المقالات
قراءةٌ في التطور التكنولوجي العسكري الإسرائيلي: استراتيجيات وآفاق.
- سبتمبر 22, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد/ دينا إيهاب محمود.
باحث مساعد في وحدة شؤون الشرق الأوسط.
المقدمة
شهدتْ الساحةُ اللبنانيةُ مؤخرًا اختراقًا أمنيًا غير مسبوق استهدف حزب الله اللبناني، تمثلَ في تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية المعروفة باسم “البيجر”، التي يعتمد عليها عناصر الحزب في التواصل بعيدًا عن الهواتف المحمولة لتجنب التجسس والمُراقبة، وقد أعلنَ وزيرُ الصحة اللبناني “فراس الأبيض” أن الهجومَ أدى إلى مقتل ما يزيد عن ١٢ شخصًا وفي تصاعد، وإصابة ما لا يقل عن ٢٧٨٠ آخرين[1]من بينهم السفير الإيراني وأفراد من طاقم حمايته في بيروت[2]، يُعدُ هذا الهجوم دليلًا على التطور التكنولوجي الإسرائيلي في مجال الحرب السيبرانية الحركية، حيث امتد الاختراق من التأثير السيبراني إلى إحداث أضرارٍ ماديةٍ ملموسة، مما يعكس تطورًا خطيرًا في أدوات المواجهة بين الطرفين.
يمكن اعتبار أن الهجومَ على أجهزة “البيجر” يُعدُ حلقةً جديدة في سلسلة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، ويكشف عن تحولٍ في تكتيكات الصراع من الاعتماد على المواجهات التقليدية إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة، والذي يُمهّدُ الطريقَ لنمطٍ جديد من الحروب يجمع بين العمليات السيبرانية والهجمات الميدانية، يمثل هذا تقدمًا في القدرات العسكرية الإسرائيلية خاصةً بعد أن استطاعت إسرائيل توظيف تكنولوجيا قديمة يستخدمها الحزب في اختراق أمني واسع النطاق، وبالتالي يطرح هذا الحدث تساؤلاتٍ عديدةً حول استراتيجيات وأبعاد هذا التطور السيبراني الإسرائيلي، وهل يعكس هذا الاختراق تحولاً في العقيدة العسكرية الإسرائيلية نحو استخدام أكثر كثافة للهجمات السيبرانية كأداة استراتيجية؟.
أولًا: تطورُ التكنولوجيا العسكرية في إسرائيل
حرصت إسرائيل خلال العقود الماضية على تطوير مجال التكنولوجيا العسكرية، من أجل تعزيز قدرتِها على التصدي لأي تهديداتٍ أمنية، خاصةً من جانب إيران وأذرعها في المنطقة الممثلة في حزب الله اللبناني، وحركة حماس، والحوثيين، فقد طَورت العديد من الأنظمة التكنولوجية المتقدمة التي تلعب دورًا حاسمًا في إدارة دفاعاتها الجوية والبرية، ويظهر ذلك من خلال ما يلي:
الأنظمةُ الدفاعية متعددة المستويات: من أبرزِ الأنظمة الدفاعية التي تعتمد عليها إسرائيل هو نظامُ “القبة الحديدية”، الذي تم تطويره خصيصًا لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، يتميز هذا النظام بدمج تقنياتِ الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة إطلاق الصواريخ وتقليل التكلفة التشغيلية، وقد ساهمت هذه التحسينات في زيادة فعالية النظام، حيث بلغت نسبة نجاحهِ في اعتراض الصواريخ بنسبة أكثر من ٩٠%[3]، على غرار “القبة الحديدية”، كنهجٍ شاملٍ يتضمن تعزيز التعاون بين الحكومة والجيش الإسرائيلي من جهة، وشركات التكنولوجيا العالمية من جهةٍ أخرى، والذي يتجلى ذلك من خلال الشراكات المُحتملة مع شركات كبرى مثل “جوجل”، و”آي بي إم”، و”مايكروسوفت” وغيرها[4]، بالإضافة إلى شركتي الدفاع الإسرائيليتين البارزتين “أنظمة إلبيط” و”الصناعات الجوية الإسرائيلية”، واللتين تمتلكان وحداتٍ متخصصةً في الأمن السيبراني، ووفقًا لهيئة الابتكار الإسرائيلية، تتمتع إسرائيل بأكبر تجمع لمؤسسات الأمن السيبراني على مستوى العالم، حيث تضم حوالي ٢٥٠ شركة سيبرانية، بالإضافة إلى ١٥ مركزًا للبحث والتطوير تديرها شركات متعددة الجنسيات[5]، إلى جانب “القبة الحديدية”، تمتلك إسرائيل منظومة “مقلاع داوود”، المُصممة لاعتراض الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وقد أثبت هذا النظام فعاليته في التصدي للهجمات المتعددة المصدر، كما ظهرَ في الهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل الماضي، حيث تمَّ إطلاق أكثر من ٣٣٠ طائرة مسيرة وصاروخ على مدار خمس ساعات، ونجحت إسرائيل في التصدي لهذا الهجوم.[6]
إستخدامُ الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية: تستخدمُ إسرائيل بشكل متزايد تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية، حيث تعتمد على قواعد بيانات مدعومة بهذه التقنيات لتحليل الأهداف العسكرية بدقة، وتحديد الأهداف الأكثر أهمية ضمن محيطٍ معينٍ، على سبيل المثال، تُعد منصةُ تحديد الأهداف “غوسبل” مثالًا بارزًا على هذا النهج، إذ تقترح المنصة الأهداف بناءً على أولويات استراتيجية وتحسب كمية الذخيرة اللازمة للهجوم، مما يزيد من دقة وفعالية الضربات العسكرية.[7]
الذكاءُ الاصطناعي في الدفاع والأمن القومي الإسرائيلي: تُعدُ الإنجازاتُ الإسرائيلية في مجال الذكاء الاصطناعي متعددة الأوجه، حيث تشملُ تطبيقات مدنية وأخرى متعلقة بالأمن القومي، في المجال العسكري، يتجلى ذلك في اعتماد إسرائيل على الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة الأسلحة المتقدمة مثل الطائرات بدون طيار مثال ذلك طائرات “النسر الذهبي” المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديدِ وتتبَعِ الأهداف الثابتة والمتحركة بدقة عالية، مما يضمنُ توجيهَ ضربات دقيقة في مختلف الظروف الجوية، وقد استخدمت إسرائيل هذه الطائرات خلال “عملية حارس الأسوار” في عام ٢٠٢١، والتي وُصفت بأنها أول حربٍ هجومية تعتمد بشكل مكثف على الذكاء الاصطناعي[8]، كما تُعتبر طائرة “إيتان” (Heron TP) من أهم الأمثلة على هذه التكنولوجيا، تتميز “إيتان” بقدرتها على تنفيذ مهام بعيدة المدى والبقاء في الجو لمدة تصل إلى ٣٦ ساعة، مع القدرة على تَحمٌلِ مختلف الظروف الجوية، يتم دمج هذه الطائرات مع أجهزة استشعار متقدمة لتوفير معلوماتٍ استخباراتية دقيقة، مما يجعلها أداةً فعالة في جمع المعلومات والمراقبة والاستطلاع. [9]
الأنظمةُ الهجومية والدفاعية المبتكرة: تسعى إسرائيل إلى تعزيز قدراتها الهجومية والدفاعية من خلال تطوير أنظمة مبتكرة. على سبيل المثال، طورت نظامًا يُعرفُ باسم “مقلة العين”، وهو جهاز صغير يُلقى داخل المباني ليُعطي صورة بزاوية ٣٦٠ درجة لما يحدث في الداخل، مما يمكّن القوات من التخطيط للاقتحام بطريقة أكثر أمانًا وفعالية.[10]
الوحدة 8200: تُعتبرُ الوحدة 8200 التابعة للمخابرات الإسرائيلية بمثابة العمود الفقري للابتكار التكنولوجي والاستخباراتي في إسرائيل، تقوم هذه الوحدة برصدِ ومتابعة الاتصالات والمراسلات الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط، وتوظف خوارزميات البيانات الضخمة لتحليل المعلومات وتقديمها للجهات الاستخباراتية مثل الموساد، لا يَقتصرُ دور وحدة 8200 على الخدمة العسكرية فقط، بل يمتد تأثيرها إلى القطاع الخاص؛ فكثير من خريجيها يصبحون روادَ أعمال أو ينضمون إلى شركات تقنية كبرى، مما يجعلهم جزءًا من نسيج الاقتصاد التكنولوجي في إسرائيل، ومن أهم العمليات التي يُقال إن “الوحدة 8200” شاركت فيها، كان هجوم “ستاكس نت” الفيروسي بين عامي٢٠٠٥ و٢٠١٠، الذي عطّلَ أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية، وهجومًا إلكترونيًّا في ٢٠١٧ على شركة الاتصالات المملوكة للبنان (أوجيرو)، وإحباط هجومٍ لتنظيم “داعش” على رحلةٍ تابعة لشركة نقل جوي مدنية في ٢٠١٨.[11]
ثانيًا: توظيفُ القدراتِ التكنولوجية والسيبرانية الإسرائيلية في حرب غزة.
أصبحت التكنولوجيا العسكرية والسيبرانية ركيزةً أساسيةً في الاستراتيجية الإسرائيلية خلال حربها على غزة، حيث وظّفت إسرائيل هذه القدرات بشكلٍ مُتقدمٍ مستفيدة من تقنياتها لتعطيل قدرات خصومها واستهداف البنية التحتية الحيوية، والذي بدوره أحدث تأثيراتٍ ملموسةً على الأرض، ومن هنا تبنت إسرائيل نظريةً جديدة للأمن تتمحور حول استغلال قدراتها السيبرانية لشنِّ هجمات مُركزة على محطات الطاقة وشبكات الاتصالات، بهدف تقويض القدرات التشغيلية لحركة حماس على سبيل المثال، استخدمت الهجمات السيبرانية مثل هجمات الحرمان من الخدمة الموزعة DDoS لتقييد وصول حركة حماس إلى الأنظمة والشبكات التي تدير عملياتها، مما أدى إلى تقليل كفاءتها في توجيه الضربات وتنسيق العمليات، كما تمكنت إسرائيل من السيطرة على ترددات الاتصالات في قطاع غزة، ونتج عن ذلك إعاقة تدفق المعلومات بين وحدات المقاومة.[12]
إلى جانبِ الهجمات السيبرانية، تميزت العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد “حماس” و”حزب الله” باستخدام أسلحةٍ متطورة ذات قدرة تدميرية واسعة، مثل القنابل المجنحة الموجهة بدقة من نوع GPU39 والقنابل متعددة الأغراض المحتوية على مادة “التروتونال”، وهي خليط من الـTNT والألمنيوم، مما يزيدُ من شدة الانفجار ويؤدي إلى دمارٍ شاملٍ، كما استخدمت إسرائيل أنواعًا جديدة من الذخائر، بما في ذلك القنابل الانفجارية والارتجاجية، التي تسببت في تدمير واسع للمناطق السكنية والمرافق المدنية.[13]
وبحسب تقرير مشترك لمجلتي “972+” و”لوكال كول” الإسرائيليتين، استند إلى شهادات أعضاء حاليين وسابقين في الاستخبارات الإسرائيلية بالإضافة إلى شهادات ومعلومات فلسطينية، فإن السببَ الرئيسيَ وراء هذا الكمِّ الهائل من الضحايا في حرب غزة يعود إلى إطلاق إسرائيل العنان لأنظمة الذكاء الاصطناعي السيبراني في اختيار الأهداف[14]، حيث من خلال نظام “غوسبل” الذي استخدمته إسرائيل في هذه الحرب، فإنه يستهدفُ حوالي ١٠٠ هدف يوميًا، مقارنةً بقدرة الاستخبارات الإسرائيلية على إنجاز ما يقرب من ٥٠ هدفًا سنويًا في السابق، وبناءً على هذه التقنية، قَصفَ الجيش الإسرائيلي ١٥ ألفَ هدفٍ في غزة خلال ٣٥ يومًا أي ما يُقاربُ الشهر الواحد فقط، مقارنةً بحوالي ٥٠٠٠ إلى ٦٠٠٠ هدف في حرب ٢٠١٤ التي استمرت ٥١ يومًا[15]، ويمكن تقسيم الأهداف العسكرية الإسرائيلية على النحو التالي:
الأهدافُ التكتيكية: تشملُ العناصر المسلحة، ومستودعات الأسلحة، وقاذفات الصواريخ، ومراكز القيادة، ونقاط المراقبة.
الأهدافُ تحت الأرض: والتي تتمثل في الأنفاقِ التي تستخدمها حركة حماس.
أهداف القوة: المباني الشاهقة والمرافق العامة مثل الجامعات والبنوك والمكاتب الحكومية، بهدف تدمير البنية التحتية الحيوية.
منازلُ العائلات أو منازل النشطاء: المنازل التي تُستهدف بناءً على تواجد أفرادٍ من حركة حماس أو حزب الله اللبناني، مما يؤدي إلى تدمير المباني السكنية بالكامل.
وفي سياق الحديث عن آخرِ هجومٍ سيبرانيٍ في حرب غزة في ١٧ و١٨ سبتمبر والذي تم توجيهه خصيصًا إلى حزب الله اللبناني في بيروت، استهدف تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها أفرادٌ من “حزب الله”، فإنه يمكن القول بأن هذه العملية غير المسبوقة تعكس تحولاً نوعيًا في أنماط الحرب السيبرانية، وتُظهر قدرة إسرائيل على تنفيذ عمليات تكتيكية ذات تأثير استراتيجي، وبالتالي مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا السيبرانية في العمليات العسكرية الإسرائيلية، بات هناك قلقًا في الوسط الدولي حول خطورة تحول هذه الأنظمة إلى وحدات مستقلة تمامًا في اتخاذ القرارات، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأضرار الإنسانية، فعلى الرغم من مزاعم إسرائيل حول تحقيق دقة وكفاءة عالية في الاستهداف، إلا أن الواقع على الأرض أظهر نتائج مُعاكسة، حيث أسفر استخدام هذه الأنظمة عن تدمير واسع النطاق وإزهاق أرواح المدنيين، يعكس ذلك تحولًا جذريًا في طريقة إدارة الصراعات، حيث تسعى إسرائيل لتعزيز قدراتها العملياتية باستخدام الذكاء الاصطناعي والتقدم التكنولوجي، والذي بدوره يؤدي إلى اتساع رقعة الصراع وبالتالي تزايد الأضرار المادية والبشرية الناجمة عنه، في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة لهذه الاستراتيجية.
ثالثًا: الدوافعُ وراء التحول في عقيدة إسرائيل الأمنية نحو السيبرانية
لا شك أن الحربَ الإسرائيلية في غزة كشفت الستار عن وجودِ صراعٍ سيبرانيٍ متعدد الجبهات مُتجاوز الأبعاد الجغرافية، والذي بدوره شكل عاملًا مُحفزًا للتحول في نظرية وعقيدة إسرائيل الأمنية، وتكمن الدوافع وراء ذلك على النحو الآتي:
تَصاعدُ التهديدات السيبرانية المتعددة: حيث شهدت إسرائيل، منذ حرب السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، زيادةً كبيرة في الهجمات السيبرانية من إيران وحزب الله، حيث تضاعفت الهجمات السيبرانية ثلاث مرات، ومثال ذلك هجوم مجموعة الأَرْز اللبنانية بالتعاون مع وزارة الاستخبارات الايرانية على مستشفى زيف في صفد، والذي بدوره كشف ضعفًا في قدرةِ إسرائيل على حماية أمنها السيبراني والمعلوماتي من الاستهدافات المباشرة، [16] بالإضافة إلى أن الفجوةَ التي تعاني منها إسرائيل في أمنها السيبراني كانت قد سبقت حرب غزة، حيث في أواخر يونيو ٢٠٢٢ تعرض الموقع الإلكتروني لشركة Cellebrite المتخصصة في حلول استخبارات البيانات، لهجومٍ سيبراني من قِبَلِ قراصنة عراقيين من نوع “رفض الخدمة الموزعة”، مما أظهر ثغرات واضحة في المنظومة السيبرانية الإسرائيلية وأدى إلى تداعياتٍ تتعلق بأمن المعلومات والقدرة على صدِّ الهجمات الإلكترونية.[17]
تأمينُ شركات الاتصال: حيث تُعدُ شركات الاتصالات عنصرًا مهمًا في منظومة الدفاع السيبراني، إلا أنها في نفس الوقت تُعتبرُ هدفًا رئيسيًا للهجمات السيبرانية، حيث يمكن استخدامها كنقطة اختراق للوصول إلى الأصول الاستراتيجية الإسرائيلية، وفي هذا السياق، تظهر أهمية بناء نظام “القبة السيبرانية” على غرار منظومة القبة الحديدية الدفاعية، بهدف حماية الفضاء المدني وتعزيزه، والحد من المخاطر السيبرانية التي تستهدف إسرائيل .[18]
التنافسُ مع إيران: حيث أصبحت إيران منافسًا قويًا لإسرائيل في الفضاء السيبراني، والذي يُبرهن على ذلك التحذير السنوي الذي صدر في مايو ٢٠٢٢ عن الهجماتِ السيبرانية المُحتملة من إيران على إسرائيل بمناسبة الاحتفال بيوم القدس في إيران، ومن هنا بدأت إسرائيل في دمجٓ فضائها الإلكتروني بالأمن القومي من أجل درء أيه تهديدات سيبرانية سواء كانت إيرانية أو من وكلائها حزب الله وحركة حماس.[19]
الحاجةُ إلى الدفاع الشامل متعدد الأبعاد: يُعد التفوقُ التكنولوجي الإسرائيلي مُرتبطًا بشكل مباشر بأمنها القومي، وذلك لضمان التفوق النوعي في منطقة الشرق الأوسط، لذلك تسعى إسرائيل إلى تبني استراتيجيةٍ دفاعية شاملة تشمل جميع الجبهات، بما فيها الجبهة السيبرانية. وتُعدُ فكرة “الدفاع الشامل متعدد الأبعاد” وسيلة لضمان أمنها القومي والسيبراني، من خلال تحسين المنظومة الدفاعية والهجومية وتوسيع التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص.
رابعًا: الاستنتاجات المستقبلية
أظهرت الحربُ الإسرائيلية على غزة بأن الحروب لم تَعدْ مُقتصرةً على ميادين المعارك التقليدية، بل أصبحت تمتد إلى الفضاء السيبراني، ومن هنا أصبحت التكنولوجيا العسكرية بمثابة ساحة مفتوحةٍ للصراع بين إسرائيل وإيران وعملائها، وبالنظر لهذا السياق يُمكن تقديم عدد من الاستنتاجات المستقبلية ومنها:
الاختراقُ البشري كأداة استراتيجية للموساد الإسرائيلي: حيث إن الاختراقَ البشري، كعاملٍ مكمل للهجمات السيبرانية، يلعب دورًا محوريًا في العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية، إذ يعتمد على تجنيد الأفراد أو زَرْعِ العملاء داخل الدول المستهدفة لجمع معلومات حساسة وتنفيذ عمليات سرية، وهنا يبرز دور عملاء الموساد الإسرائيلي في لبنان وسوريا وعلى رأسهم إيران، في محاولة لشل قدرات إيران وحلفائها الإقليميين، فبالإضافة إلى المعلومات التي يمكن الحصول عليها من خلال الاختراق السيبراني، يوفر الاختراق البشري مزايا فريدة، مثل القدرة على الوصول المباشر إلى مصادر موثوقة، وتقديم معلومات دقيقة في الوقت الفعلي، والتأثير على الأوضاع الداخلية، لذلك، يمثلُ هذا النوع من الاختراق تهديدًا كبيرًا، إذ يمكن أن يُستخدمَ لتحقيق أهداف استخباراتية لا يمكن للهجمات السيبرانية وحدها تحقيقها.
تزايدُ الخطر على الأمن السيبراني الإسرائيلي: بالنظر إلى اعتماد إسرائيل الكبير على التكنولوجيا العسكرية الحديثة والاقتصاد الرقمي، فإنها سوف تواجه خطرًا أكبر من الهجمات السيبرانية مقارنةً بإيران التي تحدُ من انخراطها في الفضاء الرقمي العالمي بشكل مُفرط، هذا يجعل من الجبهة السيبرانية تحديًا أمنيًا متزايدًا لإسرائيل، حيث يمكن لأي هجوم بسيط التكلفة أن يؤثرَ بشكلٍ كبير على البنية التحتية الحيوية والشبكات الاجتماعية لديها.
التفوقِ التكنولوجي سلاح ذو حدين: على الرغم من أن تفوق إسرائيل التكنولوجي يُعد ميزةً استراتيجية، إلا أنه يجعلها أكثر عرضة للهجمات السيبرانية التي تستهدف نقاط الضعف في شبكاتها المعقدة، يتطلب هذا استثمارات ضخمة ومستدامة في الأمن السيبراني، مما يزيد من العبء المادي والإداري عليها.
غيابٌ حدود للردع السيبراني: حيث يُعدُ الفضاء السيبراني بيئةً غير محددة جغرافيًا، مما يُصعّب تطبيق مفاهيم الردع التقليدية، وبالتالي تعزز هذه الطبيعة اللامحدودة موقف الأطراف الأقل اندماجًا في هذا السباق السيبراني، مثل الدول والجهات غير الحكومية التي تسعى إلى تنفيذ هجمات سيبرانية، لذا، ستحتاج إسرائيل إلى تطوير استراتيجيات أكثر تشددًا وفعالية للردع، مما يُدخل إسرائيل في دوامة سباق تسلح سيبراني، والذي قد يؤدي بدوره إلى الوصول إلى حافة الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران وحزب الله مُتخطيًا بذلك تكاليف وأضرار الحروب التقليدية، خاصةً إذا فشلت الوساطات الدولية في تهدئةِ الأوضاع.
ختامًا، نَخلصُ من ذلك تغير مفهوم ساحة الحرب من وجهة نظر إسرائيل، حيث أظهر الهجوم الإسرائيلي على أجهزةِ الاتصالات اللاسلكية “بيجير” لحزب الله البُعدَ السيبراني في الحروب اللاتناظرية و الغير المتكافئة، مما يعكس تحولاً في الاستراتيجيات القتالية التقليدية إلى استراتيجياتٍ تعتمد على التكنولوجيا العسكرية، إن هذا التطور يعكسِ إدراكًا متزايدًا لأهمية الفضاء السيبراني كحلبة صراع رئيسية، ولكن سيظل للضغوط الغربية دورٌ مهم في توجيه مسار الحرب، خاصة في حال نجاحها في تقليص العمليات الهجومية السيبرانية أو العسكرية من جانب إسرائيل. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الضغوط قد يكون محدودًا إذا استمرت إسرائيل في تجاهل القوانين والاتفاقيات الدولية.
المصادر:
[1] ارتفاع عدد قتلى انفجار أجهزة الاتصال في لبنان.. تفاصيل جديدة، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/mldlV
[2] إصابة سفير إيران لدى لبنان.. وزوجته توضح حالته، موقع العربية، تاريخ النشر: ١٧ سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط التالي: https://linksshortcut.com/htRUI
[3] كيف يعمل نظام القبة الحديدية الصاروخي الإسرائيلي، وما مدى فعاليته؟، BBC News ، تاريخ آخر تحديث: ٩ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-57100727
[4] رغدة البهي، القبة السيبرانية” الإسرائيلية: السمات والدوافع، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: ٣ أغسطس ٢٠٢٢، متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/20310/
[5] المرجع السابق ذكره.
[6] بينها القبة الحديدية ومقلاع داود.. ما منظومات الدفاع الإسرائيلية؟، الجزيرة نت، تاريخ النشر: ٢٥ يوليو ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/uXgTo
[7] نظام “غوسبل”.. كيف ترتكب إسرائيل إبادة جماعية بالذكاء الاصطناعي؟، الجزيرة نت، تاريخ النشر: ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/Ucrxs
[8] الذكاء الاصطناعي في إسرائيل: من الابتكار إلى الاحتلال، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، تاريخ النشر: ٢ نوفمبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://carnegieendowment.org/sada/2023/11/israels-ai-revolution-from-innovation-to-occupation?lang=ar
[9] سلاح جديد لقتل الفلسطينيين.. تعرف على طائرة هيرون تي بي الإسرائيلية، الغد، تاريخ النشر: ١٢ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/egZfy
[10] تكنولوجيا إسرائيل العسكرية أمام إيران وأذرعها.. لمن الغلبة؟، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٥ أغسطس ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/IazId
[11] بعد تفجيرات لبنان.. ما هي الوحدة الإسرائيلية 8200 المختصة بالحرب الإلكترونية؟، الشرق، تاريخ النشر: ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/mCtVV
[12] الحرب على الجبهة السيبرانية.. 35 فريقا من القراصنة يحاربون لأجل فلسطين، الجزيرة نت، تاريخ النشر: ١١ أكتوبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/xsSbh
[13] إسرائيل “مختبر” الأسلحة الحديثة وغزة ولبنان “ساحتها”، Independent عربية، تاريخ النشر: ١٩ سبتمبر ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/OweXK
[14] لافندر”.. كيف استغلت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في قتل الفلسطينيين “دون تمييز”؟، الشرق، تاريخ النشر: ٥ أبريل ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/KWEws
[15] “مصنع إعدامات جماعية”.. الذكاء الاصطناعي في خدمة الجيش الإسرائيلي، الجزيرة نت، تاريخ النشر: ١١ ديسمبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/KmLUJ
[16] Cyberattacks by Iran, Hezbollah have tripled during the war, says Israel cyber czar, The Times of Israel, published at: April 9. 2024, available at: https://www.timesofisrael.com/cyberattacks-by-iran-hezbollah-have-tripled-during-the-war-says-israel-cyber-czar/
[17] قراصنة عراقيون يستهدفون شركة إسرائيلية.. تقرير يكشف، العربية، تاريخ النشر: ٢٩ يونيو ٢٠٢٢، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/MRuFL
[18] مجد زيادة وآخرون، الأمن السيبراني في أولويات الأمن القومي الإسرائيلي، مركز دراسات الوحدة العربية، تاريخ النشر: ١٤ أغسطس ٢٠٢٤، متاح على الرابط: https://caus.org.lb/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%88%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88/
[19] المرجع السابق ذكره.