المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > ماكرون والسعودية… دبلوماسية الضرورة في زمن التصعيد
ماكرون والسعودية… دبلوماسية الضرورة في زمن التصعيد
- ديسمبر 5, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
استقبل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الاثنين الثاني من ديسمبر 2024 في قصر اليمامة بالرياض، وذلك خلال زيارة استغرقت ثلاثة أيام وتعد الثالثة لماكرون إلى المملكة منذ عام 2017. وقد رسخ الطرفان علاقة قوية تجاوب معها ولي العهد السعودي مع قيامه بثلاث زيارات رسمية لباريس، وتأتي هذه الزيارة ضمن جهود تعزيز العلاقات الثنائية بين الرياض وباريس ورغبة البلدين المتزايدة للعمل سويًا لتحقيق الاستقرار في منطقة تعاني توترات كبيرة.
وجرى اللقاء على هامش قمة “المياه الواحدة”، التي انعقدت في السعودية، إضافةً لاستضافة منتدى “الاستثمار السعودي-الفرنسي” الذي عُقد يوم الاثنين الثاني من ديسمبر بهدف تقوية الشراكة الاقتصادية مع ثاني أكبر اقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي.
العلاقات الاقتصادية المتنوعة والمشاريع المستقبلية:
شهدت العلاقات الاقتصادية بين فرنسا (التي تحتل المركز السابع عالميًا وتُعدّ أكبر مركز مالي في أوروبا) والمملكة العربية السعودية (المصنفة السادسة عشر على مستوى العالم والرائدة في إنتاج الطاقة وتنظيم سوقها) تطوراً ملحوظاً، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 10 مليار دولار في عام 2023، وقد بلغت صادرات المملكة حوالي 6.3 مليار دولار، بينما استوردت نحو 4.4 مليار دولار من المنتجات الفرنسية.[1]
وفيما يتعلق بالاستثمارات، زاد عدد الشركات الفرنسية العاملة بالمملكة بشكل كبير من 259 شركة في عام 2019 إلى 336 شركة بحلول عام 2022، نتيجة لرؤية المملكة 2030 التي تهدف لجذب الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما في مجالات المدن الذكية والطاقة المتجددة وإعادة التدوير.
ويعتبر قطاع الطاقة عنصرًا رئيسيًا في العلاقات بين السعودية وفرنسا، حيث تُعد مصفاة “ساتورب” – التعاون المشترك بين “أرامكو” و”توتال إنرجي” – مثالاً للتداخل الناجح بين الخبرة التقنية الفرنسية والقدرات السعودية، كما تشمل الشراكة أيضاً مشاريع الطاقة المتجددة مثل محطة الرياح بـ “دومة الجندل” والتي تقوم بتطويرها الشركة الفرنسية EDF، بالإضافة إلى العمل معًا لإنتاج الهيدروجين النظيف بما يتوافق مع المبادرات العالمية للحد من انبعاثات الكربون.
وفي ديسمبر من عام 2021، تم استقبال الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي شهد توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم تغطي مجالات الثقافة والسياحة والتقنية الرقمية والفضاء، كما تم الاتفاق على إنشاء المركز الثقافي الفرنسي (فيلا الحجر) بمحافظة العلا وإنشاء منشأة لصناعة هياكل الطائرات وصيانة المحركات الجوية؛ وتسعى فرنسا لتعزيز شراكتها مع السعودية بمجالات التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والزراعة المستدامة والتكنولوجيا الحيوية.
ويمتد التعاون بين فرنسا والمملكة ليشمل مجالات اقتصادية متنوعة، حيث تجسد أحد أبرزها في “التنقل المستدام”، والذي تمثل مؤخرًا من خلال إطلاق المرحلة الأولى من مسارات “مترو الرياض” الستة، ويعتبر وزير الاستثمار السعودي أن هذه الخطوة تمثل البداية لشراكة متنامية بشكل سريع بين السعودية وفرنسا في هذا المجال، المشروع أطلقته شركة “مترو العاصمة”، وهو مشروع مشترك يتضمن كل من “آر إيه تي بي ديفيلوبمنت” (RATP Dev) الفرنسية و”الشركة السعودية للنقل الجماعي” (سابتكو) و”ألستوم” (Alstom)، وقد قام الملك سلمان بن عبد العزيز بافتتاح المشروع الأسبوع الماضي، ليكون جزءًا من نظام النقل بالعاصمة، ويتألف من 6 مسارات بطول 176 كيلومتراً تشمل 85 محطة تتصل بمختلف شرايين المدينة.[2]
أبعاد ودلالات الزيارة:
تتمتع هذه الزيارة بأهمية استراتيجية تتعلق بتوقيتها ومحتواها، حيث يراهن الطرفان على أن تساهم في معالجة الأزمات المعقدة والتحديات المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية، وتبرز هذه المناسبة أيضاً مكانة الرياض كمركز يعزِّز الشراكات الدولية ويعتبر وجهة عالمية للاستثمار والثقافة والسياحة والابتكار، وفي هذا السياق، أبدت فرنسا رغبتها في تعزيز التعاون الثنائي ليتماشى مع أهداف “رؤية 2030” التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
على الصعيد السياسي، يتضح أن مباحثات الجانبين تهدف إلى المساهمة الفعالة في تشكيل السياسات العالمية والاقتصاد الدولي، وسيكون المقياس الحقيقي هو تطوير المبادرات الدبلوماسية وإنشاء أسس تفهم مشتركة واستثمارات تعزز الشراكة الاستراتيجية التي استمرت لنحو ستة عقود، مما يبشر بآفاق واعدة لعلاقات بارزة.
وفي الوقت الذي تتميز فيه المملكة العربية السعودية باستقرار سياسي واضح ودور قيادي، تواجه فرنسا مخاطر عدم الاستقرار بعد انتخابات الصيف الماضي وغياب أغلبية برلمانية تدعم الرئيس إيمانويل ماكرون، لذا يسعى ماكرون من خلال نشاطه الدبلوماسي إلى استغلال الفرصة لتخفيف آثار الأزمات السياسية وضغوط الميزانية المحلية والتي قد تؤثر على حكومة “ميشال بارنييه” وتعيق النفوذ الفرنسي دولياً، ومن البديهي أن تنظر المملكة العربية السعودية إلى باريس كشريك موثوق بها منذ سبعينيات القرن الماضي ضمن سياسة التنويع في العلاقات الخارجية.
من جانبه، يعتمد “ماكرون” على خبرته السابقة في التعاون مع الرياض ودوره الأخير الذي أسهم في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان وكذا المبادرات الدبلوماسية الفرنسية لتدعيم أواصر الثقة بين الدولتين ومعالجة الأزمات التي تؤثر على المنطقة، كما تأتي زيارته هذه في ظرف عالمي مليء بالاضطرابات وبعد فوز دونالد برئاسة الولايات المتحدة، مما يوفر فرصة للمساهمة في تشكيل علاقة متعددة الأبعاد وخاصة بين الرياض وباريس، ومن ثم تعتبر زيارة ماكرون الثالثة للسعودية منذ توليه الرئاسة فريدة من نوعها نظرًا لسياقها وموضوعاتها المميزة وأيضًا تختلف عن زيارته الثانية التي تمت عام 2021 وذلك بسبب التحولات الداخلية الملحوظة التي شهدتها المملكة وتزايد التوترات الإقليمية منذ أكتوبر 2023. [3]
وتتيح رغبة الطرفين بتعزيز “العلاقات الاستراتيجية” الفرصة لـ”إظهار طموح مشترك ومتجدد” للسنوات المقبلة والتي ستستند على خطة عمل مشتركة تشمل التحول الاقتصادي والانفتاح الثقافي؛ وفي هذا السياق تسعى فرنسا للتأكيد على دعمها ومساهمتها الفاعلة لهذه العملية.
مخرجات الزيارة:
تعزيز التعاون الاقتصادي: دعا الرئيس الفرنسي المستثمرين السعوديين إلى “زيادة نشاطهم في فرنسا”، مشيراً إلى وجود فرص كبيرة في هذا القطاع، وأكد أن “فرنسا ليست مجرد سوق تضم 68 مليون نسمة، بل تعد بوابة للدخول إلى الأسواق الأوروبية والدول الناطقة بالفرنسية”، كما أوضح أن الشركات الفرنسية جاهزة لمساندة المملكة في تحقيق رؤية “2030” التي تركز على الانفتاح والتنوع، خصوصاً في مجالات الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي.
وفي سياق الزيارة، تم توقيع عدة اتفاقيات بارزة بما في ذلك شراكة مع شركة “كهرباء فرنسا” لإنشاء محطات للطاقة الشمسية، بالإضافة إلى عقد مع شركة “فيوليا” و”السويس” لمعالجة النفايات، كما قامت الشركة النفطية العملاقة “أرامكو” بتوقيع مذكرات تفاهم مع شركتي “باسكال” المختصة بأبحاث الكم و”ميسترال” المطورة للتكنولوجيا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.[4]
التعاون الدفاعي بين فرنسا والسعودية: اعتبر ماكرون أن هناك تقدمًا ملحوظًا بين البلدين في المجالات البحرية والدفاع الجوي والأقمار الصناعية، وقد أُعلن عن توقيع عقود دون التطرق لتفاصيلها وتحدث “ماكرون” عن رغبة البلدان لتحقيق “تقدم بشأن صفقة بيع الطائرات المقاتلة من طراز “رافال”، مما يمثل تحولاً مهماً لعلاقتهما الثنائية”، علاوة على ذلك، وقّع الرئيسان مذكرة شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون عبر مختلف المجالات بدءًا من الدفاع ووصولاً إلى اقتصاد المستقبل.[5]
تعاون ثقافي: تخطط المملكة، التي ستستضيف معرض إكسبو العالمي في عام 2030 وكأس العالم لكرة القدم في عام 2034، لتعزيز تواصلها مع العالم من خلال تحديث صورتها، وتأمل فرنسا، مدفوعةً بالنجاح الذي حققته دورة الألعاب الأولمبية في باريس، أن تعرض خبراتها في تنظيم مثل هذه الفعاليات، وفي هذا السياق، التزمت السعودية بتقديم 50 مليون يورو لترميم مركز “بومبيدو” بباريس مقابل اتفاقات للتعاون الثقافي.[6]
التوترات في الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطينية: أعلن كل من فرنسا والسعودية عن “الاتفاق على بذل الجهود اللازمة للمساهمة في خفض التصعيد” في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لما ذكره الإليزيه، كما صرح الرئيس الفرنسي بأن فرنسا والسعودية سيترأسان بشكل مشترك “مؤتمراً حول إنشاء دولة فلسطينية” في يونيو 2025، مشيراً إلى أنه سيتم العمل خلال الأشهر المقبلة على “زيادة وتوحيد المبادرات الدبلوماسية لجذب جميع دول العالم نحو هذا المسار”، وعند سؤاله عن إمكانية اعتراف فرنسا بدولة فلسطين، أكد ماكرون أنه “يمتلك النية لذلك”، ولكن فقط “في الوقت المناسب عندما يتم إطلاق الحركات الخاصة بالاعتراف المتبادل”.[7]
ختاماً، تتجلى أهمية زيارة ماكرون إلى السعودية كحدث محوري يعكس الاستراتيجيات المعقدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتُظهر الشراكة بين السعودية وفرنسا رغبة البلدين القوية في بناء نموذج عالمي للعلاقات الاقتصادية تستند إلى المنفعة المتبادلة؛ ومن خلال استغلال الفرص المشتركة يمكن لهذه العلاقات أن تتحول إلى قوة دافعة رئيسية لإعادة صياغة الاقتصاد الدولي مستقبلاً.
المصادر:
[1] العلاقات السعودية الفرنسية تتجه لمزيد من الترابط مع زيارة ماكرون للمملكة، جورنالك، ٢ ديسمبر.
https://linksshortcut.com/srXVX
[2] ماكرون يتوج زيارته للسعودية باتفاقيات مشتركة في الطاقة والنقل، الشروق، ٣ ديسمبر.
https://linksshortcut.com/KpTzW
[3] تشكيل مجلس شراكة سعودي فرنسي خلال زيارة ماكرون للرياض، المجلة، ٣ ديسمبر.
https://linksshortcut.com/uSvZP
[4] ماكرون يتوج زيارته للسعودية باتفاقيات مشتركة في الطاقة والنقل، مرجع سابق
[5] ماكرون يؤكد من الرياض سعي بلاده إحراز “تقدم” في مسار بيع السعودية مقاتلات رافال، فرانس ٢٤، ٤ ديسمبر.
https://linksshortcut.com/AKLJS
[6] عنوانان رئيسيان لزيارة ماكرون إلى السعودية: توقيع اتفاقات استراتيجية ومؤتمر لإقامة دولة فلسطينية، مونت كارلو الدولية، ٤ ديسمبر.
https://linksshortcut.com/IWYWJ
[7] المرجع سابق.