المقالات
التنافس الاستراتيجي في شرق آسيا: التحركات العسكرية والتوترات الجيوسياسية
- ديسمبر 6, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
مقدمة:
تشهد منطقة شرق آسيا تصاعدًا متسارعًا في التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، وتتجلى ملامح هذا التنافس في تعزيز التحركات العسكرية والدبلوماسية لكلا البلدين، حيث تعمل واشنطن على تعزيز وجودها العسكري في المنطقة عبر نشر منظومات صاروخية متطورة وإجراء مناورات مشتركة مع حلفائها الإقليميين، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، بهدف احتواء النفوذ الروسي والصيني.
وفي المقابل، تسعى موسكو إلى تعميق تحالفاتها مع قوى معارضة للنفوذ الغربي، مثل كوريا الشمالية، مع تكثيف تدريباتها العسكرية في المنطقة، كما تُظهر روسيا انخراطًا متزايدًا
في قضايا حيوية بالنسبة للصين، مثل قضية تايوان، في محاولة لدفع بكين إلى دعمها بشكل أكبر في مواجهة الغرب، لا سيما في سياق الحرب الأوكرانية.
هذا التنافس يعكس تداخل المصالح الاستراتيجية للقوتين في منطقة تشكل محورًا حيويًا
في الاقتصاد العالمي والأمن الدولي، مما يجعل شرق آسيا بؤرة صراع مفتوحة على احتمالات عديدة في المستقبل القريب.
تعاون عسكرى يحمل تداعيات إقليمية:
29 نوفمبر الماضي، زار وزير الدفاع الروسي “بيلوسوف” كوريا الشمالية التي وقعت مع روسيا معاهدة دفاع مشترك، وقالت وزارة الدفاع الروسية أن الزيارة بهدف إجراء محادثات مع القادة العسكريين والسياسيين في بيونغ يانغ، وقال بيلوسوف أن “العلاقات الودية بين روسيا وكوريا الشمالية تتوسع بشكل نشط في كل المجالات، بما فيها التعاون العسكري”، وأضاف أنه “مقتنع” بأن هذه المحادثات في بيونغ يانغ “ستعمل على تعزيز الشراكة الإستراتيجية الروسية الكورية في مجال الدفاع[1]، وذكر أن معاهدة الدفاع المشترك تهدف إلى الحد من التوترات من خلال الحفاظ على “توازن القوى” في المنطقة وخفض خطر الحرب، بما في ذلك باستخدام الأسلحة النووية[2].
وفي الأثناء، قال الجيش الكوري الجنوبي إن 11 طائرة حربية صينية وروسية دخلت “منطقة الدفاع الجوي للبلاد”، وخرجت دون وقوع حوادث أو اختراق المجال الجوي لكوريا الجنوبية، فيما قالت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أنها أجرت مكالمات هاتفية مع الملحقين العسكريين الصينيين والروس المقيمين في سيول للاحتجاج على الطلعات الجوية وحث الدول على منع تكرارها، والجدير بالذكر أن الدولتين لا تعترفان بمنطقة الدفاع الجوي لكوريا الجنوبية، حيث كان قد أعلن عدد من البلدان عن تحديد مناطق الدفاع الجوي بهدف مراقبة الطائرات التي تقترب من المجال الجوي لأغراض تتعلق بالأمن الوطني.[3]
كما تأتي الزيارة بعد أيام من لقاء الرئيس الكوري الجنوبي “يون سوك يول” بوفد أوكراني بقيادة وزير الدفاع “رستم عمروف” في سيول، ودعا البلدين إلى صياغة تدابير مضادة ردا على إرسال كوريا الشمالية آلاف الجنود إلى روسيا لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا.[4]
وعليه، يمكن القول أن التحالف العسكري المتزايد بين روسيا وكوريا الشمالية يُظهر نمطًا جديدًا من إعادة توزيع القوى، حيث يُستخدم هذا التحالف كوسيلة ضغط ضد النفوذ الأمريكي في آسيا، وقد يؤدي هذا التعاون إلى تعزيز قدرة روسيا على مواجهة العقوبات الغربية وتوسيع نفوذها
في شرق آسيا والمحيط الهادئ، كما يخلق هذا التحالف سباق تسلح جديد في المنطقة، مما يدفع الدول الحليفة لأمريكا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، لزيادة إنفاقها الدفاعي.
نشر منظومات الصواريخ الأمريكية:
تسود حالة من القلق لدى موسكو وبكين، بسبب خطط الولايات المتحدة لنشر صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى في اليابان والفلبين في حال اندلاع أزمة كبرى بين الصين وتايوان، وفقًا لما نقلته وكالة “كيودو” اليابانية للأنباء[5]، وكان في إطار التدريبات العسكرية المشتركة بين الفلبين والولايات المتحدة في الربيع الماضي، نشرت واشنطن نظامًا صاروخيًا متوسط المدى شمال الفلبين، مما أثار اعتراضًا حادًا من بكين[6].
وفي خطوة تصعيدية، هددت روسيا بنشر صواريخ نووية متوسطة المدى في آسيا ردًا على تلك الخطط التي توقعت إتمامها قبل نهاية العام، وحذرت وزارة الخارجية الروسية من أن مثل هذه الخطط قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة والعالم، مؤكدة على خطورة العواقب المحتملة،حيث يمكن أن تصل مدى تلك الصواريخ إلى الأراضي الروسية في آسيا، من جهته، صرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودنكو، في 24 نوفمبر، أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يساهم في عسكرة المنطقة الآسيوية عبر تزويدها بأسلحة هجومية، مما أدى إلى “تصاعد حاد في التوترات”.[7]
إن التحركات الأمريكية لنشر صواريخ متوسطة المدى تعكس استراتيجية واشنطن في بناء حائط صد في مواجهة النفوذ الصيني والروسي، كما أن تهديد موسكو بنشر صواريخ نووية يُظهر خطورة التصعيد في المنطقة، وإذا مضت الولايات المتحدة قدمًا في خططها، فإننا سنشهد ردودًا روسية تتضمن تعزيز وجودها العسكري في آسيا، أو حتى تصعيد التوترات على جبهات أخرى مثل أوروبا الشرقية أو القطب الشمالي، ومن ناحية أخرى، فإن نشر هذه الصواريخ قد يدفع الصين إلى تصعيد موقفها بشأن تايوان أو بحر الصين الجنوبي.
روسيا وارتفاع منسوب الاهتمام بتايوان:
تعد الولايات المتحدة الحليف الأكبر لتايوان وأهم مزود لها بالأسلحة، وهو دور يثير غضب الصين، وفي أحدث تطور، أعربت بكين عن استيائها الشديد من استقبال الرئيس التايواني “لاي تشينغ-تي” في الجزيرة الأمريكية “هاواي”، حيث بدأ جولته في منطقة المحيط الهادئ، وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن الصين تقدمت باحتجاج رسمي لدى واشنطن، منددة باستقبال الولايات المتحدة للرئيس التايواني، ومشددة على أنها ستراقب الوضع عن كثب وتتخذ تدابير حازمة لحماية سيادتها وسلامة أراضيها، ومتوعدة بسحق أي محاولة لاستقلال تايوان بشكل حاسم.
ترفض الصين أي زيارات أو أنشطة خارجية يقوم بها قادة تايوان، خصوصًا تلك التي تشمل الولايات المتحدة. [8] وفي هذا السياق، دعت بكين واشنطن إلى التحلي بـ”أقصى درجات الحذر” فيما يتعلق بعلاقاتها مع تايوان. في المقابل، شدد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية على أن مرور المسؤولين التايوانيين عبر الأراضي الأميركية يُعد أمرًا روتينيًا ويتماشى مع السياسة طويلة الأمد للولايات المتحدة، والتي تجمع بين الطبيعة غير الرسمية للعلاقات مع تايوان والتزام واشنطن بسياسة “الصين الواحدة”.[9]
الجولة، التي تُعد أول رحلة دولية يقوم بها “لاي” منذ توليه الرئاسة في مايو الماضي، شملت جزيرة غوام الأميركية وثلاث دول حليفة لتايوان في المحيط الهادئ، وهي جزر مارشال، وتوفالو، وبالاو، وتزامن ذلك مع إعلان الولايات المتحدة موافقتها على بيع قطع غيار لمقاتلات F-16 وأنظمة رادار ومعدات اتصال لتايوان، في صفقة تبلغ قيمتها الإجمالية 385 مليون دولار، ما يساهم في تعزيز قدراتها الدفاعية.[10]
على صعيد متصل، صرح نائب وزير الخارجية الروسي “أندريه رودينكو”، بأن الولايات المتحدة تستغل قضية تايوان لإثارة أزمة خطيرة في آسيا، مؤكدًا دعم موسكو الكامل لموقف بكين، واتهم “رودينكو” واشنطن بانتهاك مبدأ “الصين الواحدة” من خلال تعزيز اتصالاتها العسكرية والسياسية مع تايوان، وزيادة إمدادات الأسلحة تحت ذريعة الحفاظ على الوضع القائم، وأضاف أن الهدف من هذه التحركات الأميركية هو “استفزاز الصين وخلق أزمة تخدم مصالحها الأنانية”، وأكدت موسكو وقوفها إلى جانب بكين في مواجهة ما وصفته بـ”الجهود الأميركية المتعمدة لتوسيع نفوذها وتأجيج الوضع المتعلق بتايوان”، في إطار صراع أوسع على النفوذ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. [11]
من المؤكد أن الدعم الروسي لموقف الصين في قضية تايوان هو جزء من التحالف الأوسع بين البلدين ضد الولايات المتحدة، وهذا التصعيد والاهتمام الروسي يتجاوز قضية سيادة تايوان ليصبح اختبارًا لنفوذ الولايات المتحدة ونظامها الأمني الإقليمي، وفي حال تصعيد الموقف العسكري في تايوان، قد تجد موسكو فرصة لتقديم نفسها كشريك استراتيجي رئيسي للصين، مما يعزز موقفها الدولي.
وهذا السيناريو قد يؤدي إلى مزيد من بلورة التحالفات الإقليمية بشكل أوضح، وربما استقطاب دول مثل الهند لاتخاذ مواقف أكثر وضوحًا إما مع الولايات المتحدة أو مع المحور الروسي-الصيني.
روسيا في بحر الصين الجنوبي:
عبّر الرئيس الفلبيني “فرديناند ماركوس جونيور” عن قلقه إزاء رصد غواصة روسية في المياه الفلبينية، مؤكدًا التزام مانيلا بحماية سيادتها البحرية، ووفقًا لبيان الجيش الفلبيني، رُصدت الغواصة الروسية “UFA 490” في 28 نوفمبر الماضي، على بعد 80 ميلاً بحريًا غرب مقاطعة أوكسيدنتال ميندورو، وسارعت البحرية الفلبينية إلى نشر أصولها لمتابعة الوضع، وتمكنت من التواصل لاسلكيًا مع الغواصة، وذكرت الغواصة الروسية أنها تنتظر تحسن الأحوال الجوية قبل مواصلة رحلتها إلى فلاديفوستوك في روسيا، دون تقديم مزيد من التفاصيل عن سبب وجودها في المنطقة.
وأشار الجيش الفلبيني إلى أنه سيواصل حماية سيادة البلاد وفق القوانين الدولية، حيث رافقت القوات البحرية الغواصة الروسية لضمان التزامها بقواعد الملاحة، وتأتي هذه الواقعة في ظل التوتر المستمر بين مانيلا وبكين بشأن بحر الصين الجنوبي، إذ تتبنى إدارة ماركوس موقفًا صارمًا ضد مطالب الصين الإقليمية الموسعة. وفي سياق متصل، أكدت الولايات المتحدة دعمها العسكري للفلبين الشهر الماضي في عملياتها البحرية ببحر الصين الجنوبي. [12]
على الجانب الآخر، صعدت روسيا من نشاطها العسكري، حيث أجرت مناورات نووية
في أكتوبر الماضي تحت إشراف الرئيس فلاديمير بوتين في شبه جزيرة كامشاتكا، وسبقتها مناورات استراتيجية للبحرية الروسية في سبتمبر في المحيطين الهادئ والقطبي الشمالي، ما يعكس تزايد التحركات العسكرية الروسية في المنطقة. [13]
دخول روسيا كطرف فاعل في بحر الصين الجنوبي يُظهر محاولة موسكو لفرض وجودها في مناطق نزاع تعتبر تقليديًا مناطق نفوذ صينية أو أمريكية، استمرار المناورات الروسية قد يزيد التوترات مع الدول المطلة على البحر مثل الفلبين، وقد يؤدي ذلك إلى تعزيز العلاقات بين هذه الدول وواشنطن، مما يزيد من عزل روسيا في المنطقة.
ويمكن استنتاج أن:
-
الذهاب لتصعيد طويل الأمد: فالتنافس في شرق آسيا جزء من إعادة تشكيل النظام العالمي.
-
هناك حافز لسباق تسلح جديد: سيشهد الإقليم تصاعدًا كبيرًا في الإنفاق العسكري، سواء من القوى الكبرى أو الدول الحليفة، مع زيادة احتمالات وقوع حوادث أو اشتباكات غير متعمدة.
-
مزيد من الاستقطاب الدولي: ستجد دول الإقليم نفسها مضطرة لاتخاذ مواقف واضحة إما مع المحور الغربي أو الروسي-الصيني، في نمطقة تشهد عديد من دولها اعتمادا وترابطا اقتصاديا مع الصين وفي ذات الوقت تحالفا سياسيا وعسكريا مع الولايات المتحدة.
-
هناك فرصة للدبلوماسية: فقدوم ترامب للسلطة قد يفتح نافذة على تحسين الأجواء بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا وكوريا الشمالية من جهة أخرى، على أن ذلك الأمل ليس كبيرا، فترامب خلال فترة رئاسته الأولى كان قد تراجع عن معاهدات الحد من التسلح، مثل: معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا عام 2019، واتفاقية “الأجواء المفتوحة” عام 2020.
ختاما، تتجلى التحركات المتسارعة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كجزء من صراع أوسع يعكس دينامكيات جديدة في العلاقات الدولية، حيث تواصل الولايات المتحدة وروسيا توسيع نطاق نفوذهما العسكري والدبلوماسي في إطار تنافس جيوسياسي متصاعد، وبينما تدفع واشنطن باتجاه تعزيز تحالفاتها مع حلفائها الإقليميين لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، تسعى موسكو إلى تقوية شراكاتها مع الدول المعارضة للنفوذ الغربي، ما يعمق خطوط الانقسام ويزيد من تعقيد المشهد الاستراتيجي في المنطقة.
هذا التصعيد المستمر يضع منطقة شرق آسيا في مركز الاهتمام العالمي، باعتبارها ساحة اختبار لموازين القوى الجديدة، ويطرح تحديات متزايدة للأمن الإقليمي والعالمي، ومع استمرار تصاعد التوترات، تظل احتمالات الصدام أو التصعيد مفتوحة.
المصادر:
[1] وزير الدفاع الروسي يجري مباحثات في كوريا الشمالية.. https://linksshortcut.com/SdbSR
[2] Russian defense minister visits North Korea for talks with military and political leaders.. https://linksshortcut.com/ARhgi
[3] وزير الدفاع الروسي يحط في كوريا الشمالية بزيارة رسمية.. https://linksshortcut.com/rpgyq
[4] Russian defense minister visits North Korea for talks with military and political leaders.. https://linksshortcut.com/ARhgi
[5] Russia Considers Deploying Missiles to Asia.. https://linksshortcut.com/dYSWA
[6] الصين تحذر الفلبين من نشر صواريخ أميركية وتهدد بـ”رد حازم”.. https://linksshortcut.com/PTJAg
[7] آسيا ميدان مبارزة صاروخية بين روسيا وأميركا.. https://linksshortcut.com/OHQbK
[8] واشنطن توافق على صفقة أسلحة لتايوان بقيمة 385 مليون دولار.. https://linksshortcut.com/zUnRt
[9] بكين تطالب واشنطن بـ”أقصى درجات الحذر” بخصوص زيارة رئيس تايوان لهاواي.. https://linksshortcut.com/yEfvk
[10] استقبال الرئيس التايواني بحفاوة في هاواي في مستهل جولة عبر الهادئ.. https://linksshortcut.com/uzYUR
[11] روسيا تتهم أميركا باستخدام تايوان لإثارة أزمة في آسيا.. https://linksshortcut.com/KXajG
[12] الفلبين تعبر عن قلقها من تواجد غواصة روسية في مياهها الإقليمية.. https://linksshortcut.com/KAtti
[13] مناورات روسية في البحر المتوسط بصواريخ فرط صوتية.. https://linksshortcut.com/xObSR