المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > رؤى تحليلية > التفاوض مع هيئة تحرير الشام …. الأسباب والدوافع
التفاوض مع هيئة تحرير الشام …. الأسباب والدوافع
- ديسمبر 16, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: رؤى تحليلية
لا توجد تعليقات
بقلم أ/د. أيمن سلامة
أستاذ القانون الدولي العام، وعضو الهئية الاستشارية في مركز شاف
على الرغم من تصنيف جماعات مثل هيئة تحرير الشام على أنها تنظيمات إرهابية من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية، نجد أن هناك أمثلة متعددة على أن الدول والحكومات تختار التفاوض مع هذه الجماعات في ظروف معينة.
هذا السلوك ليس نابعًا من الاعتراف بشرعية هذه الجماعات، بل هو في كثير من الأحيان انعكاس للضرورات السياسية والإنسانية والأمنية التي تفرض نفسها على أرض الواقع. ومن أبرز الأسباب التي تدفع الدول للتفاوض مع هذه الجماعات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- الأسلحة الكيميائية والتهديدات الأمنية
تعتبر قضية الأسلحة الكيميائية إحدى أبرز الدوافع التي قد تدفع الدول إلى الدخول في مفاوضات مع جماعات محظورة. في حالات النزاع المسلح، تكون الجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق معينة مصدر قلق كبير، خاصة إذا توافرت لديها أسلحة كيميائية أو قدرة على تطويرها أو استخدامها.
التفاوض هنا يهدف إلى:
-
الحد من خطر استخدام هذه الأسلحة: من خلال الوصول إلى تفاهمات أو ضمانات تمنع استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين أو القوات الحكومية.
-
التأكد من تأمين المخزونات الموجودة: أو حتى تفكيكها بشكل آمن من خلال إشراف دولي أو بمساعدة طرف ثالث.
تاريخيًا، ظهر هذا النوع من التفاوض مع الجماعات المسلحة التي تمتلك قدرات تهدد الأمن الإقليمي أو الدولي.
2- حماية المدنيين
تحظى حماية المدنيين بأولوية قصوى في النزاعات المسلحة، خصوصًا عندما تكون جماعة مثل هيئة تحرير الشام تسيطر على مناطق مأهولة بالسكان.
-
التفاوض لتخفيف المعاناة الإنسانية: قد تضطر الدول أو المنظمات الدولية إلى التفاوض لضمان الحد من استهداف المدنيين خلال العمليات العسكرية أو لتأمين ممرات آمنة لإجلاء السكان.
-
حماية المدنيين من الأعمال الانتقامية أو الهجمات العشوائية: التفاهمات مع الجماعات المسلحة قد تهدف إلى وضع آليات لخفض التصعيد في المناطق المدنية، خصوصًا إذا كانت هذه الجماعات طرفًا رئيسيًا في القتال.
3- إيصال المساعدات الإنسانية
تلعب الاعتبارات الإنسانية دورًا كبيرًا في دفع الدول للتفاوض مع جماعات مسلحة، خصوصًا عندما تكون هذه الجماعات مسيطرة على أراضٍ واسعة ومأهولة بالسكان الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية.
-
فتح ممرات إنسانية: التفاوض مع الجماعات المسيطرة يتيح إيصال المساعدات الضرورية للسكان المتضررين.
-
تأمين حماية العاملين في المجال الإنساني: قد يتطلب ذلك تفاهمات تضمن سلامة فرق الإغاثة من الهجمات أو الاحتجاز أثناء عملهم في مناطق النزاع.
تجارب سابقة في التفاوض مع الجماعات المحظورة
التفاوض مع الجماعات المحظورة ليس أمرًا جديدًا في الساحة الدولية ، هناك أمثلة عديدة لدول اضطرت إلى التفاوض مع تنظيمات مصنفة إرهابية لتحقيق أهداف معينة أو لإنهاء صراعات طويلة. وفيما يلي بعض الأمثلة البارزة:
1- الولايات المتحدة وطالبان
على الرغم من تصنيف الولايات المتحدة لحركة طالبان كتنظيم إرهابي، دخلت في مفاوضات مباشرة معها على مدار سنوات، لا سيما بعد الحرب الطويلة في أفغانستان التي بدأت في عام 2001.
-
اتفاق الدوحة (2020): شهد هذا الاتفاق مفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، حيث تعهدت الحركة بمنع استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات إرهابية مقابل انسحاب القوات الأمريكية.
-
الأسباب:
-
إنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة.
-
تقليل التكلفة البشرية والاقتصادية.
-
الاعتراف بواقع أن طالبان كانت لاعبًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله في أفغانستان.
-
2- إسبانيا ومنظمة إيتا (ETA)
قامت إسبانيا بالتفاوض مع منظمة إيتا (الباسك)، وهي جماعة مسلحة انفصالية صنفت كإرهابية بسبب هجماتها ضد المدنيين والبنية التحتية.
-
المفاوضات: جرت عدة جولات من التفاوض بين الحكومة الإسبانية والمنظمة بهدف إنهاء الصراع الدموي الذي استمر لعقود.
-
النتائج: أعلنت إيتا التخلي عن العمل المسلح في 2011 بعد جهود متعددة، شملت الوساطة الدولية والضغوط الداخلية.
3- بريطانيا والجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA)
كانت بريطانيا واحدة من أبرز الدول التي اعتمدت استراتيجية التفاوض مع تنظيم محظور. الجيش الجمهوري الإيرلندي خاض صراعًا مسلحًا طويلًا من أجل استقلال إيرلندا الشمالية.
-
اتفاقية الجمعة العظيمة (1998): أنهت الاتفاقية عقودًا من الصراع العنيف بعد مفاوضات شملت الحكومة البريطانية وممثلين عن الجيش الجمهوري.
-
الدوافع:
-
تقليل العنف وضمان استقرار إيرلندا الشمالية.
-
الاعتراف بضرورة إيجاد حلول سياسية للصراع بدلًا من الاستمرار في الحلول العسكرية.
-
أوجه الشبه مع هيئة تحرير الشام
تتضح أوجه الشبه بين هذه الحالات وتجارب التفاوض مع هيئة تحرير الشام أو جماعات شبيهة، خصوصًا في الظروف التالية:
1- السيطرة على الأراضي: كما هو الحال مع طالبان أو الجيش الجمهوري الإيرلندي، فإن هيئة تحرير الشام تسيطر على مناطق واسعة في سوريا، مما يجعلها طرفًا لا يمكن تجاوزه لتحقيق الاستقرار.
2- الضرورة الإنسانية: التفاوض مع الهيئة قد يكون السبيل الوحيد لتأمين المساعدات وحماية المدنيين.
3- التهديدات الأمنية: سواء كان ذلك في سياق استخدام الأسلحة الكيميائية أو العمليات العسكرية.
التحديات والانتقادات
-
إضفاء الشرعية: التفاوض مع الجماعات المحظورة قد يُفسَّر كاعتراف بشرعيتها، مما يثير جدلًا سياسيًا وأخلاقيًا.
-
تعقيد النزاع: قد يشجع ذلك جماعات أخرى على استخدام العنف للحصول على تنازلات مشابهة.