المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > عواملُ مُحفِزةٌ: تأثيرُ العواملِ الاقتصاديةٍ والاجتماعية في دفْعِ الأفراد نحو التطرف والإرهاب
عواملُ مُحفِزةٌ: تأثيرُ العواملِ الاقتصاديةٍ والاجتماعية في دفْعِ الأفراد نحو التطرف والإرهاب
- ديسمبر 1, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: إصدارات دورية الدراسات الأمنية والإرهاب
لا توجد تعليقات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في وحدة الإرهاب والتطرف
تُعتبر قضايا التطرف والإرهاب من أكثر الموضوعات التي تشغلُ الحكومات والمجتمعات على الصعيد العالمي، تتنوعُ أسباب انجراف الأفراد نحو التطرف والإرهاب، ولكن العوامل الاقتصادية والاجتماعية، مثل الفقر، البطالة، التهميش، وعدم المساواة، تُعَدُّ من أهم العواملِ المُحفزة، لذلك وإيمانًا بأهمية الدور والتثقيف السياسي لدى مراكزِ الفِكرِ البحثية، والمسئولية التي تقع على عاتقنا بأهمية نشْرِ الوعي ، يُقدم مركز شاف للدراسات المُستقبلية وتحليل النزاعات والصراعات في أفريقيا هذه السلسلة التي تتضمن تقريرًا شهريًا عن التطرف والإرهاب، وكذلك تصحيح المفاهيم والأفكار المغلوطة التي تمَّ تصديرها من الغرب عن التطرف والإرهاب، خاصة وأن هذه المجموعة من التقارير المتنوعة تُسلط الضوء على العديد من العوامل والتأثيرات المُتعلِقة بجذور الإرهاب والتطرف.
وعليه، يُقدم التقرير الثاني عرضًا شاملًا عن أسباب ودوافع الإرهاب، وتأثير الفقر والبطالة على الميل نحو التطرف والإرهاب، وأيضًا توضيح دور عدم المساواة والتهميش الاجتماعي وأثره في تعزيز التطرف والإرهاب، ناهيك عن استراتيجيات المواجهة.
أولًا: أسباب ودوافع الإرهاب:
تتنوع الأسباب والدوافع وراء تصاعد أعمال الإرهاب الدولي والإقليمي أو المحلي منها أسباب سياسية، وتاريخية ونفسية واجتماعية، واقتصادية وشخصية، اعتمادًا على أحقاد موروثة في اعتقاد البعض خاصةً من الناحية الدينية، وبالرغم من ذلك فإن دوافع وأسباب الإرهاب الدولي لا تُعرف كلها فتصف العمليات الإرهابية التي لا نستطيع الوصول إلى دوافعها أو حتى أسبابها بسبب وفاة مرتكبيها أو عدم توصل سلطات التحقيق إلى استخلاص أسبابها ودوافعها عند حدوث عملية إرهابية ما.[1] ويمكن أن نُلخص الأسباب على سبيل الذِكر كما يلى:
1- الأسباب والدوافع السياسية:
ويعنى بها تحقيق أهداف سياسية بواسطة ضغط العمليات الإرهابية وتنفيذها وممارسة العنف، ضد سياسات التفرقة العنصرية على سبيل المثال، والفصل العنصري ومقاومة الاحتلال وانتهاك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة البشرية، ومن هذه الدوافع أن تقوم مجموعة بتحمل تنبيه الرأي العام العالمي لقضية سياسية، أو الإفراج عن مجموعة من السجناء في دولةٍ ما أو لإجبار دولة لتغيير سياسة معينة في مواجهة إقليم معين في إقليمها أو خارجه مثل الإرهاب الذي حدث في 11 من سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية واستهدف البنتاجون والبُرجين الاقتصاديين في نيويورك، وفي جانب آخر قد تُمارس الدولة الأعمال الإرهابية والعنف أحيانًا ضد شعب مُعين للسيطرة عليه، ولإجبار سُكانه على التخلي عن أراضيهم، والفرار منها، سواء إلى مناطق أخرى في نفس الدولة أو إلى خارج حدود هذه الدولة، ونجد أن هذه العمليات الإرهابية قد أثارت جدلاً كبيرًا في مشروعيتها من وجهة نظر قانونية فهي لا تتم إلا بعد أن تغلق الطرق العادية القانونية الشرعية السلمية كافة[2].
والواقع أن “العداوات” العنصرية والعِرقية والثقافية والدينية هي كلها عوامل أساسية في تصعيد نزاعات الإرهاب على المستوى العالمي وهو الأمر الذي يعمل على ترسيخ الاعتقاد في كل مكان بأنه يجب ألا يُنظر إلى الظاهرة الإرهابية باستهانة إذا ما كان للمجتمع الدولي أن يعالجها من جذورها ويؤكد البعض أنه ما لم تُحل الأسباب التي تفرز الإرهاب بحلول واقعية ومدروسة لنزع فتيل العنف منها فإن هذه الظاهرة سوف تبقى وتستمر، بل قد تتطور إلى الأسوأ، ولا يعني ذلك أن هؤلاء المحللين لا يدركون ما يُحيط بظاهرة الإرهاب من تعقيدات وأحاسيس دولية كثيرة فهم يعترفون بذلك ويُقرون بأن مَهمة الحل لن تكون بالأمر اليسير أو الممكن دائمًا وذلك إذا ما أُخذ في الحُسبان الاحتقانات السياسية الكثيرة التي يحفل بها المجتمع الدولي، والتي تتطلب كل منها بلورة إستراتيجية دولية للتعامل معها، وهو ما يصعب تحقيقه في مثل الظروف الدولية الراهنة، وإن المعالجة الواقعية لمشكلة الإرهاب لا ينبغي أن تتوقف عند مُجرد توقيع العقاب وإنما يجب أن تتجاوزه إلى رصد أسبابه لكي يمكن التغلب عليها بطريقة موضوعية وفعَّالة.[3]
2- الدوافع والأسباب الإعلامية:
المقصود بالدوافع الإعلامية هو نشر القضية أمام الرأي العام العالمي، فنجد أن العمليات الإرهابية تهدف إلى طرح القضية أمام قنوات الرأي العام والمنظمات الدولية العالمية، لجذب الانتباه إليهم وإلى الظلم الذي يتعرضون إليه ومحاولة كسب تأييد دول وجماعات أخرى لمناصرة قضاياهم.[4] ونظرًا للأهمية الإعلامية للعمليات الإرهابية فقد أشار البعض إلى أن الإرهاب يعتمد في تحقيق أهدافه على عنصرين رئيسيين هما “إشاعة الرُعب والذُعر، ونشر القضية”.
فهدف الإرهاب عادةً يختلف عن أهداف الحروب النظامية، فالأول: يُحقق الأهداف المذكورة، أما الثانية: فتهدف إلى احتلال الأرض أو تدمير القوى العسكرية للخِصم أو السيطرة على ثروات ومقدرات البلاد وتحقيق أهداف إستراتيجية برؤية مستقبلية للمنطقة ككل، كما حدث في سيطرة أمريكا على أفغانستان عسكريًا، وكذلك على العراق والرسم لمستقبل دول أخرى مرشح، سيتم اجتياحها إن لم يكن هناك تنبه واستعداد وتفويت الفرصة بحِنكة سياسية وبأساليب تفوت الفرصة على الخِصم، ولا شك أن التطور الحديث والتكنولوجي العلمي لوسائل الإعلام والاتصالات ساعد في نجاح الأعمال الإرهابية، في إثارة انتباه الرأي العام العالمي لقضاياها وتؤدي إلى خلق نوع من التعاطف مع من يقومون بها أحيانًا، رغم الخلاف حول مشروعية الأعمال الإرهابية، وما يُثيره وينتج عن ذلك كله ضغط على الدولة للاهتمام بهذه القضية، وإعطائها العناية الكافية لحلها أو التفاوض مع أطرافها.[5]
3- الدوافع والأسباب الشخصية:
وهو السعي وراء تحقيق أهداف ومصالح شخصية بفعل ضغط العمليات الإرهابية[6]، ومن الطبيعي أن يكون لهذه الدوافع الشخصية صور وأساليب متنوعة كعمليات إرهابية مثل اختطاف الطائرات والهروب لبلدٍ ما لأسباب مختلفة، منها سياسية حيث يكون الخاطف معارض للنظام القائم داخل الدولة، ولا يستطيع الخروج من الدولة بالطرق المشروعة، وبالتالي بالطبع سيطلب اللجوء السياسي في الدولة التي يهبط فيها بالطائرة، وقد يكون سبب القرار من داخل الدولة هو الشروط المالية الصعبة أو القيود التي تفرضها القوانين النافذة على هجرة طوائف معينة إلى الخارج، أو قد يكون الدافع الهروب من تنفيذ حُكم قضائي بات أو الهروب من ملاحقة الشرطة وأجهزة الأمن، وقد يكون أحيانًا بسبب وقوع الإرهابي نفسه في حالة نفسية أو خلل عقلي أو اضطراب عاطفي، مع بقاء إصراره على الإدراك لكيفية خروجه من المأزق.
ثانيًا: تأثير الفقر على الميل نحو التطرف والإرهاب
ومن بين العوامل الأكثر دراسة وتأثيرًا على ظواهر التطرف والإرهاب هى الفقر، البطالة، التهميش الاجتماعي، وعدم المساواة ويتم تسليط الضوء فيما يلى تفصيلياً على تأثير هذه العوامل في دفع الأفراد نحو التطرف والإرهاب:
1- العلاقة بين الفقر والبيئة المحيطة:
يُمكن للفقر أن يخلق بيئة خِصبة للتطرف، كما أن الأفراد الذين يعانون من الفقر يُحرمون من الوصول إلى الخدمات الأساسية والفرص، مما يؤدي إلى الإحباط ويجعلهم عُرضة للاستقطاب، وهناك ثلاثة مستويات رئيسية لفهم أسباب الإرهاب كما ناقشتها ” كرينشو ” فى دراستها :
-
الدوافع الفردية: وتتلخص الدوافع النفسية للأفراد الذين ينجذبون إلى الجماعات الإرهابية، وتتناول مفهوم الإحباط الشخصي كسبب رئيسي، تُشير إلى أن العوامل النفسية، مثل الشعور بالظلم أو الحاجة إلى تحقيق الذات، تلعب دورًا في تشكيل القابلية الفردية للعنف.
-
الظروف التنظيمية: ترتبط الهياكل التنظيمية للجماعات الإرهابية وتبحث في كيفية تأثير تنظيم الجماعة على قدرة الأفراد على التعبير عن مشاعرهم العنيفة، تشرح كيف أن التنظيمات توفر للأعضاء الدعم المعنوي واللوجستي اللازم لتنفيذ عمليات عنف قد لا يستطيعون القيام بها بشكل فردي.
-
العوامل السياسية والاجتماعية: ويتم التركيز هنا على دور السياق السياسي في تشكيل الإرهاب، حيث تعتبر أن غياب العدالة السياسية، وانعدام الفرص، والاضطهاد من قِبل الأنظمة السياسية تدفع الجماعات إلى استخدام الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها، كما تشير إلى أن وجود دولة غير مستقرة أو خاضعة للقمع السياسي يُزيد من احتمال ظهور الجماعات المتطرفة.[7]
2- الصِلة بين الفقر والتطرف:
يُعد الفقر عاملًا يؤدي إلى تعزيز الشعور بالظلم واليأس، والأفراد الذين يعيشون في فقر مُزمن يعانون من نقص الفُرص، مما يجعلهم عُرضة للوقوع في شراك الجماعات المتطرفة، ووفق دراسة “كرين وميلر”، فإن الجماعات الإرهابية تستغل الفقراء من خلال توفير احتياجات أساسية، مثل الغذاء والمال، مما يُسهل عملية التجنيد.
وفي أفغانستان: يظهر الفقر المزمن في المناطق الريفية كيف تمكّنت حركة طالبان من استغلال الأفراد المحرومين اقتصاديًا وجذبهم، وفي الصومال: استغلت حركة الشباب المجاهدين ظروف الفقر لتجنيد الشباب العاطلين عن العمل، كما أظهرت دراسات البنك الدولي في مناطق جنوب آسيا، أن الفقر المتفشي كان عاملًا رئيسيًا وراء تجنيد الأفراد في الجماعات المُسلحة مثل طالبان .[8]
ثالثًا: تأثير البطالة على التطرف والإرهاب
تُعد البطالة أحد المحركات الرئيسية لليأس والإحباط بين الشباب، وهي مشاعر تؤدي غالبًا إلى الانخراط في التطرف والإرهاب، يمكن فهم العلاقة بينهم عبر النقاط التالية:
1- فقدان الأمل والإحباط:
تُمثل البطالة أزمة اقتصادية واجتماعية تضع الأفراد، خصوصًا الشباب، في حالة من الإحباط واليأس، مما يدفعهم في بعض الحالات إلى ممارسة العنف كوسيلة للتعبير عن السخط أو استعادة الأمل الضائع، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:
-
فقدان القيمة الذاتية: البطالة تؤدي إلى شعور الأفراد بأنهم لا قيمة لهم في المجتمع، خاصةً عندما تكون الفرص الاقتصادية معدومة، يزيد هذا الشعور من العزلة النفسية ويعزز التوجه نحو الجماعات التي توفر الإحساس بالهِوية والانتماء.
-
الإحباط المتراكم: الإحباط الناتج عن عدم القدرة على تحقيق حياة كريمة أو دعم الأسرة يولد مشاعر غضب وعدوانية، مما يجعل الأفراد عُرضة للتطرف كوسيلة للتعبير عن هذا الغضب.[9]
2- الشعور بعدم العدالة الاجتماعية:
تؤدي البطالة إلى شعور الأفراد بأنهم مهمشون وغير معترف بقيمتهم في المجتمع، هذا التهميش يعزز لديهم الرغبة في الانضمام إلى جماعات تقدم لهم هوية بديلة أو شعورًا بالانتماء، عندما يعاني الشباب من البطالة في ظل وجود نخبة محدودة تسيطر على الموارد والفرص، يتولد لديهم شعور بعدم العدالة الاجتماعية، هذا الشعور يدفع بعضهم إلى البحث عن الانتقام أو تغيير الواقع عبر وسائل متطرفة.[10]
3- استغلال الجماعات الإرهابية للإحباط الناجم عن البطالة:
تستغل الجماعات الإرهابية إحباط العاطلين عن العمل بعدة طُرق:
-
تقديم وظائف أو رواتب مُغرية (حتى لو كانت وهمية).
-
استغلال ضعف البدائل الاقتصادية لإقناع الشباب بأن الانضمام إليهم هو الحل الوحيد.
-
ترويج شعارات وأيديولوجيات تلوم الحكومات والمجتمعات على حالة البطالة، مما يُعزز الشعور بالغضب.[11]
وفي تقرير الأمم المتحدة للتنمية، أظهرت دراسة أن البطالة كانت العامل الأكثر ذِكرًا من قِبل الشباب الذين انضموا إلى الجماعات المتطرفة في إفريقيا، حيث عبّر 80% منهم عن إحباطهم من غياب الفُرص الاقتصادية.[12] وربط التقرير بين البطالة والإحباط النفسي، وأوضح كيف أن هذا الإحباط يمكن أن يكون أساسًا للانخراط في الأنشطة العنيفة، وفي نيجيريا على سبيل المثال اعتمدت حركة “بوكو حرام” على استقطاب الشباب العاطلين عن العمل في المناطق الشمالية، حيث وصلت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، وفي سوريا والعراق قدمت التنظيمات مثل “داعش” عروضًا مالية مغرية للشباب العاطلين، ما ساعدها على جذب أعداد كبيرة من المجندين في وقت قصير.[13]
4- فقدان الأمل و”الاستثمار في اليأس”:
تؤدي البطالة طويلة الأمد إلى فقدان الأمل في المستقبل، وهو عامل أساسي في جعل الأفراد يبحثون عن حلول جذرية، تستثمر الجماعات المتطرفة في هذا اليأس بتقديم “هدف” جديد للأفراد، والقتال في سبيل قضية أيديولوجية يُوعدون من خلالها بحياة أفضل أو انتقام من مجتمع يعتقدون أنه ظلمهم، وتدفع البطالة الشباب إلى الشعور بالإقصاء وفقدان القيمة الذاتية، وفق ما أشارات دراسة للباحث “بيركوويتز” عن التطرف فى أفريقيا أن الإحباط الناتج عن البطالة يمكن أن يتطور إلى عدوانية تسهل الانخراط في أعمال عنيفة.[14]
5- استغلال الوقت الفارغ:
لا تعني البطالة فقط غياب مصدر دخل؛ بل تترك الأفراد، خصوصًا الشباب، في حالة من الفراغ القاتل الذي يُمكن أن يُستغل من قِبَل الجماعات المتطرفة والإرهابية، الوقت الفارغ الناتج عن البطالة يُعتبر بيئة خصبة لتعزيز مشاعر الإحباط والبحث عن هويات بديلة، وغالبًا ما تستخدم الجماعات المتطرفة هذا الفراغ لتجنيد الأفراد، كما تستغل الجماعات المتطرفة البطالة لتجنيد الشباب، عبر تقديم وعود بتوفير عمل أو دفع رواتب مُغرية، كما هو الحال في مناطق الصحراء الكبرى حيث تنشط جماعات مثل “بوكو حرام”، وفي دراسة أجرتها الأمم المتحدة (2017) في سوريا أظهرت أن البطالة بين الشباب كانت عاملًا رئيسيًا في انضمامهم إلى داعش.[15]
رابعًا: التهميش الاجتماعي وأثره في تعزيز التطرف
يُعتبر التهميش الاجتماعي من العوامل الهيكلية التي تُضعف انسجام الأفراد مع مجتمعاتهم، حيث يؤدي شعور الفرد بأنه مُستبعد من العمليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إلى حالة من الإحباط والغضب، هذه الحالة تجعل الأفراد أكثر عُرضة لتبني الأفكار المتطرفة كوسيلة للتعبير عن سخطهم أو لاستعادة شعورهم بالقيمة والانتماء، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:
1- التهميش والهوية المفقودة:
تؤدي عوامل الفقر، البطالة، عدم المساواة، والتهميش الاجتماعي إلى زيادة الإحساس بالاغتراب واللاانتماء، هذا الشعور بالهامشية يُعزز البحث عن هِوية بديلة توفر للأفراد قيمة، غاية، وانتماء، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة لتجنيد الأفراد، كما أن الأفراد الذين يشعرون بأنهم مُهمّشون اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو سياسيًا يكونون أكثر عُرضة لتطوير مشاعر الكراهية والعداء تجاه المجتمع.[16]
2- سياسات التمييز:
يخلق التهميش الناتج عن السياسات العنصرية أو الاقتصادية إحساسًا بعدم الانتماء، مما يجعل التطرف أداة لاستعادة الكرامة أو تحقيق العدالة، وفي فرنسا، أثبتت دراسات أن تهميش المجتمعات المُسلمة في الضواحي ساهم في ارتفاع معدلات التطرف والإرهاب بين الشباب[17].
خامسًا: دور عدم المساواة في تعزيز التطرف والإرهاب
يُعتبر عدم المساواة، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، أو سياسية، من أبرز الأسباب الهيكلية التي تُساهم في تعزيز التطرف والإرهاب، وعندما يشعر الأفراد أو المجموعات بأنهم يعانون من الظلم أو التمييز مقارنةً بغيرهم، يتزايد لديهم الإحساس بالحرمان النسبي، مما يخلق بيئة خِصبة لتبني أفكار متطرفة أو الانخراط في أعمال إرهابية، ويتم توضيح ذلك من خلال:
فجوة الثروات والعدالة المفقودة:
عدم المساواة يخلق استياءً عامًا لدى الفئات المهمشة، مما يدفعها إلى البحث عن وسائل للتعبير عن غضبها، غالبًا عبر العنف أو الانضمام لجماعات متطرفة، ووفق لدراسة للباحثة “جين شارب” ، عدم المساواة يؤدي إلى تآكل الثقة في الدولة، مما يدفع الأفراد للبحث عن عدالة بديلة.[18] وتُظهر الدراسات في منطقة جنوب أفريقيا، أن انعدام المساواة الاقتصادية بين البيض والسود أسهم في بروز حركات متطرفة.[19]
سادسًا: إستراتيجيات المواجهة
يمكن رصد أبرز إستراتيجيات المواجهة التي تحتاج إلى نهج شامل ومستدام بالتفصيل كالتالي:
1- التمكين الاقتصادي والتنمية المحلية:
يُعتبر التمكين الاقتصادي والتنمية المحلية من أهم الأدوات للتعامل مع العوامل الأساسية التي تدفع الأفراد نحو التطرف، مثل الفقر، البطالة، التهميش، وعدم المساواة، ويُمكن تحسين الظروف الاقتصادية الأفراد من العيش بكرامة ويمنحهم الفرص للمشاركة البناءة في مجتمعاتهم، وذلك من خلال:
1- تقليل البطالة والفقر، من خلال إيجاد فرص عمل خاصة في المناطق المهمشة، ويمكن أن يحد من دوافع الانضمام إلى الجماعات المتطرفة التي تستغل حاجة الأفراد الاقتصادية، وتدريب القوى العاملة غير المؤهلة يُحسن فرص العمل ويقلل من التفاوت الاجتماعي.
2- تعزيز الشعور بالانتماء، من خلال التمكين الاقتصادي يحد من الإقصاء الاجتماعي، مما يساعد الأفراد على تطوير روابط قوية مع مجتمعاتهم ويقلل من جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة.
3- خفض عدم المساواة، حيث تركز برامج التنمية المحلية على تقليص الفجوات الاقتصادية من خلال تقديم دعم مباشر للفئات الفقيرة، هذا يُقلل من الإحساس بالظلم الاجتماعي الذي غالبًا ما تستغله الجماعات المتطرفة لتجنيد الأفراد.
4- دعم المرأة والشباب، حيث أن توفير فرص تمكين اقتصادي للمرأة والشباب يعزز التنمية الاجتماعية ويقلل من ضعفهم أمام الدعوات المتطرفة، وعلى سبيل المثال: بعض الدول الأفريقية والآسيوية اعتمدت مشاريع تنموية محلية مثل بناء البنى التحتية الزراعية والصناعية الصغيرة، ما ساعد في تحسين الدخل وخفض معدلات البطالة وبالتالي تقليل النزاعات والتطرف وكذلك الاستراتيجية المغربية لمكافحة التطرف، حيث ركزت المغرب على سياسات تمكين الفئات المحرومة من خلال مشاريع اقتصادية محلية وبرامج تدريبية، ما أدى إلى تحسين الظروف الاجتماعية والأمنية في الأحياء الفقيرة.[20]
2- تعزيز الحماية الاجتماعية:
تهدف سياسات الحماية الاجتماعية تهدف إلى تقليل تأثير الفقر، البطالة، التهميش، وعدم المساواة من خلال تقديم الدعم المالي والخدمات الاجتماعية للفئات الضعيفة، وتُعزز هذه الاستراتيجيات من الاستقرار الاجتماعي وتمنع انجذاب الأفراد إلى الجماعات المتطرفة التي تستغل الإحباط والاحتياجات الاقتصادية، وذلك من خلال :
-
تقليل الشعور بالإقصاء الاجتماعي: تُقلل برامج الحماية الاجتماعية، مثل التأمين الصحي والتعليم المجاني ودعم السكن من الإحساس بالظلم واللامساواة، هذا يُسهم في خفض الاستياء الذي قد يدفع الأفراد للبحث عن حلول خارج النظام الاجتماعي، بما في ذلك التطرف.
-
تحسين الأمان الاقتصادي: توفير دخل أساسي أو شبكات أمان اقتصادي يقلل من الضغوط المالية التي تُضعف استقرار الأُسر وتُزيد من تعرضها للأفكار المتطرفة.
-
تعزيز الثقة بين المواطنين والدولة: من خلال تنفيذ برامج حماية اجتماعية شاملة وعادلة، تُعزز الحكومات من الثقة لدى المواطنين وتُقلل من جاذبية الخطابات التي تُروج لفشل النظام الرسمي.
-
معالجة جذور التهميش وعدم المساواة: توفر الحماية الاجتماعية فُرصًا متكافئة للجميع للوصول إلى الخدمات الأساسية، مما يُعزز من اندماج الفئات المهمشة في المجتمع، مثل التجربة البرازيلية: برنامج “Bolsa Família” للتحويلات النقدية الموجهة أثبت فاعليته في خفض الفقر وتعزيز التكافؤ الاجتماعي، مما ساهم في تحسين الاستقرار المجتمعي والحد من النزعات المتطرفة، وكذلك الدول الإسكندنافية تعتمد على أنظمة حماية اجتماعية شاملة تشمل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، مما يُقلل من التهميش ويُعزز من الاستقرار الداخلي.[21]
3- تعزيز التعليم والمواطنة:
يلعب التعليم وتنمية قيم المواطنة دورًا حاسمًا في التصدي للعوامل التي تدفع الأفراد نحو التطرف، مثل الفقر، البطالة، والتهميش، إن تعزيز التعليم يعزز المهارات الفكرية والمهنية، وذلك من خلال:
-
تحسين فرص العمل والحد من البطالة: يفتح التعليم الجيد آفاقًا وظيفية جديدة، مما يُقلل من البطالة المرتبطة بالفقر، والتي تُعد بيئة خِصبة لاستغلال الجماعات المتطرفة.
-
تطوير التفكير النقدي: يُعزز التعليم القدرة على التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة، مما يحد من التأثر بالدعاية المتطرفة.
-
تمكين الفئات المهمشة: يُساعد تقديم فرص تعليم متساوية في دمج الفئات المهمشة اجتماعيًا واقتصاديًا، مما يُقلل من احتمالات استغلالهم من قِبل الجماعات المتطرفة.[22]
بينما تساهم قيم المواطنة في تعزيز الانتماء الوطني ونبذ الأفكار المتطرفة، وذلك من خلال:
-
الانتماء والهوية الوطنية: يساعد غرس قيم المواطنة من خلال المناهج الدراسية في تعزيز الهوية الوطنية والانتماء، مما يحد من الانجذاب للأفكار التي تهدد استقرار المجتمع.
-
نشر التسامح والتعايش: من خلال برامج تعليمية تركز على قيم التسامح والعيش المشترك تساهم في بناء مجتمعات متماسكة وأكثر قدرة على مقاومة التطرف.
-
تعزيز المسؤولية الاجتماعية: يُشعر تعزيز قيم المواطنة الأفراد بمسؤوليتهم تجاه مجتمعاتهم، مما يجعلهم أقل عُرضة للانسياق وراء أيديولوجيات هدّامة.[23]