المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > سد الثغرات: تسليح المدنيين كآلية لدحر الإرهاب فى بوركينا فاسو
سد الثغرات: تسليح المدنيين كآلية لدحر الإرهاب فى بوركينا فاسو
- أكتوبر 29, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
إعداد/ جميلة حسين
منسق برنامج الإرهاب والتطرف
ساهم تفشى العنف وتوسع الجماعات الإرهابية فى منطقة الساحل وتحديداً فى شمال بوركينا فاسو منذ العقد الماضى فى الضغط على الحكومة لوقف تصعيد الهجمات الدموية لاسيما من جانب تنظيمى “نصرة الإسلام والمسلمين” و”داعش ولاية الصحراء الكبرى” والتى تسببت فى وقوع العديد من الضحايا من القوات البوركينابية والمدنيين، فى وقت تعانى فيه البلاد من أزمة سياسية بارزة وخلل داخلى يعرقل السلطات من الاضطلاع بوظائفها الرئيسية فى تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى وتوفير الخدمات الرئيسية لمواطنيها، الأمر الذى شجع الحكومة على تبنى مبادرة تسليح المدنيين وفتح الباب أمام التجنيد التطوعى لتغذية القوات العسكرية بمزيد من التعبئة البشرية، وإشراكهم لمواجهة التمدد الإرهابى وحماية المناطق الغنية بالموارد فى البلاد، بمعنى أخر تدشين قوة شبه عسكرية من خلال المشاركة المجتمعية وإعطاء فرصة للمدنيين فى الدفاع عن أنفسهم ضد العنف المسلح.
فى ضوء تلك الفكرة طرح المعهد الألمانى للشؤون الدولية والأمنية/ مؤسسة العلوم والسياسة دراسة بعنوان “Arming Civilians in Burkina Faso. The State, the War on Terror and the Militarisation of Society”[1]، من أجل فهم أعمق لاستراتيجية تسليح السكان المدنيين والتى تعمقت بعد عدد من التغيرات السياسية والاجتماعية كالانقلابات العسكرية وحكم المجلس العسكرى للبلاد وذلك من أجل محاربة التمرد ومكافحة الإرهاب وما تتبعه من عدد من الانعكاسات المجتمعية، وذلك فى إطار طرح عدد من الأفكار والتى سيلى عرضها وتحليلها فيما بعد:
السياق التاريخى لاستراتيجية تسليح المدنيين.
اشتداد إرهاب الجماعات الجهادية “قانون – متطوعى الدفاع عن الوطن”.
التحالف مع حركات سياسية جديدة.
أولا: السياق التاريخى لاستراتيجية تسليح المدنيين “المواطن المسلح”
بدأ الباحث فى طرح المنظور التاريخى لفكرة حشد المواطنين لمحاربة الجماعات الإرهابية والتى اعتمد عليها رئيس المجلص العسكرى الحالى (إبراهيم تراوري) وسابقيه، والتى بدأت مع رئيس بوركينا فاسو السابق (توماس سانكارا) الذى تولى السلطة بعد انقلاب 1983، وحقيقة الأمر سعى سانكارا إلى التأكيد على أن المدنيين هم فى الأساس أفراد عسكريون خارج الخدمة وذلك من أجل إشراك المواطنين فى الأنشطة المتعلقة بالشؤون الأمنية ليؤسس إلى مفهوم عُرف كما طرحته الدراسة “المواطن المسلح”. وعليه أنشأ لجنة الدفاع عن الثورة من أجل حشد المواطنين للقيام ببعض المهام سواء المدنية أو الأمنية، ولكن بعد فترة تم التخلى عن سياسة المشاركة المجتمعية نظراً لبعض آثارها السلبية من جانب بعض العناصر وما ارتبط من السلوك التعسفى تجاه بعض المدنيين.
عودة استراتيجية التسليح”مبادرات الأمن المحلية”:
ولكن مع عودة انعدام الأمن وارتفاع معدلات العنف منذ منتصف العقد الثانى من القرن الحادي والعشرين كما نوهت الدراسة عادت محاولات إحياء التعبئة المسلحة للمدنيين، والتى تصاعدت مع سقوط الرئيس (بليز كومباورى)، حيث سعت السلطات فى بوركينا فاسو بالتعاون مع شركاؤها الدوليين إلى اعتماد برامج “إصلاح قطاع الأمن” عام 2016 التى تضمنت ما عُرف بنموذج “الشرطة المجتمعية” وكما فسرها الباحث هى عقيدة شرطية تهدف إلى تقريب المواطنين من قوا ت الأمن المحلية ومشاركتهم فى عمل قوات الشرطة، وبالفعل تم تنشيط تلك العقيدة تحت اسم “مبادرات الأمن المحلية” وعلى الرغم من نجاح تلك السياسة فى البداية فى عمليات مكافحة التمرد حيث ساعدت الجيش الوطنى أثناء تعقب وإجراء عمليات التمشيط لاسيما فى المناطق والأوكار الخاصة بالتنظيمات الإرهابية، ولكن كما هو الحال فى فترة حكم سانكارا نتج عن تلك المبادرات بعض التداعيات الخطرة التى أثبتت للبعض عدم فعاليتها على المدى الطويل فى مواجهة العنف والصراع المسلح حيث تحولت إلى ساحة للمنافسة السياسية وتفشى العنف بين المجموعات المتحالفة مع القوات الحكومية للحفاظ على الأمن.
ثانياً: اشتداد إرهاب الجماعات الجهادية “قانون – متطوعى الدفاع عن الوطن”
استدعت موجة من الهجمات الإرهابية فى نهاية عام 2019 كان أخرها كمين استهدف عمال منجم هب وقع فى شرق البلاد وأسفر عن سقوط عشرات القتلى ناهيك عن إصابة آخرين، إلى دعوة الرئيس البوركينابى حينها (روش مارك كريستيان كابورى) لحشد الشعب ضد الإرهاب وتجنيد المتطوعين من أقل الدفاع عن المناطق الوعرة والمهددة من جانب الإرهابيين وبدوره شجعت تلك الدعوة إلى تسريع عملية “عسكرة المجتمع” لمكافحة التنظيمات المتطرفة، وعليه أقر المجلس الوطنى بالإجماع فى 21 يناير لعام 2020 قانون لتدشين “متطوعى الدفاع عن الوطن/VDP” وطبقا للقانون فمن المفترض أن تتولى قوات الدفاع والأمن الوطنى الإشراف عليهم، وتساعد على تمويلهم وإخضاعهم لبرنامج تدربيى من أجل المساعدة فى العمليات ضد العناصر الإرهابية، وطبقا للبيانات المرفقة فى الورقة محل العرض أعلنت الحكومة الحالية فى نهاية عام 2022 عن تجنيد 50 ألف فرد كمتطوعين للدفاع عن الوطن ليفوق هذا عددهم إجمالى عدد العناصر فى الجيش النظامى، لتصبح هذه القوة بشل علنى قوة شبه عسكرية خاصة معتمد عليها لاسيما بعد تعرض البلاد لانقلابين متتاليين فى عام 2022، وما يميز تلك القوات وجودها تحت مظلة الجيش البوركينابى بدلا من وزارة الداخلية حيث كان يتم تعبئتها فى السابق كجزء من مبادرة “الشرطة المجتمعية” كما سلف الذكر عنها.
تداعيات الإشراك المجتمعى:
بالرغم من محاولات تحسين الهيكل الخارجى لتسليح وعسكرة المدنيين بمرور الوقت إلا أن الشكل الجديد لمتطوعى الدفاع عن الوطن حمل معه مجموعة من الارتدادات العكسية ذكر الباحث بعض منها:
الإفلات من العقاب:
يتيتح الانضمام لبرنامج متطوعى الدفاع عن الوطن فرصة غير مباشرة لهؤلاء العناصر التابعة له من الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة فى حالة ممارسة أى فعل عنيف بحجة تفويضها بمكافحة الإرهاب أو اغتيال أحد السكان فى حال وجود خلافات شخصية لاسيما بين القبائل، بمعنى أخر الاستخدام النفعى للمزايا المتاحة لهؤلاء المتطوعين، الأمر الذى لا يتيح للحكومة التحقيق فى العديد من الحوادث والفظائع المرتكبة فى حق المدنيين.
الابتزاز المالى:
يمارس هؤلاء المتطوعين نوع من الممارسات القديمة فى بعض المناطق لاسيما المناطق البدوية تتمثل فى ابتزاز السكان المحليين على المستوى المادى من أجل فرض الحماية والأمن ضد العناصر الإرهابية، ويتنوع هذا الاستغلال والابتزاز ما بين الاستيلاء على الموارد من التجارة عبر الحدود، وفرض الضرائب فضلاً عن سرقة الماشية.
تأجيج العنف:
نتج عن الاشراك المجتمعى فى سياسة مكافحة العنف والتمرد تصاعد العنف بدلا من الحد منه، لاسيما العنف بين الجماعات العرقية واتخذت نمط تصفية المشاكل والخلافات الذاتية، ناهيك عن السياسة المتشددة لمتطوعى الدفاع عن الوطن تجاه بعض العناصر وخاصة الرعاة التى نجمعهم علاقات خفية فى بعض الأحيان مع الإرهابيين وتقديم يد المساعدة لهم من أجل حماية أنفسهم.
التأثير على التماسك الاجتماعى”سياسة الانتقاء”:
أشار الباحث أيضاً إلى التأثير السلبى لتسليح وعسكرية المدنيين على التماسك الاجتماعى، حيث تجاهل التجنيد المجتمعى داخل قوات الأمن التوازنات المجتمعية حيث استبعد الجيش ومجموعة متطوعى الدفاع عن الوطن توظيف القبائل الرعوية ومن أشهرهم “الفولانيين” الذين يشكلون أغلبية فى بعض المناطق المهددة أمنياً، وذلك يرجع إلى اتهامهم بتشكيل أغلب الجماعات الإرهابية.
ثالثاً: التحالف مع حركات سياسية جديدة
بعد الانقلاب الاخير عام 2022 سعت حكومة بوركينا فاسو بجانب مجموعة متطوعى الدفاع عن الوطن المرتكزين فى المناطق الريفية، الى التحالف مع حركات سياسية جديدة فى المناطق الحضرية لاسيما داخل العاصمة “واغادوغو” و”بوبوديولاسو” العاصمة الاقتصادية وثانى أكبر مدينة فى البلاد. ونوه الباحث إلى أن تلك المجموعة الجديدة تعبر عن مجموعة من الفصائل الغامضة اللى تدور حول النظام وتدعم رئيس المجلس العسكرى (إبراهيم تراوري) الذى أكد على أن هؤلاء المجموعات قوة أساسية وليست مجرد تكميلية للجيش النظامى عكس الرؤية السابقة.
وحقيقة الأمر إن سياسة الربط بين الصراع المسلح وتعبئة المشاعر الوطنية لم تنجح فى إقامة كتلة سياسية مستقرة حول النظام البوركينابى، ولا زال الصراع متأجج فى بوركينا فاسو مما أعطى فرصة للمجموعات المتحالفة مع النظام وتحت مظلة قوات الأمن الوطنى من استخدام العنف وإجراء بعض الممارسات المشددة تجاه غيرهم من المدنيين بحجة الدفاع عن الأمة من الأعداء الداخليين والفئات المعارضة للنظام القائم، تغذى تحركاتهم الخطابات القومية القائمة على القيم الوطنية وتجريم الأصوات المعارضة كما لفتت الدراسة النظر إليها حيث استعانت بخطاب تروارى فى يناير عام 2023 خلال زيارته لأحد معسكرات تدريب مجموعة “متطوعى الدفاع عن الوطن” حيث صرح قائلاً “لن تكونوا وحدكم، ستقاتلون معنا فى صفوف الجيش، وسنحرر أراضينا، وسنعطي الأمل لهذه السكان المتضررين. أنتم الأمل، ولا تسمحوا لأنفسكم بالإحباط من قبل الأفراد عديمى الجنسية الذين أتوا هنا لإحباط هذه الروح الوطنية. سوف تذهبون، وتعودون فى كثير من الأحيان لتخبرونا عن معارككم، وعن أفعالكم، وفى لحظة معينة من التاريخ، سوف تكونون قادرين على إخبار أطفالكم أنه فى مثل هذا الوقت، انتفضنا ودافعنا عن الأراضى التى تعيشون عليها اليوم”.
تأسيسا لما تم عرضه فيما سبق؛
ساهمت الدراسة التى طرحها المعهد الألمانى للشؤون الدولية والأمنية فى إلقاء الدور على استراتيجية تعبئة المدنيين كأحدى أليات مواجهة العنف وعدم الاستقرار الأمنى، والتى بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضى وتطورت لتأخذ أنماط مختلفة وصولاً إلى الانقلاب الثانى فى بوركينا فاسو لعام 2022، والذى تزامن معه مفاقمة للعنف والوضع الأمنى المتدهور، واستدعى مشاركة المجتمع المحلى فى الجهود الأمنية والتعاون مع السلطات. وانبثقت من الرؤية المطروحة عدد من الملاحظات الهامة يمكن التطرق إليها كما يلى:
الملاحظة الأولى: إساءة استخدام متطوعى الدفاع عن الوطن صلاحيتهم فى بعض الحالات، وانخراطهم فى أعمال عنيفة أثناء عمليات مكافحة الإرهاب وخروجهم عن السيطرة حيث ورد أن تلك المجموعات الموالية للحكومة والمرتبطة بقوات الأمن الوطنى نفذت عمليات قتل بشكل قانونى ناهيك عن حالات الاختفاء القسرى وبعض الممارسات الغير منظمة نظراً لضعف تدريب البعض منهم، مما يشكل خطر فى مناطقهم.
الملاحظة الثانية: نتج عن عسكرة المجتمع بعض الارتدادات عكسية ارتبطت بتفاقم التوترات وغياب الأمن واستهداف المدنيين بجانب الاشتباكات الدامية بين تلك المجموعات المتطوعة والعناصر الإرهابية، ويزيد من نزوح بعض السكان من مناطقهم لاسيما فى اشلمال هرباً من مصيرهم المحتوم، فضلاً عن تعقيد مستقبل بوركينا فاسو بدلاً من المساهمة فى تقليل دورة العنف الجارية.
الملاحظة الثالثة: ساهم التعويل على المواطنين داخل الشبكات العسكرية جنباً إلى جنب مع القوات النظامية فى تعزيز سياسة التصنيف العرقى وتأجيج مشاعر الكراهية، حيث تم الإتكال على قطاعات معينة فى المجتمع مقابل قطاعات أخرى تعرضت للممارسات القسرية والاتهام المباشر بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية.
المصادر:
[1] Tanguy Quidelleur, “Arming Civilians in Burkina Faso. The State, the War on Terror and the Militarisation of Society”, Stiftung Wissenschaft und Politik (SWP), Berlin, February 2024, Available on:
https://www.swp-berlin.org/publikation/der-nexus-zwischen-al-qaida-und-iran