المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تحدياتُ عمليةِ التطبيعِ التركي السوري في ظلِّ المُستجدات الراهنةِ
تحدياتُ عمليةِ التطبيعِ التركي السوري في ظلِّ المُستجدات الراهنةِ
- نوفمبر 17, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد/ أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
منذُ عام 2022، شهدتْ العلاقاتُ التركيةُ السوريةُ تحولًا ملحوظًا، حيث بدأت باتخاذ خطواتٍ نحو التطبيع الدبلوماسي بعد أكثر من عِقْدٍ من القطيعة، ويعود هذا التغيير إلى مجموعةٍ من العوامل الإقليمية والدولية التي دفعت البلدين إلى إعادة التفكير في سياساتهما تجاه بعضهما البعض، رغم الخلافات الكبيرة التي نشأت بينهما بعد اندلاع الحرب السورية في 2011.
حيث كانت تركيا تدعمُ المعارضة السورية وتعارضُ بشدة بقاءَ نظامِ الرئيس بشار الأسد في السلطة، في حين كان النظامُ السوريُ يتهمُ تركيا بتقويض استقراره ودعمهِ للجماعات المسلحة المناهضة له، إلا أنه مع تعقيد الوضع الإقليمي والتحديات الاقتصادية التي تواجهها تركيا، خاصةً في ظل أزمة اللاجئين السوريين وأزمة الأمن الداخلي، اتجهت أنقرة نحو تغيير لهجتها مع دمشق.
وتمثلتْ الخطوات الأولى في عملية التطبيع في تبادل الرسائل بين المسؤولين الأتراك والسوريين، فضلاً عن لقاءاتٍ على مستوى وزراء الدفاع والخارجية في عدة مناسبات، كان أبرزها اللقاءات التي جرت في موسكو برعاية روسية، وقد ركزت هذه اللقاءات على قضايا الأمن، مثل مكافحةِ الإرهاب والوجودِ العسكري التركي في شمال سوريا، إلى جانب مسائل إعادةِ اللاجئين السوريين الذين يقيمون في تركيا، إلا أن هذه المحاولات فقدت زخَمهَا بعد اندلاع عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023.
وفي إطار الضغط الدولي والإقليمي، أصبحت عمليةُ التطبيعِ أكثرَ جديةُ، فقامَ الرئيس التركي أردوغان بإعادة إحياء المفاوضات في يوليو 2024، حيث أعلن عن استعداد بلادهِ لإعادة إرساء السلام مع سوريا، مع التأكيد على أن وزير الخارجية هاكان فيدان سيعملُ مع نظيرَيه: السوري والروسي لوضعِ خارطةِ طريقٍ لعملية التطبيع، وفي ظل تمسك الطرفين بشروطهم يبقى السؤالُ المطروحُ هو ما إذا كان هذا التطبيع سيستمر ويتطور إلى شراكةٍ استراتيجية، أم أنه سيظل محكومًا بالتحديات العميقة التي تميز العلاقات بين البلدين.
لذا، يسعى هذا التقرير إلى مناقشة أبرز التحديات التي تواجهُ عمليةَ التطبيع بين تركيا وسوريا في ظل المستجدات الراهنة، مع التركيز على العوامل الإقليمية والدولية التي قد تؤثرُ على استمرار هذا التطبيع وتَطورهِ في المستقبل.
أبرزُ المستجداتِ في عملية التطبيع التركي السوري:
شهدَ مطلعُ الشهر الجاري عدداً من الأحداث تعكسُ تعقيداتٍ سياسيةً وأمنيةً كبيرةً في ملف التطبيع التركي السوري، تحتاج لمزيدٍ من الوقت والمرونة في التفاوض، فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية في بداية هذا الشهر عن توقف مفاوضات التطبيع بين تركيا والحكومة السورية، وذلك على أثر الخلاف حول مسألة سحب تركيا لقواتها من الأراضي السورية، فقد أعربت تركيا عن استعدادها لمناقشة موضوع الانسحاب لكن في وقتٍ لاحق، فالانسحاب الكاملُ دون تحقيق ضمانات أمنية يُعدُ مخاطرةً بالنسبة لأنقرة، لذا تربطُ أنقرة خروجَ قواتها من سورية بضرورة حدوث تغييرات سياسية، بمعنى حدوث تسارعٍ كبير في ملف التقارب السوري التركي.
وفي وقتٍ لاحق أعلن أردوغان عن أن بلادَه ستكمل في الفترة المقبلة الحلقات الناقصة للحزام الأمني على حدودها الجنوبية، وأن تركيا بذلك ستقطع أيَّ اتصال بين التنظيمات الإرهابية وحدود البلاد، في المقابل أعلن ألكسندر لافرينتييف الممثل الخاص للرئيس الروسي لسوريا، أنهم وجدوا أن أيَّ عمليةٍ بريةٍ تقوم بها تركيا في شمال سوريا غير مقبولة. وأعرب لافرينتييف عن أمل موسكو في أن تتجنبَ أنقرة هذه الخطوات، وعلّقَ بعض المحللين السياسيين على تصريحات أردوغان بأنها جاءت كرد فعل على رفضِ النظام السوري شروط عملية التطبيع.
إلا أن أردوغان تحدثَ لاحقاً عن تفاؤله بشأن اللقاء مع بشار الأسد ووضْعِ العلاقات التركية السورية على المسار الصحيح، وأكد أن سلامةَ الأراضي السورية مهددةٌ ليس من قِبلِ تركيا، ولكن من قبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، وأنه يجب على بشار الأسد أن يدرك ذلك.
كما تمثلُ أحدَ المستجدات في فوز الرئيس الأمريكي ترامب بولاية جديدة، وتأمل تركيا في أن تنسحبَ القواتُ الأمريكيةُ من الأراضي السورية، وأن يصلَ البلدان إلى اتفاقٍ حول الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا.
وتشير تلك المستجدات إلى تعقيدٍ إضافي في ملف التطبيع التركي السوري، حيث تكشف عن تأثير العوامل الإقليمية والدولية على المفاوضات، فمواقفُ تركيا المتمثلةُ في تعزيز الحزام الأمني على حدودها الجنوبية تأتي في سياق القلق من تهديدات التنظيمات الكردية، بينما يبرزُ الموقف الروسي الرافض لأي عمليات عسكرية تركية في شمال سوريا حرصًا على الاستقرار الإقليمي. كما أن فوز ترامب بولاية جديدة قد يعيدُ تشكيلَ السياسة الأمريكية تجاه سوريا، خاصة فيما يتعلقُ بالدعم للأكراد، مما قد يغير الديناميكيات العسكرية والسياسية في المنطقة. لذلك، تظل عملية التطبيع بين تركيا وسوريا مفتوحةً على عدة احتمالات، وتتأثر بشكلٍ كبيرٍ بالعديد من التحديات.
أبرزُ التحدياتِ التي تواجهُ عمليةَ التطبيع التركي السوري:
1- قضية الأكراد: تمثلُ قضيةُ الأكراد أحدَ أبرز التحديات أمام عملية التطبيع التركي السوري، حيث تَعتبرُ تركيا أي حضورٍ كردي مستقلٍ تهديداً لوحدتها الوطنية، لذا تدير عمليات عسكرية في شمال سوريا منذ عام 2016، ضد الكيانات الكردية لا سيٌَما قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها أنقرة فرعاً لحزب العمال الكردستاني pkk ، استطاعت تركيا من خلالها تحجيمَ التهديدات من التنظيمات الكردية المسلحة والقضاء عمليًا على فُرصِ إنشاء كيانٍ كرديٍ مستقلٍ في شمال سوريا، فضلاً عن دعم استقرار المعارضة السورية المسلحة.
وتعتبرُ الحكومةُ السوريةُ الوجودَ العسكري التركي في أراضيها تهديدًا لسيادتها، وتصفه بـ”الاحتلال”، وتطالب بالانسحاب التركي الكامل كشرط أساسي لتطبيع العلاقات. من جهةٍ أخرى، ترى تركيا أن وجودَها في الشمال السوري مرتبطٌ بأمنها القومي، ويهدف إلى منْعِ توسّعِ قوات “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة وحماية حدودها الجنوبية من التهديدات الإرهابية، مما يجعلُ هذا الملفَ نقطةَ خلافٍ رئيسيةٍ بين البلدين ويعوق عملية التطبيع.
2- موقفُ المعارضةِ السورية من التطبيع ومستقبلهم: تشكلُ إحدى التحديات الرئيسية أمام مسار التطبيع التركي السوري، حيث تدعم تركيا منذ بداية النزاع السوري العديدَ من فصائل المعارضة السورية المسلحة والسياسية، واعتبرت أن إسقاطَ النظام السوري هو هدفٌ استراتيجيٌ، لاسيما بعد العلاقة المتوترة مع نظام الأسد، لذا تواجهُ تركيا صعوبةً في إقناع المعارضة السورية بقبول هذا التطبيع، حيث تشعر فصائل المعارضة السورية بأنها ستكون مهمشةً في الحلولِ السياسية المستقبلية، لا سيما إذا تم التوصل إلى اتفاقٍ بين أنقرة ودمشق على حساب مطالب المعارضة، كما تنظرُ المعارضة إلى التطبيع على أنه خطوةٌ نحو إعادة شرعية نظام الأسد.
كما تدعمُ تركيا المعارضةَ السورية وتعتبرها طرفًا ضروريًا في أي حل سياسي، في الوقت الذي ترفضُ فيه الحكومة السورية الاعتراف بدور المعارضة وتطالبُ بتصفية نفوذها، وهذا الخلاف يمثل عائقًا رئيسيًا أمام تطبيع العلاقات، خاصةً أن أنقرة ترى في دعم المعارضة وسيلةً لضمان مصالحها في أي تسويةٍ مستقبليةٍ، كما تدعم تركيا عمليةً سياسيةً تضمن تمثيلاً عادلاً لكل الأطياف السورية، وتؤكد على ضرورة أن يكون الجيش الوطني السوري جزءاً من مستقبل سوريا إذا بقيت دولةً واحدةً، بينما يسعى النظام السوري إلى فرضِ سيطرته الكاملة، مما يشكلُ عقبةً كبيرةً أمام تقاربٍ شاملٍ بين البلدين.
3- قضية اللاجئين السوريين: تستضيفُ تركيا أقل من أربعة مليون لاجئٍ سوري، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية داخليًا، أصبح موضوعُ عودة اللاجئين إلى سوريا أحدَ القضايا الرئيسية في محادثات التطبيع، وفي المقابل لم يعطي النظامُ السوريُ قبولاً للمطلب التركي حول توفير بيئة آمنة ومناسبة لعودة اللاجئين مما جعلَ هذا الهدفَ بعيدَ المنال.
4- مصالحُ الأطرافِ الإقليميةِ والدولية: حيث يوجدُ عدةُ عوامل إقليميةٍ ودولية قد تؤثر على استمرار وتطور عملية التطبيع بين تركيا وسوريا، أما عن العوامل الإقليمية فتتمثل في إيران، حيث تُعدُ إيران من أبرزِ حلفاء الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد منذ بداية النزاع السوري، وُيعتبرُ النفوذُ الإيرانيُ عنصرًا حساسًا بالنسبة لتركيا، وتسعى إيران إلى ضمان أن تكون هذه العملية لا تضر بتحالفها مع سوريا أو تهدد نفوذها في المنطقة. وفي ذات الوقت، قد تستفيد إيران من أي انفتاحٍ في العلاقات بين أنقرة ودمشق لتخفيف الضغوط الدولية على النظام السوري، وهو ما قد يعززُ من موقف إيران في المنطقة، لذا تسعى إيران بشكلٍ نشطٍ للتأثير على مسار عملية التطبيع بما يخدم مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
كما تلعب روسيا دورَ الوسيط الرئيسي في محادثات التطبيع بين الطرفين، فمنذ بداية النزاع السوري، كانت روسيا من أبرز داعمي نظام بشار الأسد، ودعم التقارب التركي السوري يمكن أن يسهمَ في تعزيزِ استقرار حكومة الأسد، وهو ما ينعكسُ إيجابًا على مصالح روسيا في سوريا، كما أنها بحاجه إلى مقايضات مع أنقرة في ضوء التحديات التي تواجهها موسكو على الساحة الدولية نتيجة للحرب المستمرة على الساحة الأوكرانية.
لذا قد تسعى إلى إقناع تركيا بعدم التصعيد ضد النظام السوري في مناطق شمال سوريا (مثل منطقة إدلب)، مقابل منْحِ أنقرة مزيدًا من النفوذ في هذا السياق، أو ضمانات أمنية ضد التهديدات الكردية، وفي ظل العقوبات الغربية، من الممكن أن تتعاونَ روسيا وتركيا بشكلٍ أكبر في مشاريع مشتركة مثل بناء محطات للطاقة النووية أو مشروعات للبنية التحتية في المنطقة، كما تسعى روسيا للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط لذا قد تضغطُ موسكو لتقييد التدخلات التركية في بعض القضايا الإقليمية مثل القوقاز أو ليبيا مقابل منح تركيا مزيدًا من المرونة في الملف السوري.
كذلك تعارضُ الولاياتُ المتحدةُ التقاربَ الذي قد يمنحُ النظامَ السوري الشرعية، وهي لا تزال تلوّحُ من خلال “قانون قيصر” لفرض عقوبات على الدول الساعية للتطبيع مع نظام دمشق.
الخاتمة:
تظلُ عمليةُ التطبيع التركي السوري محكومةً بعوامل معقدةً على الصعيدين الإقليمي والدولي، تتراوح بين التحديات العسكرية والسياسية إلى الضغوط الخارجية. ورغم وجود رغبةٍ من كلا الطرفين في تحسين العلاقات، فإن التوترات العميقة، خاصةً فيما يتعلق بالوجود العسكري التركي في الشمال السوري، ودور المعارضة واللاجئين، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية، التي تشكلُ عقباتٍ رئيسيةً أمام تحقيق تطبيع شامل ومستدام. لذا، فإن المستقبلَ القريبَ قد يشهد مفاوضات أكثر مرونة، لكن نجاح هذه العملية يتوقف على قدرة البلدين على تجاوز هذه التحديات وتحقيق توافقاتٍ تعكسُ مصالحهما المشتركة.
المراجع
- Ahmet Arslan, Erdoğan’dan Azerbaycan dönüşü açıklamalar: Ben hala Esed’den umutluyum, bir araya gelip Türkiye-Suriye ilişkilerini yoluna koyalım, Aydınlık, 13 Kasım 2024. https://2u.pw/twD0IjV1
- Sezer Doğru, Rusya, Türkiye’nin Suriye’ye muhtemel operasyonunu ‘kabul edilemez’ olarak nitelendirdi, Türkiye, 12 Kasım 2024. https://2u.pw/fDAldIiS
- Erdoğan: ‘Ben hala Esed’den umutluyum’, BBC news Türkçe, 13 Kasım 2024. https://2u.pw/byommwcV
- سعيد عبد الرازق، موسكو تُحمّل أنقرة مسؤولية تعثر التطبيع مع دمشق: تتصرف كدولة محتلة، الشرق الأوسط، 14 نوفمبر 2024 . https://2u.pw/gmMRirff
- أردوغان: سنكمل الحلقات الناقصة للحزام الأمني على حدودنا الجنوبية، موقع الجزيرة، 10 نوفمبر 2024. https://2u.pw/aR4pK9Sr