شهدتْ الجولةُ الرابعةُ من الحوارِ الاستراتيجي المصري الصيني التي عُقدتْ في العاصمة الصينية بكين تأكيدًا على عُمقِ العلاقات الثنائية بين البلدين واستمرار تنسيق الجهود في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، واستهدفَ هذا الحوارُ تعزيزَ الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمعُ البلدين منذ عقدٍ كاملٍ، حيث تناولت المباحثاتُ مجالاتِ التعاونِ الاقتصاديِ والتكنولوجي والسياسي، بجانب القضايا الإقليمية مثل الوضع في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، ويعكسُ هذا الحوارُ التزامَ الجانبين بتعزيزِ السلام والاستقرار الإقليميين وبناءَ علاقاتٍ متينةٍ ترتكزُ على الاحترامِ المتبادل والمصالح المشتركة.
توافقٌ حول الآراء:
انعقدتْ الجولةُ الرابعةُ من الحوار الاستراتيجي تنفيذًا لما تمَّ الاتفاق عليه بين الرئيس المصري ونظيره الصيني خلال زيارة الرئيس السيسي إلى بكين مايو الماضي، واحتفالًا بمرورِ عشر سنوات على إطلاقِ الشراكةِ الاستراتيجية الشاملة، وبالتزامن مع عامِ الصداقةِ المصريةِ-الصينيةِ، وتأكيدًا على أهميةِ البناء على الزخمِ الناتجِ عن الزياراتِ رفيعةِ المستوى لتعزيزِ التعاونِ المشتركِ، حيث التقى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع كبار المسؤولين الصينيين لمناقشةِ سبلِ تطويرِ العلاقاتِ الثنائيةِ في مختلفِ المجالاتِ، وتبادلِ الآراء حول أبرز التطورات الإقليمية والدولية.
وشهدتْ الجولةُ تبادلًا معمقًا للآراءِ حول العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، واستعراضاً للإنجازاتِ التنموية التي حققها البلدان على مدارِ السنوات العشرِ الماضية منذ إطلاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وفي ختام المشاورات، صدرَ بيانٌ مشتركٌ يركزُ على تعزيزِ التعاونِ الاقتصادي الاستراتيجي بين البلدين، لا سيَّما في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، إلى جانب دفع عجلة التجارة والتكامل الاقتصادي على المستويين الإقليمي والدولي.[1]
واتفقَ الجانبان على أهميةِ تعزيزِ السلام وتشجيعِ المفاوضات كوسيلةٍ لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأكد وزير الخارجية المصري، ضرورةَ التوصل إلى وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار في غزة، وضمان نفاذ المساعدات الإنسانية، والعمل على تنفيذ حل الدولتين لإقامةِ الدولة الفلسطينية، كما شددَ الطرفان على دعمِ عودة السلطة الوطنية الفلسطينية لتولِّي مسؤولياتها في قطاع غزة، بما يضمنُ إدارةَ أي ترتيبات مستقبليةٍ ضمن توافقٍ فلسطينيٍ شامل.
ورحب الجانبان بدخولِ اتفاقِ وقْفِ إطلاق النار حيزَ التنفيذ في لبنان، مع التأكيد على ضرورة الالتزام الكامل بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 (2006) بجميعِ عناصره دون انتقائية، كما شددا على أهميةِ احترامِ سيادة لبنان، والامتناعِ عن التدخلِ في شؤونه الداخلية، ودعمِ مؤسساتِ الدولة اللبنانية لتعزيز سيادتها على كامل أراضيها. [2]
وشددَ وزيرُ الخارجيةِ المصري “بدر عبد العاطي” على ضرورةِ دعمِ عمليةٍ سياسيةٍ شاملةٍ في سوريا تضمنُ مشاركةَ جميع الأطراف، مجددًا رفْضَ مصر للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للسيادة السورية، بما في ذلك استهدافُ المواقعِ العسكريةِ داخل الأراضي السورية واحتلالُ جزءٍ كبيرٍ من المنطقة العازلة، في انتهاكٍ واضحٍ لاتفاقية فضِّ الاشتباكِ، وهو ما كرره وزير الخارجية الصيني، بإعرابه عن القلق المشترك الذي تشعرُ به الصين إزاءَ الوضعِ الحالي في سوريا، داعيًا إلى احترام سيادة البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها.[3]
في 13 ديسمبر، أصدرَ وزير الدفاع الإسرائيلي، توجيهاً للقوات الإسرائيلية بالبقاء خلال فصل الشتاء على جبل الشيخ في الجولان، وهو موقعٌ استراتيجيٌ يُطلُ على دمشق، ويُظهر هذا القرارُ نيةَ إسرائيل البقاء العسكري في سوريا لفترةٍ طويلةٍ، كما شنّتْ إسرائيل مئات الهجمات الجوية والبحرية التي دمرتْ غالبيةَ ترسانةِ الأسلحة والذخائر العسكرية السورية، مبررةً ذلك بأنه إجراءٌ وقائيٌ لمنْعِ وقوع هذه المعدات في أيدي قوى معادية.[4]
شرقٌ أوسطٌ جديد؟
يزدادُ الدورُ الاسرائيليُ في المنطقة، حيث كان نتنياهو قد بررَ قرارَ إيقافِ الحرب مع حزب الله اللبناني بأنه كان ضرورياً لإعادة تزويد قواته بالذخائر القادمة من الولايات المتحدة ودولٍ غربيةٍ أخرى، ليتمكنَ من تكثيفِ جهوده للقضاءِ على “حماس” في قطاع غزة، ومواجهة إيران كتهديدٍ إستراتيجيٍ، والتصدي لوكلائها[5]، كذلك يراهن نتنياهو على أن يسمحَ له ترامب مع قدومه للرئاسة بضرب المفاعلات النووية الايرانية.
في الواقع، يدرسُ الرئيسُ الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” خياراتٍ لمنْعِ إيران من تطوير سلاح نووي، بما في ذلك إمكانيةُ شنِّ ضرباتٍ جويةٍ استباقيةٍ، ووفقًا لتقرير نشرته “وول ستريت جورنال”، يعمل فريق ترامب الانتقالي على إعداد استراتيجية جديدة تعرف بـ “أقصى ضغط 2.0″، التي تستندُ إلى استمرارِ نهْجهِ في فرْضِ عقوبات اقتصادية قاسية خلال ولايته الأولى، وهو ما من شأنه أن يؤديَ إلى أزمةٍ اقتصادية ٍخانقة في إيران.[6]
وبالفعل أصبحتْ إيرانُ عاجزةً عن تحريك الأحداث وأخذ المبادرة، وباتت تركن إلى تهدئة الأمور والحديث عن سياسة الحوار مع الجوار الإقليمي والغرب، بعد أن تطورت حربها مع إسرائيل، التي كانت عادة في الظل، إلى قصفٍ إسرائيليٍ بالطائرات استهدف قدرات إيران العسكرية، وتدهورت قدراتُ حزب الله، بعد استهدافِ قادتهِ وبنيته العسكرية[7]، ويمثلُ إضعافُ حزب الله اللبناني ثم سقوطُ نظامِ الأسد ضرباتٍ قويةً جديدةً للنفوذ إيران المتراجع.
ويبدو أن تركيا تتمددُ وتلعبُ دوراً رئيساً في تشكيل المستقبل القريب لسوريا، وهو ما يمثل مدخلاً لدورٍ سياسيٍ وعسكري أكبر في الشرق الأوسط، حيث تمارسُ تركيا نفوذها في سوريا من خلال تمويلها وتسليحها “للجيش الوطني السوري”، وهو مظلةٌ تضمُ عشرات الفصائل، وهذه الجماعات تسمح لأنقرة “بالتأثير على بعض التطورات في سوريا”، كما لتركيا بعض المواقع العسكرية في مدينة إدلب، التي حكمتها هيئة تحرير الشام لسنوات، لذلك هناك “خط اتصال” بين الطرفين[8]، وفي أولِ زيارةٍ رفيعةِ المستوى لحكوماتٍ أجنبيةٍ منذ إسقاط نظام الأسد، وصل وفد تركي ويضم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن إلى سوريا، للقاء قائد إدارة العمليات العسكرية “أحمد الشرع”، ورئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال “محمد البشير”، بهدفُ إلى “تطوير رؤىً مستقبليةٍ للواقعِ السوري ودفع القيادة السورية الجديدة للانخراط في البيئة العربية والإقليمية والدولية”[9].
وخلال الشهر الماضي، عكست القمّة العربية – الإسلامية الاخيرة في الرياض شكلاً جديداً لطبيعة العلاقات المستقبلية في الإقليم، حيث يتعزز النفوذ العربي من خلال الدبلوماسية والتنمية ودون إحراج إيران والتصادم معها، وكذلك محاولةُ الضغط على إسرائيل بهدف وقْفِ الحرب وبناء دولة فلسطينية باعتبار ذلك هو السبيلُ لتطبيعٍ عربيٍ جديدٍ معها، ويأتى ذلك على وقع تغير أطراف المواجهة الرئيسيين في المنطقة، حيث كانت المصادمات تتم بين السعودية وإيران بشكلٍ أساسي، غير أن ذلك تغير بعد المصالحة السعودية الايرانية، وباتت المواجهةُ الرئيسيةُ بين إيران وأذرعها من جانب وإسرائيل من جانبٍ آخر، وهى المواجهة التي تفجرت مع أحداث “طوفان الأقصى”، وهو ما تركَ للعرب هامشاً للمناورة لم يتحققْ من قبل، وهو ما تمثل في رغبة طهران في تقاربٍ أكبر مع الحرب وهو ما ترجمته زيارةُ عراقجي الإقليمية بهدف الحثِّ على الوقوف على الحياد إذا استهدفتها إسرائيل، وكذلك استمرار رغبة الولايات المتحدة في تطبيع السعودية العلاقات مع إسرائيل.
وفي ضوء إجماعِ المراقبين على تراجع الدور الإيراني وتحسّنِ علاقاتها الثنائية مع السعودية “كمحدداتٍ للتفاوض السعودي الأمريكي”، تخلت الرياض عن مساعيها إلى إبرام معاهدةٍ دفاعيةٍ مع الولايات المتحدة مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتريد الآن اتفاقاً محدوداً للتعاون العسكري، بسبب الجمود مع إسرائيل وتعثر شرط الاعتراف بـ”الدولة الفلسطينية”، ويتضمن الاتفاق الذي يجري مناقشته حالياً توسيعَ التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة لمواجهة التهديدات الإقليمية وتعزيز الشراكات بين شركات الدفاع الأميركية والسعودية[10]، ويمثل ذلك تحدياً بالنسبة للصين حيث تشترطُ الولايات المتحدة لاستكمال الاتفاق، تقديم ضمانات من السعودية لمنع التعاون العسكري مع الصين.
الصين تملكُ علاقاتٍ ممتازةً مع كل الأطراف الرئيسية في الشرق الأوسط (مصر، الخليج، تركيا، إسرائيل، إيران) لكن خُفوتَ الدور الإيراني، وغلبة التنسيق التركي مع الغرب فيما يخص سوريا خاصة والشرق الأوسط عامة، ووقوع اسرائيل في حربٍ غير إنسانية يشوهُ صورتَها الدوليةَ في وقتٍ تحاولُ فيه الصين قيادة الجنوب العالمي، فعليه، قد تجد الصين رهانها للتوسع دبلوماسيا في المنطقة في الحليف العربي، بل قد يكون العربُ هو الخيارَ الحصريَ.
حدود وفرص التحرك العربي:
اليمن:
إن سقوطَ الأسد قد يُفتحُ البابَ أمام إعادة ترتيب العلاقات الإقليمية، بما في ذلك تعزيز الحوار بين دول الخليج وإيران، فقد تجد إيران نفسها مضطرةً لتعزيز علاقاتها مع الجوار العربي خاصةً في ضوء استفادة تركيا على حسابها في سوريا، والهجوم الاسرائيلي المتكرر عليها وضد أذرعها، وعليه قد تدفعها حاجتها لحلفاء إقليميين لترقيةِ العلاقات مع الخليج ومصر، وتشتد حاجتها لعلاقات أقوى مع الخليج في ضوء حاجتها لاستثماراتٍ أجنبيةٍ خصوصا مع أزمتها الاقتصادية الحالية، والتى قد تزداد وطأتها مع عودة ترامب وفرض عقوبات جديدة، ما قد يفتحُ البابَ لتقليل تدخلاتها في اليمن، والتركيز على قضاياها الداخلية، وهذا التحول قد يخلق مناخًا أكثر إيجابية للتوصل إلى حلول دبلوماسية للأزمة اليمنية.
بالتالي قد يدفعُ تغيّر التوازن الإقليمي الأطراف اليمنية إلى استشعار تغير قواعد اللعبة الإقليمية، مما يجعلها أكثر انفتاحًا على المفاوضات لتجنّبِ المزيدِ من الخسائر، خاصة أن ضرباتِ تحالف حارس الإزدهار كلفت الحوثيين الكثير من الناحية العسكرية.
إن ذلك قد يمثلُ فرصةً ضائعةً بالنسبة للصين التي رفضت الضغطَ على إيران لدفع الحوثيين للتوقف عن مهاجمة السفن التجارية التي تعبرُ بابَ المندب، وهو ما أثّر سلبا على مصر ودول الخليج، وهم حلفاء الصين أيضا، حيث كانوا ينتظرون خطوةً صينيةً إيجابيةً بهذا الشأن لكنها لم تفعلْ، وهو ما كان يمكن أن يؤكد على متانة العلاقات. ومع ذلك، يمكن للصين استثمار دبلوماسيتها مع إيران للضغط باتجاه تقليل تدخلاتها في اليمن، ودفع عملية السلام، خاصة أن استقرار اليمن يتماشى مع مصالح الصين التجارية في ممرات الملاحة الدولية.
سوريا:
تتفقُ مصر والصين على ضرورة الدفع بعملية سياسية شاملة في سوريا وأن تتمَ إدارةُ مرحلةٍ انتقاليةٍ لا تُقصي أحدا وتعكسُ التنوع الطائفي والديني والعرقي داخل البلاد وتحافظ على حقوق جميع الأقليات في سوريا وإفساح المجال للقوى السياسية المختلفة ليكون لها دور في إدارة هذه العملية الانتقالية.
ويُعدُ انهيار نظام الأسد في سوريا بمثابة تحدي لطموحات الصين في الشرق الأوسط، حيث كانت قد انضمت سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين عام 2022، لكنها لم تشهدْ استثماراتٍ كبيرةً من الشركات الصينية منذ ذلك الحين لأسباب منها العقوبات، وركز ردُّ فعل وزارة الخارجية الصينية على سقوط الأسد على ضمان سلامة رعاياها ودعت إلى إيجاد “حل سياسي” يعيد الاستقرار إلى سوريا في أسرع وقت ممكن. [11]
وسيكون جوهرُ الفترةِ المقبلة هو متابعةَ الأطراف الاقليمية والدولية لتحركات وقرارات الحكومة الانتقالية وإلى مدي تعبر تلك القرارات عن توجهاتٍ إيجابيةٍ لبناءِ علاقاتٍ موثوقة، بهدف الحصول على اعتراف عربي ودولي، وتسلم الحكومة الجديدة عضويتها في الجامعة العربية، وهو ما يستدعي وضْعَ خارطة طريقٍ خلال جدول زمني معقول تلبّي طموحاتِ السوريين.
لكن هناك تحدياً أمام العرب، ففي سوريا يتدخّل الأمريكيون لتنظيم السيطرة والنفوذ مع تركيا، فمثلا الاتفاق على تسليم مدينة منبج من قوات “قسد” لمصلحة المعارضة، وكذلك السيطرة على مدينة دير الزور وتولّي “الهيئة” الحدود بين سوريا والعراق.[12]
لبنان:
زارَ وزير الخارجية المصري بيروت الشهر الماضي، وجاءت أهمّيةُ الزيارةِ حينها أنّها بعد ساعاتٍ قليلةٍ من صدور بيان القمّة العربية – الإسلامية الذي شدّد على أهمّية الإسراع في انتخاب رئيسٍ جديدٍ ودعم القوّات المسلّحة باعتبارها الضامن لوحدته واستقراره، ودعا إلى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 (2006).[13] وتشكيل حكومة استناداً إلى أحكام الدستور اللبناني وتنفيذ اتفاق الطائف، ويعكس ذلك الحرص المصري والعربي على الخصوصية اللبنانية وتعدّديّتها، بمعنى رفضها كسر أيّ طرف أو طائفة، ما يعني عدمَ استغلال الموقف ضد حزب الله اللبناني.
لكن لبنان لايزال يواجهُ تحدياتٍ، فانسحاب الحزب من الجنوب لا يعني تسليمَ الحزب السلاح، بل قد يسعى إلى كسْبِ الوقت حتى يعززَ وجوده السياسي داخل الدولة[14]، بعد استنزاف الحزب عسكرياً واقتصادياً مما دفعه إلى تخفيف نبرة التهديدات ضد إسرائيل، وقبولِ حلولٍ وسطيةٍ مثل التهدئة على الحدود الجنوبية.[15] وتزداد ضبابية المشهد بالنسبة للحزب بسبب سقوط الأسد وتشكّلِ بيئةٍ سياسيةٍ وأمنية جديدة حول لبنان، وعليه يظل رفع كفاءة وقدرات الجيش اللبناني هي البداية لفرضِ تغييرٍ إيجابيٍ حقيقي، ليقومَ بمهامه على الحدود مع إسرائيل بما يمهد لتطبيق قرار مجلس الأمن 1701.
ملفا القرن الأفريقي وسد النهضة:
أكد الطرفان مواصلة تبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والأساسية للجانب الآخر، فأكدَ الجانبُ المصري مواصلة الالتزام الثابت بمبدأ الصين الواحدة وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وهو ما يتشابهُ مع موقفِ مصر الداعم لوحدة الصومال وسيادته، وفي هذا الشأن، أنهى اتفاق “صومالي – إثيوبي” برعايةٍ تركيةٍ بشكلٍ مبدئيٍ خلافاً بدأ يناير الماضي عقب عقْدِ اتفاقٍ بين “إثيوبيا” و”إقليم أرض الصومال الانفصالي” يمنح إثيوبيا منفذاً بحرياً، واعتبرته الصومال انتهاكاً لسيادتها، ولاقى رفضاً عربياً خاصة من القاهرة، واعتبر السفير “محمد العرابي” وزيرُ الخارجية المصري الأسبق، ورئيسُ المجلس المصري للشؤون الخارجية، في حديث لجريدة «الشرق الأوسط»أن القاهرة لن تكونَ لديها مشكلةٌ مع أي اتفاق يحققُ استقرارَ المنطقة شريطة ألا يتعارض مع مصالحنا واتفاقاتنا السابقة مع الصومال.[16]
ويكشف ذلك التطور الإيجابي أن إثيوبيا باتت أقربَ للإقتناع بأن خطواتها الأحادية ستكون نهايتها التراجع عنها، خاصة أن أحدَ محدداتِ التفاعل المؤدي لتلك الانفراجة هو الدخول المصري على خط الأزمة لصالح وحدة واستقلال الصومال وتواجدها عسكريا التزاما بتعهداتها نحو الصومال، بجانب توافق الرؤى المصرية التركية بهذا الملف.
من ناحيةٍ أخرى، كانت قد أقامت إثيوبيا سدًا كبيرًا على رافد نهر النيل الرئيسي، “النيل الأزرق”، منذ عام 2011. وقد واجه هذا السدُّ اعتراضاتٍ من دولتي المصب، مصر والسودان، اللتين تطالبان باتفاقٍ قانونيٍ ينظم قواعد تشغيل السد بما يحفظ حصتيهما المائية، وقد خاضت الدول الثلاث العديد من جولات التفاوض، لكنها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق حتى الآن.[17]
وفي السياق، أكد الجانب الصيني مواصلةَ دعمه لحقِّ مصر المشروع في الحفاظ على حقها المشروع في حماية أمنها المائي والغذائي ومصالحها التنموية، وعلى هذا تنتظرُ مصر من الصين خطواتٍ جديةً وعمليةً تدفع فى اتجاه إيجاد مخرجٍ آمن لأزمة سد النهضة، وذلك بما تمتلكهُ الصين من علاقاتٍ قويةٍ مع مصر وإثيوبيا وتقود الصين باعتبارها منبعاً لعديدٍ من الانهار العابرة للحدود، الدفاع عن حقوق دول المنبع والتشجيع على الاستفادة من تلك الموارد، ما جعلها تحظى بمكانة لدى دول المنبع ومنهم إثيوبيا.
الصين حاضرةٌ في ملف سد النهضة باعتبارها طرفا مراقباً، فتزامناً مع تصاعد التوترات بين مصر وإثيوبيا على خلفية إعلان الأخيرة عن انتهاء الملء الخامس لسد النهضة في سبتمبر الماضي، اتفقَ رئيس الأركان العامة الإثيوبي، والجنرال “ليو تشنلي” من اللجنة العسكرية المركزية الصينية، خلال الدورة الـ11 لمنتدى بكين شيانغشان، على تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين، وتم الاتفاقُ على تعزيز العلاقات العسكرية بهدفِ تحديثِ الجيش الإثيوبي، حيث وقعت حكومة إثيوبيا اتفاقية تعاون عسكري مع الصين، تركز على نقل التكنولوجيا والمعدات العسكرية وبناء القدرات الدفاعية[18]، وكانت قد قدمت الصين 1.2 مليار دولار لبناءِ خطوطِ الطاقة الكهربائية من السد إلى المدن الإثيوبية، وأنفقت 1.8 مليار دولار إضافية لإثيوبيا لتوسيع مواردها من الطاقة المتجددة، كما لعبت شركات صينية مثل سينوهيدرو دورًا رائدًا في عملية بناء السد. [19]
ويمكن لمصر أن تعبرَ بشكلٍ دبلوماسيٍ للصين عن قلقها تجاه التعاون العسكري مع إثيوبيا، خاصة في مجالات تحديث الجيش وبناء القدرات، لما لذلك من تأثير مباشر على التوازن الإقليمي.
ختامًا:
يُعدُ الحوارُ الاستراتيجي المصري الصيني الرابع “محطة مهمة” في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث يعكسُ التزامًا مشتركًا بتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة والتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومع استمرار التحديات الإقليمية والدولية، تظهر الحاجةُ إلى دورٍ أكثر فاعلية من الصين في دعم استقرار الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، بما يضمنُ توازنًا يخدم المصالح المشتركة.
وفي هذا السياق، تبقى مصرُ نموذجًا للالتزام بسياساتٍ تدعمُ السلامَ الإقليمي والتنمية المستدامة، ما يوفرُ أرضيةً مثاليةً لتعميق التعاون مع الصين، ومن خلال معالجة القضايا الحساسة مثل سد النهضة والتعاون العسكري مع إثيوبيا، يمكن للجانبين تعزيز شراكتهما بما يحققُ الاستقرارَ الإقليميَ ويؤسسُ لعلاقةْ استراتيجيةٍ طويلة الأمد مبنيةٍ على الثقة والاحترام المتبادل.
