بعد مرور أكثر من شهريْن على الانتخابات المثيرة للجدل، لا تزال الاحتجاجات تهُزُّ أرجاء البلاد، وتستمر في تبنِّي أساليب جديدة ومبتكرة، ويأتي ذلك في وقتٍ يشهد فيه الاقتصاد تدهورًا كبيرًا نتيجة للإغلاق المستمر، وتُعدُّ الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد بعد الانتخابات المتنازع عليها في أكتوبر، التي فاز بها “دانييل تشابو” من حزب فريليمو، الأطول والأكثر دموية منذ بدْء الديمقراطية التعدُّدية في عام 1990م، وتُمثِّلُ هذه الاحتجاجات تحدِّيًا مباشرًا لنتائج الانتخابات؛ حيث يطالب المتظاهرون بالعدالة والنزاهة في العملية السياسية، ومع تصاعُد التوتُّرات تزداد المخاوف حول مستقبل الديمقراطية في موزمبيق.
نتائج الانتخابات الرئاسية
أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات في موزمبيق فوْز “دانييل تشابو” مرشح جبهة تحرير موزمبيق الحاكمة بحصوله على 70.67% من الأصوات، وفقًا للنتائج الرسمية، وهو ما يضمن استمرار الحزب في السلطة منذ الاستقلال في عام 1975م، ولكن أدَّى فوْزه إلى احتجاجات من أنصار المعارضة، وشارك في الانتخابات 43% من الناخبين المسجلين البالغ عددهم 17 مليون ناخبٍ، وسط مزاعم من أحزاب المعارضة بوجود مخالفات انتخابية؛ ما دفعها إلى التشكيك في شرعية النتائج، وحصل “فينانسيو موندلين” مرشح حزب المعارضة الجديد بوديموس على المركز الثاني بنسبة 20.32% من الأصوات ورفض الاعتراف بالنتيجة، وكان قد أعلن سابقًا فوْزه؛ استنادًا إلى تقارير من وكلاء الحزب واستطلاعات الرأي ودعا أنصاره إلى الاحتجاج.
وحصل مرشح حزب رينامو الحزب المعارض التقليدي في موزمبيق على المركز الثالث رسميًّا بفارقٍ كبيرٍ؛ حيث نال أقل من 6% من الأصوات، ومنذ 12 أكتوبر، تصاعدت الاحتجاجات والاشتباكات بين أنصار المعارضة وقوات الأمن، وتعكس هذه الاضطرابات حالةً من الإحباط المتزايد بين الموزمبيقيِّين من حكم فريليمو الذي استمر لما يقارب 50 عامًا، ففي الانتخابات البرلمانية التي جرت بالتوازي مع الانتخابات الرئاسية حصل حزب فريليمو على أغلبية واضحة، حيث فاز بـ195 مقعدًا من أصل 250 في البرلمان، أمَّا حزب بوديموس فقد حصل على 31 مقعدًا، بينما حصل حزب رينامو الذي كان خصمًا تاريخيًّا لفريليمو على 20 مقعدًا فقط[1].
قمْع المتظاهرين
اندلعت احتجاجات عنيفة فوْر إعلان نتائج الانتخابات؛ حيث شكَّكت المعارضة في النتائج، واتهمت جبهة تحرير موزمبيق بتزوير الانتخابات، وتقدَّمَ أنصار زعيم المعارضة “موندلين” بشكوى إلى المحكمة الدستورية، وخرجوا إلى الشوارع؛ احتجاجًا بعد إعلان النتائج الرسمية، وأقدم بعض المتظاهرين على إحراق الإطارات وإغلاق الطُّرُق في مختلف أنحاء البلاد، واندلعت مواجهات مع شرطة مكافحة الشغب، واستخدمت الشرطة الغاز المُسيل للدموع وأطلقت النار لتفريق المتظاهرين، كما قُتل اثنان من كبار شخصيات المعارضة، إلفينو دياس وباولو جوامبي؛ ما زاد من غضب المتظاهرين وزيادة حِدَّة العنف[2].
ومنذ بدْء المظاهرات في 21 أكتوبر في موزمبيق؛ احتجاجًا على نتائج الانتخابات العامة، قُتل ما لا يقل عن 88 شخصًا، وذلك وفقًا لتقرير نشره مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان “CDD”، وحسب بيانات CDD قُتل 12 شخصًا في الأيام الأخيرة على يد الشرطة وعناصر من وحدة التحقيقات الجنائية “Sernic”؛ ليصل إجمالي القتلى إلى 88، وسجل أكبر عددٍ من الحوادث في نامبولا شمال موزمبيق؛ حيث تُوفِّيَ سبعة أشخاص، وقد دُعيت الاحتجاجات من جانب المرشح الرئاسي المهزوم في الانتخابات “موندلين”، فبعد إعلان نتائج الانتخابات التي طعن فيها موندلين بتهم التزوير فرَّ إلى جنوب أفريقيا، وأطلق سلسلة من الدعوات للاحتجاجات، كان آخرها احتاجات أسبوعية بين 4 و11 ديسمبر، والتي أدَّت إلى إغلاق الطُّرُق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات[3].
تداعيات الاحتجاجات على البلاد
شل محطتين للطاقة؛ أسفرت الاحتجاجات التي تلت الانتخابات عن توقُّف محطتيْن للكهرباء؛ حيث توجّه مجموعة من المتظاهرين إلى محطتيْ ريسانو جارسيا وجيجاوات الكهرومائيتيْن، مطالبين بإغلاقٍ كاملٍ لإنتاج الطاقة، وبالإضافة إلى ذلك، أُجبرت المحطات الواقعة بالقرب من الحدود مع جنوب أفريقيا على وقْف إنتاج الطاقة، وأشارت الشركة الوطنية للكهرباء في موزمبيق إلى أن توقُّف المحطتيْن أدَّى إلى نقْصٍ في الإمدادات الكهربائية؛ إذ بلغ 30% من الطلب في المنطقة الجنوبية من البلاد التي يُقدَّر عدد سكانها بحوالي ستة ملايين نسمة[4].
إغلاق طريق تجاري رئيسي من جنوب أفريقيا إلى موزمبيق؛ أوقفت جنوب أفريقيا العمليات في معبرها الحدودي الرئيسي مع موزمبيق، وهو نقطة تصدير رئيسية للفحم والكروم؛ حيث قام المتظاهرون في موزمبيق، بإغلاق الطريق الذي تستخدمه أكثر من ألف شاحنة يوميًا في طريقها إلى ميناء مابوتو، وأعلنت هيئة إدارة الحدود في جنوب أفريقيا، أن عمليات معالجة البضائع العامة وحركة الركاب توقفت في ميناء ليبومبو الحدودي، ويُعدُّ هذا التوقُّف تصعيدًا في سلسلة الإغلاقات، وسيكلف إغلاق المعبر جنوب أفريقيا نحو 10 ملايين راند يوميًّا، كما سيتسبب في تقليص مصدر رئيسي للعُمْلة الأجنبية في موزمبيق[5].
هل هناك احتمالية لخفْض التصعيد؟
تعدَّدَت الدعوات للتهدئة والحوار من مختلف الأطراف في أعقاب الأزمة الانتخابية في موزمبيق، فقد انتقد الأساقفة الكاثوليك في مؤتمر الأساقفة في البلاد سيْر الانتخابات، واقترحوا ضرورة تفكير الساسة في تشكيل حكومة وحْدة وطنية، وعلى الصعيد الإقليمي أدان الاتحاد الأفريقي مقتل شخصيات معارضة بارزة في البلاد، داعيًا إلى التهدئة، وفي 2 نوفمبر، أصرَّ الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” على ضرورة فتْح حوارٍ سياسيٍّ.
ومن أجل تجنُّب التصعيد يجب على قوات الأمن ضمان حق المتظاهرين في التظاهُر السلمي والرَّدّ بحَذَرٍ في حالة تعرُّضهم للعنف أو التخريب، كما يجب على “تشابو وموندلين” الوفاء بتصريحاتهما، بشأن انفتاحهما على الحوار واستكشاف إمكانية إجراء محادثات لخفْض التصعيد، وعلى الرغم من أنه قد لا يجد الجانبان أرضيةً للتسوية، فإن الإصرار على المواقف المتصلبة يحمل مخاطر لكليهما؛ ما يُعدُّ مؤشرًا لمزيد من الاحتجاجات ضد الحكومة في المستقبل.
ويجب أن ترتكز المحادثات على تقليص عنف الشرطة ومضايقة أنصار المعارضة، ومن التنازُلات الأساسية التي يتعين على الحكومة تقديمها هي ضمانات بأن موندلين سيتمكن من العودة بأمان إلى موزمبيق دون الخوف من الاعتقال إذا استمر في نشاطه السياسي، ويجب أيضًا على السلطات الموزمبيقية تقديم تحديثات منتظمة بشأن التحقيق في مقتل الشخصيات المعارضة، ومن الضروري أن تكون التحقيقات في أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات محايدة.
وعلى الرغم من أن فُرَص التوصُّل إلى اتفاق بشأن نتيجة الانتخابات تبدو ضئيلة، إلا أن هناك عدة خطواتٍ يمكن أن تساهم في تعزيز شفافية العملية الانتخابية؛ إذ يجب على السلطات الانتخابية نشْر النتائج التفصيلية للانتخابات، بحسب مراكز الاقتراع؛ ما سيسمح للمراقبين بالتحقُّق من صحة الادعاءات المتعلقة بالتزوير في فرْز الأصوات، ومن جهةٍ أُخرى، يجب على موندلين تقديم مزيدٍ من التفاصيل حول الطريقة التي اعتمدها للوصول إلى استنتاجه، بأنه فاز في الانتخابات؛ ما يساهم في تمكين الجمهور والمراقبين من تقييم مصداقية إدعائه، وقد يكون لتعزيز الشفافية والاعتدال من الجانبيْن دورٌ كبيرٌ في إعادة الهدوء إلى البلاد[6].
ختامًا:
تحوَّلت المخاوف بشأن التزوير في الانتخابات العامة التي أُجريت في موزمبيق إلى احتجاجات واسعة ضد حزب فريليمو الذي يهيمن على البلاد منذ الاستقلال، وثمَّةَ حاجة ماسَّة لحلِّ الصراع الانتخابي؛ حيث تواجه البلاد العديد من التحديات الأخرى، بما في ذلك الفساد وزيادة حالات الاختطاف ومعدل البطالة المرتفع بين الشباب الذي وصل إلى 3.54٪، فضلًا عن قضايا الأمن التي تساهم في تفاقُم الاضطرابات، ويتعين على السلطات الموزمبيقية ضمان احترام حقِّ المواطنين في الاحتجاج السِّلْمِي مع منْع استخدام القوة المُفْرِطة ضد المتظاهرين، كما ينبغي على الشركاء الإقليميِّين والدوليِّين الضغط على الحكومة؛ لضمان التزام قوات الأمن بالقانون خلال هذه الأزمة وفي المستقبل.
المصادر:
[1] Nicholas Mwangi, Election results spark protests and unrest in Mozambique, peoples dispatch, November 14, 2024.
