المقالات
“تداعيات النزاع المائي بين إيران وطالبان: الأبعاد الجيوسياسية وفرص التعاون الإقليمي”
- يناير 19, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
مصطفى مقلد
باحث فى العلوم السياسية
شهدت آسيا الوسطى مؤخرا تصاعدًا ملحوظًا في التحديات المرتبطة بتغير المناخ، حيث أدت أنماط الطقس غير المستقرة إلى اضطراب الممارسات الزراعية التقليدية، إضافة إلى تسارع ذوبان الأنهار الجليدية الرئيسية، مما أثر بشكل مباشر على مصادر المياه في المنطقة، وهو ما رصدته تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وأشارت إلى أن آسيا الوسطى تُعد من أكثر المناطق تأثرًا بتغير المناخ، إذ ترتفع درجات الحرارة فيها بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي، وهو ما يهدد بجفاف البحيرات الذي يحمل تأثيرات بيئية واقتصادية كبيرة على السكان والنظام البيئي المحيطين، نظرًا لأن غالبية المياه المتاحة في أفغانستان وإيران تستهلك للري.
وأصبحت أزمة المياه في آسيا الوسطى، أزمة واقعية وليست مجرد تهديد مستقبلي، وقد كشف ذلك عن الحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات مناخية شاملة ومستدامة، الأمر الذي من المفترض أن يدفع دول المنطقة إلى البحث عن استراتيجيات فعالة للتكيف وتعزيز التعاون الإقليمي للحد من التأثيرات طويلة الأمد على النظم البيئية والمجتمعات المحلية.[1]
سياق تاريخي:
إن النزاعات المائية بين إيران وأفغانستان قائمة منذ أكثر من 150 عامًا، وتعود إلى الفترة التي كانت فيها أفغانستان محمية بريطانية، فجاء ترسيم الحدود الإيرانية الأفغانية على طول الفرع الرئيسي لنهر هلمند، وفي عام 1939، أدت المناقشات الجادة بين حكومة رضا شاه بهلوي الإيرانية وحكومة محمد ظاهر شاه الأفغانية إلى معاهدة بشأن تخصيص المياه لكل دولة، والتي لم يصادق عليها الأفغان، واشتد النزاع في الخمسينيات من القرن الماضي عندما بنت أفغانستان سدين على نهر هلمند، واتخذت الدولتان خطوات لإحياء بحيرة هامون على الحدود الإيرانية الأفغانية في عامي 2015 و2016. ومع ذلك، توقفت الجهود لأسباب عديدة، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران والتي قيدت الأموال الدولية.[2]
وبالرغم من أن أفغانستان تشترك مع خمسة من دول جوارها في مياه الأنهار، إذ تشترك مع طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان في نهر أمو جيحون، ومع تركمانستان وإيران في نهر هريرود، ومع إيران وحدها في نهر هلمند، ومع باكستان في نهر كابول، إلا أنها قد وقعت اتفاقية تقاسم المياه مع إيران فقط، خلال عام 1973، ومع ذلك لم تحل الخلافات بين البلدين بشأن المياه[3]، وتحوز أفغانستان 57 مليار متر مكعب من متوسط الأنهار السنوي، ولكنها لا تستهلك إلا أقل من 30%، ويذهب المتبقي من المياه إلى دول الجوار: شرقا إلى باكستان، وغربا إلى إيران، وشمالا إلى دول آسيا الوسطى.[4]
تطورات غير توافقية:
مطلع يناير الجاري، أعربت وزارة الخارجية الإيرانية عن قلقها الشديد إزاء مشروع سد باشدّان الذي تبنيه أفغانستان على نهر هريرود والذي يتدفق من جبال وسط أفغانستان إلى تركمانستان، ويمر على طول حدود إيران مع كلا البلدين، معتبرة أنه يقيّد تدفق المياه إلى إيران وقد يشكّل انتهاكًا للاتفاقيات الثنائية، وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، نقل المخاوف إلى السلطات الأفغانية. ومن جانبه، أوضح نائب رئيس الوزراء الأفغاني عبدالغني برادر أن السد، الواقع في ولاية هرات، بات قريبًا من الاكتمال وسيخزن 54 مليون متر مكعب من المياه، مما سيساهم في ري 13 ألف هكتار وتوليد 2 ميغاوات من الكهرباء.[5]
ليست المرة الأولى:
وسبق أن قامت أفغانستان ببناء سدود مثل سد “كجكي” وسد “كمال خان على نهر هلمند الذي يشكل مصدرًا رئيسيًا للزراعة ومياه الشرب في مناطق واسعة من أفغانستان وإيران، ويصب في بحيرة هامون الواقعة جنوب شرقي إيران، والتي تعد أكبر بحيرة للمياه العذبة في البلاد، وهذا الأمر جعل النهر قضية وطنية في إيران حيث حافظت الحكومات على نفس الموقف من ضرورة الحفاظ على تدفقات المياه[6]، وكذلك في أفغانستان، فوفقا للأمم المتحدة، يفتقر نحو 80% من سكان أفغانستان إلى الوصول إلى ما يكفي من المياه النظيفة.[7]
وفي عام 2023، عانت منطقة بلوشستان الإيرانية من أزمة شح مياه بسبب جفاف النهر، مما يهدد بموت بحيرة هامون، ما دفع إلى توترات وتصريحات حادة بين إيران وأفغانستان، فضلاً عن اندلاع اشتباكات بين حرس الحدود الإيراني والأفغاني، رغم توقيع “معاهدة هلمند” في عام 1973، والتي تعهدت بموجبها أفغانستان بتزويد إيران بحصة من مياه النهر تبلغ 820 مليون متر مكعب، لكن إيران اتهمت أفغانستان مرارًا بعدم الوفاء بهذه الالتزامات.[8]
أزمة إيران المائية:
يعد القطاع الزراعي هو أكبر مستهلك للمياه في إيران[9]، وقد أثرت العقوبات الدولية في دفع إيران إلى استخدام أكثر من 90 في المئة من المياه في زراعة كثيفة الاستهلاك للمياه مثل القمح والرز وقصب السكر لتحقيق الاكتفاء الذاتي[10]، وتساهم عوامل أخرى في مفاقمة سوء إدارة الحكومة لموارد البلاد المائية، فالتغير المناخي والنمو السكاني يضيفان عبئًا على توفير المياه ويسببان اضطرابات اجتماعية، وتفسح القوانين التي مررتها الحكومة المجال أمام الإفراط في استخراج المياه وإساءة استعمالها، فاستعمال حقوق المياه الجوفية يخضع لقانون ملكية الأراضي، ما يتيح للأفراد استخراج المياه من الآبار بقدر ما يشاؤون دون أي إشراف حكومي مناسب، في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن 97 في المائة من مساحة البلاد تعاني من الجفاف بدرجة معينة.[11]
أزمة تتمدد إقليميا:
وسط غياب الآليات القانونية الدولية الكفيلة بحلحلة الوضع وقلق الدول المشاطئة، استئنفت طالبان إنشاء مشروع قناة “قوش تيبا” العملاق على نهر آموداريا بهدف توفير 9 مليارات متر مكعب من المياه سنويا، مما يساهم في ري أكثر من 700 ألف هكتار من الأراضي الزراعية شمالي البلاد، وأكد الخبراء أن ذلك سيفاقم من أزمة نقص الموارد المائية في تركمانستان وأوزبكستان اللتين تعتمدان على النهر[12]، وفي هذا السياق، عارضت تركمانستان الخطوة وطالبت أوزبكستان بعقد المفاوضات بشأن تقسيم وإدارة المياه.
وكان قد أدى انهيار الاتحاد السوفياتي إلى إحداث تغييرات جوهرية في إدارة موارد المياه في آسيا الوسطى، حيث وقع وزراء المياه في الدول الخمس: كازاخستان وقرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان عام 1992 اتفاقية التعاون المائي والالتزام بحصص المياه في الحقبة السوفياتية، لكنهم تجاهلوا حصة أفغانستان.[13] وقد أنشأت الاتفاقية اللجنة المشتركة لتنسيق المياه في آسيا الوسطى، والتي لا تشمل أفغانستان، للإشراف على توزيع الموارد المائية.
ويبدو أن حفر أفغانستان لقناة قوش تيبا من شأنه أن يعطل هذا النظام، حيث سيعيق القطاع الزراعي في تركمانستان التي تعتمد على نهر أمو داريا في توفير نحو 90% من إمداداتها من المياه، وستؤثر القناة على الزراعة في أوزبكستان، والتي يرتبط فيها ما يقرب من 40 في المائة من السكان بالزراعة، بشكل مباشر أو غير مباشر. [14]
كما تمول الهند بناء سد شاهتوت بالقرب من كابول ما من شأنه أن يقلل من تدفق المياه إلى باكستان، بنسبة 16 إلى 17 في المائة بعد اكتماله والسدود الأخرى المخطط لها.[15]
العلاقات الإيرانية مع طالبان:
لم تعترف إيران رسميًا بحكومة طالبان، بل اكتفت بالحفاظ على علاقات تنسيقية مع الحركة، وبدأ التفاعل الدبلوماسي بين طهران وطالبان في أكتوبر 2021، حيث تم تسليم السفارة الأفغانية في طهران إلى دبلوماسيين من طالبان في 26 فبراير 2023، مما شكل خطوة كبيرة نحو تعميق العلاقات، كما لم تغلق إيران سفارتها في كابول بعد استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان في 2021.[16]
وتركزت الاجتماعات بين الجانبين على قضايا محددة مثل أمن الحدود، خاصة فيما يتعلق بتجارة المخدرات، بالإضافة إلى فرص التعاون في مجالات مثل الطاقة، التعدين، الزراعة، السكك الحديدية، والصحة. ومنذ مايو 2022، أصبحت هذه الاجتماعات أكثر عمقًا ولم تقتصر على تبادل الآراء فقط، بل تطورت إلى صفقات ثنائية ومناقشات حول التعاون في عدة مجالات. ومن أبرز النتائج توقيع اتفاقية تتعلق بأمن الحدود للحد من الاتجار بالبشر وتهريب المخدرات، وإنشاء لجنة مشتركة لتنسيق الدوريات الحدودية. كما تم الاتفاق تمديد خط الأنابيب بين البلدين وإنشاء مصافي مشتركة.[17]
أسباب تجنب إيران التصعيد مع حركة طالبان:
-
تدرك إيران أن الدخول في صراع مباشر مع حركة طالبان سيكون مكلفًا للغاية، خاصة أن طالبان تمتلك خبرة طويلة في خوض حروب التمرد. لذلك، تتجنب طهران الانخراط في مواجهة عسكرية قد تستنزف قدراتها، إذ ليس من الحكمة فتح جبهة جديدة في ظل التهديدات المحتملة من واشنطن أو تل أبيب. كما أن أي حرب طويلة مع طالبان قد تضعف موقف إيران التفاوضي مع الغرب، خصوصًا في حال استئناف المحادثات حول الاتفاق النووي.
-
تخشى إيران من تراجع قبضة طالبان على الحكم في أفغانستان لصالح تنظيم داعش خراسان، الذي يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الإيراني. هذا الاحتمال قد يفتح المجال أمام عمليات إرهابية تستهدف الداخل الإيراني، مما يدفع طهران لتجنب إضعاف طالبان التي تشكل حائط صد أمام داعش.
-
تسعى طهران إلى منع استغلال أقلية البلوش في محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية مع أفغانستان كقاعدة لدعم التنظيمات المسلحة المناوئة للنظام الإيراني، مثل جماعة جيش العدل البلوشي. هذه المنطقة تعاني من اضطرابات متواصلة وتزايدت فيها الدعوات للانفصال عن إيران بسبب السياسات القمعية التي تنتهجها السلطات، مما يزيد من مخاوف طهران من تصاعد النزعة الانفصالية في حال اندلاع صراع مع طالبان.[18]
-
تحرص إيران على الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية في أفغانستان، حيث تعد السوق الأفغانية مصدرًا حيويًا للمنتجات الإيرانية، خصوصًا في ظل العقوبات المفروضة على طهران، والتصعيد مع طالبان قد يؤدي إلى إغلاق المنافذ الحدودية وقطع العلاقات التجارية، مما يضر بالاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بشكل كبير على تصدير الوقود والمواد الغذائية إلى أفغانستان. وفي تصريح له لوكالة ” إيرنا ” الإيراني يقول عبد السلام جواد المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة الأفغانية إن حجم التبادل التجاري بين أفغانستان وإيران في 2023 وصل إلى مليارين و992 مليون دولار[19].
وفي نوفمبر 2023 أي بعد 6 أشهر من تبادل إطلاق النار بسبب الخلافات حول حصة إيران من مياه نهر هلمند الحدودي، أعلنت إيران وحركة طالبان، خلال زيارة وفد من الحركة إلى العاصمة طهران، إبرام عدد من مذكرات التعاون الاقتصادي بين الجانبين.[20]
-
رغم الخلافات الطائفية بين إيران الشيعية وطالبان السنية، تسعى طهران لتجنب تصاعد الصراع الطائفي الذي قد يستغل لتأجيج العداء ضدها في دول الجوار السنية أو بين الأقليات السنية داخل إيران. كما تسعى للحفاظ على نفوذها في أفغانستان عبر علاقاتها مع بعض الجماعات العرقية والدينية، مثل الهزارة الشيعة، خوفًا من فقدان هذا النفوذ في حال التصعيد مع طالبان، الأمر الذي قد يدفع الحركة إلى التقارب مع خصوم إيران الإقليميين.
-
بالإضافة إلى ذلك، فإن أي تصعيد قد يؤدي إلى موجة جديدة من اللاجئين الأفغان إلى إيران، مما يشكل عبئًا إضافيًا على الاقتصاد الإيراني المتأزم. كما أن إيران تشارك في مكافحة تهريب المخدرات عبر حدودها مع أفغانستان، وأي صدام مع طالبان قد يهدد هذا التعاون غير المعلن. في الوقت ذاته، قد ترى إيران في طالبان شريكًا غير مباشر في مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، مستفيدة من معاداة طالبان للولايات المتحدة. وأخيرًا، تسعى طهران لتجنب تأجيج النزاعات الإقليمية التي قد تؤدي إلى اضطراب التوازن الجيوسياسي في المنطقة.
التواصل الإقليمي مع طالبان:
أصبح التواصل الإقليمي مع حركة طالبان ضرورة تفرضها معطيات الواقع السياسي والاقتصادي في المنطقة، خاصة بعد أن وظفت طالبان ملف المياه كورقة ضغط قوية في علاقاتها مع الدول المجاورة، ومنها إيران. وفي ظل إدراك أن الخيار العسكري لن يُفضي إلى حل فعّال ومستدام، بات من الضروري رسم إطار واضح لتحديد درجة ومستوى التواصل السياسي مع طالبان، كمدخل أساسي لفتح قنوات تفاوضية حول تقاسم المياه وإدارة الموارد المائية المشتركة، وهو ما يمثل ورقة تفاوض قوية لدول الجوار حيث تعاني أفغانستان من مشكلة نقص المياه بسبب سوء الإدارة المؤسسية، فعلى الرغم من امتلاكها لموارد مائية كبيرة، فإنها غير قادرة على الاستفادة منها بشكل فعال، بجانب ذلك، فإن البنية التحتية للمياه الحالية متضررة بشدة وغير كافية بعد عقود من الحرب والصراع، ويعمل تغير المناخ على تفاقم المشكلة.
وتعتبر إدارة الثروة المائية بشكل فعال أمر جوهري لاقتصاد أفغانستان، لكن قطاع المياه في البلاد لا يزال يواجه تحديات مثل القيود المالية، ونقص البيانات، وضعف التنسيق، لذا يتعين على طالبان كسب ثقة الأفغان والمجتمع الدولي حيث سيعود ذلك بالعديد من المزايا مثل فك تجميد الأموال الأجنبية الأفغانية، ورفع العديد من المنظمات الدولية للعقوبات المفروضة على طالبان، والعضوية في المنظمات الحكومية الإقليمية والدولية. وفي الواقع، فإن اكتساب الشرعية يشكل مفتاح استقرار حكومة طالبان في أفغانستان، وبالتالي النمو الشامل لأفغانستان كأمة.[21]
سيتعين على الدول المجاورة، الانخراط في آليات إقليمية لمعالجة القضايا المائية، مع التأكيد على أهمية تحقيق استقرار أفغانستان كعامل أساسي لاستقرار المنطقة بأكملها، وطالبان كنظام يبحث عن الاعتراف الدولي وفرص التجارة والاستثمار في البنية الأساسية، فإن الحفاظ على علاقات دبلوماسية إيجابية مع جيرانه الشماليين يشكل أيضاً أولوية مهمة لطالبان، فأوزبكستان هي المورد الرئيسي للكهرباء إلى أفغانستان، في حين أن تركمانستان هي المورد للغاز إلى البلاد. ومن الممكن أن يؤدي استعداء البلدان المجاورة إلى تسريع تدهور العلاقات داخل منطقة آسيا الوسطى، مما يؤدي إلى تراجع التفاعلات التجارية والعزلة المحتملة[22].
على هذا الأساس، يجب أن تستعد طالبان للتعامل بمرونة مع المتغيرات الإقليمية والدولية عبر تقديم نموذج إيجابي للحكم يُعزز الثقة في نواياها تجاه جيرانها وشركائها المحتملين، ويتطلب ذلك من طالبان إظهار استعدادها للالتزام بالمعايير الدولية في إدارة المياه، والانخراط في حوارات بنّاءة تهدف إلى تحقيق مصالح متبادلة تقوم على حسن الجوار والتعاون المشترك.
وتزداد أهمية التواصل الإقليمي مع حركة طالبان في ظل دخول أطراف دولية مثل الصين والهند إلى معادلة التنافس الإقليمي في أفغانستان، حيث تسعى هذه الدول للاستفادة من حالة الصدام وعدم الاستقرار في المنطقة عبر تمويل ودعم مشاريع بناء السدود على الأنهار المشتركة دون وجود اتفاقيات أو أطر قانونية تنظم إدارة هذه الموارد المائية الحيوية.
تُدرك الصين أهمية أفغانستان كممر حيوي ضمن مشروع الحزام والطريق، وتسعى لتعزيز نفوذها من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك مشاريع المياه والطاقة. وبالمثل، ترى الهند في التعاون مع طالبان فرصة لتعزيز دورها في المنطقة عبر دعم مشاريع السدود والري، بهدف مواجهة النفوذ الباكستاني والصيني.
هذا الانخراط الدولي يُعقّد المشهد الإقليمي، ويزيد من الضغوط على دول الجوار مثل إيران ودول آسيا الوسطى، التي تجد نفسها أمام تحدٍ يتمثل في حماية حقوقها المائية وضمان عدم الإضرار بمصالحها الاستراتيجية. وفي ظل غياب إطار قانوني واضح ينظم هذه المشاريع، قد يؤدي هذا الواقع إلى تصاعد التوترات الإقليمية وزيادة حدة النزاعات على المياه.
التحديات التنموية في إيران وأهمية الاتفاق النووي:
مع تصاعد تحديات التنمية في إيران نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها، وتراجع نفوذ إيران في الشرق الأوسط، أصبح من الضروري لطهران تبني سياسة خارجية أكثر انفتاحًا تعتمد على التهدئة والحوار والتوافق مع القوى الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، باتت الحاجة مُلحّة لإحياء الاتفاق النووي كمدخل رئيسي لتخفيف العقوبات الاقتصادية التي أرهقت الاقتصاد الإيراني. فمن خلال رفع العقوبات، يمكن لإيران استعادة قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، والاستفادة من التقنيات الحديثة، وهو ما يُسهم في تمويل مشاريع التنمية الضرورية.
وتزداد أهمية هذا التحرك في ظل تدهور البنية التحتية للمياه، كما أن فتح قنوات التعاون مع الدول المتقدمة من خلال الاتفاق النووي سيُمكّن إيران من الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة والخبرات العالمية في إدارة المياه، مما يعزز قدرتها على مواجهة أزمات الجفاف والتصحر.
وفي هذا الصدد، فإن شكوى إيران مع السياسة التي تتبعها أفغانستان تجاه حصتها من المياه القادمة من أنهارها، فإن ذلك لابد أن يكون درس لإيران، فقد تبنت السياسة ذاتها مع العراق، حيث أقرت الحكومة الإيرانية عام 2011 مشروعاً يهدف إلى بناء 152 سداً على عدد من الأنهار، منها نهري وند وكارون الأمر الذي أضر بحصة العراق المائية، ما دعا العراق في يوليو 2021، إلى التلويح بلجوء بلاده إلى المؤسسات الدولية للشكوى ضد إيران، والمطالبة بالحصول على نصيب العراق العادل من الموارد المائية القادمة إليه من إيران.[23]
دور تمويل المساعدات الإنمائية:
تلعب المساعدات الإنمائية من المنظمات الدولية والدول المانحة دوراً لا يتجزأ في معالجة تحديات المياه، مثل المساعدة في تطوير البنية الأساسية للمياه، وإعادة تأهيل الأنظمة القائمة، وتحسين حوكمة المياه وبناء القدرات، وبناء وإعادة تأهيل أنظمة الري، وإعادة تأهيل محطات الطاقة الكهرومائية.[24]
توصيات:
-
يسهم تبادل البيانات الهيدرولوجية في تمكين الدول من الاستجابة السريعة والفعالة للتحديات المتعلقة بالمياه، مثل الجفاف، الفيضانات، وتلوث المياه، وتشمل الإجراءات الداعمة لهذا التعاون تنفيذ برامج للرصد المشترك للأنهار والبحيرات العابرة للحدود، إلى جانب تنظيم اجتماعات دورية لمراجعة مشاريع الهندسة المائية المخطط لها أو المقترحة، فضلًا عن إقامة مؤتمرات متخصصة في إدارة أحواض الأنهار.
-
تفعيل توصية بنك التنمية الأوراسي في تقريره لعام 2023 بضرورة إنشاء اتحاد المياه والطاقة الدولي لآسيا الوسطى، على أن يركز هذا الاتحاد على تنمية مشاريع الري والطاقة، على أن يهدف هذا الكيان إلى تعزيز التعاون الإقليمي في إدارة الموارد المائية والطاقة، بما يسهم في تحقيق الأمن المائي والغذائي وتلبية احتياجات التنمية المستدامة في المنطقة.[25]
-
بالنسبة إلى إيران وحكومة طالبان، البناء على معاهدة عام 1973 وتعديلها من أجل التوصل إلى قرار بين البلدين بشأن مواردهما المشتركة، ووضع لوائح فعّالة لإدارة المياه وسياسات عامة لحماية البيئة.[26]
-
قيام بعض المنظمات الدولية، وخاصة تلك الموجودة في أفغانستان، بما في ذلك برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، والبنك الدولي، بإنشاء صندوق للطوارئ المائية والمناخية في أفغانستان.
-
إدماج أفغانستان في الاتفاقيات الدولية والإقليمية بشأن استخدام مياه نهر أمو داريا.
-
تنويع المحاصيل الزراعية، وتحديث أنظمة الري، وتبني الممارسات المستدامة مثل إدخال التكنولوجيات المتقدمة.
المصادر:
[1] Central Asia’s Water Crisis Is Already Here.. https://linksshortcut.com/mkFOL
[2] Iran and Afghanistan are feuding over the Helmand River.. https://linksshortcut.com/lHlKG
[3] أزمة المياه: أبعاد الخلاف بين طهران وكابول.. https://acpss.ahram.org.eg/News/20906.aspx#
[4] إلى أين تتجه “حرب المياه” بين أفغانستان وإيران؟.. https://linksshortcut.com/bIjKd
[5] إيران تحتج على مشروع سد أفغاني في نزاع جديد على المياه.. https://linksshortcut.com/jdbcy
[6] إيران وأفغانستان.. المياه تهدد بنزاع و”المصالح” تستبعده.. https://linksshortcut.com/kwEbb
[7] يونيسف تحذر من أزمة مياه تلوح في الأفق في كابول.. https://linksshortcut.com/MJskt
[8] إيران وأفغانستان تقتربان من الحرب بسبب الخلاف على المياه.. https://linksshortcut.com/CrrJn
[9] للمزيد: أزمة المياه في إيران.. سؤال وجواب حول الأسباب والتحديات.. https://linksshortcut.com/IWoJK
[10] احتجاجات المياه في إيران… أزمة انطلقت لتستمر.. https://linksshortcut.com/pBifK
[11] خطر كبير يحدق بإيران: انعدام الأمن المائي.. https://linksshortcut.com/fjaNm
[12] هل يتسبب تعامل طالبان مع النهر الرئيسي في آسيا الوسطى باندلاع حرب مياه؟.. https://linksshortcut.com/JHWTa
[13] المرحلة الأولى لحفر قناة خوشتيبه شمالي أفغانستان.. https://linksshortcut.com/SdoCw
[14] Afghanistan’s Canal Project Looks to Deepen Uzbekistan and Turkmenistan’s Water Woes.. https://linksshortcut.com/sjeyB
[15] Afghanistan’s Rivers Could Be India’s Next Weapon Against Pakistan.. https://linksshortcut.com/DRihi
[16] إيران تضفي الطابع الرسمي على علاقاتها مع حركة “طالبان”.. https://linksshortcut.com/HJwtH
[17] نفس المصدر
[18] أسباب تحاشي إيران التصعيد مع حكومة طالبان الأفغانية.. https://linksshortcut.com/VaYTw
[19] لواء فاطميون بأفغانستان.. https://linksshortcut.com/LLDaV
[20] إيران وطالبان توقعان مذكرات تعاون اقتصادي.. https://linksshortcut.com/rhjUu
[21] Factoring Ethnicity in Taliban’s Quest for Legitimacy.. https://linksshortcut.com/ViFtX
[22] Afghanistan’s Canal Project Threatens Central Asian Water Security.. https://linksshortcut.com/WoIbm
[23] أزمة المياه: أبعاد الخلاف بين طهران وكابول.. https://acpss.ahram.org.eg/News/20906.aspx#
[24] Managing Afghanistan’s Water Crisis for Economic Resilience.. https://linksshortcut.com/GzzYs
[25] Oxford Researcher Suggests Measures to Address Central Asia’s Water Crisis .. https://linksshortcut.com/xNKdV
[26] Iran and Taliban readying for war: What’s different this time?.. https://nz.sa/aUDYP