المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > وجهةُ نظرِ الغرب تجاه التحالف الصيني – الروسي
وجهةُ نظرِ الغرب تجاه التحالف الصيني – الروسي
- سبتمبر 13, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد/ مريم هشام
باحث مساعد في وحدة الشئون الدولية
في الوقت الذي تحْتدمُ فيه الحربُ الروسية الأوكرانية بدأ يظهر لدى الغرب مخاوفُ آخرى متعلقة بتأثير الحرب على تقوية التحالف الروسي الصيني و ذلك بعد التصريحات الأمريكية التي نشرتها صحيفة “جابان تايمز”، السبت ٧ سبتمبر، بأن الولاياتِ المتحدةَ الأمريكية مهتمةٌ بنشر صواريخ “تايفون” متوسط المدى في اليابان لإجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين، و ردت روسيا على ذلك بأنها على استعداد للتحالف مع الصين في حال تنفيذ تلك التصريحات.
و قد صرحتْ المتحدثةُ باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” بأن روسيا و الصين ستردان على التهديدات الصاروخية بما هو أبعدُ من الصعيد السياسي و هو ما حرصتْ كلا الدولتين على تأكيده، فماذا سيكون تأثير ذلك التحالف على الغرب؟
التصريحاتُ الغربيةُ الأخيرة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية:
إن روسيا اصبحت تنظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية و الدولِ الأوروبية على أنهم اطرافٌ في الحرب و ذلك بعد التطورات الأخيرة للحرب و التصريحات الأمريكية خلال الشهر الجاري التي تعمل على استفزاز موسكو و قد حذر الكرملين، الاربعاء ١١ سبتمبر، الغرب من اتخاذ قراراتٍ تسمحُ لأوكرانيا بضرب روسيا بصواريخ بعيدة المدى لأن ذلك سيتمُّ اعتباره بمثابة تورط للولايات المتحدة و أوروبا في الحرب، و جاء ذلك التصريح بعد إلحاح المسئولين الأوكرانيين على وزير الخارجية الأمريكي “انتوني بلينكن” و وزير الخارجية البريطاني “ديڤيد لامي” أثناء زيارةٍ لهم إلى كييف للسماح باستخدام صواريخهم بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، و من الجدير بالذكر أن الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالسماح لكييف لاستخدام الأسلحة الأمريكية في ضرب موسكو بدأ يتغير؛ فكانت واشنطن من قبل مترددةً في السماح بذلك إلا أن موقفَها على وشك التغير خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الذي رد قائلا ” إن حكومتَه تعمل على تلك المسألة الآن” عندما سُئلَ عما إذا كانت دولته سوف تسمح لأوكرانيا باستخدام صواريخها مثل أتاكمز في حربها ضد روسيا[1].
و قبل زيارة وزيريِ الخارجية الأمريكي و البريطاني إلى كييف، كان “بلينكن” قد ذهب في زيارةٍ إلى لندن مَطلعَ الشهر الحالي و شهدت تلك الزيارة أيضا تصريحات أمريكية خطرة تجاه الحرب، فقد صرح بلينكن بأن روسيا استلمت دفعةً من الصواريخ الباليستية من إيران على الرغم من تحذير واشنطن لطهران من قبل من تزويد موسكو بالأسلحة لأن ذلك سوف يُعدُ تصعيدا للحرب، و أعلن “بلينكن” فرضَ أمريكا لعقوباتٍ على إيران نتيجة لتزوديها لروسيا بالأسلحة و أشار بلينكن أن التقاربَ الروسي الإيراني يهددُ الأمنَ الأوروبي و يدلُ على إصرار إيران على زعزعة الاستقرار في مناطق أبعد من الشرق الأوسط بكثير، و أمام الإتهامات الأمريكية رفضَ المتحدثُ باسم وزارة الخارجية الإيرانية تلك الإتهامات مصرّحاً أن “الأطراف التي تشارك بنفسها في الحرب ترمي الإتهامات على الجمهورية الإسلامية لأغراض سياسية”، و من الجدير بالذكر أنه سبق و قد اتهمَ الأوروبيون طهران بشأن تزويد موسكو بالمسيرات و قد نفت إيران ذلك الإتهام كما نفت زعمَ الولايات المتحدة تزويد إيران لروسيا بالصواريخ و جاء الرد الروسي بالنفي أيضا، فقد صرح المتحدث باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” أن التقاريرَ الأخيرةَ بشأن استلام روسيا لأسلحةٍ من الخارج لا أساس لها من الصحة[2].
على الرغم من كل تلك التصريحات الغربية ضد روسيا إلا أن التصريح الخاص باهتمامِ الولايات المتحدة الأمريكية بنشرِ صواريخَ متوسطةِ المدى في اليابان كان الأكثرَ خطورة، فقد ذكرت صحيفة “جابان تايمز”، السبت ٧ سبتمبر الحالي، أن أمريكا عبرت عن اهتمامِها بنشر صواريخ “تايفون” بعيدة المدى لإجراءِ مناوراتٍ عسكرية بينها و بين اليابان، و قالت المتحدثةُ بإسم الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” إن روسيا و الصين على استعدادٍ للرد في حال نشرت أمريكا صواريخ لها في اليابان و أن ردهما لن يقتصرَ على الصعيدِ السياسي فقط، و اضافت ماريا “أن العلاقة بين البلدين لا تمتلك نوايا عدوانية و لكن ماذا إذا تعرضتا لهجومٍ عدوانيٍ من مركز واحد؟”، بينما أعلنت مسبقا وزارةُ الدفاع الصينية بدءَ تدريبات جوية و بحرية مع روسيا الشهر الجاري بإسم “شمال متحد 2024″، و تلك المناوراتُ سوف تتمُّ في بحر اليابان وبحر أوخوتسك إلى الشمال، و أضافت وكالة أنباءٍ صينية أن الهدفَ من تلك المناورات بين روسيا و الصين هو تعزيزُ التنسيق الاستراتيجي بين جيشى كلا الدولتين و تطوير قدراتهم للاستجابة بشكل مشترك في حال التعرض لتهديدات أمنية، و يُذكرُ أن الرئيسَ الروسي “فلاديمير بوتين” كان قد حذر واشنطن من محاولة إخضاع موسكو عن طريق بناء قوة عسكرية في آسيا والمحيط الهادي[3].
وجهةُ النظر الغربية تجاه العلاقات الروسية الصينية:
تجمع بين روسيا و الصين علاقاتٌ قوية ترتكز على تعزيزِ الشراكةِ في مختلفِ المجالات و بشكلٍ خاص الاقتصادي و الاستراتيجي، إلا انه يمكن القول إن العلاقةَ بين البلدين قائمةٌ على المصلحة نتيجة ما فرضته الأوضاع العالمية و حتّمَ على الطرفين ضرورةَ التعاون لمواجهة التغيرات الدولية، و يعمل المجال الجغرافي المشترك بينهما على تنسيق توجهاتهم في مختلف القضايا، و ليس فقط المجال الجغرافي بل و ايضا التوجهات الأيدلوجية التي كان لها دورٌ تاريخيٌ في التقارب، و تتميزُ العلاقات الروسية الصينية بأنها من العلاقات الدولية المهمة في النظام الدولي في ظل سعي الولايات المتحدة الأمريكية للهيمنة من جانبٍ و منافسة كلا الدولتين لها للحصول على مكانةٍ مهمة في النظام الدولي من الجانب الآخر.
نظرَ الأمريكيون و الأوروبيون دائما إلى العلاقات بين الصين و روسيا أنها علاقاتٌ ولا مصيرها الفشل و ذلك لعدم تكافؤ القوة بين البلدين و انعدام الثقة نتيجة العديد من الخلافات التاريخية و اختلاف الثقافات بين المجتمعين الصيني و الروسي، فلم يُعرْ الغربُ الإهتمام لتلك العلاقة خاصة مع الاعتقاد بأن الصين ستعطي الأولويةَ دائما لعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها و في الوقت نفسه سوف تكون موسكو حريصةً على عدم صعود بكين كقوة دولية مهمة، و رغم وجهات النظر الغربية ظلت العلاقةُ بين البلدين في تقدمٍ و لكن حتى مع ذلك التطور في العلاقات ظَلَّ المسئولون في واشنطن غيرَ مهتمين حتى إن وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” وصف العلاقة بأنها “زواج مصلحة” أمام مجلس الشيوخ الأمريكي للإشارة إلى عدمِ متانةِ العلاقات الروسية الصينية، إلا أن كل تلك الشكوك لا يمكنها أن تنفيَ حقيقةَ أن العلاقاتِ بين موسكو و بكين أصبحت أكثرَ قوة من أي وقت مضى، و يُعدُ ذلك التحالف هو أحدُ أهم نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا و هو أيضا ترجمةٌ للجهود الواعية التي بذلها “بوتين” و “شي” لإعادة توجيه العلاقات بين بلادهم مع تزايد الانقسام بين الغرب و كلا البلدين[4].
كان لدى روسيا و الصين رغبةٌ مشتركةٌ في تقوية العلاقات بينهم و ذلك بعد ترسيم الحدود المشتركة بينهما 2006 من أجل إنهاء النزاع الإقليمي، و تلك الرغبة المشتركة كانت قائمةً على التقارب الاقتصادي فيما بينهم الذي ساهمَ في تقوية العلاقة فموسكو تحتاج إلى المال و التكنولوجيا في الوقت الذي تمتلكُ فيه بكين المالَ و تسعى للحصول على الموارد الطبيعية، فبعد أعوامٍ من الشقاق بين البلدين من الستينات إلى الثمانينات يسعى كلا الطرفين لتطوير العلاقة بينهما، و يمكن اعتبار أن العلاقةَ بين الصين و روسيا كتحالفٍ ضد الغرب ترتكز على محورينِ أساسيين و هما:
لدى البلدين تاريخٌ طويل من عدم الثقة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، فهما ينظران إلى واشنطن باعتبارها قوة دولية مهيمنة تسعى دون وصول بكين و موسكو إلى موقعهما الملائم في النظام الدولي.
هناك انسجامٌ بين أنظمةِ الحكم في موسكو و بكين من خلال ابتعاد القادة في البلدين عن انتقاد الممارسات الداخلية تجاه الأقليات الوطنية و هي القضايا التي يذكرها الغرب بشكل متكرر[5].
التقاربُ الصيني الروسي كإحدى نتائج الحرب الروسية الأوكرانية:
تدهورت العلاقاتُ الروسية الأمريكية بشكلٍ خاص بعد ضمِّ روسيا للقرم، مما جعل روسيا تتجه إلى الشرق في تعاملاتها لمحاولة تعويض آثار العقوبات الغربية و المساهمة في صمود الاقتصاد الروسي أمام ضغوط الغرب؛ فبدأت العلاقات التجارية بين موسكو و بكين في النمو و أصبحت الصين سوقاً مهماً بالنسبة إلى روسيا بفضل بيعها الأسلحة المتطورة و مدِّ خطوط الغاز و النفط و الجسور بين البلدين لنقل الموارد الطبيعية إلى الصين و الواردات الصينية إلى روسيا، و نتيجةً لذلك تنامت معدلات التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير، و لكن على الرغم من ذلك فإن روسيا بالنسبة للصين لم تكنٌ بالشريك التجاري الضخمِ مما جعلها على الحياد عند بدءِ الحرب على أوكرانيا في عام ٢٠٢٢، إلا أن الصين استغلت الحرب اقتصاديا من خلالِ شراء النفط الروسي الرخيص – و هو الأمرُ الذي فعلته عدةُ دول محايدة آخرى مثل الهند – أيضا فإن بكين دعمت سيادة أوكرانيا على أراضيها و لم تمارسٌ انتهاكات للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو[6].
و على الرغم من الموقف الحذر الذي اتبعتهُ الصين في بداية الحرب إلا أن العلاقاتِ بين الكرملين و بكين شهدت تطوراً ملحوظاً خلال العامين الماضيين، ففي عام ٢٠٢٣ نما التبادلُ التجاري بين البلدين ليصلَ إلى ٢٤٠ مليار دولار و هو المعدل الذي كان من المقررِ تَحقيقهُ بحلول عام ٢٠٢٥، و استوردت الصين سلعاً مثل النفط و الغاز و الفحم بقيمة ١٢٩ مليار دولار و صدرت في الوقت نفسه بضائعَ تُقدرُ قيمتها ١١١ مليار دولار أغلبها معدات صناعية، و نتيجةً لذلك قفزت أسواقُ المعدات الصناعية الصينية بمعدل ٥٤ في المئة لعام ٢٠٢٣ مقارنة بالعام الماضي[7].
في خضمِّ الحرب الروسية على أوكرانيا لم تتوقفْ الأنشطة المشتركة بين الجيش الروسي و جيش التحرير الشعبي، فقد شهد عام ٢٠٢٢ تدريباتٍ استراتيجيةً بين البلدين قامت خلال شهري سبتمبر و ديسمبر، بالإضافة إلى عددٍ من التدريبات البحرية و المناورات العسكرية التي قامت أيضا خلال العامين ٢٠٢٢ و ٢٠٢٣، و اتسع التعاون ليتخطَى حدودَ العلاقات الاقتصادية و العسكرية، فتجمع بين البلدين علاقاتٌ دبلوماسية فمنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا كان هناك العديدُ من اللقاءات بين النُخبِ الروسية و الصينية، فقد أكد “بوتين” و “شي” أهمية عمل المسئولين في دولتيهِما معا و التعرف على بعضهم البعض، و شهد عام ٢٠٢٣ زيارة للرئيس “شي” إلى موسكو في مارس تبعتها زيارة للرئيس “بوتين” إلى بكين في أكتوبر.
منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، أصبح هناك 3 اعتباراتٍ تشكلت بين روسيا و القوى الدولية الآخرى و يمكن عرضها كالآتي:
هل بإمكان ذلك الطرف مساعدة روسيا بصورةٍ مباشرة في ساحة المعركة؟
هل بإمكانهِ المساعدة في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الروسي في ظل العقوبات المفروضة؟
هل بإمكانه مساعدةُ موسكو في مواجهة الغرب و معاقبتهم على دعمهم لكييف؟
دَعمُ الصين لروسيا اقتصاديا ساهمَ في تعزيز الاعتبارات الآخرى، فالتعاون بين البلدين ساهم في مساعدة موسكو في حربها ضد كييف، و على الرغم من دعمها الغير مباشر لروسيا فإن الصين وجهت دعماً لا غنى عنه من خلال تزويد موسكو بشرائح تجسس و رقائق كمبيوتر صينية الصنع و هي مكوناتٌ أساسية في الصناعات الدفاعية الروسية[8]، كلُ ذلك ساهمَ في تغيير موقف المسئولين في موسكو و زيادة الرغبة في توسيع التعاون مع جارتها في الجنوب من الناحية العسكرية و التكنولوجية بشكل خاص و من جانبها أيضا أصبحت الصين تنظرُ لروسيا باعتبارها جزءاً من عملية إعادة الترتيب جيوسياسيا، و من الجدير بالذكر أن بكين كانت تأملُ أن تعودَ علاقاتُها الثنائية مع واشنطن عام ٢٠٢١ إلا أن فترة رئاسة “دونالد ترامب” المدمرة للعلاقات الأمريكية الصينية جعلتها تفقد الأمل.
ختامًا:
على الرغم من ادعاءِ الغرب عدم التفاتهم إلى العلاقات الروسية الصينية باعتبارها علاقات قائمة على المصلحة لابد و أن تفشلَ في النهاية، إلا أنه تاريخيا شكلت العلاقة بين موسكو و بكين مصدرَ قلقٍ للغرب خوفا من تنامي الأيدلوجية الشيوعية و وصولها لأن تكون القوة المهيمنة عالميا، و قد أعاد التقارب الروسي الصيني في خضم الحرب الروسية القائمة ضد أوكرانيا إلى الأذهان المخاوف التي حاول الغرب مراراً التهربَ منها، و يمكن القول إن التطورَ في العلاقات بين البلدين يُعدُ أبرز التداعيات التي تُثيرُ قلق الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك في الوقت الحالي من الغير منطقي أن يستمرَ الغربُ في وصفه لتلك العلاقة بأنها ليست علاقة متينة و ستنتهي عاجلا أم آجلا، بل لابد و أن توضع تلك المعايير التي تدل على قوة العلاقة بين روسيا و الصين في الاعتبار عند إصدار تصريحاتٍ من شأنها تصعيدُ الأمورِ الخاصة بالحرب في أوكرانيا، فتهميشُ ذلك التحالف قد يؤدي إلى نتائجَ مدمرةٍ.
المصادر:
[1] تحالف روسي صيني في مواجهة الغرب..ما خطورة ذلك التعصيد، سكاي نيوز عربية، سبتمبر 2024
https://2u.pw/ufNtciip
[2] موسكو و طهران تنفيان تقارير حول شحن اسلحة لروسيا، العربية، سبتمبر 2024
https://2u.pw/j7JkqwMP
[3] مرجع سابق
[4] هل يستطيع الغرب تفكيك التحالف الروسي الصيني؟ ، سكاي نيوز عربية، مايو 2024
https://2u.pw/0ZGSYLwB
[5] مرجع سابق
[6] اصداء الحرب الباردة تصاحب تدهور العلاقات بين امريكا و روسيا، ريتشارد غالبن، بي بي سي، مارس 2014
https://2u.pw/96PjBTDL
[7] مرجع سابق
[8] حلف صيني روسي: التحديات و سبل المواجهة الغربية، الكسندر غابويف، اندبندنت عربية، مايو 2024