المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > قمةُ قازان 2024: مناورات البريكس لخلْق توازنٍ جديد
قمةُ قازان 2024: مناورات البريكس لخلْق توازنٍ جديد
- أكتوبر 24, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات
إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في ظلِّ تصاعد الحرب الروسية-الأوكرانية، واستمرار الأزمة بين روسيا والغرب، تراهنُ موسكو على تحقيقِ خرق جديد في توجهاتها نحو وضع الأسس لنظامٍ مالي عالمي جديد، وذلك من خلال قمة مجموعة بريكس لعام 2024، التي انعقدت في “قازان” عاصمة جمهورية تتارستان الروسية، تحت شعار “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين”.
ووسط تَطلعاتٍ لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولِ مجموعة بريكس بما يحميها من التحديات التي تواجهها في ظل انفتاحها على زيادة أعضاء التكتّل، احتضنتْ مدينة قازان الروسية القمةَ السادسة عشرة لمجموعة البريكس في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر الجاري، وهي أول قمةٍ على الإطلاق منذ توسيع عضوية المجموعة من خَمس دولٍ إلى عشر دول لتشمل: “الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا، مصر، الإمارات، السعودية، إيران، إثيوبيا”.
وتترأسُ موسكو مجموعة بريكس هذا العام، وقد حددت ثلاثَ أولويات هامة ألا وهي: السياسة، والأمن، والتعاون الاقتصادي والتمويل والتبادلات الثقافية والإنسانية، كما نظمت أكثر من مئتي حدَثٍ اقتصادي وسياسي واجتماعي، لتعزيز سبل التعاون بين دول تكتّل البريكس.
ومن هنا تُثارُ عدة تساؤلاتٍ جوهريةٍ في إطار انعقاد القمة؛ فما هو جدول أعمال القمة؟ ولماذا تكتسب أهميةً خاصة؟ وهل تشكّل قمة بريكس تحدياً لسياسة العزلة التي ينتهجها الغرب ضد روسيا منذ عمليتها العسكرية في أوكرانيا؟، وهل تُدشّن القمة لنظام اقتصادي عالمي جديد؟، وما قدرةُ هذا التكتل على تشكيل عالم متعدد الأقطاب اقتصادياً وأيضاً سياسياً؟
ظروفُ انعقاد القمة:
عُقدتْ القمة السادسة عشرة لمجموعة البريكس في ظل ظروفٍ استثنائية حرجةٍ، وتوقيتٍ بالغِ الأهميةِ يشهدُ فيه العالم العديدَ من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، تتضمنُ الأزمة الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فضلاً عن اتساع رُقعة الصراع لتشملَ لبنان وإيران. كما تأتي القمة في الوقت التي تواجه الدول النامية بالتحديد عقبات اقتصادية وسياسية متزايدة، وذلك نظراً للتقلبات الجيوسياسية العالمية، فتأثير هذه التطورات ينعكس على اقتصاد تلك الدول، علاوة على وجود عوامل أخرى كالتغيّرات المُناخية وتداعياتها السلبية المؤثرة على أسعار الطاقة والغذاء، وبالتالي يبدو أن العالم يمر بسلسلة من الأزمات تفرض نفسها على قمة البريكس.
وعلى الجانب الآخر، تمثّل القمةُ أكبر حدث دبلوماسي في روسيا منذ حربها مع أوكرانيا، خاصةً في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإظهار فشل المحاولات الغربية في عَزْل بلاده بسبب الحرب، لا سيَّما وأن هذه القمة تأتي ضمن المساعي الروسية لتعزيز علاقات موسكو الاقتصادية مع دول الجنوب العالمي، فضلاً عن حماية الدول المشاركة من تداعيات العقوبات الاقتصادية الغربية، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الدولار واليورو كأدوات أساسية في النظام المالي الدولي، الأمرُ الذي يساهمُ في تعزيز دور التكتل لبناء نظام اقتصادي مستقل.
أهميةُ قمة البريكس:
تكتسبُ القمة أهميةً خاصة في ظل تصاعد حدّة الصراعات العالمية، وزيادة استخدام الشؤون السياسية والتجارية كأوراق ضغطٍ، حيث تسعى موسكو من خلال رئاستها للمجموعة إلى التغلّب على تجزئة النظام التجاري متعدد الأطراف ومقاومة الحماية التجارية المتزايدة، ومن هنا تعددت أهداف القمة السادسةَ عشْرةَ لمجموعة البريكس وكان أبرزها تحدي الاحتكار السياسي والاقتصادي الغربي وتسريع وتيرة استخدام العملات المحلية بين الدول الأعضاء والاستغناء عن الدولار الأمريكي في خطوةٍ هامةٍ لتقويض قدرة واشنطن على استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية من أجل فَرْضِ إرادتها على الدول الأخرى، كما هدفت القمة إلى تحسين بِنية العلاقات الدولية والتعاون الاقتصادي عبر تعزيز الاستثمارات والتجارة المتبادلة بين دول التكتل، وضمان التنمية المستدامة للأمن والطاقة والغذاء، بالإضافة إلى مناقشة إمكانية إنشاءِ عُملةٍ موحدة للدول الأعضاء، وإنشاءِ منصات دفْعٍ بديلة للتسويات بين دول التكتل.
ويبدو أن هذه القمة تشكّل أهميةً خاصة بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خصوصاً في ظل العُزلة التي فُرضتْ على بلاده من الغرب عبر سلسلة العقوبات على البنوك الروسية والصادرات العسكرية ومصافي النفط، فضلاً عن مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية، فعلى الرغم من كل هذه التحديات التي تقفُ في وجه الرئيس بوتين، إلا أنه نجح في إرسال رسالةٍ مهمة للعالم مفادها أن موسكو ما زالت تتمتع بقدرةٍ كبيرة على الصمود أمام الحرب والعقوبات الغربية، كما أثبت قمةُ البريكس مدى امتلاك بلاده لشركاء مهمين مثل الصين والهند وغيرهم من القوى الناشئة الكبرى.
الدولُ المشاركةُ في القمة: “قازان قمة القادة الكبار”
اكتسبتْ القمة السادسةَ عشْرةَ لتكتل البريكس زخماً دولياً هائلاً في خضمِّ المشهد العالمي المعقّد، حيث توافد عدد كبير من القادة إلى مدينة قازان للمشاركة في أعمال القمة، إذ شارك حوالي 24 من زعماء العالم، بينهم الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس جنوب إفريقيا سيريل راما فوزا، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في حين ألغى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رحلته إلى روسيا بعد تعرضه لإصابةٍ في الرأس إثْر سقوطه بمنزله وأناب عنه وزير خارجيته في ماورو فييرا.
وشارك أيضاً في القمة زعماءُ العديدِ من الدول الأخرى التي أبدت اهتماماً بتعميق أواصر العلاقات مع تكتل البريكس، بما فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشينه، كما حضر أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والذي انتقدت حضورَه الخارجيةُ الأوكرانية واعتبرت مشاركته خياراً خاطئاً يضر بسمعة الأمم المتحدة ولا يخدم قضية السلام.
اجتماعاتُ قمة بريكس:
على هامش قمة البريكس، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة لقاءات ثنائية مع بعض القادة المشاركين لبحث سبل تعميق التعاون في مختلف المجالات والتطرق نحو أهم الشراكات الاستراتيجية الشاملة، وفيما يلي أهم الاجتماعات المنعقدة في إطار القمة:
– المباحثاتُ المصريةُ الروسية
أجرى الرئيسُ عبد الفتاح السيسي جلسة مباحثاتٍ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش أعمال قمة بريكس، وأكد الرئيس السيسي عن رغبة بلاده في تعميق أُطرِ التعاون بين القاهرة وموسكو على المستوى الثنائي، بالإضافة إلى تعزيز التعاون متعدد الأطراف من ناحية أخرى، كما شددَ الرئيس السيسي على أهمية تفعيل التبادل التجاري بالعملات المحلية كخطوةٍ محورية هامة نحو إصلاح المنظومة المالية الدولية لتحقيق مصالح الدول النامية، وأشاد الرئيس السيسي بالتطور الملموس في العلاقات مع موسكو منذ توقيع اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي بين البلدين عام 2018، إلى جانب المساهمات الروسية الفعالة في تنفيذ المشروعات القومية والتي تأتي في مقدمتها محطة الضبعة النووية.
وفي هذا السياق، يبدو أن مشاركةَ مصر في قمة البريكس كانت بمثابة فرصةٍ جوهريةٍ لتعزيز علاقاتها التعاونية مع الدول الأعضاء والدول المشاركة في القمة، خاصةً في ظل وجود ملفات هامة كالطاقة والتغيرات المناخية، فمن خلال إقامة شراكات استراتيجية مع دول المجموعة، قد تستفيد مصر من استثماراتٍ هائلة لتمويل مشروعات الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية والرياح، علاوة على تبادل الخبرات في مجالات إدارة موارد الطاقة والتكنولوجيا بما يساهم في تحقيق أهداف مصر المناخية.
– المباحثاتُ الهندية الروسية
بحثَ رئيسُ الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال جولة مباحثات هامة على هامش قمة البريكس، سبلَ تعزيز وتطوير العلاقات الهندية الروسية في مختلف المجالات، ومن جانبه أشاد الرئيس بوتين بالعلاقات الروسية الهندية وارتقائها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، مشيراً إلى أهمية توسيع التمثيل الدبلوماسي الهندي في روسيا بما يساهم في تعميق العلاقات الثنائية بصورة أكبر. ومن جهته، أعربَ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن ثقته في شراكة روسيا، كما أكد على ثقتهِ التامة في قدرة مجموعة البريكس على معالجة التحديات العالمية وتحقيق الأهداف المنشودة منها في المستقبل القريب، مشيراً إلى التزام بلاده بتطوير التعاون والعمل المشترك في إطار مجموعة البريكس. وفيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، أكد مودي على ضرورة حل الأزمة بشكل سلمي وعلى دعم بلاده لكافة الجهود الرامية نحو إحلال السلام والأمن.[1]
– المباحثاتُ الإماراتيةُ الروسية
شاركتْ دولةُ الإمارات العربية المتحدة لأول مرة في قمة البريكس باعتبارها عضواً في المجموعة، وعلى هامش أعمال القمة اجتمع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبحثا سبل تعزيز العلاقات بين البلدين خاصةً فيما يتعلق بالمجالات التنموية والعمل المشترك الذي يساهم في تحقيق أهداف الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الإمارات وروسيا مما يصبُّ في مصلحة البلدين، وفي السياق ذاته أكد الرئيس الإماراتي أن بلادَه تدعم العمل الدولي متعدد الأطراف والذي يَخدمُ السلام والأمن على المستويين الإقليمي والدولي، ويعزّز الجهود الجماعية الرامية نحو التغلب على التحديات العالمية المشتركة.[2]
– المباحثاتُ الإيرانية الروسية
التقىَ الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الإيراني مسعود بزشكيان على هامش أعمال القمة في خطوة هامة لتطوير وتعميقِ أواصرِ العلاقات بين موسكو وطهران، وتعزيزِ التعاون الاقتصادي والتجاري، لا سيَّما فيما يتعلق بتطوير الِبنية التحتية الإيرانية وبناء وحدات الطاقة في محطة بوشهر للطاقة النووية، كما أعلن الزعيمان عن خططهم لتوقيع اتفاقيات جديدة في مجال الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وخَلْق المزيد من التواصل الاقتصادي والسياسي الذي يخدم مصالح البلدين، ومن جانبه شدد الرئيس الإيراني على ضرورة كَسْرِ الحظر الأمريكي على البلدين بتفعيل آليات التعاون، وعلى الجانب الآخر رحب الرئيس بزشكيان بالاستفادة من العملات الوطنية بين دول البريكس في إطار الحدِّ من هيمنة الدولار الأمريكي والتقليل من الضغوط المفروضة من الغرب.[3]
– المباحثاتُ التركية الروسية
على هامشِ أعمال القمة، أجرىَ الرئيسُ الروسي فلاديمير بوتين مباحثاتٍ هامةً مع نظيرة التركي رجب طيب أردوغان، وذلك لبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، ومن جانبهِ أشادَ الرئيس بوتين بعمق العلاقات التي تربطُ بين روسيا وتركيا، لا سيما فيما يتعلق بالتعاون في مجال الطاقة النووية، مشيراً إلى استمرار مبادرة إنشاء مركز للغاز الطبيعي الروسي في غرب تركيا.
وفيما يخصُّ الأوضاع في الشرق الأوسط، أعرب الرئيس التركي عن بالغ قلقهِ إزاء التصعيد المحتدم في المنطقة من الجانب الإسرائيلي، مندداً بالممارسات الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة وجنوب لبنان، ومشيراً إلى أن هذه التصرفات لم تهددْ الأمن في الشرق الأوسط فحسب بل تمثُّل خطراً كبيراً على الأمن العالمي.[4]
ويُعتبرُ انفتاح تركيا على مجموعة بريكس، الأول من نوعه لدولة عضو في الناتو، لكن يكمن وراء هذه الخطوة دوافع اقتصادية حيث تأتي في إطار رغبة تركيا بـ”الاستقلالية الاستراتيجية”.
أهمُّ الملفاتِ والقضايا المطروحة على جدول أعمال القمة:
– الأوضاعُ في الشرق الأوسط وأوكرانيا:
فيما يتعلقُ بالحرب الإسرائيلية على غزة، نَجِدُ أن الحرب في غزة تصدرت على قائمة أعمال قمة بريكس، إذ أتاحت القمةُ فرصةً محوريةً لتسليط الضوء على القضية في ظل وجود حشدٍ مهمٍ من المجتمع الدولي الداعم للحق الفلسطيني، فقد أدانت دول البريكس الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة، ودعت إلى الوقف الفوري لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن والتوصل إلى حلٍ مُستدامٍ للقضية الفلسطينية، كما أكدوا على دعمهم الثابت لانضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة ضمن حدود عام 1967 المعترف بها دولياً، وأعربوا عن قلقهم الشديد تجاه التصعيد المحتدم في المنطقة وعواقبه الكارثية على المستويين الإقليمي والعالمي، فضلاً عن تشديدهم على ضرورة تنفيذ القرارات المتعلقة بإنشاء منطقة من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. ومن جانبهم انتقدت روسيا والصين التصرفات الإسرائيلية في قطاع غزة وجنوب لبنان، مرحبين بالمساعي المصرية والقطرية المستمرة، والجهود الإقليمية والدولية الأخرى الرامية نحو وقف إطلاق النار وتسريع الإمدادات وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وعلى صعيدِ الحرب في لبنان، نجدُ أن الأوضاعَ المتصاعدة في جنوب لبنان هيمنت على ملف المباحثات بين القادة المشاركين في قمة البريكس، إذ أعربتْ دول البريكس عن قلقهم البالغ إزاء التطورات المعقّدة في لبنان، وأدانتْ خسارة أرواح المدنيين والأضرار الهائلة التي ألقت بظلالها على البنية التحتية نتيجة الهجمات التي شنتها القوات الإسرائيلية على المناطق السكنية في لبنان، كما طالبت دول البريكس إسرائيل بوقف الممارسات العسكرية على الفور، مشددين على ضرورة الحفاظ على سيادة الدولة اللبنانية وسلامة أراضيها مع بذْلِ كافة الجهود الرامية لخَلْق حلٍ دبلوماسيٍ من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وعلى الجانب الآخر دعت دول البريكس أيضاً إلى احترام سيادة سوريا والحفاظ على وحدة أراضيها من خلال إدانتهم للوجود العسكري الأجنبي غير القانوني والذي يعمل على زيادة حدةِ الصراع في المنطقة، منوهين إلى أن العقوبات أحادية الجانب غير القانونية قد تؤدي إلى معاناة الشعب السوري.
وفيما يخصُ الأزمة الروسية الأوكرانية، دعا قادةُ الدول المشاركة في القمة إلى إحلال الأمن والسلام في أوكرانيا، إذ أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على ضرورة تحجيم القتال في أوكرانيا، مشدداً على احترام المبادئ الثلاثة للتهدئة وإحلال السلام والمتمثلة في عدم توسيع ميدان المعركة، وعدمِ تصعيد القتال، وعدم صبِّ الزيت على النار من قِبل الأطراف المعنيين. في حين أكد الرئيس البرازيلي على أن تجنب التصعيد والمبادرة نحو مفاوضات السلام أمران حيويان في النزاع الروسي الأوكراني، وعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وساطته لحل النزاع بين روسيا وأوكرانيا، وهو ما قابله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالترحيب بعروض الوساطة في إطار النزاع بين موسكو وكييف.
– مقترحاتٌ على هامش القمة: “نظام المدفوعات عبر الحدود وبورصة الحبوب”
في قمة كازان 2024، طُرحت مبادرتان اقتصاديتان مهمتان تعكسانِ الطموحَ المتزايد لمجموعةِ بريكس في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، تمثلت المبادرة الأولى في مُقترح إنشاء بورصة للحبوب، والذي جاء كخطوةٍ استراتيجية من روسيا لتعزيز السيادة الغذائية والسيطرة على سلاسل الإمداد العالمية، ويهدف هذا المشروع إلى إنشاء منصة تداول مستقلة للسلع الاستراتيجية، بما يقلل من الاعتماد على بورصات السلع الغربية التقليدية، ويمنح دول بريكس قدرةً أكبر على التحكم في أسعار المواد الأساسية، وقد تم التخطيط لهذا المشروع على مراحل، حيث سيبدأ بتداول الحبوب ثم يتوسع ليشملَ سلعاً استراتيجية أخرى مثل النفط والغاز الطبيعي والمعادن الثمينة والصناعية. هذا المشروع لا يقتصرُ على الأبعاد الاقتصادية فقط، بل يحملُ أبعاداً جيوسياسيةً مهمة تهدف إلى تقليل تأثير العقوبات الغربية على تجارة السلع، وتعزيز الأمن الغذائي للدول الأعضاء، وخلق آليات تسعير بديلة للسلع العالمية.
من جهة أخرى، جاءَ مقترحُ نظام “بريكس كلير” كنظام مدفوعات عبر الحدود ليعكس طموح دول بريكس في التحرر من الهيمنة المالية الغربية، خصوصاً من نظام SWIFT العالمي، ورغم عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن هذا النظام، إلا أنه يظلُ نقطةً محوريةً في مناقشات القمة، ويهدف هذا النظام إلى إنشاء بنية تحتية مستقلة للتسوية والإيداع وربط البنوك المركزية للدول الأعضاء في منظومة موحدة، مما يسهلُ التجارة البينية بالعملات المحلية ويقلل الاعتماد على العملات الأجنبية، إلا أن التنفيذ يتطلب التغلب على تحديات تقنية وتنظيمية، مثل تطوير البنية التحتية اللازمة وضمان الأمن السيبراني للنظام.
وتحمل هذه المبادرات تأثيراتٍ اقتصادية وجيوسياسية كبيرة، حيث تعزّز التجارة البينية بين دول المجموعة وتخلق أسواقاً جديدة للسلع الاستراتيجية، وفي الوقت نفسه، تشكل تحدياً للهيمنة الغربية على النظام المالي العالمي، إلا أن التحديات المستقبلية المتعلقة بتنفيذ هذه المشاريع تتطلب تنسيق السياسات بين الدول الأعضاء وبناء الثقة في النظام المالي الجديد، وبشكل عام، قد تعكس هذه المبادرات تحولاً استراتيجياً في توجهات بريكس نحو بناء نظام اقتصادي عالمي أكثر توازناً، رغم التحديات الكبيرة التي قد تواجه تنفيذها.
– ملفُ الطاقة:
كانت الطاقةُ أحدَ أهم الملفات المحورية في قمة بريكس لعام 2024، ، حيث ركّزت الدول الأعضاء على تعزيز التعاون في مجالات النفط، والغاز، والطاقة المتجددة، حيث تسعى الدول إلى تقليل اعتمادها على مصادر الطاقة الغربية وتعزيز استقلالها في هذا القطاع الحيوي، ومن خلالِ المبادراتِ المشتركة، تم التباحث حول إنشاء شبكات طاقة إقليمية وتحفيزِ استثماراتٍ في البنية التحتية للطاقة المستدامة، بما في ذلك المشاريع الضخمة للطاقة الشمسية والرياح، وهذا الاهتمام يعكس استراتيجية بريكس لزيادة استقلاليتها في قطاع الطاقة وتقليل تأثير العقوبات الغربية على تدفق الموارد، خصوصًا في ظل التحديات الجيوسياسية العالمية.
– الاقتصادُ الأخضرُ:
في ضوءِ التغيرات المناخية العالمية، كان الاقتصادُ الأخضر جزءاً أساسياً من أجندة قمة بريكس لعام 2024، إذ ناقشت الدول الأعضاء خططًا لتعزيز التنمية المستدامة والانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون، وتضمنت المبادرات الاستثمارَ في تقنيات الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية، الرياح، والسيارات الكهربائية، فضلاً عن تعزيز الاقتصاد الدائري لتقليل الهدر والاستخدام المستدام للموارد، كما تمَّ التركيز على تمويل المشاريع الخضراء من خلال صناديق استثمار جديدة تدعم الابتكار البيئي، مما يعزز من دور بريكس في التحول نحو اقتصاد عالمي أكثر استدامة.
– الأمنُ الغذائيُ:
كان الأمنُ الغذائي محوراً هاماً في قمة بريكس 2024، حيث ناقشت الدول الأعضاء سبل تعزيز التعاون الزراعي وتوفيرَ الغذاء المستدام لشعوبها، وتمَّ اقتراحُ إنشاء بورصة للحبوب بهدف تحقيق السيادة الغذائية وتقليل الاعتماد على الأسواق العالمية التي تهيمنُ عليها الدول الغربية، كما تم التطرق إلى تطوير بنية تحتية زراعية مشتركة وتعزيز الأبحاث الزراعية، إضافة إلى مواجهة التحديات المتعلقة بالتغيرات المناخية وتأثيرها على الإنتاج الزراعي، وتسعى دول بريكس من خلال هذه المبادرات إلى ضمان توفير إمدادات غذائية مستدامة وتحقيق الأمن الغذائي لشعوبها على المدى البعيد.
أبرز مخرجات القمة:
جاءتْ أبرزُ نتائج القمة السادسةَ عشرةَ لتكتل البريكس في إطار مستجدات العمل المشترك ودعم التنمية المستدامة، وتطورات القضايا السياسية إقليمياً ودولياً، وخاصة الأوضاع في الشرق الأوسط وأوكرانيا، إلى جانب دعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز السلام والاستقرار العالمي، وفيما يلي أبرز مخرجات القمة:
-
تعزيزُ استخدامِ العملات المحلية: أكدتْ القمةُ على ضرورةِ تسريعِ الاعتماد على العملات المحلية بين الدول الأعضاء للتقليل من الاعتماد على الدولار واليورو، مما يُعد خطوةً هامةً لتقويض قدرة الولايات المتحدة على فرض العقوبات الاقتصادية.
-
دعمُ التنميةِ المستدامة: شددتْ القمةُ على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي لضمان الأمن الغذائي والطاقة للدول الأعضاء. واتُفق على إنشاء منصات دفع بديلة وتوسيع الاستثمارات المشتركة، خصوصًا في مجالات الطاقة النظيفة والبنية التحتية والنقل، لمواجهة التحديات الاقتصادية، ولضمان الخدمات اللوجستية متعددة الوسائط بين دول المجموعة.
-
إدانةُ التصعيدِ في غزة ولبنان: أدانتْ دولُ بريكس الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة وجنوب لبنان، داعية إلى وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار وإيجاد حلٍ دائم ومستدام للحرب الإسرائيلية على غزة، كما طالبت بالحفاظ على سيادة لبنان وسوريا، وانتقدت بشدة وجود القوات الأجنبية في سوريا.
-
تطويرُ العلاقاتِ الثنائية بين الأعضاء: فقد ساهمتْ القمةُ في تقريب وجهات نظر الدول الأعضاء فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والارتقاء بالشراكات الاستراتيجية الشاملة، خاصة بين روسيا والدول الجديدة مثل مصر، الإمارات، وإيران، وتمَّ بَحْثُ إمكانية تعزيز التبادل التِجاري بالعملات المحلية لدعم استقلالية النظام المالي عن الضغوط الغربية، كما اتفقت الدول على تحويل بنك التنمية الجديد إلى بنك تنمية متعدد الأطراف لدول الأسواق الناشئة.
-
توسيعُ عضويةِ المجموعة: أكدتْ القمةُ على أهمية التوسع المستقبلي للتكتل، مع دراسة إمكانية ضم دولٍ أخرى بهدف تعزيز التعددية الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية، فقد وافقت المجموعة على معايير مهمة للدولة الشريكة، وتم الاتفاق بالفعل على قائمة تضم 13 دولةً من دون تحديدها علناً في الوقت الحالي.
ختاماً
في ضوءِ ما تمَّ طرحُه خلال قمة بريكس 2024 في قازان، يتضح أن موسكو تسعى بجِديةٍ إلى تحقيق تحول استراتيجي في النظام المالي العالمي، في محاولةٍ لمواجهة العزلة الغربية وتخفيف تداعيات العقوبات المفروضة عليها. وتحمل قمة البريكس السادسةَ عَشرةَ ، بحضور الدول الجديدة، في طياتها إمكانية خَلْق نظام اقتصادي متعدد الأقطاب، يسعى لكسر الهيمنة الغربية، وتحديداً الدولار الأمريكي، كعملة احتياطية عالمية.
ولكي تحققَ المجموعة نظاماً مالياً عالمياً جديداً، فهذا يعتمد على مدى قدرة الدول الأعضاء على تنسيق سياساتها الاقتصادية وتجاوز التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، خاصةً مع التباين السياسي والاقتصادي الكبير بينها، ومع ذلك، فإن توسّعَ المجموعة وضمَّ أعضاء جدد يمنحها زخماً إضافياً، ولكن قدرتها على فرض نظامٍ جديدٍ يعتمد على مدى نجاحها في إيجاد رؤية موحدة وتنفيذها على أرض الواقع.
وفي النهاية يبدو أن قمةَ قازان تُعدّ خطوةً مهمةً، لكنها ليست كافيةً لوحدها لتدشين نظام مالي جديد، ما لم تعززْ الدولُ الأعضاء تعاونَها بشكل أكبر، وتُطورْ آلياتٍ جديدةً للتعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهُ العالمَ اليوم.
المصادر:
[1] الشرق، بوتين يستقبل “مودي” على هامش “بريكس”: شراكتنا مع الهند استراتيجية، 22 أكتوبر 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/YigZpyeO
[2] الإمارات اليوم، رئيس الدولة: الإمارات حريصة على تعميق علاقاتها مع روسيا والشركاء الدوليين، 24 أكتوبر 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/d7FO2ekk
[3] العهد، بزشكيان من قمة بريكس: للحد من هيمنة الدولار ونزع فتيل التوتر الإقليمي، 23 أكتوبر 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/cQbdbuoX
[4] كونا وكالة الأنباء الكويتية، الرئيس الروسي يندد بالهجوم على منشأة تركية ويؤكد رفضه للإرهاب، 23 أكتوبر 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/64u3NItl