المقالات
تأثير تجارة الأسلحة على استمرار الحروب: دراسة حالة (حرب غزة والسودان)
- ديسمبر 20, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: عبدالرحمن محمد أنور
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
بالرغم من أن التجارة الدولية للأسلحة تخضع للتنظيم وتحت طائلة معاهدات دولية بين مختلف الدول، إلا أن مازالت الأسلحة والذخائر تتدفق بشكل كثيف علنًا وسرًا إلى مناطق النزاعات والصراعات المسلحة حول العالم، مما يجعل من تلك الصراعات تتفاقم وتضرب بالأمن والسلم الدوليين عرض الحائط وتهدد ما تبقى من أمل لإحلال السلام ومنع توسع تلك الصراعات، وتساهم تلك الأسلحة إلى استمرار النزاعات المسلحة وإلى وجود انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان وخسائر بشرية ومادية ضخمة يتحمل تابعيتها في المقام الأول المدنيين في مناطق الصراع، كما يسهل تدفق الأسلحة إلى انتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما يحول دون وجود مساعدات إنسانية تخفف من وطئة الحرب.
وتأتي تجارة الأسلحة في أوقات الحروب كتجارة رابحة اقتصاديًا، فالحروب ومناطق النزاعات تُعد سوق الشركات الخاصة والدول المصدرة للأسلحة لممارسة تجارتهم الدموية التي يراق بأسلحتهم دماء شعوب العالم جراء الصراعات الهمجية.
ومن المعلوم أنه لا توجد حروب بدون تسليح وطالما يتلقى أطراف النزاع مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة فسيستمر النزاع رغبة في تحقيق نشوة الانتصار والسيطرة حتى يقوم طرف من أطراف النزاع بسحق الطرف الآخر، ومن هنا يطول أمد الصراع الذي تستمر شركات الأسلحة والدول صاحبة المصالح السياسية بالتغذية على تلك النزاعات المسلحة.
تأثير تجارة الأسلحة على استمرار الصراعات والحروب:
مما لا شك فيه أن تجارة الأسلحة في أماكن النزاعات من وإلى الفاعلين من الدول (State Actors) والفاعلين من غير الدول (Non-State Actor) تسهم في استمرار تلك النزاعات وتطيل أمدها وتفاقمها، بل وتؤدي إلى انعدام الأمن بعد انتهاء النزاع، وتعيق إعادة الإعمار والانتعاش فيما بعد مرحلة الصراع.
ولا تختلف كثيرًا عملية تجارة الأسلحة إلى الدول الأطراف في النزاعات كالصراع بين روسيا وأوكرانيا بإعتبارهم دولتين ذات سيادة وبين الفاعلين من غير الدول في نزاعاتهم المسلحة مع الدول أو مع أطراف أخرى من غير الدول، فإن كلاهما يسهم في توسيع رقعة الصراع واستمرار النزاعات الدولية، والأمثلة على ذلك كثيرة ويُعد أهمها الصراع الجاري في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المنشقة عن الجيش السوداني لما خلفه من ضحايا وخسائر مادية وبشرية وتهجير للسكان.
أولاً الحرب الجارية على قطاع غزة :
الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على القطاع ومقاتلي حماس مثال حي على تأثير تجارة الأسلحة على استمرار الحروب، حيث تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في إمداد إسرائيل بالأسلحة في الوقت الذي تُتهم فيه إسرائيل يإرتكاب عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي وتهجير قسري لسكان قطاع غزة، ويرجع ذلك إلى تغليب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات القانونية والإنسانية، فعلى الرغم من صدور مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتانياهو من المحكمة الجنائية الدولية إلا أن الولايات المتحدة لا تعير ذلك اهتمام ومازالت تتجنب خيار حجب تصدير الأسلحة إلى حليفتها في الشرق الأوسط مهما كانت تكلفة الحرب ومهما تمادت حليفتها، وتعتبر الولايات المتحدة حرب إسرائيل على غزة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ أنها معركة مشروعة ضد الإرهابيين لذلك تستمر بدعمها بالسلاح.
-
دور التسليح الأمريكي في استمرار الحرب على غزة:
تُعد واشنطن هي الممول الأول للحرب الإسرائيلية على غزة وأكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، حيث تشكل ٦٩٪ من واردات الأسلحة إلى إسرائيل من الولايات المتحدة، والتي لعبت دور هام في إعطاء القدرة لإسرائيل على فتح جبهتي حرب على حماس في قطاع غزة وعلى حزب الله في لبنان، كما أنها تقوم بالتوسع في الأراضي السورية بعد سقوط نظام الأسد وقصف منشآت عسكرية حيوية في الدول، وتوفر الولايات المتحدة الألاف من القنابل والصواريخ والطائرات من نوع F-35 و F-16 اللتان لديهما قدرة تدميرية عالية للقيام بكل تلك العمليات والمهام المتعددة العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في جبهات الحرب التي فتحتها، كما اُستخدمت قنابل أمريكية الصنع تزن الواحده منها أكثر من ٢٠٠٠ رطل في اغتيال قائد حزب الله حسن نصر الله في بيروت.[1]
وفي ديسمبر الماضي من عام ٢٠٢٣ أعلن بايدن عن بيعتين عاجلتين لإسرائيل باستخدام سلطة الطوارئ لتخطي المراجعة الكونجرسية، كانت إحدى المبيعات تتعلق بـ 14 ألف طلقة من ذخيرة الدبابات بقيمة 106 مليون دولار، في حين كانت الصفقة الأخرى تتعلق بمكونات لصنع قذائف مدفعية عيار 155 ملم بقيمة 147 مليون دولار.[2]
-
مبيعات بعض شركات الأسلحة الأمريكية البارزة:
زادت مبيعات الأسلحة لبعض شركات الأسلحة البارزة في السنتين الأخيرتين ومن ضمنهم خمس شركات أمريكية بارزة وهي شركات آر تي إكس (RTX) التي تعرف باسم رايثيون(Raytheon) وهي مسؤولة عن دعم طائرات F-16 بصواريخ أرض جو كما تصنع محركات طائرات F-15 و F-16، بالإضافة إلى شركة لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) وهي أكبر شركات تصنيع الأسلحة عالميًا والمسؤولة عن توفير طائرات F-35 و F-16 للجيش الإسرائيلي ، وتتعاون مع شركة لوكهيد مارتن شركة NORTHROP GRUMMAN) (المسؤولة عن تطوير نظام رادار “لونج بو ” لمروحيات أباتشي وتصنع محركتها T700 عن طريق شركةGeneral Electric) )، كما زادت مبيعات شركة (BOEING) التي تصنع طائرة F-15 ومروحيات أباتشي إي إتش-64 الهجومية، وقد سجلت مبيعات الأسلحة الأمريكية أرقام قياسية بوصولها إلى ٢٣٨ مليار دولار، بزيادة في عام ٢٠٢٣ بنسبة 16% عن عام ٢٠٢٢، وقد سجلت مبيعات الشركات الخاصة 157.5 مليار دولار مبيعات مباشرة، و 80.9 مليار دولار عبر الحكومة الأمريكية.[3] كما سجلت شركة بي إيه إي سيستمز BAE Systems البريطانية التي تصنع مجموعة إطلاق الصواريخ الإلكترونية لطائرات F-15 و F-16 و F-35 أرباحًا قياسية بنحو 207 مليار جنية إسترليني ومبيعات بنحو 25.3 مليار جنيه إسترليني عام ٢٠٢٣.[4]
وتصنع تلك الشركات قذائف وقنابل وأنظمة صواريخ تباع جميعها إلى الجيش الإسرائيلي الذي يستخدمها في قصف المدنيين في قطاع غزة ولبنان، وقد استخدمها مؤخراً في سوريا كما استخدمها في الرد على إيران ومن المحتمل استخدامها اذا قرر الجيش الإسرائيلي قصف الحوثيين في اليمن، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة الانتحارية التي تباع إلى الجيش الإسرائيلي، هذه الزيادة الضخمة في المبيعات وعائدات شركات الأسلحة تشير إلى فاعلية سوق السلاح العالمي في أوقات الحروب الذي يؤدي بدوره إلى استمرار النزاعات الدولية والإقليمية، فلولا توفر الأسلحة وتساهل هذه الشركات في بيع الأسلحة لدول النزاع لما تمكنت تلك الدول من توسيع رقعة الصراع والاستمرار في الحروب .
-
تجارة الأسلحة بين أوروبا واسرائيل:
كما كان للدول الأوروبية المتحالفة مع إسرائيل باع كبير في الحرب الجارية من خلال عقد العديد من صفقات الأسلحة مع إسرائيل والتأكيد في مناسبات عديدة على إلتزامهم تجاه إسرائيل، ويمكن عرض أبرز أشكال الدعم الأوروبي في النقاط التالية:
-
تُعد ألمانيا هي أكبر ممولي إسرائيل بالسلح في عام ٢٠٢٣ حيث وصلت نسبة مساهمتها في التسليح الإسرائيلي إلى ٣٠٪ ولكن تراجعت هذه النسبة في عام ٢٠٢٤، وقد أكد المستشار الألماني أولاف شولتز أن “ألمانيا لم توقف إمداد إسرائيل بالأسلحة وأن برلين ستستمر بإمدادها بالمزيد”.[5]
-
تلتزم إيطاليا أيضا بالوفاء بالإتفاقيات المبرمة بينها وبين إسرائيل قبل عملية طوفان الأقصى بخصوص توريد صفقات الأسلحة إلى إسرائيل وخصوصا الطائرات الهيليكوبتر والبنادق، كما أن إيطاليا شريك مهم في صنع الطائرة المقاتلة F-35، ولكن قد ذكر وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تيجاني أن إيطاليا قد أوقفت إرسال الأسلحة لإسرائيل فيما بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣مع التزامها بالوفاء بكل الصفقات التي عُقدت قبل هذا التاريخ.[6]
-
فيما تراجعت عمليات تصدير الأسلحة إلى إسرائيل من المملكة المتحدة، حيث أوقفت العديد من تراخيص الأسلحة لإسرائيل خصوصا بعد فوز حزب العمال في يوليو بالانتخابات، حيث كان هناك تقييم صادر عن جهات رسمية من الحكومة ينذر بأنه هناك مخاطرة واضحة بأن تكون تلك الأسلحة يتم استخدامها لتسهيل سلسلة لا متناهية من العنف وانتهاك القانون الدولي الإنساني في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقد أشار نتنياهو أن قرار المملكة المتحدة مخزي.[7]
-
وقد قامت إسرائيل ببناء قدراتها العسكرية وصناعاتها الدفاعية بمساعدة الولايات المتحدة وتقبع الآن في المركز التاسع عالميًا كأكبر القوى المصدرة للأسلحة في العالم، ووفقًا لمؤسسة ستوكهولم الدولية لأبحاث السلام تقوم إسرائيل بتصدير الأسلحة بنسبة ٣٧٪ إلى الهند، ١٢٪ إلى دولة الفلبين، بالإضافة إلى ٨٫٧٪ للولايات المتحدة ، حيث تمثل صادرات إسرائيل للأسلحة ٢٫٣٪ من المبيعات العالمية للأسلحة بين عامي ٢٠١٩إلى ٢٠٢٣، وفي سبتمبر ٢٠٢٣ قبل عملية طوفان الأقصى بشهر، قامت ألمانيا بعقد صفقة مع إسرائيل لشراء منظومة الدفاع الصاروخي Arrow 3 التي تعترض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وكانت تلك الصفقة هي الأكبر من نوعها بالنسبة للمنظومات الدفاعية الإسرائيلية.[8]
هذا القدر من التجارة والتعاون مع دولة إسرائيل التي تنتهج سياسة خارجية وداخلية عنيفة قائمة على استراتيجية العنف المسلح وإحلال السلام بالقوى المسلحة لا يقوم إلا بزيادة رقعة الصراع وتشجيع إسرائيل على التمادي في عملياتها المسلحة وفتح جبهات حرب عدة، نظراً لتوفر الأسلحة بغزارة شديدة وتوفر الدعم المادي والسياسي والغطاء الشرعي من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نددت إسرائيل ببعض الأصوات التي نادت بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل نظرًا للاتهامات الموجهة لها بارتكاب إبادة جماعية وانتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية.
ثانيًا الصراع في السودان:
يبدو أن السودان أصبحت سوق واسع وكبير لشركات الأسلحة سواء المملوكة للدول أم الشركات الخاصة، وكلاهم يتغذى على الصراعات لتحقيق مكاسب إقتصادية ضخمة جراء عمليات البيع والتوريد إلى طرفي النزاع، سواء كان هذا التوريد يتم بطريقة مباشرة أو طريقة غير مباشرة، مما يؤدي إلى استمرار النزاعات المسلحة وتوسيع رقعة الصراع، وفي الغالب يكون تجارة الأسلحة وتصديرها من الشركات التابعة والمملوكة للدول إلى أحد طرفي النزاع يكون ورائه دافع سياسي أكثر منه إقتصادي، ويمكن عرض أهم الموردين للأسلحة في الصراع السوداني في النقاط التالية:
دور الشركات الصينية في الصراع:
-
في تقرير نشرته منظمة العفو الدولية في يوليو ٢٠٢٤ وجد أن دول مثل روسيا والصين تورد أسلحة ومعدات عسكرية حديثة الصنع بكميات كبيرة إلى السودان ويتم توزيعها في كافة مناطق الصراع خاصة دارفور، تلك الأسلحة يتم استخدامها بشكل كبير لارتكاب جرائم حرب وتوسيع رقعة الصراع.[9]
-
حددت منظمة Human Rights Watch صور تظهر وجود طيارات بدون طيار من صنع شركة DJI، وهي شركة تجارية مقرها الصين مختصة في صنع الطائرات بدون طيار، وقد تم استخدام هذه الطائرات أربع مرات من قبل طرفي النزاع في السودان تحديدا ثلاث مرات من قبل قوات الدعم السريع RSF، ومرة واحدة من قبل القوات المسلحة السودانية SAF، وتُعد هذه الطائرات من سلسلة DJI MATRICE، وهي قادرة على حمل ذخيرة متفجرة وقد استخدمتها قوات الدعم السريع على نطاق واسع في مناطق أم درمان والفاشر.[10]
-
فيما قالت شركة DJI “أنها ليست على علم باستخدام لطائرات DJI بدون طيار من قبل الأطراف المتحاربة في السودان، وأن سياساتها طويلة الأجل تتوجه نحو منع استخدام منتجات الشركة لأغراض قتالية”،[11] وهو ما يشير إلى احتمالين، أولهم هو تنصل الشركات المصدرة للأسلحة في مناطق النزاع من المسؤولية الأخلاقية الواقعة عليهم جراء تجارتهم في مناطق يباد فيها المدنيين ونفي الشركة تورطهم في دعم مثل هذه الحروب التي ينتج عنها خسائر بشرية ضخمة وانتهاكات عديدة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والاحتمال الثاني أن هذه المنتجات لا يتم توريدها مباشرة إلى أطراف النزاع بل تأتي عبر دولة أخرى ترعى هذا النزاع، تقوم بشراء تلك الأسلحة من الشركات ومن ثم توريدها إلى حليفها من أطراف النزاع بشكل أو بآخر، ما يؤدي إلى تفاقم النزاع بين الأطراف المتحاربة.
-
وقد لوحظ استخدام أجهزة تشويش الطائرات بدون طيار Drone Jammers من قبل قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، وهي من تصنيع شركة Greetwin’ ‘الصينية وشركة ‘ChingKong Technologies’، كما لوحظ استخدام بندقية تشويش بدون طيار SkyFend Hunter Drone Jammer gun’ ‘صينية الصنع.[12]
-
وتستخدم قوات الدعم السريع ذخائر هاون صينية الصنع Chinese-made Mortar ammunition ، وقد ادعت قوات الدعم السريع أنها استولت على تلك الذخائر من القوات المسلحة السودانية ولكن لا يوجد دليل على ذلك، كما تستخدم قوات الدعم السريع قذائف هاون طويلة المدى من عيار 82 ملم من النوع PP87 وهي ذخيرة مصنوعة في شركة مملوكة لدولة الصين.[13]
أسلحة روسية وإيرانية وصربية في الصراع السوداني:
-
وأفادت Human Rights Watch أن هناك استخدام لصواريخ كورنيت Kornet’ ‘الموجهة المضادة للدبابات ، وهي صواريخ روسية الصنع من قبل قوات الدعم السريع، كما وجدت طائرة رباعية بدون طيار مجهزة بذخائرحرارية عيار ١٢٠ ملم من صنع شركة يوغويمبورت Yugoimport’ ‘وهي شركة أسلحة صربية مملوكة للدولة، وتستخدم القوات المسلحة السودانية طائرات بدون طائرات بدون طيار من نوع مهاجر ٦ إيرانية الصنع، وذلك وفقًا لتقارير صادرة عن وكالة رويترز وبلومبرغ أن إيران تورد تلك الطائرات إلى الجيش السوداني.[14]
ثالثًا تداعيات استمرار تسليح أطراف النزاع:
تداعيات الحرب في الغزة والسودان تفاقمت كثيراً نظراً لطول مدة الحرب، فإن حرب غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر بعد عملية طوفان الأقصى مر عليها عام ومايزيد عن الشهرين، وكذلك الحرب السودانية التي بدأت في ١٥ ابريل ٢٠٢٣، وتعددت تلك التباعيات من أزمات إنسانية حادة وتهجير للسكان ومجاعة وعمليات إبادة جماعية في كلا المنطقتين مما أسفر عن وجود دمار شامل أتلف القدرة على الحياة في تلك المناطق، ويمكن مناقشة تلك التداعيات في النقاط المقبلة:
-
يقدر تقييم أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (UNESCWA) يشير فيه أن معدل الفقر في دولة فلسطين ارتفع إلى 74.3% في عام ٢٠٢٤وقد أثر على ٤.١ مليون شخص من بينهم سكان قطاع غزة بالكامل، الذين يعانون الجوع والتهجيروعمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي.[15]
-
ويشير التقييم إلى أن خطة إعادة إعمار غزة بشكل شامل على مستوى المساعدات الإنسانية وإنعاش البنية التحتية يمكن لها أن تحقق نتائج فعالة تساعد الشعب الفلسطيني بحلول عام ٢٠٣٤، وهذا السيناريو في حالة عدم وضع أي تعقيدات من قبل الحكومة الإسرائيلية لعملية الإنعاش وإعادة الإعمار.[16]
-
هناك معاناة واضحة وخسائر مروعة في الأرواح في قطاع غزة تعرض مستقبل الأجيال القادمة للخطر نظراً لتدني المساعدات الإنسانية التي تصل إلى القطاع وتعقيدات الجيش الإسرائيلي الذي يحول دون وصولها، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة أن ٤١٪ من سكان قطاع غزة يعانون درجة عالية من المجاعة منذ إبريل الماضي، وأن أكثر من ١.٩ مليون غزوي تم تشريده.[17]
-
كما تعاني السودان من حرب أهلية دموية شردت المواطنيين السودانيين وأود بحياة الآلاف منهم، حيث دفعت الحرب في السودان إلى فرار ١١ مليون سوداني من منزله، فيما يحتاج أكثر من نصف سكان السودان إلى المساعدات الإنسانية، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن أكثر من ١٨ مليون سوداني يعانوا مجاعة قاتلة جراء الحرب الجارية، ما يهدد بإحتمالية موت الملايين من السودانيين وكذلك الغزويين بسبب نقص الغذاء أو إنعدامه.[18]
-
فيما قد نزح أكثر من ٧ مليون سوداني جراء اشتعال الحرب في السودان التي يتم استخدام فيها أسلحة ذات قدرة تدميرية مميتة على نطاق واسع في السودان، ومن المتوقع أن يحتد وينتشر الصراع في مناطق أكثر، وذلك كما ذكرت أنه بسبب تمويل الأسلحة اللامتناهي، حيث يرى كل طرف أنه له الحق في الانتصار وأن روايته هي الصحيحة ويغض النظر عن الخسائر البشرية الضخمة التي جاءت جراء حرب همجية.[19]
-
ويشير تقرير صادر عن معهد لندن للصحة والطب الإستوائي London School of Hygiene and Tropical Medicine أن عدد الضحايا في الخرطوم يفوق 61 ألف شخص لقوا حتفهم لأسباب متعددة، وبينهم ٢٦ ألف شخص ماتو نتيجة العنف المباشر أي القتل، وأشار التقرير إلى أن الأمراض المعدية والمنتشرة في السودان هي أحد الأسباب الرئيسية للوفاة،[20] فيما أعلنت وزارة الصحة في غزة إلى ارتفاع عدد القتلى جراء القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 45.097 وأرتفع عدد الإصابات إلى 107.244 منذ بدء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.[21]
كل هذه التداعيات أتت نتيجة العنف المسلح واستمرار تجارة الأسلحة في مناطق النزاع وإمداد الأطراف المتنازعة بمختلف الأنواع الفتاكة من الأسلحة التي تخلف دمار شامل على مستوى الخسائر البشرية أو البنية التحتية.
وختامًا،
إن هناك تأثير ضار ملحوظ جراء عملية بيع وتجارة الأسلحة إلى مناطق النزاعات وقد لوحظ ذلك في الصراع الجاري في غزة والسودان تحديداً من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وقد حاول كثيراً صانعوا السياسات التحكم في توريد الأسلحة خصوصا في مناطق النزاع عن طريق توقيع معاهدات دولية منظمة وتشريعات داخلية أخرى، ولكن غالبًا ما يواجه هذا التوجه الإنساني سياسات شركات الأسلحة الكبرى الخاصة، التي تسهم بشكل واضح في استمرار الحروب والنزاعات بقيامها وبدون تردد بتجارة الأسلحة مع أطراف النزاع سواء تمت عملية البيع بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.
ومن المحتمل أن تقوم تلك الشركات بالاستمرار في عمليات البيع والتجارة مع أطراف النزاع طالما لا تواجه رادع قوي وفعال لسياسات تسليح مناطق النزاع التي ينتهجوها، مما سيؤدي إلى استمرار حلقة القتال والعنف المسلح بشكل مستمر إلى أن ينتصر طرفًا ما على الآخر.
المصادر:
[1] Antoinette Radford, Who supplies Israel with weapons?, CNN October 16, 2024
https://edition.cnn.com/2024/10/16/middleeast/where-israel-get-its-weapons/index.html
[2] Ibid
[3] أثرياء الدم.. شبكة شركات السلاح المستفيدة من حرب غزة، الجزيرة نت، ٦ يوليو ٢٠٢٤
[4] Ibid
[5] Gaza war: Where does Israel get its weapons? , BBC
https://www.bbc.com/news/world-middle-east-68737412
[6] Antoinette Radford, Opt.Cit.
[7] Zain Hussain, How top arms exporters responded to the war in Gaza? STOCKHOLM INTERNATIONAL PEACE RESEARCH INSTITUTE (Sipri), 3 Oct, 2024
[8] Ibid
[9] Fanning the Flames “Sudanese Warring Parties’ Access To New Foreign-Made Weapons and Equipment”, Human Rights Watch September 9, 2024 , https://www.hrw.org/news/2024/09/09/fanning-flames
[10] Ibid
[11] Ibid
[12] Ibid
[13] Ibid
[14] Ibid
[15] New UN report: Impacts of war have set back development in Gaza by as much as 69 years, UN Development Programme (UNDP), 22 Oct, 2024
[16] Ibid
[17] Conflict-induced famine, hunger deaths likely in Gaza, Sudan in months: UN, Aljazeera, 31 Oct 2024
[18] From Gaza to Sudan, conflict is driving a rise in hunger worldwide, Global Rights Compliance, 2 Feb 2024
[19] Ibid
[20] ‘Invisible and severe’ death toll of Sudan conflict revealed, London School of Hygiene & Tropical Medicine (LSHTM), 13 Nov 2024,
https://www.lshtm.ac.uk/newsevents/news/2024/invisible-and-severe-death-toll-sudan-conflict-revealed
[21]صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع
RT, 18 Dec 2024