المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > شراكةِ متجددةٌ: القمةُ العاشرةُ للآليةِ الثلاثيةِ بين مصرَ وقبرص واليونان
شراكةِ متجددةٌ: القمةُ العاشرةُ للآليةِ الثلاثيةِ بين مصرَ وقبرص واليونان
- يناير 10, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
إعداد: أحمد فهمي
منسق برنامج دراسات الدول التركية
احتضنتْ القاهرةُ أعمالَ القمةِ العاشرة للآلية الثلاثية بين مصر وقبرص واليونان، إلى جانب الاجتماع الثاني للجنة الحكومية العليا المشتركة بين مصر وقبرص، بحضورِ زعماءِ الدول الثلاث، وتأتي هذه الاجتماعات في سياقٍ سياسيٍ متقلبٍ تمرُ به منطقةُ الشرق الأوسط، التي تشهدُ تطوراتٍ ذات انعكاسات هامة على أمن واستقرار منطقة شرق المتوسط.
وصدر عن القمة إعلانٌ مشتركٌ يُجددُ التزام الأطراف الثلاثة بالعمل الجماعي لتعزيز الأمن والازدهار الاقتصادي والتنمية المستدامة، ليس فقط لشعوبها، بل للمنطقةِ الأوسعِ في شرق المتوسط والشرق الأوسط، كما أكدت على أهمية التضامن المتبادل في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، مستندةً إلى شراكةٍ استراتيجيةٍ ترتكز على الثقة والاحترام المتبادل والتعاون البنّاء.
دلالاتُ الإعلانِ المشتركِ للقمة:
شكّلَ الإعلانُ المشتركُ الذي صدر عن القمة العاشرة، خطوةً استراتيجيةً هامةً نحو تعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تزدادُ تعقيدًا في منطقة شرق المتوسط، حيث يُعتبرُ هذا الإعلانُ تجسيداً لرؤيةٍ مشتركةٍ تستهدف تفعيل التعاون في مجالات متعددة، ويعكس في جوهره استجابة للمتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.
تحالفٌ إستراتيجيٌ متعدد الأبعاد:
من أبرز الدلالات التي تضمنها الإعلان هو تأكيدهُ على تعميقِ التحالفِ الثلاثيِ، الذي يمتد ليشملَ مجالاتٍ أكثر تنوعًا وتشعبًا، فالدول الثلاث تعمل على تعزيز التنسيق لمواجهة التهديدات الإقليمية المتزايدة، والذي يضمنُ أيضًا تعزيزَ السيادة الوطنية لكل دولة وضمان الاستقرار الإقليمي، وذلك من خلال التأكيد على التزامهم بالتفعيل الكامل لأمانة دائمة لآلية التعاون الثلاثي.
دورُ مصرَ المحوري في الاستقرار الإقليمي:
لا شك أن الدورَ المصريَ تصدر الأولويات في هذا الإعلان، حيث تم التركيز على جهود مصر الدبلوماسية المتواصلة لحلِ الأزماتِ في المنطقة، ومن أبرزها: الحرب في غزة، الأزمة السودانية، وأزمة السد الإثيوبي، حيث تسعى مصر إلى التوصل إلى حلولٍ عادلّةٍ ومتوازنةٍ تعكسُ مصالحَ جميع الأطراف. تزامنًا مع ذلك، جاء الترحيب بترفيع العلاقات المصرية الأوروبية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهو ما يعكس إدراكًا أوروبيًا لأهمية الدور المصري في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
التعاونُ في قطاع الطاقة:
من بين المحاور الأساسية التي تم التأكيدُ عليها هو التعاونُ الثلاثيُ في قطاع الطاقة، لا سيَّما في مجال الغاز الطبيعي، حيث تتطلع الدول الثلاث إلى استكشاف وتطوير موارد الغاز في شرق المتوسط وفقًا للقانون الدولي، مما يسهم في ضمان تأمين إمدادات الطاقة وعدم تعطيلها بسبب التوترات الناتجة عن النزاعات البحرية، وتظهر هذه الجهود التعاون البنّاء بين الدول الثلاث لتوفير بنيةٍ تحتيةٍ مشتركةٍ تُسهمُ في ربطها بأوروبا، مما يعزز من حضورها في أسواق الطاقة الأوروبية المتزايدة.
التحدياتُ البيئيةُ وأولوية حماية البحر المتوسط:
تزدادُ أهميةُ التعاونِ البيئي بين الدول الثلاث في ضوء التحديات المناخية التي تؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على منطقة البحر المتوسط، حيث يؤكد الإعلان على أهميةِ حمايةِ البيئةِ البحريةِ والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتأتي هذه المبادرة في إطار رؤيةٍ شاملةٍ تهدف إلى ضمانِ استدامةِ الموارد المائية وحمايتها من التلوث، ما يعكسُ التزامَ الدول الثلاث بالحفاظ على البيئة البحرية وتطوير استراتيجيات أمن مائي مشتركة.
التعاونُ الثقافيُ والإنساني:
برزَ التعاونُ الثقافيُ بين الدول الثلاث كأحد أبرز محاور التعاون، في إطار مبادرة “إحياء الجذور-نوستوس”، التي تهدفُ إلى تعزيزِ الروابط الثقافية بين الشعوب الثلاثة، وتساهم في التفاهمِ بين الأجيال الشابة، وهو ما يعززُ العلاقاتِ الإنسانيةَ التي تُعدُ أساسًا مهمًا لاستدامة التعاون على المدى الطويل، كما يُعتبر هذا التوجه جزءًا من رؤيةٍ إستراتيجيةٍ أوسع تسعى إلى بناءِ جسورِ تواصلٍ بين الشعوب وتعميق التفاعل الثقافي المشترك.
تعاونٌ مستدامٌ في مجالات حيوية:
في إطار هذا التعاون، لم تقتصرْ العلاقاتُ بين الدول الثلاث على المجالات التقليدية مثل السياسة والأمن فحسب، بل تعدتها إلى مجالات حيوية أخرى مثل الرعاية الصحية، السياحة، وعلم الآثار، والشباب والرياضة، ويظهرُ هذا التوسعُ في التعاون. إن التحالفَ بين هذه الدول يشمل أيضًا مجالاتٍ حياتيةً تؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على رفاهية شعوبها، وهذا النوع من التعاون يسهم في بناء جسور من الثقة بين المواطنين ويعزز من عمق العلاقات الثنائية، ما يساعد في تكوين بيئة إقليمية أكثر استقرارًا وتعاونًا.
آفاقُ التعاونِ والتحديات المحتملة التي تواجه شراكة الدول الثلاث:
أولًا: آفاق التعاون:
-
يعدُ تعزيز التعاون الأمني والتنسيق المشترك بين مصر وقبرص واليونان أمرًا أساسيًا مجال الأمن البحري ومكافحة الإرهاب والتهريب، لتأمين الحدود البحرية وضمان حرية الملاحة في منطقة شرق المتوسط.
-
التعاونُ المشتركُ في مشاريع الطاقة يُسهمُ في تعزيز أمن الطاقة في المنطقة، ويمكن أن يمتدَ ليشملَ إنشاء ممراتٍ لنقل الغاز إلى أسواق الطاقة الأوروبية، مما يعزز النفوذ الاقتصادي لهذه الدول وُيسهمُ في الاستقرار الاقتصادي الإقليمي.
-
التعاونُ في مواجهة التحديات البيئية لحماية البيئة البحرية والتنوع البيولوجي، والعمل على تطوير استراتيجيات للتصدي لتغير المناخ وتلوث البحار، عبر تطويرِ سياساتٍ مشتركةٍ لحماية البيئة البحرية وضمان استدامة الموارد الطبيعية يمكن أن يكون ركيزة أساسية للتعاون المستدام بين الدول الثلاث.
-
التعاونُ الدبلوماسيُ لحلِّ النزاعات الإقليمية مثل تلك المتعلقة بالحدود البحرية والنزاعات حول الموارد الطبيعية، عبر تسوية هذه القضايا من خلال المفاوضات والتعاون الدبلوماسي.
-
التنميةُ الاقتصاديةُ والتعاونُ التجاري من خلال خلق منطقة اقتصادية مزدهرة تستفيد من تكامل اقتصاداتها، مع وجود آفاق واعدة في مجالات مثل السياحة، الزراعة، والصناعات البحرية، وتطوير مشروعات مشتركة تؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي لكل دولة، وفي الوقت نفسه تسهم في استقرار المنطقة اقتصاديًا.
ثانيًا: التحديات المحتملة:
-
يشهدُ شرقُ المتوسط إعادةَ ترتيبٍ للنفوذ الإقليمي بعد التغيرات الكبرى التي شهدتها سوريا، ففي أعقاب سقوط نظام الأسد، تنامت الطموحات التركية في المنطقة، حيث تسعى أنقرة إلى تعزيز وجودها البحري استنادًا إلى “الوطن الأزرق”، مما يثيرُ قلقًا بين جيرانها حول ترسيم الحدود البحرية في المنطقة، وهذا يضعُ مصرَ وقبرص واليونان أمام تحدي تنسيق مواقفهم بشأن قضايا الحدود البحرية.
-
أثارتْ نوايا تركيا بشأنِ ترسيم حدودها البحرية مع سوريا اعتراضات شديدة من اليونان، التي ترى أن الحكومةَ السوريةَ الانتقالية غير مؤهلة قانونياً لتوقيع اتفاقيات ذات طابع دولي، ويعكسُ هذا الموقفُ تصاعدَ التوتر بين أنقرة وأثينا، حيث تعتبر الأخيرة هذه الخطوة تهديدًا مباشرًا لحقوقها السيادية في المنطقة، وهذه التوترات المتزايدة بين الطرفين تُقوضُ فُرصَ الوصول إلى حلول دبلوماسية، وهو ما يعكس التحديات القائمة في تعزيز التعاون الأمني بين الدول الثلاث.
-
جاءت تصريحاتُ رئيس الوزراء اليوناني «كيرياكوس ميتسوتاكيس» بشأن احتمال “التدخل العسكري” لحماية حقوق بلاده في الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة، كتصعيدٍ حذرٍ في خطاب أثينا تجاه أنقرة، وعلى الرغم من أجواء التهدئة النسبية والحوار بين البلدين في الفترة الأخيرة، فإن الخلافاتِ المتعلقةَ بترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط لا تزال مستعصية على الحل، مما يبقي احتمالات التصعيد قائمة.
-
تُثيرُ التكهناتُ حول احتمالية وجود اتفاق تركي-روسي بالتنسيق مع الولايات المتحدة (في ضوء مساعي ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا) لنقلِ القواعدِ العسكرية الروسية من سوريا إلى ليبيا قلقًا متزايدًا بشأن تداعياته على الأزمة الليبية، حيث قد تؤدي هذه الخطوةُ إلى تعقيدِ الوضعِ في ليبيا، التي تعاني من انقسام بين حكومتين في الشرق والغرب، ما يجعلها ساحة جديدة للصراعات الجيوسياسية الكبرى، وتفتحُ هذه التحركات المجال أمام تركيا لتعزيز دورها في تحديد مستقبل المنطقة، من خلال استغلال علاقتها مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة.
-
تشهدُ المنطقةُ استحداثَ عددٍ من مشاريع الطاقة التي تحملُ أبعادًا استراتيجيةً، من أبرزها سعيُ تركيا لإحياء مشروع نقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر سوريا وتركيا، وكذلك دعمها لحكومة الغرب الليبي في مشروع مقترح لنقل الغاز النيجيري عبر ليبيا والنيجر إلى أوروبا، وتعكس هذه المشاريع محاولةَ تركيا تعزيز نفوذها في سوق الطاقة الأوروبي، لا سيما في ظل الفشل النسبي لدول شرق المتوسط في إنشاء ممر طاقة فعال لنقل الغاز المكتشف إلى أوروبا.