِ بينهم بشكل تام.
لذا يمكن القول إن هناك ملفاتٍ عدة دفعت الدولتين لتسويةِ الخلافات بينهم، لأن هذه التسوية ستَخْلِقُ لهم مكاسبَ على مختلف الأصعدة إلى جانب مساهمتها في إحلال الاستقرار بشكلٍ أسرع، ولذا تُعَدُّ الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية العراقي إلى تركيا حلقةً مُكمّلةً لهذا التعاون الوثيق ومُحفّزةً لبدءِ الخطوات الفعليةِ على أرض الواقع.
زيارةُ وزيرِ الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى تركيا
جاءت زيارةُ وزير الخارجية العراقي إلى تركيا بوفد رفيعِ المستوى تَضَمّنَ فالح الفيض رئيس هيئة الحشد الشعبي في توقيتٍ هامٍ تسعى لتأكيد استمرار التحالف الوثيق ودَفْعهِ للأمام، وكانت زيارةً مُثمرةً تستكملُ ما بدأته الدولتان خلال زيارة أردوغان في أبريل الماضي، واستبقت الزيارة اتخاذُ خطواتِ تشددٍ وتضييقٍ على أنشطة حزب العمال الكردستادني، ومن الجانب التركي شاركَ في الاجتماع وزيرُ الخارجية هاكان فيدان ووزيرُ الدفاع الوطني يشار غولر، ورئيسُ جهازِ الاستخبارات الوطنية إبراهيم قالن، ونائبُ وزيرِ الداخلية منير كارا أوغلو وهو ما يَعكِسُ المناخ العام للهام للزيارة.
تَفعيلُ الإطارِ الإستراتيجي
خلال اللقاءات المستمرةِ بين الدولتين تَمَّ بحث سبل تفعيل الإطار الاستراتيجي الذي تمٌَ تَوقيعهُ خلال الزيارة المثمرة التي قام بها أردوغان إلى بغداد في أبريل 2024، وهذ الاتفاق كما هو معلومٌ تم عقده لمدة 10 سنوات بهدف الإشراف على مجالات التعاون المختلفة يأتي في مقدمتها الملفُ الأمنيُ والتنسيقُ لمواجهة الإرهاب، ومن ثم الملف المائي والنظر في مطالب العراق للحصول على حصتهِ العادلةِ من مياه نهري دجلة والفرات.
وكان من أهمِّ ما جاء فى اجتماعِ وزير الخارجية فؤاد حسين في أنقرة في شهر أغسطس الجاري هو بَحْثُ سبل تفعيل الإطار الاستراتيجي وكيفيةِ بدءِ الخطوات الفعلية على الواقع بالأخص في ظل تزايدِ عدمِ الاستقرارِ في المنطقة تعطي هذه الزيارة لفتةً هامةً لتوضح اهتمام الدولتين بضرورة اتخاذِ الخطواتِ الفِعْليةِ بشكلٍ مُتسارعٍ لإقرار الأمن في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام والعراق بالأخص، وجاءت خُطواتُ تفعيل الإطار الاستراتيجي كالتالي:
عَقْدُ الاجتماع التحضيري لمجموعةِ التخطيط المشتركة – العراقية
مجموعة التخطيط المشتركة كانت إحدى مُخرجاتِ اتفاقِ الإطار الاستراتيجي للتعاون المشترك، وخلال زيارة وزيرِ الخارجية فؤاد حسين إلى أنقرة إنْعَقدَ الاجتماعُ التحضيريُ الأول برئاسة نائب وزير الخارجية التركية نوح يلماز ونظيره العراقي محمد حسين، لمناقشة سُبلِ تنفيذ الاتفاقياتِ الموقّعةِ وضمان سريانها بطابعٍ مؤسسيٍ وكذلك متابعةُ عمل اللجان الدائمةِ ومجالات التعاون بينهم مما يُوضّحُ التزامَ كلا الطرفين ورغبتَهم الحقيقيةَ في بدءِ الخطوات الفعلية على الأرض، ودَفْعِ مجالات التعاون بينهم للأمام.
الاجتماعُ الرابعُ للآلية الأمنية التركية العراقية رفيعة المستوى
كان الاجتماعُ الأول قد تمَّ في عام 2019 خلال زيارةِ رئيس الوزراء العراقي عادل المهدي إلى تركيا وكانت بدايةَ وضعِ أسسسٍ للتعاون العسكري والأمني، وتمَّ تعطيلُ الآلية خلال فترات عدم الاستقرار في الداخلِ العراقي وتفشي وباء كورونا، وكانت زيارةُ وزير الخارجية هاكان فيدان للعاصمةِ العراقية في 2023 الدافعَ لإعادة إحيائِها مرةً أخرى وفي العام ذاتهِ عُقِدَ الاجتماع الثاني في أنقرة 19 ديسمبر برئاسة وزيري خارجية الدولتين.
وكان الاجتماعُ الثالث هو الأكثرَ أهميةً حيث تَضّمن اعترافَ العراق بحزب العمال الكردستاني باعتباره تهديداً مشتركاً لكلا البلدين، وجاء خلال زيارة الوزير فؤاد حسين عُقد الاجتماع الرابع يوم الخميس الموافق 15 أغسطس من أجل مناقشة التطور في التعاون الأمني ولا سيَّما في مكافحةِ الإرهاب وأنشطةِ حزب العمال الكردستاني الذي لم يَعُدْ من المسائل الخلافية بين البلدين حيث اتفقا على إدارته بشكلٍ مشتركٍ.
ومن الواضح أن العراق تَتَخذُ خُطواتٍ جادةً للتخلّصِ من تهديد حزب العمال الكردستاني حيث استبق هذه الزيارة التضييقُ على نشاطات حزب العمالِ الكردستاني، وبخُطوةٍ غير مسبوقةٍ اتّخَذَ القضاء العراقي قراراً بحلٌِ ثلاثة أحزابٍ سياسيةٍ نتيجة صلتها بحزب العمال واعتبارِهم يشكلون خطرًا على الأمن القومي العراقي ولذا من الواضح أن ثمارَ التعاون التركي العراقي ستزداد حدةً على حزب العمال الكردستاني وبشكلٍ متسارعٍ في الفترة المقبلة وسيكون الحزب الديمقراطي الكردستاني بارزًا في هذا التعاون.
ماذا يعني حضورُ فالح الفياض في الوفد العراقي إلى تركيا؟
جاءَ حضورُ فالح الفياض رئيسُ هيئة الحشد الشعبي ضمن الوفد رفيعِ المستوى إلى تركيا، ليُشيرَ إلى معاني عدةٍ أولها يُوضّحُ الرغبةَ الحقيقيةَ من العراق في التعاون الأمني والعسكري والرغبةَ الحقيقيةَ في التضييق على حزب العمال الكردستاني وتوحيد صفوف العراق وتجاوز الاختلافاتِ الداخلية، ويُوضّحُ أن كلا البلدين قد تغير نَهْجُهمَا في الفترة الأخيرة بهدف تحقيق المصالح ولا يُمكنُ الجزم بنهاية التوترات بين تركيا وهيئةِ الحشد الشعبي ولكن التعاونَ مستمرٌ لأهداف برجماتية، وهذا يشير الى أن تركيا أصبحت تعترف بها كقوة سياسية فاعلة وأصبح يَتمُّ الاعتراف بشرعيتِها وترى أنه من الضروري بناء علاقاتٍ قويةِ معها بسبب العلاقات الوثيقة بين هيئة الحشد وطهران، ربما يشير هذا إلى أن العراقَ ترغب في التأكيد على ضرورة تحقيق التوازن في علاقاتهِ الإقليمية.
في الختام:
تُؤكدُ الزيارة الأخيرةُ لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى تركيا، المدعومةُ بحضور شخصياتٍ مؤثرةٍ كفالح الفياض، على التحول الإيجابي الجذري في العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد عقودٍ من التوتر والاختلافات العميقة، خاصة حول قضايا المياه وحزب العمال الكردستاني، يبدو أن تركيا والعراق قد تجاوزتا العديدَ من العقباتِ ووضعتا أسسًا متينة للتعاون الاستراتيجي.
إن التعاونَ الأمنيَ المشترك، والذي يَهدفُ بشكل أساسي إلى مكافحة حزب العمال الكردستاني، يُمثّلُ محورًا رئيسيًا في هذه العلاقة الجديدة، بالإضافةِ إلى قرار العراق بحظر الحزب وتصنيفه كمنظمةٍ إرهابيةٍ، والخطواتِ العملية التي اتخذتها الحكومة العراقية لتضييق الخناق على أنشطة الحزب، يَعكِسُ مدى جِدّيةِ البلدين في مواجهة هذا التهديد المشترك.
من جانبها، تسعى تركيا إلى استغلال هذا التعاون لتحقيق أهدافٍ استراتيجيةٍ أوسع، تَشمَلُ تعزيزَ نفوذها في المنطقة، وتأمينَ حدودها الجنوبية، ودعمَ مشاريعٍ اقتصاديةٍ كبرى مثل مشروع طريق التنمية الذي من شأنه أن يَرْبِطَ الخليجَ العربي بأوروبا عبر العراق وتركيا.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازُه، إلا أن هناك العديدَ من التحديات التي لا تزال قائمةً، فمن جهة، هناك مخاوف عراقيةٌ من أن يُسيطرَ النفوذُ التركي على شمال العراق، خاصة في المناطق الكردية. ومن جهةٍ أخرى، هناك قلقٌ تركي من أن يَستخِدمَ العراق هذا التعاونَ لتحقيق مكاسب سياسيةٍ على حساب تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التطوراتِ الإقليميةَ السريعة، مثل تطورات الأوضاع في سوريا، قد تُؤثّرُ بشكلٍ كبيرٍ على العلاقات التركية العراقية، فكلا البلدين لديهما مصالح متعارضة في بعض القضايا الإقليمية، مما قد يؤدي إلى توترات جديدة.
ختامًا، يمكن القول إن التحولَ الإيجابي في العلاقات التركية العراقية يمثل فرصةً تاريخيةً لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة، ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب من كلا البلدين الالتزامَ بالتعاون الاستراتيجي، وتجاوز الخلافات الثانوية، والبناءَ على الثقة المُتَبادَلةِ.
المصادر
” أنقرة تستضيف الاجتماع التحضيري لمجموعة التخطيط التركية العراقية”، جريدة شفق، 15/8/2024، أنقرة تستضيف الاجتماع التحضيري لمجموعة التخطيط التركية العراقية | الشرق الأوسط (yenisafak.com)، تاريخ الدخول 20/8/2024.
“انعقاد الاجتماع التحضيري لمجموعة التخطيط التركية-العراقية في أنقرة”، TRT عربي، 15/8/2024، انعقاد الاجتماع التحضيري لمجموعة التخطيط التركية–العراقية في أنقرة (trtarabi.com)، الدخول 21/8/2024.
سونر چاغاپتاي, سيلين أويسال, بلال وهاب، معهد واشنطن، 29 مايو 2024، إعادة ضبط العلاقات بين العراق وتركيا | The Washington Institute، الدخول 21/8/2024.