المقالات
تحرك استباقي… روسيا وإيران يوقعان اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة تزامنًا مع عودة ترامب للبيت الأبيض
- يناير 23, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
قبل ثلاثة أيام فقط من تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وفي ضوء مجموعة من التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، قام الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بزيارته الأولى إلى موسكو يوم 17 يناير الجاري، حيث التقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وفي ختام هذه الزيارة؛ وقع الرئيسان على اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة، استغرق الإعداد والتحضير لها فترة تقارب الـ3 سنوات، وذلك بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات؛ بما في ذلك الأمن والدفاع والطاقة والتعاون النووي، وقد أثار توقيت هذه الخطوة، العديد من التساؤلات حول دلالات وأهداف هذه الشراكة، وما تحمله من رسائل وخاصةً للرئيس الأمريكي الجديد:
أولًا؛ التعاون الأمني والعسكري حاضرًا في بنود الاتفاقية:
تُعتبر اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة حديثًا، بديلًا لاتفاقية التعاون المبرمة بين البلدين في عام 2001، وتتكون من 47 بندًا، تغطي كامل نطاق العلاقات الروسية الإيرانية متعددة الأوجه لمدة 20 عامًا؛ بما في ذلك تعزيز التعاون في المجالات العسكرية والسياسية والتجارية والاقتصادية، وتطوير العلاقات الثنائية في المجالات العلمية والتعليمية والثقافية والإنسانية والتقنية والبيئية، وفيما يلي أبرز بنود الاتفاقية[1]:
-
المادة1؛ يسعى الطرفان إلى تعميق وتوسيع العلاقات في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التعاون في مجال الأمن والدفاع، وتنسيق الأنشطة على المستويين الإقليمي والعالمي بشكل وثيق، بما يتفق مع شراكة شاملة وطويلة الأمد واستراتيجية.
-
المادة2؛ يلتزم الطرفان بتنفيذ سياسة دولة تقوم على الاحترام المتبادل للمصالح الوطنية ومصالح الأمن، ومبادئ التعددية، والتسوية السلمية للنزاعات، ورفض الأحادية القطبية والهيمنة في الشؤون العالمية، فضلًا عن مكافحة تدخل أطراف ثالثة في الشؤون الداخلية والخارجية للطرفين المتعاهدين.
-
الفقرة الثالثة من المادة3؛ إذا تعرض أي من الطرفين المتعاهدين للعدوان، فإن الطرف الآخر لن يقدم للمعتدي أي مساعدة عسكرية أو غيرها من المساعدات التي من شأنها أن تساهم في استمرار العدوان، ويضمن تسوية أي نزاعات تنشأ وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي الأخرى المعمول بها.
-
الفقرة الرابعة من المادة3؛ لا يسمح الطرفان المتعاهدان باستخدام أراضيهما لدعم الحركات الانفصالية وغيرها من الأعمال التي تهدد استقرار وسلامة أراضي الطرف المتعاهد الآخر، وكذلك لدعم الأعمال العدائية ضد بعضهما البعض.
-
المادة4؛ من أجل تعزيز الأمن الوطني ومواجهة التهديدات المشتركة، سيتم تبادل المعلومات والخبرات بين أجهزة الاستخبارات والأمن في الطرفين، وتعزيز تعاونهما بهذا الشأن في إطار اتفاقيات منفصلة.
-
المادة5؛ يشمل التعاون العسكري بين الطرفين المتعاهدين مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك تبادل الوفود العسكرية والخبراء، وزيارات الموانئ من قبل السفن والبواخر العسكرية للطرفين، وتدريب الأفراد العسكريين، وتبادل الطلاب والأساتذة من الضباط، بينما سيشمل التعاون الدفاعي بينهما إقامة عمليات بحث وإنقاذ بحرية مشتركة، فضلًا عن مكافحة القرصنة والسطو المسلح في البحر.
-
من أجل تطوير التعاون العسكري بين مؤسساتها ذات الصلة، سيتخذ الطرفان المتعاهدان الخطوات اللازمة لإعداد مجموعة عمل للتعاون العسكري.
-
يتعاون الطرفان المتعاهدان بشكل وثيق في إجراء تدريبات عسكرية مشتركة على أراضي الطرفين المتعاهدين وخارجها، مع مراعاة قواعد القانون الدولي المعمول بها والمعترف بها عمومًا.
-
يتشاور الطرفان المتعاهدان ويتعاونان في مواجهة التهديدات العسكرية والأمنية المشتركة ذات الطبيعة الثنائية والإقليمية.
-
المادة6؛ التزام الطرفان المتعاهدان بتطوير التعاون في المجال العسكري التقني على أساس الاتفاقيات ذات الصلة بينهما، مع مراعاة المصالح المتبادلة والتزاماتهما الدولية، مع الأخذ في الاعتبار الحفاظ على الأمن الإقليمي والعالمي. ومن أجل ضمان التنسيق المناسب؛ سيعقد الطرفان اجتماعات للهيئات العاملة ذات الصلة على أساس سنوي.
-
الفقرة الأولى من المادة7؛ يتعاون الطرفان المتعاهدان في مكافحة الإرهاب الدولي والتحديات والتهديدات الأخرى، بما في ذلك: التطرف والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، الاتجار بالبشر، احتجاز الرهائن، الهجرة غير الشرعية، التدفقات المالية غير المشروعة، تمويل الإرهاب، انتشار أسلحة الدمار الشامل، تهريب الأسلحة والمخدرات، وتبادل المعلومات العملياتية والخبرات في مجال أمن الحدود.
-
المادة10؛ يتعاون الطرفان بشكل وثيق في مجال ضبط الأسلحة ونزع السلاح وذلك في إطار المعاهدات والمنظمات الدولية ذات الصلة، على أن تُعقد مشاورات منتظمة بشأن هذه القضايا.
-
المادة12؛ يتعاون الطرفان على تسهيل تعزيز السلام والأمن في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز والشرق الأوسط، ومنع تدخل دول ثالثة في المناطق المذكورة بشكل مزعزع للاستقرار.
-
المادة13؛ الحفاظ على بحر قزوين كمنطقة سلام وأمن وحسن جوار وصداقة، على أساس مبدأ عدم وجود قوات عسكرية غير تابعة للدول الساحلية في بحر قزوين، ويسترشد الطرفان بالمعاهدات الدولية الملزمة قانونًا للدول المطلة على بحر قزوين، والتي تعد جمهورية إيران الإسلامية والاتحاد الروسي طرفًا فيها، والتي ستؤكد الولاية القضائية الحصرية للدول المطلة على بحر قزوين في التعامل مع القضايا المتعلقة به.
-
المادة19؛ يعارض الطرفان استخدام التدابير القسرية أحادية الجانب، بما في ذلك التدابير ذات الطبيعة الخارجة عن الحدود الوطنية، ويعتبران فرضها عملًا غير ودي وغير مشروع دوليًا، وينسقان جهودهما للقضاء على مثل هذه التدابير في العلاقات الدولية. فيما يتعين على الطرفين الامتناع عن الانضمام إلى مثل هذه التدابير القسرية التي يتخذها أي طرف ثالث بحق أحداهما.
-
الفقرة الرابعة من المادة21؛ يتعاون الطرفان في تطوير ممرات النقل الدولية التي تمر عبر أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية والاتحاد الروسي، وخاصةً ممر النقل الدولي من الشمال إلى الجنوب، الممتد من مدينة سان بطرسبورغ على بحر البلطيق عبر روسيا وبحر قزوين وإيران، فضلًا عن الترويج للسلع القادمة من أحد الطرفين في أسواق بلدان ثالثة، وتهيئة الظروف لتطوير النقل المتكامل من خلال ممرات النقل، سواء من خلال النقل الثنائي أو من خلال النقل العابر على أراضيهما.
-
المادة22؛ يعمل الطرفان على توسيع التعاون في قطاع النفط والغاز، على أساس مبادئ المساواة والمنفعة المتبادلة، ويتخذان التدابير اللازمة لزيادة أمن الطاقة من خلال الاستخدام الأمثل لموارد الوقود والطاقة.
-
المادة23؛ يتعهد الطرفان بتطوير وتوسيع العلاقات طويلة الأمد والمفيدة للطرفين بغرض تنفيذ المشاريع المشتركة في مجال الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، بما في ذلك بناء منشآت الطاقة النووية.
-
المادة45؛ هذه المعاهدة رهن بالتصديق عليها، وتدخل حيز التنفيذ لمدة 20 سنة، وستكون بعد ذلك قابلة للتمديد تلقائيًا لدورات من 5 سنوات، فيما تنتهي هذه المعاهدة إذا أخطر أحد الطرفان المتعاهدان بنيته في إنهائها عن طريق إصدار إشعار كتابي قبل سنة واحدة على الأقل من نهاية مدتها.
ثانيًا؛ الأهداف ودلالات التوقيت:
بما لا شك فيه أن تزامن توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران، مع تولي ترامب مهامه الرئاسية بشكل رسمي، ومع سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد، لم يأتي اعتباطيًا، بل أن حساسية التوقيت تشير إلى وجود مجموعة من الرسائل والدلالات والأهداف التي تسعى كلًا من موسكو وطهران إلى إبرازها وإيضاحها للجانب الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص؛ والتي من أهمها:
1- تنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ تتيح الاتفاقية فرصة للتعاون في مجالات واسعة وعديدة، تتخطى بدرجة كبيرة مساحة التعاون التي وفرتها الاتفاقية المبرمة بين الطرفين في عام 2001، حيث يتجاوز سقفها الـ600 مليار دولار[2]، ومن ثم؛ يمكن للدولتين من خلال هذه الاتفاقية، إضعاف تأثير العقوبات الدولية وخاصةً الأمريكية المفروضة عليهما، خصوصًا وأن إيران تُعد سوقًا اقتصادية واعدة بالنسبة لموسكو، فيما تمثل روسيا مصدرًا لتمويل العديد من المشروعات الجديدة التي تحتاجها طهران في مجالات التنمية.
2- الحفاظ على نفوذ الدولتين في المنطقة؛ يمكن ربط توقيع هذه الاتفاقية بالتطورات الواقعة في المنطقة بالوقت الراهن، وخاصةً إسقاط الرئيس السوري السابق بشار الأسد، والذي كان يُعد حليفًا استراتيجيًا للدولتين، وبالتالي؛ كان رحيله ضربة كبيرة لنفوذ موسكو وطهران في المنطقة.
ومن ثم؛ تشير هذه الاتفاقية، وما تحتويه من بنود بشأن تعاون الدولتين السياسي والأمني والعسكري في قضايا الشرق الأوسط، إلى تمسك موسكو وطهران بنفوذهما في المنطقة، وإرسال رسالة مفادها أنهما على استعداد لإدارة الصراعات ودعم الحلفاء وتشكيل جبهة مقابلة للجبهة الغربية، يمكنها إعادة رسم التوازنات الإقليمية على نحو يخدم المصالح الروسية والإيرانية.
3- تعزيز مواقفهما التفاوضية في ملفي أوكرانيا والبرنامج النووي؛ تعهد ترامب بعد فوزه بالانتخابات الأمريكية الرئاسية، بتسوية الصراع الأوكراني واتخاذ خطوات تصعيدية تجاه إيران وبرنامجها النووي، وبالتالي؛ أرادات كل من روسيا وإيران تعزيز مواقفهما التفاوضية في هذين الملفين؛ حيث:
-
بالنسبة لروسيا؛ فإنها ترى في هذه الشراكة فرصة لتهديد الغرب بتصعيد أكبر، في حال لم يتم التوصل إلى تسوية للصراع في أوكرانيا، تراعي المصالح الأمنية لموسكو.
-
بالنسبة لإيران؛ فإنها قد تستغل هذه الاتفاقية لتعزيز موقفها في أي مفاوضات مستقبلية مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي، وذلك عن طريق التلويح بزيادة قدرتها النووية وتحولها إلى دولة نووية، وهذا يتضح من نص المادة 23 من الاتفاقية والتي نصت على تعاون الدولتين في المجال النووي، وكذلك يتضح من تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن “موسكو تدرس بناء وحدات جديدة للطاقة النووية في إيران”.
4- شراكة تتحدى الهيمنة الغربية؛ جاء توقيع الاتفاقية قبل أيام قليلة من تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، لإعطاء رسالة مفادها أن إيران وروسيا يرغبان في تعزيز مواقفهما المشتركة في مواجهة الضغوط الغربية والهيمنة الأمريكية، ويُستدل على ذلك من عدة مؤشرات؛ منها:
-
تصريح الرئيس الإيراني خلال توقيع الاتفاقية بأن “طهران وموسكو تعملان على مواجهة الاستكبار الغربي، وتتعاونان في إطار منظمات إقليمية مهمة مثل شنغهاي وبريكس والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لكسر الهيمنة الغربية والانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلًا”.[3]
-
تُعد هذه الشراكة الاستراتيجية الثالثة التي تجمع بين روسيا ودول معارضة للهيمنة الأمريكية، حيث سبق وأن وقعت موسكو شراكات استراتيجية مماثلة مع الصين وكوريا الشمالية، والعامل المشترك بين هذه الدول جميعًا هو العداء للمعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة، وخضوعهم للعقوبات الأمريكية.
-
نصت ديباجة الاتفاقية على أن الهدف منها هو “تعزيز التعاون لصالح السلام والأمن على المستويين الإقليمي والعالمي، والمشاركة في العملية الموضوعية لتشكيل نظام عالمي جديد وعادل ومستدام متعدد الأقطاب يقوم على المساواة في السيادة بين الدول،[4] والتعاون بحسن نية، والاحترام المتبادل للمصالح، والحلول الجماعية للمشاكل الدولية، والتنوع الثقافي والحضاري، وسيادة القانون الدولي وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك عدم التهديد باستخدام القوة وعدم استخدامها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
5- اللعب بورقة الطاقة في مواجهة العقوبات الأمريكية؛ تخضع كلا من روسيا وإيران إلى عقوبات أمريكية مشددة تستهدف قطاع الطاقة في البلدين وخاصةً تصدير النفط والغاز، ولذلك جاءت الاتفاقية لتؤكد في مادتها الـ22 على توسيع التعاون في قطاع النفط والغاز بينهما، هذا إلى جانب الحديث عن إنشاء خط أنابيب للغاز من روسيا إلى إيران يمر عبر أراضي أذربيجان، وتصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن “روسيا قد تزود إيران بما يصل إلى 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا”.[5]
ومن ثم؛ تحاول الدولتان من خلال هذه الاتفاقية، الالتفاف على العقوبات المفروضة عليهما، واللعب بورقة الطاقة من خلال التأثير على أسعارها في الأسواق العالمية؛ إذ تسعى موسكو إلى البحث عن سبل لتنويع تدفقات الغاز وإيجاد مشترين بعد انخفاض حاد في صادراتها إلى أوروبا نتيجة للحرب في أوكرانيا، بينما ترغب طهران في تطوير إمكاناتاتها الإنتاجية والتكريرية، من خلال تطوير المصافي باستثمارات روسية.
6- تلبية احتياج عسكري متبادل بين الدولتين؛ هناك العديد من التحديات الأمنية التي تحدق بإيران في الوقت الراهن؛ والتي تنعكس في وصفها من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنها “التحدي الأمني الاستراتيجي للغرب”، وحديث الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب عن “تحقيق السلام عبر القوة”، وهو ما يمكن أن ترى فيه طهران تهديدًا مباشرًا لها.[6]
يُضاف إلى ذلك؛ تشعر طهران حاليًا بالضعف والخوف، وذلك بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بمحور المقاومة؛ حيث فقدت حلفاءها في لبنان وسوريا، وباتت الفصائل العراقية مهددة الآن بالتفكيك والحل، وتتعرض جماعة الحوثي اليمنية للضربات الغربية – الإسرائيلية، هذا إلى جانب مخاوفها من عودة ترامب والذي تعهد بممارسة أقصى الضغوط على إيران، بما في ذلك التهديد بعمل عسكري مشترك مع إسرائيل.
في المقابل؛ تحتاج روسيا مساعدة إيران العسكرية في حال استمرت الحرب في أوكرانيا، إذ سبق وأن لجأت موسكو إلى الطائرات المسيرة الإيرانية، والتي لعبت دور فعال في استهداف روسيا للمنشآت الحيوية في كييف وخاصةً النفطية.
ومن ثم؛ جاءت الاتفاقية لتلبي احتياج الدولتين للتعاون العسكري بينهما؛ فبينما ترغب موسكو في الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية لاستخدامها ضد أوكرانيا، تحتاج طهران منظومات حديثة من الدفاع الجوي لحماية برنامجها النووي ومواقعها الاستراتيجية، ولذلك تسعى للحصول على منظومة “إس 400” الروسية للدفاع الجوي.
ثالثًا؛ شراكة وليس تحالف بين الدولتين:
رغم تعاون روسيا وإيران في العديد من المجالات، وتقاربهما في عدة قضايا، إلا أنهما لا يُعدان حليفان استراتيجيان؛ وذلك نظرًا لاختلافهما في الأهداف التي يسعيان إليها، وتباين مصالح البلدين وتشابكها في ملفات عدة إقليميًا ودوليًا، مما يجعل هذه الاتفاقية، اتفاقية شراكة قائمة على حسابات براجماتية وليست تحالفًا كاملًا بين موسكو وطهران، ومن المؤشرات الدالة على ذلك:
1- الولادة المتعثرة لاتفاقية الشراكة بين الدولتين؛ لم يكن الطريق نحو إبرام هذه الاتفاقية يسيرًا، بل إنها مرت بعراقيل وخلافات كثيرة، وصلت إلى حد إعلان روسيا تجميد المفاوضات المتعلقة بإبرام الاتفاقية في منتصف العام الماضي، بل وحملت الجانب الإيراني المسؤولية في ذلك، هذا إلى جانب تأجيل التوقيع عليها أكثر من مرة؛ حيث كان من المفترض أن يتم توقيعها على هامش أعمال قمة البريكس التي عُقدت في أكتوبر 2024، وكل ذلك يشير إلى وجود ملفات خلافية تعيق قدرة البلدين على إطلاق تحالف كامل بينهما.
2- تضارب مصالح الدولتين في منطقة القوقاز؛ وخاصةً فيما يخص ممر زنغزور الحدودي بين أرمينيا وأذربيجان، والذي تطالب أذربيجان بمنحها السيطرة عليه لتحقيق الاتصال بين الأراضي الأذربيجانية المنقسمة شرق وغرب أرمينيا، وذلك بعدما حسمت نهائيًا مسألة السيطرة على إقليم ناجورنو كاراباخ، بعملية عسكرية خاطفة في سبتمبر 2023.
وبينما تدعم روسيا المطلب الأذري وتضغط على أرمينيا لدفعها نحو تسوية تمنح أذربيجان السيطرة على الممر، ترى إيران في هذا المشروع الضخم خطرًا يهدد مصالحها الإستراتيجية؛ لأن في حال تنفيذ المقترح الأذربيجاني، ستخسر طهران كليًا اتصالها بالأراضي الأرمينية، ومن ثم؛ سيصبح تواصل طهران مع منطقة جنوب القوقاز رهينة لتفاهماتها مع تركيا وأذربيجان، ما يقلص خياراتها الإستراتيجية في المنطقة.
وقد وصل الخلاف بين موسكو وطهران في هذا الملف إلى حد استدعاء طهران للسفير الروسي لديها في سبتمبر 2024، للتحفظ على سياسات بلاده في جنوب القوقاز، التي “لا تراعي المصالح الإيرانية“.[7]
3- تخوف الدولتين من الإضرار بمصالحهما المرتبطة بالولايات المتحدة؛ حيث لا يرغب أيًا من الطرفين في تحدي واستفزاز الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب، نظرًا لأن الأولوية لروسيا وإيران الآن هي الدخول في مفاوضات مع ترامب لتسوية الملف الأوكراني بالنسبة لموسكو، وملف البرنامج النووي بالنسبة لطهران، وبالتالي؛ ليس من المستبعد أن تتخلى إحداهما عن هذه الشراكة، إذا كان الثمن هو تسوية أحد هذين الملفين على النحو الذي يراعي مصالح ومطالب روسيا أو إيران.
ويُستدل على هذه الرؤية؛ من خلال تصريح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، والذي شدد على أن “لا يوجد أي ربط بين تاريخ توقيع الاتفاقية وتنصيب ترامب، وهذه الاتفاقية ليست موجهة ضد أي دولة، بل تهدف لضمان أمن الدولتين”.[8]
4- تجنب تضمين بند الدفاع المشترك في الاتفاقية؛ كانت موسكو قد أعلنت مسبقًا أن الاتفاقية سوف تشتمل بندًا ينص على الدفاع المشترك، لكن هذا البند غاب عن نص الاتفاقية، وبدلًا منه تم الاكتفاء بالتأكيد على أنه في حال تعرض أحد الطرفين لاعتداء خارجي، يلتزم الطرفان بعدم تقديم أي نوع من المساعدة للمعتدي، وهذا يشير إلى أن روسيا وإيران فشلا في إنشاء تحالف عسكري كامل، وقررا الوقوف عند حد التعاون العسكري والأمني فقط.
5- تباين مواقف الدولتين في قضايا الشرق الأوسط؛ هناك مجموعة من القضايا الإقليمية التي شهدت خلافًا في الرؤى والمصالح والأهداف بين روسيا وإيران؛ ومن أبرزها:
-
العلاقات الروسية الإسرائيلية؛ والتي تُعتبر أحد أهم نقاط الخلاف في علاقة روسيا وإيران؛ حيث تجنبت موسكو الوقوف إلى جانب طهران في حربها مع إسرائيل، حتى لا تنخرط في مواجهة مباشرة مع تل أبيب، ومثال على ذلك؛ كان الطيران الإسرائيلي يستهدف المواقع الإيرانية في سوريا لسنوات دون أن تتدخل القوات الروسية.[9]
-
الملف السوري؛ لعبت روسيا دورًا فعالًا في الميدان السوري عندما تدخلت رسميًا في العام 2015، وهو ما جعل موسكو هي المؤثر الأبرز في دمشق بدلًا من إيران، وبالتالي؛ كان هناك نوع من التنافس الخفي على النفوذ بين روسيا وإيران في الساحة السورية. يُضاف إلى ذلك؛ كان موقف موسكو من عملية ردع العدوان، التي أطاحت بحكم الأسد، صادمًا لطهران، حيث اتهم القيادي في الحرس الثوري بهروز أسباطي، روسيا بالمسؤولية عن سقوط الأسد، مصرحًا بأن “تعرضنا لهزيمة مروعة في سوريا، روسيا خدعت الأسد وخانت إيران”.[10]
-
قضية الجزر الإماراتية الثلاث؛ تتبنى موسكو موقفًا مساندًا للإمارات التي تطالب بالسيادة على الجزر الثلاث المتنازع عليها مع إيران، وهو ما يثير استياء طهران، وكان هذا الموقف الروسي أحد أسباب استدعاء طهران للقائم بالأعمال الروسي لديها، احتجاجًا على بيان مشترك صدر عن روسيا ومجموعة من الدول العربية، يطالب بمحادثات حول هذا الخلاف الحدودي.[11]
-
الأزمة السودانية؛ تباينت مصالح روسيا وإيران في هذا الملف أيضًا، فبينما دعمت موسكو قوات الدعم السريع، اختارت إيران الانخراط في تأمين الدعم العسكري المباشر للجيش النظامي السوداني.
وإجمالًا؛ تتسم العلاقات الروسية الإيرانية بالتغير والتقلب الدائم؛ حيث تتراوح بين التعاون والثقة حينًا، والتنافس والتشكيك حينًا آخر، ولكن العقوبات الاقتصادية والتحركات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة والغرب ضد روسيا وإيران، دفعتهما إلى التعاون وتنسيق المواقف والعمل على تحدي الهيمنة الغربية، وبالتالي؛ يمكن وصف اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة مؤخرًا بين الدولتين، على أنها “اتفاقية براجماتية” تقوم على مبدأ المصالح المتبادلة، وليست حلفًا استراتيجيًا بيد الدولتين، والأهم من ذلك؛ أن مصير هذه الاتفاقية ومدى تطبيق بنودها على أرض الواقع، يرتبط بكيفية تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع كلًا من موسكو وطهران، وخاصةً فيما يخص ملفي أوكرانيا والبرنامج النووي الإيراني.
المصادر:
[1] النص الكامل لمعاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا، وكالة مهر للأنباء الإيرانية، 18/1/2025، متاح نص الاتفاقية بالكامل على الرابط: https://ar.mehrnews.com/news/1953128/%D8%A7%D9%84%D9%
[2] ديالا الخليلي، ماذا وراء اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران؟، موقع الشرق للأخبار، 18/1/2025، متاح على الرابط: https://asharq.com/politics/113169/%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9
[3] موسكو وطهران توقعان 20 عاماً لـ«الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، الشرق الأوسط، 17/1/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8
[4] النص الكامل لمعاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا، وكالة مهر للأنباء الإيرانية، 18/1/2025، متاح نص الاتفاقية بالكامل على الرابط: https://ar.mehrnews.com/news/1953128/%D8%A7%D9%84%D9%
[5] روسيا وإيران توقعان اتفاقية تتضمّن تطوير «تعاونهما العسكري»، الشرق الأوسط، 17/1/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9
[6] إيران تسابق ترمب إلى موسكو بحثاً عن «لاعب قوي»، الشرق الأوسط، 17/1/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-
[7] إيران وروسيا: خلافات مستجدّة وتقاطعات مستمرّة، Fanack Climate، 10/10/2024، متاح على الرابط: https://fanack.com/ar/politics/features-insights/russia-and-
[8] روسيا وإيران توقعان “شراكة استراتيجية” قد تثير مخاوف الغرب، الحرة الأمريكية، 17/1/2025، متاح على الرابط: https://www.alhurra.com/iran/2025/01/17/%D8%B1%D9%88%
[9] إيران تسابق ترامب إلى موسكو بحثاً عن «لاعب قوي»، ميدل إيست نيوز، 17/1/2025، متاح على الرابط: https://mdeast.news/ar/2025/01/17/%D8%A5%D9%8A%D8%
[10] رمضان بورصة، قبل تنصيب ترامب بثلاثة أيام.. ماذا تعني اتفاقية شراكة كاملة بين روسيا وإيران؟، الجزيرة القطرية، 15/1/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/opinions/2025/1/15/%D9%85%D8%A7%
[11] رامي القليوبي، قمة بوتين وبزشكيان في موسكو: شراكة بلا تحالف، موقع العربي الجديد، 17/1/2025، متاح على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/%D9%82%D9%85%D8%A9