المقالات
الإرهاب واليمين المتطرف…معركة أوروبا حول الهوية والمستقبل (ألمانيا نموذجاً)
- سبتمبر 13, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
إعداد/ آية أشرف صالح
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
يعيش العالم في الآونة الأخيرة مرحلة قد توصف بأنها الأكثر خطورة وحساسية على مدار التاريخ المعاصر لا سيما فيما يتعلق بالوضع الأمني المتأزم على كافة المستويات؛ فلا تكاد بقعة من بقاع الأرض تخلو من تحديات أمنية وسياسية تختلف من حيث الطبيعة والشدة والتأثير، ويأتي النشاط الإرهابي للجماعات المتطرفة باختلاف أيدولوجياتها وتوجهاتها في مقدمة هذه التحديات وأكثرها خطورة على الإطلاق كونه يهدد بقاء الدول وسيادتها واستقرارها ويستهدف المدنيين بشكل أساسي، وعلى الصعيد الأوربي نجد أن القارة العجوز على وجه التحديد تشهد عودة قوية لمتتالية النشاط الإرهابي بعد سكون نسبي وتزامنت هذه العودة مع عدد من العوامل الأخرى التي عملت على تعقيد المشهد الأمني الأوربي بشكل أعمق أهمها الصعود البارز والملفت لليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية فضلاً عن عدد من المتغيرات التي يعاصرها النسق الدولي الحالي سواء فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا والتهديد الروسي الصيني وحرب غزة وإعادة تشكُل ميزان القوى في الشرق الأوسط.
وفي ظل هذا السياق المعقد تبرز ألمانيا كواحدة من أهم الدول الأوروبية التي تعاني بشدة جراء هذه التحدي المتشابك بين العودة القوية للإرهاب والصعود اليميني المتطرف، وفي أطار هذا التحدي نسلط الضوء من خلال هذا التقرير على دلالات عودة متتالية الإرهاب في القارة الأوروبية وتحديداً في ألمانيا مع الأخذ في الاعتبار العوامل التي تعمق من حدة هذا التحدي وعلى رأسها عودة اليمين المتطرف.
واقع الإرهاب في أوروبا
بالرغم من اللغة الإيجابية التي صدرت بها النسخة الحادية عشر من المؤشر العالمي للإرهاب لعام 2024م، فإن النشاط الإرهابي في أوروبا مازال المعضلة الأمنية الكبرى التي تهدد استقرار القارة، فوفقاً لتحليل المؤشر فإن النشاط الإرهابي المدفوع بدوافع دينية تراجع بشكل ملحوظ في القارة الأوربية في حين تصاعدت الأنشطة الإرهابية ذات الخلفية السياسية حتى وصلت إلى ما يزيد عن ( 13)هجوم إرهابي بدافع سياسي فضلاً عن تمكن جهود مكافحة الإرهاب من إحباط العديد من العمليات الأخرى، الأمر الذي دق ناقوس الخطر الأوربي للنظر في أسباب ودلالات هذا التطرف السياسي والتي يأتي في مقدمتها عودة ظهور الفكر اليميني الشعبوي بقوة في أوروبا وأحداث السابع من أكتوبر 2023م، هذه السياقات التي أثارت مخاوف عدة لدى متخذي القرار الأوربيين بالرغم من تطمينات المؤشر العالمي خاصة أنه حتى في ظل تراجع عدد العمليات الإرهابية _بغض النظر عن خلفيتها سياسية كانت أو دينية_ إلا أنها تسببت في نتائج كارثياً وصفها المؤشر أنها اصبحت أكثر فتكاً وهو ما يكشف عن استراتيجية جديدة تتبناها التنظيمات والجماعات الإرهابية تعتمد على مدى تتابع وشدة التأثير بغض النظر عن العدد. ([1])
وبالعودة للواقع و للأعداد فأن هذا العام 2023م كان قلقاً إلى حد كبير في أوروبا ([2])، فنجد أن:
-
فرنسا: سجلت وجود ما يقارب من (5273) شخصاً ذو خلفية إسلاموية متطرفة داخل أراضيها الغالبة العظمى منهم دون الثمانية عشر عاماً فضلاً عن (50 ) مجموعة إرهابية تنتمي لليمن المتطرف اشتركت في تنفيذ (10 ) عمليات إرهابية بالإضافة إلى (1159) عملاً صنفته السلطات الفرنسية بأنه معادياً للسامية.
-
بلجيكا: رصدت السلطات المختصة توسعاً للجماعات الجهادية السلفية في عدد من المدن، الأمر الذي دفعت هذه السلطات للاشتباه في أكثر من (700) فرد ووضعهم تحت المراقبة المستمرة، كما صنفت حوالي (64) شخص على أنهم متطرفين تابعين للأحزاب اليمينية .
-
بريطانيا: خصصت الحكومة ما يقارب من 75% من جهودها الاستخباراتية لمحاربة النشاط الإرهابي الأكثر خطورة على مستوى القارة الذي يمثل نسبة (67%) من إجمالي التهديدات التي تواجه المملكة المتحدة حيث يوجد في بريطانيا ما يقارب من (60) منظمة وجماعة تابعة لهذه التنظيمات الإرهابية ،كما أحبطت السلطات (39 ) هجوماً إرهابياً وأجرت حوالي( 800 ) تحقيق مع أشخاص متورطين أو مشتبه بهم، ولا يقل هاجس التطرف اليميني أهمية وخطورة عن المخاوف الإسلامية في بريطانيا خاصة بعد السابع من أكتوبر كما زادت معدلات الجرائم المصنفة بأنها معادة السامية حتى وصلت( 218 ) جريمة.
-
السويد: اتخذ عدد من الارهابين من “ستوكهولم” و “غوتنبرغ” و “مالمو” معقلاً لهم وتمكنت هذه التنظيمات من اختراق العديد من المؤسسات السياسية والتعليمة السويدية فقد تم رصد تأثر أكثر من( 300 ) طالب بالأفكار الإسلاموية المتطرفة واستقطاب المزيد من الافراد لصفوفها حتى وصل عدد هؤلاء إلى ما يتجاوز( 2000 ) فرد في جميع أنحاء السويد، وعلى الصعيد أخر نجد أن التطرف اليمني والعداء ضد المهاجرين خاصة العرب المسلمين يتزايد بشكل ملحوظ في السويد كما هو الحال في كافة دول أوروبا.
-
ألمانيا: حذرت العديد من المؤسسات الألمانية من خطورة الافكار الإسلاموية المتطرفة خاصة في ظل رصد تحركات نشطة لتنظيم “داعش” في الأراضي الألمانية وتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية واعتقال (9 ) افراد مسؤولين عن تمويل التنظيم داخل ألمانيا، كما تم رصد ( 80) جريمة بدوافع يمينية متطرفة بينا شهدت ألمانيا حوالي ( 200 ) واقعة معادة للسامية.
دلالات عودة متتالية العمليات الإرهابية للقارة العجوز
هذا الوضع القابل لاشتعال والتهديدات الكامنة التي تلوح في الأفق الأوروبي تدفعنا بشدة للنظر في دلالات هذا النشاط الإرهابي في القارة الأوروبية والذي يتوقع له التتابع بشكل متصاعد في المستقبل القريب، وعليه نحلل أهم هذه الدلالات في:
-
فشل استراتيجيات مكافحة الإرهاب: يشير تصاعد الهجمات الإرهابية إلى أن الاستراتيجيات المتبعة لمكافحة الإرهاب في أوروبا لم تحقق النتائج المرجوة منها، وعليه فإن هناك حاجة ضرورية إلى إعادة تقييم هذه الاستراتيجيات وتطويرها.
-
تعمق جذور التطرف: يدل هذا تصاعد على أن جذور التطرف في المجتمعات الأوروبية أصبحت أعمق مما كان يُعتقد، وأن هناك حاجة إلى معالجة الأسباب الكامنة وراء هذا التطرف، مثل الشعور بالتهميش والغربة، والظلم الاجتماعي.
-
تطور أساليب الإرهابيين: يلجأ الإرهابيون إلى أساليب جديدة أكثر تعقيداً في تنفيذ هجماتهم، مما يجعل من الصعب التنبؤ بها ومنعها خاصة في ظل تنبي سياسية لامركزية فيما بينها واعتماد آلية الذئاب المنفردة.
-
توسع دائرة المتطرفين: يشير تصاعد الهجمات إلى توسع دائرة المتطرفين، وأن هناك أعداداً متزايدة من الشباب ينجذبون إلى الأفكار المتطرفة.
-
تأثير الأحداث العالمية: تؤثر الأحداث العالمية بلا شك على الوضع الأمني في أوروبا، وتزيد من خطر انتشار الأفكار المتطرفة لا سيما وأن الخطر أصبح يدق أبواب أوروبا من حدود أوكرانيا فضلاً عن تدهور الوضع الإقليمي الشرق أوسطي على هامش حرب غزة الحالية.
-
استغلال الفراغات الأمنية: يستغل الإرهابيون الفراغات الأمنية والثغرات في التشريعات والقوانين الأوروبية لذلك يجب العمل على تحديث الآليات القانونية والأمنية بشكل اكثر صرامة.
-
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي: تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في نشر الأفكار المتطرفة وتجنيد الشباب، مما يزيد من صعوبة مكافحة الإرهاب.
ومما لا شك فيه فإن هناك عدد من العوامل المؤثرة التي تغذي النشاط الإرهابي في أوروبا وتساعد على تسارع وتيرته على رأسها الأزمات الاقتصادية وما يرتبط بها من زيادة في معدلات البطالة والفقر فضلاً عن الدعم الأوروبي المطلق لأوكرانيا، وقضايا الهجرة والمهاجرين التي تثير جدلاً واسعاً في العديد من الأوساط الأوروبية وهو الأمر الذي يستغله المتطرفون لزيادة التوتر والانقسامات الاجتماعية، الشعور بالغربة والتهميش لدى المسلمين في أوروبا مما يدفع بعضهم إلى التطرف، علاوة على ذلك الارتداده القوية التي جاءت بها أفكار اليمين المتطرف والتي تقوم على الفهم العنصري للأخر سواء كان دين أو عرق أو ثقافة وذلك بعد غياب دام لعقود لتفرض نفسها بقوة في أوروبا وتثير المخاوف والجدل والترقب لدى الجميع، وتعد ألمانيا من أكثر الدول التي تظهر فيها هذه المتلازمة بشدة وهو ما نناقشه في السطور القادمة .
ألمانيا…نموذج صراع الهويات
تعتبر ألمانيا حالة فريدة ومثيرة للاهتمام في هذا السياق؛ فهي الدولة ذات التاريخ الواسع والحافل فيما يتعلق بالفكر العنصري المرتبط بتاريخها النازي وبالرغم من كافة الجهود التي تبذلها السلطات الألمانية لمحو هذه النقطة من سجلها في التاريخ الأوروبي إلا أن الآونة الأخيرة كشفت أن هذه الجهود لم تؤتي ثمارها بالشكل المطلوب فاليمين المتطرف مازال يتمتع بنفوذ قوي في ألمانيا مثلها كمثل معظم دول القارة، وعلى الصعيد الأخر تعد ألمانيا من أكثر دول أوروبا التي تعاني من تصاعد ملحوظ في وتيرة النشاط الإرهابي سواء بشكل مفرد من خلال تكتيك الذئاب المنفرد كهجوم شاب _معروف لدى الشرطة بسجله الإرهابي المتطرف_ على القنصلية الإسرائيلية في “ميونخ” واقتحام أخر لمركز شرطة “لينز أم راين” بهدف قتل عناصر الشرطة داخل المركز وقد كشفت التحقيقات أنه يحمل دوافع إسلاموية متطرفة ([3]) أو من خلال العمليات الموسعة التي تشنها التنظيمات والجماعات الإرهابية كهجوم ” زولينغن” الذي أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عنه كانتقام لما يحدث في غزة والذي أسفر عن مقتل ثلاثة وإصابة ثمانية. ([4])
أوروبياً، أحدثت الانتخابات الأوربية الأخيرة واستطلاعات الرأي المختلفة _على مستوى الاتحاد ككل أو على المستوى كل دولة على حدى_ صدمة قوية داخل أروقة السياسية والحكم الأوروبية فقد حققت الأحزاب اليمنية طفرة وتفوقاً كبير على حساب الأحزاب اليسارية والمعتدلة وهو ما أعتبره بعض المراقبين والمحللين بمثابة ارتداده عكسية للنموذج الديموقراطي الأوروبي المتصدع بالفعل، فقد حقق حزب البديل من أجل ألمانيا مكاسب ملحوظة في ألمانيا، حيث زادت أصواته بنسبة 14%، وحصد التجمع الوطني بقيادة “مارين لوبان” على ضعف أصوات الرئيس “ماكرون” في فرنسا، ونجح حزب إخوة إيطاليا بقيادة “جورجيا ميلوني” من تولي هرم الحكم في إيطاليا، وضاعف حزب الحرية النمساوي عدد نوابه، ذلك فضلاً عن المكاسب التي حققتها هذه الأحزاب في انتخابات البرلمان الأوروبي. ([5])
وقد تجاوزت خطورة هذا الوضع حدود التنافس السياسي للوصول للحكم والإدارة بل ذهب إلى أعمال العنف والتخريب والخطابات المعززة للكراهية داخل المجتمعات الأوروبية الحد الذي وصل إلى تنفيذ أجندات ومخططات تهدف للإطاحة بمؤسسات الدول وهو ما كشفت عنه التقارير الصادرة عن الجهات المختصة فضلاً عن حيازة الأسلحة واستخدامها بشكل غير مقنن، ففي ألمانيا كشفت أجهزة الاستخبارات عن وجود حوالي (34) ألف شخص يحمل هذا الفكر المتطرف من بينهم (500) مطلوبين على وجه عاجل للمثول أمام العدالة. ([6])
ولعل الأمر الأكثر خطورة فيما يتعلق بالصعود اليمني في أوروبا هو استغلال الجماعات الإرهابية للنشاطات المتطرفة لهذه الأحزاب الشعبوية كمبرر لعملياتها الإرهابية التي تأتي كنتيجة للقمع والعنصرية والتهميش الذي يعانيه العرب والمسلمين والمهاجرين بشكل عام في الدول الأوروبية، وعلى صعيد أخر توظف الأحزاب اليمنية العمليات الإرهابية كسبب وحافز لتوجهها العنصري، وفي هذا السياق المحتدم يعمل كلا الفصيلين على استغلال كافة الظروف الداخلية والخارجية والتي تعتبر بيئة خصبة لحشد الدعم والموارد المتاحة لتحقيق أهدافها وأجندتها فأصبح الأمر بمثابة دائرة مفرغة سوداوية يدور فيها مستقبل الأمن الأوروبي المبهم.
ختاماً، نجد أن النشاط الإرهابي كان ومازال الهاجس الأمني الأخطر بالنسبة للعالم أجمع ولعل ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً في أوروبا هو وجود العديد من الأيدولوجيات الفكرية المتنافسة ولكن ليس في ميدان الثقافة بل تُظهر هذه الأيدولوجيات تفوقها من خلال الاستخدام غير المشروع للقوة والذي يستهدف بالأساس زعزعة الثقة لدى المواطن الأوروبي في نموذجه الديمقراطي الذي طالما كان مثالاً يتحذى به، وهو ما يظهر جلياً في معضلة النشاط الإرهابي والدعوات اليمنية المتطرفة، لذلك يجب على الحكومات الأوروبية التركيز على بناء تدابير قانونية وأمنية شاملة مع وضع آليات طويلة المدى تعالج الروابط الإيديولوجية و السرديات المتطرفة سواء لدى التنظيمات الإرهابية أو لدى اليمين الشعبوي، ومن ناحية أخرى يجب العمل على رفع الوعي والقدرة على التفكير النقدي حتى يستطيع الأفراد التميز بين الدعاية المتطرفة والمعلومات المضللة وذلك من تمكين ثقافة المناقشة والحوار.
المصادر:
[1]) Global Terrorism Index 2024, Institute For Economics & Peace Measuring The Impact Of Terrorism, March 2024k Available On: file:///C:/Users/UG/Downloads/GTI-2024-web-290224.pdf
[2] ) مؤشر الإرهاب في أوروبا لعام 2023، المركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 19 ديسمبر 2023، متوفر على: https://www.europarabct.com
[3] ) هجوم إرهابي فاشل على مركز شرطة في ألمانيا.. ضوء أحمر على مؤشر الإرهاب، العين الإخبارية، 9 سبتمبر 2024، متوفر على: https://al-ain.com
[4] ) هجوم زولينغن _ ألمانيا تشدد القواعد للاجئين وحمل السكاكين، DW، 29 أغسطس 2024، متوفر على: https://www.dw.com
[5] ) انتخابات أوروبا.. صعود اليمين المتطرف وزلزال سياسي في فرنسا، DW، 10 يونيو 2024، متوفر على: https://www.dw.com
[6]) اليمين المتطرف في ألمانيا_ تدابير حكومية، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 14 أكتوبر 2023، متوفر على: https://www.europarabct.com