المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > محور فيلادلفي: يُثير خِلَافًا مصريًّا إسرائيليًّا ويُعرقل الوصول لاتفاق الهُدْنة في غزة
محور فيلادلفي: يُثير خِلَافًا مصريًّا إسرائيليًّا ويُعرقل الوصول لاتفاق الهُدْنة في غزة
- أغسطس 31, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في ضوْء استمرارِ الحربِ الإسرائيليةِ على قطاعِ غزَّة الفلسطيني، وضِمْن سياق المفاوضات التي تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة؛ من أجل التوصُّل لاتفاق هُدْنة بين إسرائيل وحركة حماس، بات محور فيلادلفيا أحدَ أهمِّ القضايا الخلافية التي تُعرقل إتمام الاتفاق، وتُضيف مزيدًا من التوتُّر والتعقيد على العلاقات بين القاهرة وتل أبيب؛ إذ تختلف رُؤَى الدولتيْن بخصوص التواجُد الإسرائيلي العسكري في المحور؛ حيث الحدود الجنوبية للقطاع، فبينما تتمسَّك إسرائيلُ ببقاءِ جيشها في هذه المنطقة الحسَّاسة، تطالب مصر بالانسحاب الكامل منها.
وقد بَرَزَ هذا الخلافُ بشكلٍ قويٍّ في جوْلة المفاوضات التي استضافتها مصر على مدار الأيام القليلة الماضية؛ حيث شهدت القاهرة جلسة مناقشات يوميْ 23-24 أغسطس الجاري، تَبِعَهما جلسة مفاوضات مُوسَّعة، عُقدت في الـ25 من الشهر ذاته، وجمعت بين وفود مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل، فيما تغيَّبت حركة حماس عن المشاركة، رغم وجود وفدٍ لها في القاهرة، برئاسة القيادي خليل الحية؛ وذلك للاستماع لنتائج المفاوضات[1].
تركَّزت هذه الجوْلة على بعض الاقتراحات الإضافية، التي قدَّمها الوسطاء من أجل تقريب وجهات النظر بين إسرائيل وحماس، مع التركيز على ملفيْ محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة ومعبر رفح، ولكنها انتهت دون تحقيق تقدُّمٍ ملموسٍ؛ بسبب عدم التوافُق بشأن وجود القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا وممرِّ نتساريم، ورفْض تل أبيب وحماس لكل البدائل التي اقترحها الوسطاء في هذا الشأن، وهذا يؤكد حقيقة، أن المحور بات عقبةً كبيرةً قد تُهدِّدُ استمرار مفاوضات إنهاء الحرب في غزة:
أولًا: إسرائيل تتمسَّك بالتواجُد في محور فيلادلفيا
بات المقترح الأمريكي بشأن إنهاء الحرب في غزة، والذي كشف عنه الرئيس جو بايدن، في مايو الماضي، ونال موافقة الطرفيْن مُسْبَقًا، هو الأساس الذي تقوم عليه مفاوضات الوساطة التي قادتها مصر وقطر والولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة حماس؛ من أجل الوصول إلى اتفاقٍ يُنهي الحرب.
ولكن بشكلٍ يُوضِّحُ مدى التعنُّت الذي تُبْدِيهِ إسرائيلُ في المفاوضات، أضافت تل أبيب شروطًا جديدةً على الاتفاق، قد تُعرقل مسار المفاوضات، وهي: بقاء قواتها على طول محور فيلادلفيا بشكلٍ دائمٍ، وفرْض سيطرتها الكاملة عليه، فرْض رقابة عسكرية على معبْر رفح من الجانب الفلسطيني، إلى جانب التواجُد العسكري على محور نتساريم بالقطاع[2].
ويتمسَّك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشروطه، وخاصَّةً السيطرة على محور فيلادلفيا بالكامل، كما يرفض التفاوُض حول هذا الأمر؛ حيث[3]:
أكَّد نتنياهو، يوم 21 أغسطس الجاري، أن إسرائيل لم توافق على سحْب قواتها من محور فيلادلفيا، على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، مُشدِّدًا على أن “تل أبيب لن تنسحب من فيلادلفيا ونتساريم في قطاع غزة تحت أيِّ ظرْفٍ، ورغم الضغوط الهائلة للقيام بذلك”.
وفي اليوم التالي، أعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، التأكيد على هذا الأمر مجددًا؛ حيث صرَّح بأن “إسرائيل لن تقبل اتفاق هُدْنة في غزة من دون السيطرة على محور فيلادلفيا”.
أفادت صحيفة وول ستريت جورنال، يوم 22 أغسطس، بأنَّ تل أبيب قدَّمت لمصر مقترحًا، بإنشاء 8 أبراج مراقبة على طول المحور، فيما اقترحت الولايات المتحدة، تخفيض عدد الأبراج إلى برجيْن فقط، ولكن مصر رفضت الاقتراحين.
تدخَّلت الإدارة الأمريكية لإقناع نتنياهو، بأن يُبْدِي مرونةً أكبر بشأن محور فيلادلفيا؛ إذ أجرى الرئيس بايدن اتصالًا هاتفيًّا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، يوم 21 أغسطس، طالب الرئيس الأمريكي خلاله، بالموافقة على سحْب القوات الإسرائيلية من جزء من المحور خلال المرحلة الأولى من اتفاق الهُدْنة المقترح، ولكن تل أبيب رفضت فكرة الانسحاب، وقَبِلَتْ فقط بتغيير موقعٍ واحدٍ لجيشها على محور فيلادلفيا، ونقْله بضْع مئات من الأمتار فقط بعيدًا عن الحدود، وبطريقةٍ لا تضُرُّ بالسيطرة العمليَّاتيَّة على طول الممر.
وجدير بالذكر أن محور فيلادلفيا أو ممر صلاح الدين كما يُسمِّيه الفلسطينيون، هو شريطٌ حدوديٌّ يقع بين مصر وقطاع غزة، أقامه الجيش الإسرائيلي خلال فترة احتلاله للقطاع 1967-2005، ويبلغ عرْضُه 100 مترٍ، ويمتدُّ من البحر المتوسط شمالًا وحتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا، بمسافةٍ تقْرُب لـ14 كيلومترًا، كما أنه يُعدُّ منطقةً عازلةً، بموجب اتفاقية كامب ديفيد، المُوقَّعة بين القاهرة وتل أبيب عام [4]1979.
أما محور نتساريم، أو وادي غزة، فهو شريط يبلغ طوله نحو 6 كيلومترات، يمتدُّ من الحدود الإسرائيلية إلى ساحل البحر المتوسط جنوب غزة، ويفصل مدينة غزة وشمالها عن المنطقة الوسطى وجنوب القطاع[5].
ثانيًا: تفسيرات متعددة.. لماذا تتمسك تل أبيب بالممرَّيْن؟
برَّر رئيس الوزراء الإسرائيلي تمسُّكه الشديد بالسيطرة العسكرية على محوريْ فيلادلفيا ونتساريم، بالرغبة في ضمان عدم تكرار هجوم الـ7 من أكتوبر 2023 في المستقبل، وعدم السماح لحركة حماس بإعادة تسليح نفسها عبْر الأنفاق المتواجدة تحت محور فيلادلفيا، والتي زعم نتنياهو، أنها لا تزال مصدرًا إستراتيجيًّا لتهريب الأسلحة والعتاد العسكري إلى القطاع، وهو الأمر الذي تنفيه مصرُ بشِدَّة[6].
كما أكَّد نتنياهو، أن محورَ فيلادلفيا ثغْرةٌ أمنيَّةٌ مهمةٌ للغاية بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، وأن الانسحاب منه يعني السماح لحماس بإعادة بناء قواها وأنفاقها، وعودتها لفرْض سيطرتها على قطاع غزة مرَّةً أُخرى؛ ما يُعرِّضُ المستوطنات الإسرائيلية في المنطقة للخطر مجددًا.
ولهذا تتمسَّك تلُّ أبيب بسدِّ هذه الثغْرة الجنوبية، وضمان ألَّا تُشكِّلَ غزة مجددًا تهديدًا أمنيًّا لإسرائيل، وذلك من خلال السيطرة العسكرية على محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر.
ولكن في المقابل؛ رأى البعض أن تفسيرات نتنياهو غير حقيقية، بل هي حُجَجٌ واهيةٌ تخدم أغراضًا وأهدافًا أُخرى، ومنها[7]:
1- فصْل قطاع غزة عن العالم الخارجي؛ يُمثِّلُ محورُ فيلادلفيا المخرجَ الوحيدَ الذي يصلُ القطاع بالعالم الخارجي، بعيدًا عن الرقابة الإسرائيلية، وذلك عن طريق الحدود المصرية، وبالتالي السيطرة العسكرية لتل أبيب عليه، تُعتبر جزءًا من إستراتيجيةٍ أكبر؛ تهدف إلى إحكام السيطرة على القطاع وفصْله عن بيئته العربية.
2- إطالة أَمَدِ المفاوضات وتعطيلها؛ الحديث عن وجود أنفاقٍ لحركة حماس في محور فيلادلفيا، بعد مرور شهورٍ عِدَّة من المفاوضات الجادة التي قادها الوسطاء، وبعد موافقة حركة حماس على المقترح الأمريكي، وبالتالي اقتراب توقيع اتفاق الهُدْنة ووقْف الحرب، أكبر دليل على أن المبررات التي استند إليها نتنياهو في ملف سيطرته على محوريْ فيلادلفيا ونتساريم، ما هي إلا حُجَجٌ واهيةٌ؛ هدفها التسويف وعرْقلة المفاوضات وإطالة أَمَدِ الحرب، والتي تعني نهايتها، نهاية مستقبل نتنياهو السياسي.
وبالتالي الشروط الإضافية الجديدة التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي على الاتفاق، ما هي إلا دليلٌ جديدٌ على أنه يبحث عن مكاسبَ سياسيةٍ فقط، وليس عن الانخراط الجاد في مفاوضات وقْف الحرب.
3- إعادة احتلال القطاع بصورة مختلفة عن السابق؛ حيث إن سيطرة إسرائيل على الممرَّات الإستراتيجية في غزة، مثل فيلادلفيا ونتساريم، قد تكون بدايةً للسيادة الإسرائيلية على القطاع واحتلاله من جديدٍ؛ ما يتناسب مع الرُّؤْية التي سبق وأعلنتها تل أبيب بشأن سيناريوهات اليوم التالي للحرب، والتي تقوم على أن تكون السيطرة العسكرية في غزة للجيش الإسرائيلي، خاصَّةً أن الخُطط الإسرائيلية بخصوص محور فيلادلفيا ومعبر رفح، فضلًا عن ممرّ نتساريم لتقسيم القطاع، تُعدُّ مؤشرًا واضحًا للغاية على نِيَّة بقاء إسرائيل في قطاع غزة لمدة طويلة، لن تقلَّ عن عام.
4- فصْل شمال القطاع عن جنوبه؛ برَّر نتنياهو رغبته في السيطرة على ممرِّ نتساريم، بأنه يريد منْع عودة حماس إلى الشمال مرَّةً أُخرى، ولكن في حقيقة الأمر، يبدو أن تل أبيب تهدف من هذه السيطرة إلى فصْل شمال القطاع عن منطقة الوسط والجنوب بشكٍل دائمٍ، وبالتالي التحكُّم في عودة الغزيِّين إلى الشمال، ومراقبة أيِّ مساعداتٍ إنسانيةٍ تتجه من الجنوب والوسط إلى محافظتيْ غزة وشمال غزة، ومن ثَمَّ؛ تفتيت هيكل غزة وتضييق الخناق على أهلها، والقضاء على أيِّ وجودٍ لأراضٍ فلسطينية متصلة ببعضها، تُمهِّدُ لقيام دولةٍ فلسطينيةٍ في المستقبل.
ثالثًا: الموقف المصري ومقترحات التوافُق حول المطالب الإسرائيلية
في مقابل التمسُّك الإسرائيلي بالسيطرة العسكرية الكاملة على محور فيلادلفيا ومعبر رفح، تتمسُّك مصر من جانبها، بالانسحاب التَّام لقوات الجيش الإسرائيلي من هذه المناطق، معتبرةً أن التواجُد العسكري لتل أبيب غير مبرَّرٍ ومرفوضٍ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ[8].
وهو ما أكَّده وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، الذي صرَّح على هامش لقاء نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم 20 أغسطس الجاري، بأنه “لا يمكن التراجُع عن القواعد الخاصَّة، بتشغيل معبر رفح البري ومحور فيلادلفيا”، مُشدِّدًا على أن الموقفَ المصريَّ واضحٌ أمام الولايات المتحدة وإسرائيل والجميع، وبذلك تكون نفت السلطات المصرية كُلَّ ما أُثير حول موافقة القاهرة على بقاء القوات الإسرائيلية في المحور[9].
أمَّا فيما يخُصُّ معبر رفح؛ شدَّدت مصر على موقفها الثابت والقائم على عدم فتْح المعبر طالما بقيت السيطرة الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني منه، والمستمرة منذ مايو الماضي، كما اشترطت أن تُعيد إسرائيل الجانب الفلسطيني من المعبر في قطاع غزة إلى السيطرة الفلسطينية؛ حتى يستأنف العمل به مرَّةً أُخرى.
وجدير بالذكر أن القاهرة رفضت التنسيق مع تل أبيب، فيما يخُصُّ معبر رفح البري، وطالبت مرارًا وتكرارًا بانسحاب القوات الإسرائيلية منه، وتفاديًا لإشكالية توقُّف إدخال المساعدات الإنسانية؛ قرَّرت مصرُ إرسالَ المساعدات وشاحنات الوقود بصورةٍ مؤقتةٍ من معبر كرم أبو سالم.
وكذلك يُذكر أن موقف حركة حماس جاء داعمًا ومؤيدًا للموقف المصري؛ حيث أكَّدت الحركة على التالي[10]:
تتمسَّكُ حماس بالتزامها الذي وافقت عليه في الـ2 من يوليو الماضي، والمبنيّ على إعلان بايدن في 31 مايو 2024، وقرار مجلس الأمن رقم 2735، الصادر في 11 يونيو الماضي، ورفْض أيّ وجود إسرائيلي على محور فيلادلفيا ونتساريم.
إصرار نتنياهو على إبقاء قواته في محور فيلادلفيا، يعكس نواياه في مواصلة العدوان، وعدم التوصُّل إلى اتفاقٍ نهائيٍّ لوقْف الحرب.
لن تتنازل حماس عن مطالبها بانسحاب القوات الإسرائيلية من كامل القطاع، وعن وقْف إطلاق النار بشكلٍ تامٍ، وإدخال المساعدات، وعودة النازحين من جنوب غزة إلى شمالها دون قيود، ورفع الفيتو الإسرائيلي عن بعض أسماء الأسرى الفلسطينيِّين، الذين تتمسَّك الحركة بوجوب إطلاقهم من السجون الإسرائيلية.
ويقوم الموقف المصري في هذا الشأن على مجموعةٍ من الأُسُس القانونية، والتي تتحدّد في معاهدة السلام “المصرية – الإسرائيلية”، والأُسُس الأمنية المتعلقة بالأمن القومي المصري؛ حيث:
1- الأساس القانوني للموقف المصري؛ تَمَّ إنشاء محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين؛ بناءً على معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، عام 1979، والتي نصَّت على إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي الفلسطينية على طول الحدود بين الدولتيْن، تخضع لسيطرة إسرائيلية بقوة قوامها 180 مركبةً مدرعةً من الأنواع كافَّة، وطاقم مُكوَّن من 4 آلاف عنصر، فيما تحُدُّ المعاهدة من عدد القوات التي يمكن لأيٍّ من البلديْن نشْرها بالقُرْب من الحدود، وتحْظُرُ على إسرائيل نشْر الدبابات والمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات في محور فيلادلفيا[11].
ولكن تغيَّرَ هذا الوضع، في سبتمبر عام 2005، مع توقيع اتفاق فيلادلفيا، على إثْر انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، والذي يُعتبر مُلْحَقًا أمنيًّا لمعاهدة السلام، وقد نصَّ الاتفاقُ على نشْر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدَّر تلك القوات بنحو 750 جنديًّا من حرس الحدود المصري؛ بهدف مكافحة الإرهاب، والتسلُّل عبْر الحدود، والتهريب، والكشْف عن الأنفاق، بينما أتاح تواجُد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مُشاة، دون أيِّ دبابات أو مدفعيات أو صواريخ.
2- الأساس الأمني والسيادي للموقف المصري؛ التواجُد العسكري الإسرائيلي على محور فيلادلفيا، قد يكون مُقدّمةً لانتشارٍ أكبرَ للجيش الإسرائيلي على طول الحدود المصرية؛ ما يُعدُّ تهديدًا خطيرًا للغاية للأمن القومي المصري؛ حيث إنه يزيد من خطر الاحتكاك العسكري بين قوات البلديْن الحدودية[12].
كما أن السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا ومعبريْ نتساريم ورفح، قد تعزّز احتمال تهجير الفلسطينيين؛ بسبب الضغط العسكري الذي سيقع على السكان النازحين إلى جنوب القطاع؛ وبسبب العمليات العسكرية في هذه المنطقة؛ لذلك ترفضُ مصرُ أيَّ وجودٍ إسرائيليٍّ دائمٍ على هذه الممرَّات.
وإدراكًا من الأطراف المعنيّة بالأزمة؛ مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، بأن الخلاف حول محور فيلادلفيا ومعبر رفح، قد يؤدي إلى عرْقلة مفاوضات اتفاق الهُدْنة في غزة، والتأثير سلبًا على الجهود العديدة المبذولة في هذا الشأن، كان هناك عِدَّة مقترحات قُدِّمَتْ من أجل الوصول إلى حلٍّ وسطٍ؛ منها[13]:
تدخَّلت الولايات المتحدة على خطِّ الأزمة، من خلال تقديم حلٍّ وسطٍ إلى مصر، يقوم على انسحابٍ إسرائيليٍّ تدريجيٍّ من محور فيلادلفيا في المرحلة الأولى من الاتفاق، على أن يؤدي ذلك إلى انسحابٍ كاملٍ في المراحل التالية، ولكن تطالب السلطات المصرية بضمانات أمريكية، بأنه حتى إذا غادرت إسرائيل المحور في المرحلة الأولى، فإنها لن تعود في أيِّ مرحلةٍ لاحقةٍ إذا تعثَّر تنفيذ اتفاق الهُدْنة.
من جانبها؛ قدَّمت إسرائيل مقترحًا أمنيًّا آخر، وفقًا لما أفادت به صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، يوم 24 أغسطس الجاري، ويقوم المقترح على استعاضة الوجود العسكري الفعليّ على محور فيلادلفيا، بإنشاء حاجزٍ تحت الأرض على الحدود بين قطاع غزة ومصر، مشابهٍ للحاجز بين غزة والأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، على أن يكون مُزوَّدًا بوسائلَ تكنولوجية، مثل أجهزة الاستشعار، إلى جانب إقامة عِدَّة أبراج على المحور لأغراض المراقبة وتأمين الحدود، وذلك في مقابل تسليم السيطرة المدنيّة على معبر رفح ومحور فيلادلفيا إلى مصر، ولكن رفضت السلطات المصرية المقترح، معتبرةً أن إقامة هذه الأبراج يمنح الجيش الإسرائيلي وجودًا دائمًا في المنطقة.
ومن ضِمْنَ المقترحات أيضًا؛ المقترح الأمريكي البديل الذي عرضه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة، والذي يتضمن وضْع قوات دولية فقط لمدة ستة أشهر في محور فيلاديلفيا، وأن تكون هناك قوات أمريكية وفلسطينية في معبر رفح، على أن تكون هناك قوات مصرية على الجانب المصري، بينما تنسحب إسرائيل بشكلٍ كاملٍ من قطاع غزة.
أما بالنسبة إلى معبر رفح؛ فقد تعدَّدت الحلول المقدمة؛ حيث تَمَّ الحديث عن أن تتولَّى شركة أمن أمريكية إدارة المعبر، كما تَمَّ اقتراح تشكيل هيئة ثلاثية تضُمُّ قواتٍ مصريةً وإسرائيليةً وأمريكيةً تتولَّى إدارة المعبر، ولكن تحفَّظت مصر على تفاصيل هذا الاتفاق، فضلًا عن مقترحٍ بنقْل المعبر من مكانه المعروف الآن إلى موقعٍ جديدٍ قُرْب معبر كرم أبو سالم؛ حيث تلتقي الحدود “المصرية – الإسرائيلية”، وأيضًا رفضته القاهرة متمسَّكةً بموقع المعبر القائم، وبالإدارة “المصرية – الفلسطينية” لمعبر رفح، كما كان الوضع سابقًا.