المقالات
دمشق بين “أطماع العثمانية” ومشروع “إسرائيل الكبرى”: كيف يحتدم تنافس أنقرة وتل أبيب على النفوذ في سوريا؟
- يناير 12, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
أدى إسقاط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد، إلى تغير موازين القوى الإقليمية والدولية في سوريا؛ حيث بينما تراجع النفوذ الإيراني والروسي، برزت القوتين الإقليميتين، تركيا وإسرائيل، كأكثر المستفيدين الاستراتيجيين من هذا التطور، مما قد يُنذر باحتدام الصراع والتنافس بينهما على النفوذ في دمشق، نظرًا لتباين وتناقض مصالحهما وأهدافهما في الساحة السورية، وهو ما يضع سوريا بين حلم “إحياء العثمانية” لأنقرة ومشروع “إسرائيل الكبرى” لتل أبيب:
أولًا؛ “سوريا الجديدة” وخدمة المصالح التركية:
في أعقاب انهيار نظام الأسد، برزت تركيا كأكثر الفاعلين الإقليميين تأثيرًا في المشهد السوري، نظرًا لعلاقاتها الوطيدة بجماعات المعارضة السورية المسلحة، وخاصةً هيئة تحرير الشام التي سيطرت على الحكم في دمشق، والجيش الوطني السوري، وقد اتضح ذلك في عدة مؤشرات؛ أهمها[1]:
-
تصريحات القادة الأتراك والسوريين في الإدارة الجديدة، وخاصةً تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده ستدعم سوريا سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا في مرحلة ما بعد الأسد.
-
زيارات كبار المسؤولين في أنقرة إلى سوريا؛ مثل زيارة رئيس المخابرات إبراهيم كالن، ووزير الخارجية هاكان فيدان.
-
فتح السفارة التركية في دمشق بعد إغلاق دام قرابة الـ12 عامًا، لتكون أول دولة تقدم على هذه الخطوة.
-
إعلان وزارة الدفاع التركية، استعدادها للتعاون مع سوريا لتأسيس جيش سوري موحد، وتقديم خبراتها في مجال الصناعات الدفاعية، والإسهام في بناء هيكل أمني وعسكري مستقر في دمشق.
-
تصريح وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، في 24 ديسمبر 2024، استعداد أنقرة لبدء مفاوضات مع سوريا بشأن ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، بما يساهم في تعزيز نفوذ البلدين في استكشاف موارد الطاقة.
ولا شك أن التغيرات التي طرأت على الداخل السوري، وتعزيز تركيا لنفوذها في سوريا، يحقق لأنقرة العديد من المكاسب على الأصعدة المختلفة؛ حيث:
-
على الصعيد الأمني؛ تشترك تركيا مع سوريا في أطول حدود برية لها، تمتد لأكثر من 900 كيلومتر، وبالتالي تُعد الدولة السورية امتدادًا حيويًا واستراتيجيًا للأمن القومي التركي، والذي تسعى أنقرة إلى تأمينه من خلال التصدي للنزعة الإنفصالية للأكراد الذين يتمركزون في شمال سوريا وجنوب تركيا، وللجماعات الكردية المسلحة، التي تعتبرهم أنقرة أكبر تهديدًا أمنيًا يواجهها في الوقت الحالي.
ولذلك؛ ترى تركيا في سقوط نظام الأسد، فرصة مهمة لإطلاق يدها في الشمال السوري، والتصعيد في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والتي تعتبرها أنقرة امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه على أنه منظمة إرهابية، ولهذا؛ مع سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، اندلع قتال محتدم بين الجيش الوطني السورى الموالي لتركيا والقوات الكردية في شمال شرق سوريا، وخاصةً في مدينة منبج القريبة من الحدود التركية، وتل رفعت وعين العرب “كوباني”، وذلك بغرض القضاء على التهديد الكردي وإنشاء منطقة آمنة في الداخل السوري بعمق 30 كم على طول الحدود السورية التركية.[2]
وفي السياق ذاته؛ تحشد تركيا قواتها على طول الحدود مع سوريا، استعدادًا لتوغل أوسع في مناطق الإدارة الذاتية التي يسيطر عليها الأكراد، حيث أفادت صحيفة وول ستريت جورنال بأن القوات التي تحشدها أنقرة تضم مقاتلين من الفصائل الموالية لها، وقوات كوماندوز، ومدفعية تركية بأعداد كبيرة، تتركز بالقرب من عين العرب، مشيرة إلى أن الحشد التركي مماثل لتحركات أنقرة التي سبقت عمليتها العسكرية عام 2019.[3]
هذا إلى جانب إعلان تركيا عن إنشاء قاعدتين عسكريتين كبيرتين بالقرب من حمص في سوريا، مجهزتين بأنظمة دفاع جوي متقدمة، فيما تشير تقارير إلى أنها تفكر أيضًا في إنشاء قاعدة ثالثة بالقرب من دمشق.[4]
-
على الصعيد الاقتصادي؛ تحاول تركيا الاستفادة من الوضع الحالي في سوريا من أجل تحقيق عدة منافع اقتصادية؛ أولها؛ ملف الطاقة وخاصةً الغاز الطبيعي، حيث أن ورقة الغاز هي عنصر أساسي في السياسة الخارجية التركية، إذ تسعى أنقرة إلى التحول لمركز عالمي للغاز، ولهذا؛ سارعت تركيا إلى إعلان استعدادها لترسيم الحدود البحرية مع سوريا في منطقة البحر المتوسط.
وفي حال تم مثل هذا الاتفاق؛ فإنه قد يمنح أنقرة حقوقًا بحرية إضافية في المياه الإقليمية بالبحر المتوسط، ويعزز السيادة التركية في مناطق شرق المتوسط، خاصةً فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، واحتياطيات الطاقة، وحرية الملاحة.
يُضاف إلى ذلك؛ تتطلع تركيا بعد التخلص من الأسد إلى إحياء بعض مشاريع الطاقة المختلفة؛ مثل مشروع خط الأنابيب الذي يهدف إلى ربط حقول الغاز الطبيعي في قطر بتركيا عبر السعودية والأردن وسوريا، والذي من شأنه أن يحول دمشق إلى مركز عبور أساسي لموارد الطاقة، ومشروع إنشاء خط أنابيب جديد لنقل النفط من سوريا إلى تركيا، مع إمكانية دمجه مع خط الأنابيب الذي يربط العراق بتركيا.[5]
أما ثاني الملفات؛ فهو ملف التجارة، حيث تتمتع سوريا بموقع جغرافي يمنحها أهمية استراتيجية باعتبارها ممرًا للنقل والتجارة؛ ولهذا تسعى أنقرة إلى الاستفادة من هذا الموقع من خلال عدة مشاريع، مثل إعادة شق خط الحديد الحجازي، إسطنبول- دمشق، وشق طريق سريع بين تركيا وسوريا. يُضاف إلى ذلك؛ أن السوق السورية ستشكل مساحة واسعة للتجارة ولتصريف البضائع التركية.
وثالث الملفات؛ هو ملف إعادة الإعمار، إذ تسعى تركيا لتكون صاحبة الحصة الأكبر من الاستثمارات المتعلقة بإعادة الإعمار في سوريا، وهو ما سيعني انتعاشًا واسعًا للشركات التركية، وبالتالي الاقتصاد التركي الذي يعاني من معدلات تضخم مرتفعة.[6]
-
على الصعيد السياسي؛ حققت تركيا عدة مكاسب من سقوط نظام الأسد؛ أولها؛ تعزيز نفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط، وذلك على حساب قوى أخرى مثل إيران وروسيا، وثانيها؛ رحيل نظام الأسد الموالي لطهران، ومجيء إدارة سياسية جديدة موالية لأنقرة، مما قد يمهد لصياغة نظام حكم جديد في دمشق يراعي مصالح تركيا، ويكون حليفًا إستراتيجيًا لها، وذراعًا إقليميًا تستخدمه في ممارسة نفوذها في المنطقة.
أما ثالثها؛ فهو عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، مما يخلص تركيا من أحد أهم الملفات التي كانت تستخدمها المعارضة للضغط على النظام الحاكم في أنقرة برئاسة إردوغان، إذ تعتبر الحكومة التركية الآن أن موقفها السياسي باستقبال اللاجئين وصولًا إلى سقوط النظام، أضاف إلى رصيد إنجازاتها وأفقد المعارضة ورقة لطالما لوحت بها ضد الحكومة.[7]
ثانيًا؛ إسرائيل ومكاسب اللحظة الراهنة في سوريا:
لم تكن تركيا القوة الإقليمية الوحيدة التي تحركت لاستغلال معطيات اللحظة التالية لإسقاط الأسد، بل رأت إسرائيل أيضًا في تطورات الداخل السوري فرصة ذهبية لتحقيق بعض المكاسب؛ ولذلك أقدمت على عدة خطوات؛ منها[8]:
-
إعلان انهيار اتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، واحتلال المنطقة العازلة منزوعة السلاح بين إسرائيل وسوريا لأول مرة منذ حرب أكتوبر عام 1973.
-
الاستيلاء على موقع جبل الشيخ الاستراتيجي، ونشر قوات الجيش الإسرائيلي به، مما يمنح إسرائيل ميزة عسكرية واستراتيجية حاسمة، فبهذا التقدم، أصبحت القوات الإسرائيلية على بعد 40 كيلومترًا فقط من العاصمة السورية دمشق.
-
قصف ما تبقى من البنية التحتية العسكرية لنظام الأسد؛ حيث شنت غارات جوية كثيفة استهدفت المطارات العسكرية والطائرات ومخازن الأسلحة ومعسكرات الجيش والخنادق والأنفاق والمصانع العسكرية وكذلك الموانئ وأسطول سوريا البحري.
وعلى الرغم من إسرائيل قد أعلنت أن هذه الإجراءات سوف تكون مؤقتة، وأنها جاءت بدافع حماية الأمن القومي الإسرائيلي، إلا أن هناك أهداف ومكاسب أخرى تسعى تل أبيب إلى بلوغها من توغلها البري في سوريا؛ ومنها:
-
على المستوى الأمني؛ تسعى إسرائيل إلى استغلال الضربة التي تلقتها طهران برحيل بشار الأسد، من أجل مواجهة التهديد الإيراني في سوريا، وخاصةً فيما يتعلق بنقل الأسلحة إلى حزب الله اللبناني، ولذلك تواصل تنفيذ غاراتها الجوية التي تستهدف القواعد والمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، فضلًا عن الممرات البرية التي تربط دمشق ببيروت، تحت ذريعة استخدام تلك الطرق لتقديم الدعم العسكري لحزب الله.
يُضاف إلى ذلك؛ يمنح التوغل الإسرائيلي في جنوب سوريا، تل أبيب القدرة على تأمين حدودها مع مرتفعات الجولان ومستوطناتها من أي تهديدات أمنية معادية، كما يمنحها الفرصة لتأمين عمليتها العسكرية في الجنوب اللبناني؛ حيث أن الحدود السورية اللبنانية هي أحد نقاط الضعف الرئيسية أمام عمليات إسرائيل العسكرية في لبنان، وبالتالي التوغل العسكري الإسرائيلي داخل الحدود السورية، يمكن تل أبيب من تأمين ظهير عملياتها العسكرية في الداخل اللبناني، ومحاصرة حزب الله، من خلال الدخول إلى الأراضي اللبنانية شرق نهر الليطاني عبر الأراضي السورية وفتح جبهة قتال جديدة، تكون أحد أهدافها الفصل بين البقاع والجنوب، خاصةً مع سيطرة تل أبيب على جبل الشيخ الاستراتيجي.[9]
-
على الصعيد السياسي؛ تستفيد إسرائيل من تطورات المشهد السوري الحالية سياسيًا بشكل كبير؛ حيث أولًا؛ رحل نظام الأسد الموالي لإيران، العدو الأكبر لتل أبيب، وجاءت إدارة سياسية جديدة أعلنت صراحةً أنها لا ترغب في دخول حرب مع إسرائيل، وهذا يتفق مع تصريح محافظ دمشق الجديد ماهر مروان، بأن “الحكومة السورية الجديدة لا تهدد أمن إسرائيل، وتريد تسهيل العلاقات الودية بين البلدين”.[10]
وثانيًا؛ تخدم التطورات الميدانية الحالية مشروع “إسرائيل الكبرى”؛ حيث أتاحت حالة الفوضي الأمنية في الداخل السوري، الفرصة لتل أبيب من أجل توسيع حدودها الإقليمية على حساب سيادة الدولة السورية، إذ باتت إسرائيل تحتل ما يقرب من 500 كم من الأراضي السورية بجانب مرتفعات الجولان، فضلًا عن موافقة الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتوسيع المستوطنات في الجولان.
ومع اقتراب تولي دونالد ترامب مهامه الرئاسية في 20 يناير الجاري، قد يتحول الاحتلال الإسرائيلي المؤقت للأراضي السورية، إلى واقع دائم، خاصةً وأن ترامب يتخذ مواقف مؤيدة لخطط إسرائيل التوسعية؛ إذ سبق وأشار إلى أن “مساحة تل أبيب صغيرة ويجب توسيعها”، كما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان خلال ولايته الأولى، بالإضافة إلى تأييده لضم إسرائيل مناطق بالضفة الغربية وشمال غزة.
ومن ثم؛ تسعى إسرائيل من توغلها البري في الجنوب السوري، وكذلك اللبناني، إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، تخدم مشروع “إسرائيل الكبرى” التوسعي، والذي يقوم على تغيير تل أبيب لمعطيات حدودها مع دول جوارها، من خلال الاحتلال العسكري أولًا، ثم التفاوض على الانسحاب ولكن في مقابل ترسيم جديد للحدود الإسرائيلية، يتفق مع الأمر الواقع الذي فرضته تل أبيب بالعنوة، وهو ما يُعرف باستراتيجية “السلام بالقوة”.
ثالثًا؛ تعارض المصالح وصراع النفوذ بين تركيا وإسرائيل:
يتضح مما ذُكر سابقًا؛ أن لكلًا من تركيا وإسرائيل مصالح وأهداف متباينة في سوريا، وهو ما يُرجح أن يكون الصراع على النفوذ في الأراضي السورية، نقطة خلاف جديدة بين أنقرة وتل أبيب، تُضاف إلى القضايا العالقة التي تعكر صفو العلاقات بين الدولتين:
-
حرب كلامية على خلفية الوضع في سوريا:
تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة التصريحات التي أطلقتها تركيا وإسرائيل تجاه بعضهما البعض، وذلك فيما يخص تحركات كلاهما في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد؛ حيث[11]:
-
أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم 23 ديسمبر الماضي، أن “أي انتهاك لوحدة أراضي سوريا، سيكون تجاوزًا للخط الأحمر بالنسبة لتركيا، ولن تتراجع أنقرة أبدًا عن هذا المبدأ”، مشيرًا إلى أن “بلاده ستقف دائمًا إلى جانب سوريا والإدارة الجديدة”، مشددًا على أن “إسرائيل ستضطر للانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها”.
-
أدان بيان للخارجية التركية، يوم 16 ديسمبر، قرار إسرائيل بتوسيع المستوطنات في مرتفعات الجولان، كما دعى إلى الالتزام باتفاقية فك الارتباط لعام 1974، فيما طالب الأمم المتحدة بالعمل على إخراج إسرائيل وإلزامها باحترام السيادة السورية.
-
أشار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى أن “احتلال إسرائيل لأراضي جديدة في جنوب سوريا، يضع عملية السلام بسوريا في خطر”، مضيفًا “كما فعلت تل أبيب في غزة ودمرتها بالكامل، ها هي الآن تسعى إلى تكرار الأمر نفسه مع دمشق”.
-
صرح زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، المتحالف مع الرئيس التركي، بأن “إذا واصلت إسرائيل طموحها التوسعي بالسياسات الاستبدادية، فأن المواجهة بين إسرائيل وتركيا قد تصبح أمرًا لا مفر منه”، مضيفًا “من يضع عينيه على دمشق، سيتلقى صفعة عثمانية في تل أبيب والقدس، وطالما تم فتح دمشق، فإن فتح القدس أيضًا بات قريبًا”.
-
في المقابل؛ ردت الخارجية الإسرائيلية على طلب أنقرة بسحب القوات، مصرحة بأن “تركيا يجب أن تكون آخر دولة تثير قضية الاحتلال في سوريا، لأن القوات التركية تعمل في ذلك البلد منذ عام 2016، وتحتل نحو 15% من أراضي سوريا، كجزء من حملة عدوان وعنف غير مبررة ضد الأقلية الكردية”.
-
أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان الإسرائيلي يولي إدلشتاين، أن “العلاقات مع تركيا في وضع سيئ بالتأكيد، وقد يتطور الأمر إلى اشتباكات فيما يتعلق بسوريا”.
-
نقاط الخلاف بين الدولتين حول الملف السوري:
– تناقض رؤى الدولتين لمستقبل الدولة السورية؛ ترى إسرائيل أن من مصلحتها تشكيل سوريا ضعيفة مفككة، تحكمها مناطق ذات حكم ذاتي، وهو ما يتيح لها ضمان أمن حدودها في الجولان، وتوسيع نفوذها العسكري والسياسي دون عوائق، واحتلال المزيد من الأراضي السورية، بينما ترغب تركيا في الحفاظ على وحدة سوريا بعيدًا عن أي سيناريوهات للانفصال، خوفًا من انعكاسات ذلك على الداخل التركي.
– التنافس التركي الإسرائيلي على مشاريع الطاقة في سوريا؛ يُعد الصراع على موارد الطاقة في شرق المتوسط، أحد المحاور المركزية التي تؤجج التوتر بين الدولتين؛ حيث ترغب تركيا في فرض سيطرتها على مساحات بحرية إضافية في البحر المتوسط من خلال ترسيم الحدود مع الإدارة السورية الجديدة، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاقتصادية في المنطقة.
يُضاف إلى ذلك؛ ترى إسرائيل أن إحياء أنقرة لمشروع خط أنابيب الغاز التركي القطري الذي سيمر عبر الأراضي السورية، يهدد جدوى الممر الهندي الأوروبي الذي يربط أوروبا بميناء حيفا الإسرائيلي، والذي من شأنه، في حال تنفيذه، أن يجعل تل أبيب حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا.[12]
– تخوف إسرائيل من المحور السني الذي تقوده تركيا في سوريا؛ ترى تل أبيب أن المحور السني الجديد الذي تقوده تركيا في دمشق، وحل محل المحور الشيعي الإيراني، قد يصبح تهديدًا محتملًا مباشرًا للأمن القومي الإسرائيلي، وذلك نظرًا للخلفية المتشددة لهيئة تحرير الشام وارتباطها السابق بتنظيم القاعدة، وهو أمر لا يمكن لإسرائيل أن تغض النظر عنه، مهما حاولت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، طمأنة الحكومة الإسرائيلية بتصريحات إيجابية حول عدم نيتها الدخول في حرب تهدد تل أبيب.
– الدعم الإسرائيلي للجماعات الكردية السورية؛ تلعب تل أبيب بورقة الأكراد السوريين في وجه تركيا، مما يثير غضب أنقرة التي تعتبر هذا الملف تهديدًا وجوديًا وأمنيًا لوحدة وسلامة الدولة التركية، فبينما تصنف تركيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وحزب العمال الكردستاني جماعات إرهابية، بدأت إسرائيل مؤخرًا في التواصل مع ممثلي المنطقة الكردية في شمال سوريا عبر قنوات مختلفة، فيما صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أن “إسرائيل يجب أن تعد الأكراد المضطهدون من قبل تركيا، حلفاء طبيعيين، ويجب أن تعزز العلاقات معهم وغيرهم من الأقليات في الشرق الأوسط”.[13]
– خشية إسرائيل من إحياء أطماع “العثمانية التركية”؛ تنظر تل أبيب بعين الريبة والشك إلى توسع تركيا في سوريا بعد سقوط الأسد، وبروزها كأكثر الفواعل الإقليمية تأثيرًا في النظام الإقليمي الجديد الذي يتشكل الآن في الشرق الأوسط، لأنها ترى ذلك على أنه مقدمة لعودة إحياء الفكر العثماني الجديد، من خلال نشر نموذج الأنظمة الإسلامية المعتدلة، التي تحاول هيئة تحرير الشام تقديمه حاليًا في دمشق، والتي ستكون تحت قيادة تركيا، بما يتفق مع فكرة “الخلافة الإسلامية” التي سبق وأن راهنت عليها أنقرة في فترة سابقة.
ولكن؛ على الرغم من اختلاف الرؤى بين تركيا وإسرائيل فيما يخص الملف السوري، فإنه من غير المرجح أن يصل الصراع بينهما على النفوذ في سوريا، إلى حد المواجهة المباشرة، نظرًا لعدة أسباب؛ منها اشتراك الطرفين في موقفهما من النفوذ الإيراني في سوريا، والعلاقات الاقتصادية المهمة التي تربط أنقرة وتل أبيب، فضلًا عن شراكات الدولتين مع الولايات المتحدة، التي توازن بين الدور الإقليمي لكلا من تركيا وسوريا.
ويُستدل على ذلك؛ من خلال ما كشفته القناة الـ 12 الإسرائيلية، يوم 27 ديسمبر 2024، حول إرسال تركيا عدة رسائل إلى إسرائيل، تطالب فيها بإنشاء آلية تنسيق مع الجيش الإسرائيلي في سوريا، على غرار الآلية التي كانت بين روسيا وإسرائيل.[14]
رابعًا؛ ملاحظات ختامية:
– باتت سوريا ساحة لصراع القوى الإقليمية متباينة المصالح والأهداف، وعلى رأسها تركيا التي تهدف إلى خلق منطقة نفوذ في شمال البلاد، وإسرائيل التي تحاول الحد من النفوذ الإيراني وتوسيع حدودها الاستراتيجية في المنطقة.
– الصراع التركي الإسرائيلي في سوريا ليس حتميًا، لكنه محتمل في ظل استمرار تضارب المصالح، ومدى قدرة الطرفين على إدارة الخلافات والتقاطعات عبر قنوات دبلوماسية وتنسيق أمني ضمني، هي التي ستحدد بشكل كبير مستقبل الدولة السورية في الفترة المقبلة.
– لا يمكن اختزال المشهد الجديد في سوريا على الدور التركي والإسرائيلي فقط، بل هناك قوى إقليمية ودولية أخرى ستكون مؤثرة أيضًا في رسم ملامح الملف السوري، وعلى رأسها الدول الخليجية التي يبدو أن يكون لها دور واضح في ملف إعادة الإعمار، وإيران التي لم تخرج بشكل كامل من المشهد حتى وإن تراجع دورها.
– لا شك أن سوريا التي تهيمن عليها تركيا، أفضل بكثير لإسرائيل من سوريا التي تهيمن عليها إيران؛ حيث أن أنقرة لا تُعد عدو ومهدد للأمن القومي الإسرائيلي كما كانت طهران، وبالتالي؛ قد تتقبل تل أبيب أن تنسق مع تركيا في دمشق.
المصادر:
[1] محمود سمير، تركيا وسوريا الجديدة، تلفزيون سوريا، 29/12/2024، متاح على الرابط: https://www.syria.tv/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-
[2] سوريا الجديدة.. معارك نفوذ وشبح تقسيم يرسمان سيناريو صادم، المصري اليوم، 11/12/2024، متاح على الرابط: https://www.youm7.com/story/2024/12/11/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A
[3] ما أبعاد الدور التركي في سوريا بعد سقوط حكم الأسد؟، بي بي سي، 17/12/2024، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/c390dzm7gmgo
[4] دريد شبلي، سباق الهيمنة في الشرق الأوسط على أشده بين طهران وأنقرة، جيروزاليم بوست، إيلاف، 5/1/2025، متاح على الرابط: https://elaph.com/Web/News/2025/01/1557666.html
[5] أحمد سلطان، توقعات مستقبلية: الدور التركي في إعمار سوريا وإحياء مشروع خطوط أنابيب الغاز، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 30/12/2024، متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/51214/
[6] محمود الأسعد، المشروع التركي في سورية .. بين النجاح والفشل، موقع العهد الإخباري، 25/12/2024، متاح على الرابط: https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=77686&cid=124
[7] محمود سمير، تركيا وسوريا الجديدة، مرجع سابق.
[8] حلمي موسى، فرصة إسرائيل وقلقها من سوريا، الجزيرة القطرية، 31/12/2024، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2024/12/31/%D9%81%D8%B1%D8%B5%D8%A
[9] بسمة سعد، سقوط نظام الأسد: كيف تُوظف إسرائيل الوضع الراهن في سوريا؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 12/12/2024، متاح على الرابط: https://ecss.com.eg/50615/
[10] هل تدخل تركيا في صراع مباشر مع إسرائيل في سوريا بعد انحسار نفوذ إيران؟، روسيا اليوم، 27/12/2024، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/prg/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AA%
[11] دريد شبلي، المبررات والذرائع المعلنة للخلاف.. الأكراد والجولان، صحيفة إيلاف الإسرائيلية، 17/12/2024، متاح على الرابط: https://elaph.com/Web/News/2024/12/1556122.html
[12] تركيا وإسرائيل في سوريا.. المواقف والأدوار، مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير، 3/1/2025، متاح على الرابط: https://www.almanar.com.lb/12988549?s=tg
[13] طارق الشامي، هل تضبط واشنطن إيقاع التنافس التركي – الإسرائيلي في سوريا؟، اندبندنت عربية، 23/12/2024، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/614322/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%
[14] “صراع ناعم”.. كيف يتعاظم الوجود التركي والإسرائيلي في سوريا؟، رويترز، موقع إرم نيوز الإماراتي، 28/12/2024، متاح على الرابط: https://www.eremnews.com/news/arab-world/7kdq1lb