المقالات
من القيادة إلى الفراغ: مستقبل حزب الله بعد اغتيال نصر الله
- أكتوبر 8, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، وما تلاه من تأكيدات إسرائيلية حول مقتل خليفته المحتمل “هاشم صفي الدين”، باتت الأوضاع تمثل نقطة تحول حاسمة في تاريخ الحزب، لما لها من تداعيات كبيرة على مصيره مآلات مواجهاته المسلحة مع إسرائيل، وربما أيضًا على علاقته بإيران والمحور الشيعي الذي تقوده.
يعتبر هذا الحدث الأبرز ضمن سلسلة من “العمليات الناجحة” التي نفذها الجيش الإسرائيلي، مما أسفر عن تعطيل كبير لنظام القيادة والسيطرة لدى حزب الله وتفكيك عدد كبير من قياداته السياسية والعسكرية، كما قلصت هذه العمليات جزءًا هامًا من قدراته الاستراتيجية خلال أقل من أسبوع منذ بدء حملتها الجوية المكثفة ضد الحزب، الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي “إيمانيويل ماكرون” بالدعوة إلى وقف فوري لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل نتيجة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان المترافقة مع الهجمات الإسرائيلية على غزة ولبنان. فما مصير الحزب في مرحلة ما بعد نصرالله واغتيال خليفته المحتمل ؟.
تداعيات اغتيال “نصر الله” على مستقبل حزب الله و لبنان:
يُعتبر اغتيال حسن نصر الله حدثًا محوريًا، ليس فقط بسبب دوره الفعّال في بنية الحزب، بل أيضًا لما يمثله من أهمية على الساحة اللبنانية والإيرانية، اذ يُعد نصر الله أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في السياسة الإقليمية الإيرانية داخل لبنان وخارجه.
اولًا: حزب الله وامكانية تعرضه للتفكك:
تشكل عملية استبدال نصرالله تحديًا غير مسبوق للحزب، خاصةً في ضوء النجاحات العسكرية التي حققتها إسرائيل والتي أدت بالفعل إلى تآكل الهيكل القيادي لحزب الله، ومن ثم ستواجه القيادة الجديدة صعوبات كبيرة؛ إذ كان دور حسن نصر الله القيادي واستمراره لسنوات طويلة مصدر قوة لتماسك التنظيم، وسيكون من الضروري لخليفة نصر الله أن يتنقل بحذر بين مختلف الفصائل داخل لبنان وأن يقرر الطريقة المثلى لترسيخ سلطته بسرعة وسط هذه التغيرات والتعامل مع الشركاء الإقليميين، بالإضافة إلى مواجهة التهديدات العسكرية المستمرة القادمة من إسرائيل.
وبالنسبة لافتراض انهيار الحزب وتفككه بعد فقدان قيادته لا يمكن تحقيقه عبر قتل زعامته السياسية والعسكرية فحسب، وذلك نظرًا لعوامل متعددة أهمها:
أولاً، الدور المتنوع الذي يلعبه الحزب؛ حيث إن تعدد الأدوار التي يقوم بها حزب الله في لبنان بما فيها حضوره السياسي وإشرافه على شبكات الرعاية الاجتماعية توفر له حصنًا ضد الانهيار، وعلى العكس من التنظيمات الأصغر التي تتداعى عند غياب قياداتها، فإن حزب الله يمتلك جذورًا عميقة داخل المجتمع اللبناني مما يجعل استمراريته أكثر احتمالاً حتى مع تعرض قياداته للخسارة، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أيديولوجيته الراسخة وبنيته القوية والدعم الواسع النطاق المستمد من إيران.
ثانياً؛ الهيكل التنظيمي: أثبتت تجربة حزب الله، التي تمتد لأكثر من أربعين عامًا، أنه ليس رهينة لقادة فرديين فقط، بل يعمل التنظيم ككيان منظم وذو انضباط عالٍ، مع آليات داخلية قوية تُمكّنه من التكيف في مواجهة التحولات القيادية. ولذلك، فإن فقدان القيادة العليا رغم خطورته قد لا يُعتبر بالضرورة تهديدًا وجوديًا.[1]
ثالثاً: القوة في القيادة الأمنية: تبقى القيادة الأمنية لحزب الله سليمة وفقًا للمعلومات المتاحة حتى الآن، حيث تُمارس دورها في تنظيم وضبط صفوف الحزب وتنسيق العمل الميداني داخلياً وخارجياً، وإذا تأكدت الأخبار حول سلامة خليفة نصرالله المتوقع “هاشم صفي الدين”، فمن المتوقع أن يستمر الحزب في توجيه حملات مكثفة وعنيفة ضد أهداف ومدن إسرائيلية.[2]
ومع ذلك، بالرغم من تلك العوامل، الا إنه سيكون تحديًا كبيرًا إعادة ترتيب الصفوف الداخلية للحزب على المدى القصير، فهذه العملية ستحتاج إلى خمس سنوات أو أكثر لتكتمل، إضافةً إلى ذلك، ستكون إعادة هيكلة الحزب مرتبطة بما تقوم به إسرائيل؛ فإذا استطاعت تل أبيب وضع نفسها في موقف يسمح لها بالتدخل في لبنان متى شاءت فسيكون من غير المؤكد قدرة حزب الله على التعامل بفعالية مع هذا الوضع.
ثانيا: الداخل اللبناني:
من المؤكد أن وفاة نصر الله ستترك آثارًا كبيرة على لبنان، خاصة وأن الحزب يلعب دورًا محوريًا في الديناميكيات السياسية والعسكرية بالبلاد، فقد تؤدي الارتباكات داخل صفوف الحزب إلى حدوث نوع من الفوضى السياسية في المشهد اللبناني، ومن بين التحديات الكبرى التي تواجه لبنان هي كيفية تعامل إيران مع الوضع بعد فقدان أحد أبرز أذرع نفوذها فيه؛ حيث كان لحسن نصر الله دور بارز في التنسيق بين التحالفات الإيرانية والقوى الداخلية الأخرى، لذا، قد يدفع هذا الفراغ طهران للبحث عن بناء تحالفات جديدة، سواء عبر تعزيز علاقاتها مع الفصائل الشيعية أو بتوسيع نطاق التعاون مع مجموعات غير شيعية.[3]
ومع ذلك، تتضمن هذه التحديات أيضًا فرصًا إيجابية، إذ تعتبر الحالة السيئة لـ”حزب الله” فرصة مهمة للدولة الوطنية اللبنانية للخروج من قبضته وإعادة انتخاب رئيس جمهورية بعيد عن أجندة الحزب، كما يمكن للجيش اللبناني استعادة السيطرة الأمنية وتعزيز وجوده بناءً على القرار الأممي 1701، خصوصاً مع إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال “نجيب ميقاتي” مطلع شهر أكتوبر عن استعداد الدولة لتنفيذ متطلبات القرار بما يشمل نشر الجيش جنوب نهر الليطاني[4]، وبات ذلك أيضاً فرصة أمام القوى السياسية الوطنية لاستعادة المبادرة ومحاولة الحد من سيطرة الحزب على الساحة اللبنانية، نظرًا لأن وضع “حزب الله” أصبح غير مريح ومتصاعد بين الشكوك بعدما كان يُعد أحد الأعمدة الأساسية للمشهد السياسي اللبناني.[5]
الخيارات والتحديات القادمة امام حزب الله:
تعتمد المرحلة القادمة عقب اغتيال نصرالله وخليفته المحتمل، على أساليب الحزب، وكذلك على ردود فعل إيران، حتى الآن، ساهمت سلسلة من العمليات السرية والمعلنة التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله، بالإضافة إلى الردود المتزنة نسبياً من الحزب نفسه، في تشكيل اعتقاد واسع الانتشار بأن الحزب لم يعد قادراً على حماية عناصره أو منع إسرائيل عن استهدافه، ولا يزال يتكبد خسائر نتيجة الحملة الإسرائيلية الواسعة والعمليات السرية، ومع اغتياله (الشخصية الأكثر تأثيرًا في حزب الله وما بين العديد من الشيعة اللبنانيين باعتباره زعيماً دينياً ونائباً للمرشد الأعلى “خامنئي” في لبنان)، بات لزامًا على حزب الله الاستمرار بضربات موجهة نحو إسرائيل؛ سعياً وراء تنفيذ عملية انتقامية مكلفة للعدو ولردع المزيد من الهجمات الإسرائيلية ضد ما تبقى من قياداته.[6]
وعلى الرغم من أن حزب الله لا يزال يتعافى بعد تعطيل هيكليته القيادية جراء الهجمات الموجهة وعمليات الاغتيال الأخيرة، فإن هناك تقديرات أمريكية غير رسمية تشير إلى أنه لا يزال يمتلك القدرة على إطلاق عدد كبير من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى تجاه المدن الإسرائيلية الكبرى والمواقع العسكرية، ومع تكثيف عملياته لاستهداف إسرائيل بشكل أوسع، يُرجح أن يلجأ حزب الله أيضاً لصواريخه الباليستية بعيدة المدى والأكثر تطوراً فضلاً عن أنواع أخرى أكثر ثقلاً وتتسبب بأضرار أكبر ضمن عمليات استهدافه لمدن رئيسية مثل حيفا وتل أبيب.
علاوة على ذلك، سيستمر الحزب في استهداف مناطق الجليل الأعلى والوسطى والسفلى داخل إسرائيل، من المرجح أن تستمر هذه الهجمات بشكل متزايد بهدف إرباك الدفاعات الجوية الإسرائيلية وإحداث خسائر بشرية كبيرة كاستجابة للرد على اغتيال نصر الله، ومع ذلك، فإن إمكانية تنفيذ حملة أوسع نطاقًا لحزب الله ضد إسرائيل تعتمد أيضًا على وجود قيادة قوية تحظى بقبول واسع داخل التنظيم، مثل رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين الذي تم تعيينه خلفاً لنصر الله، “ان صحة المعلومات ببقائه حيًا حتى الان” وبالتالي، يتوقف استمرار قدرة القيادة الأمنية على تنظيم صفوفه وتعزيز تواصله مع الجهات في لبنان وخارجها على شخصيتين أساسيتين: “طلال حمية” المسؤول عن التخطيط والإشراف على العمليات العسكرية للحزب خارج لبنان والتجنيد الدولي، و”وفيق صفا” الذي يرأس وحدة الارتباط والتنسيق ويقوم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية في بيروت. [7]
أزمة خلافة حسن نصر الله وأبرز المرشحين:
يواجه حزب الله أزمة حادة بعد الإعلان الرسمي عن مقتل حسن نصر الله في الغارة الإسرائيلية، تتمثل في تحديد البديل الذي سيخلفه، هذه المشكلة تنبع من عدة عوامل، منها احتواء إسرائيل على معظم قادة الحزب البارزين، مثل فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وعلي كركي، واخرها التأكيدات الاسرائيلية على مقتل هاشم صفي الدين، الشخصية التي كانت أكثر ترجيحًا لخلافة نصر الله، و تم تسريب أخبار حولها من مصادر اسرائيلية ذكرت أنه كان قد تولى المنصب بالفعل وبدأ يتخذ قرارات داخل الحزب.
كما أن شروط القيادة نفسها تلعب دورًا مهمًا؛ فلا توجد شروط دستورية واضحة، لكن هناك أعراف لا يمكن تجاهلها، فتاريخياً، كان كل من الشيخ عباس الموسوي وصبحي الطفيلي وحسن نصر الله من رجال الدين الذين درسوا في الحوزات العلمية الشيعية، مما يعني أن القيادة تتطلب شخصيات مماثلة، مما يجعل الأمر مختلفاً عن قيادة العسكريين في الحرس الثوري الإيراني، وتسعى طهران لضمان أن يكون قادة الفصائل المرتبطة بها من ذوي الخلفية الدينية أو مقربين منها ليتسنى له العمل كحلقة وصل بين المرشد والمجتمع الشيعي العام.[8]
وبذلك تتقلص دائرة المرشحين لتبرز الأسماء التالية:
– الشيخ نعيم قاسم: نائب الأمين العام للحزب، ورغم كفاءته الا ان شخصيته السياسية والدينية ليست بمستوى هيبة نصر الله أو صفي الدين، وتشير التقارير إلى احتمالية توليه القيادة بشكل مؤقت حتى اجتماع مجلس شورى الحزب لاختيار أمين عام جديد، وبالتالي يوجد تنافس فعلي حالياً بين أبرز شخصيتين داخل الحزب هما نعيم قاسم وهاشم صفي الدين، وفي الوقت الراهن يبدو أنه يقود حزب الله بصورة مؤقتة بصفته نائب الأمين العام لحيث يستعد المجلس للاجتماع قريبًا.
– الشيخ صبحي الطفيلي: يعد أحد مؤسسي “حزب الله” السابقين وأمينه العام الأسبق، لكنه انشق عن الحزب عام 1998 وعارض ولاية الفقيه التي اعتبرها بدعة شيعية، رغم ذلك فإن له قبولاً وأتباعًا بين القواعد الشيعية نظرًا لأنه من مؤسسي الحزب وفترته شهدت كثافةً بالعمليات المسلحة ضد إسرائيل، وبينما تبدو خلافته لنصر الله غير مرجحة بسبب أن عملية الاختيار تتم فقط ضمن نطاق الحزب مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية ولاء وتنظيم المؤسسات الإسلامية وكذلك الدور المهم لإيران, إلا أنه يبقى خياراً مطروحا إذا أراد الحزب في إعادة تقييم نفسه بعيدا عن التأثير الخروج الإيراني.[9]
ختامًا، يبدو أن مستقبل حزب الله يواجه غموضًا مثيرًا، إذ يتأثر بشكل كبير بالتطورات المتسارعة التي قد تطرأ في الأسابيع والأشهر المقبلة. بعد فقدان القيادة بالكامل، عاد الحزب إلى نقطة البداية، مما يضعنا أمام مشهد دراماتيكي يتسم بالتغيرات المفاجئة والانفتاح على سيناريوهات معقدة، يجمع بينها استمرار التصعيد غير المسبوق في المنطقة تحت قيادة يمينية متطرفة في إسرائيل، حيث بات مؤكدا أن الكرة تظل في ملعب إسرائيل، وهي الجبهة المسؤلة عن قرار مواصلة التصعيد، وليس اطراف محور المقاومة المحصورة بين خطاب ثوري مليء بالتهديدات دون تحركات فعالة تعيد له مكانته، وفي هذا السياق الملتهب، يتضح أن التصعيد الإسرائيلي المنتظر سيتحدد بناءً على مرجعيات وتغيرات في الإقليم، مما ينذر بمستقبل غير مستقر قد يعيد تشكيل خريطة الصراع في المنطقة.
المصادر:
[1] حنان جابلي، ما هي مآلات المواجهات مع إسرائيل وما مستقبل حزب الله بعد اغتيال نصر الله؟، الحفريات، أكتوبر ٢٠٢٤.
https://linksshortcut.com/JgmBV
[2] المرجع السابق
[3] تداعيات اغتيال حسن نصر الله ومستقبل الصراع في الشرق الأوسط، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، سبتمبر ٢٠٢٤. https://linksshortcut.com/coFHJ
[4] ما مستقبل القرار 1701 الخاص بوقف القتال في لبنان؟، الجزيرة نت، أكتوبر ٢٠٢٤.
https://linksshortcut.com/HuuTv
[5] مصير “حزب الله” بعد نصرالله، النهار، أكتوبر ٢٠٢٤.
https://linksshortcut.com/PvTJb
[6] ماذا بعد اغتيال حسن نصر الله؟.. مستقبل حزب الله ومآلات المواجهات مع إسرائيل، تريندز للبحوث والاستشارات، سبتمبر 2024. https://linksshortcut.com/rwnBI
[7] المرجع نفسه
[8] تداعيات اغتيال حسن نصر الله ومستقبل الصراع في الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[9] المرجع نفسه