وصل الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة، في 23 يناير الجاري، في زيارةٍ رسميةٍ، بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتأتي هذه الزيارة في وقتٍ حاسمٍ؛ حيث تركز على تعزيز التعاون الثنائي بين البلديْن في مجالات متعددة؛ بما في ذلك الأمن والسلام والتنمية الاقتصادية، وتُعدُّ هذه الزيارة هي الأولى في العام 2025، وتحمل في طيَّاتها دلالات سياسية مهمة في وقتٍ تشهد فيه منطقة القرن الأفريقي تحوُّلات كبيرة على الأصعدة السياسية والأمنية، كما أنها فرصةٌ لتعميق التعاون بين البلدين، في إطار استجابة سريعة للتطوُّرات الإقليمية والدولية.
السياق الراهن للزيارة
لقد جاءت الزيارة في وقتٍ بالغ الأهمية؛ حيث تشهد المنطقة تحوُّلات كبيرة على الصعيديْن السياسي والأمني، وتُعتبر حلقةً مهمةً في سلسلة من التحرُّكات الدبلوماسية بين البلديْن؛ إذ تأتي في أعقاب زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة إلى إثيوبيا، التي تلت اتفاق “أنقرة” الهادف إلى تحسين العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وقد أثار توقيت الزيارة إلى مصر عدة تساؤلات، خصوصًا مع تزايد التوتُّرات بين إثيوبيا والصومال، بشأن التقارير حول وجود أمني مصري في الصومال، وهو ما يراه البعض بمثابة تحدٍّ لنفوذ إثيوبيا في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بمسائل الأمن الإقليمي.
ويعكس الاختيار المفاجئ للرئيس الصومالي بزيارة القاهرة بعد زيارته لإثيوبيا، التحدِّيات التي تواجهها الصومال في إدارة علاقاتها مع جارتيها الكُبْرَى؛ حيث لكل من إثيوبيا ومصر مصالح متنافسة، خاصَّةً فيما يتعلق بقضية السد الإثيوبي والاعتبارات الأمنية في المنطقة، وفي هذا السياق، فإن زيارة الرئيس الصومالي للقاهرة تُبرِّرُ التوازن الدقيق الذي يسعى الصومال للحفاظ عليه في سياسته الخارجية.
وتستند هذه الزيارة أيضًا إلى الزَّخَم الذي خلَّفته الزيارة السابقة للرئيس الصومالي إلى مصر، في أغسطس 2024، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقية دفاع لتعزيز التعاون الأمني بين البلديْن، هذا الاتفاق إلى جانب الزيادة الكبيرة في حجم التبادُل التجاري بين البلدين، الذي بلغ 59 مليون دولار، في النصف الأول من 2024، بزيادة 88%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، يُعزِّزُ دور مصر كحليفٍ رئيسيٍّ للصومال، ورغم ذلك، فقد أثار هذا التقارُب قلقًا في إثيوبيا، بشأن تزايد النفوذ المصري في منطقة القرن الأفريقي[1].
دلالات مهمة للزيارة
التأكيد علي عُمْق العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلديْن
تكتسب الزيارة أهمية خاصَّة؛ كوْنها الرابعة منذ عام 2022؛ مما يدل على التزام مصر والصومال، بتعزيز الروابط الإستراتيجية بينهما على كافَّة الأصعدة، ومنذ بدْء هذه اللقاءات، تمَّ التوصُّل إلى اتفاقيات مهمة، مثل فتح فرع بنك مصر في مقديشو، والتعاون في مكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي، والتصدِّي للمخططات الإثيوبية في البحر الأحمر، وتوقيع اتفاقية التعاون العسكري، بالإضافة إلى افتتاح السفارة المصرية في مقديشو، كما تعكس الزيارة التزام مصر بدعم الأشقاء في الصومال، سواء من خلال تعزيز القدرات المؤسسية أو توفير الدعم اللازم لتحقيق تنمية مستدامة تُلبِّي تطلُّعات الشعب الصومالي.
مواجهة التحديات الأمنية والإنسانية في الصومال
تكتسب الزيارة أهميةً كبيرةً؛ لأنها جاءت في وقت يشهد فيه الصومال تحديات أمنية وإنسانية مُعقَّدة في الصومال؛ حيث حذَّرت الأمم المتحدة من أن حوالي 6 ملايين شخص في الصومال؛ أيْ ما يعادل ثلث السكان، بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى مساعدات إنسانية؛ بسبب الأزمة المستمرة التي تعصف بالبلاد، وتعود جذور هذه الأزمة إلى النزاعات المسلحة التي تشُنُّها حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تقاتل الحكومة الصومالية، منذ عام 2004، وفي الآونة الأخيرة، تمكَّنت القوات الأمنية الصومالية من إحباط هجومٍ إرهابيٍّ بسيارةٍ مُفخَّخة في العاصمة مقديشو، كان قد خطَّطَ له تنظيم الشباب[2].
التأكيد على الدور المحوري لمصر في القارة الأفريقية
تعكس الزيارة الدور البارز الذي تلعبه القاهرة في دعْم قضايا القارة الأفريقي، وتُعزِّزُ من الجهود المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث تواصل القاهرة العمل على دعم استقرار وتنمية دول القارة، عبْر تعزيز التعاون الثنائي، وتقديم الدعم في بناء المؤسسات الوطنية، كما أن لها دورًا رئيسيًّا في دعْم الصومال على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، وهذا يتجسَّدُ في التنسيق المستمر بين البلدين؛ لمواجهة التحديات المشتركة، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
وانطلاقًا من أهمية منطقة القرن الأفريقي، باعتبارها حجر الزاوية في الأمن الإقليمي، هناك تعاونٌ مستمرٌ بين مصر والصومال، في تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك مكافحة القرصنة البحرية؛ ما يعكس التزام البلدين المشترك بحماية خطوط التجارة العالمية، ويؤكد على رؤية مصر في تعزيز الأمن البحري كجزءٍ من إستراتيجيتها الرامية إلى دعْم الاستقرار الإقليمي.
وتسعى مصر من خلال تعزيز علاقاتها مع الصومال، إلى تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، ودعم الشعب الصومالي في سعيه نحو مستقبل أفضل، وفي هذا السياق، تحمل زيارة الرئيس الصومالي إلى مصر رسائل سياسية مهمة، حول ضرورة التعاون الأفريقي المشترك والدور القيادي الذي تلعبه مصر في دعم قضايا القارة على السَّاحة الدولية، من خلال تقوية الروابط مع الدول الشقيقة، وتعزيز الأمن والسِّلْم في المنطقة[3].
أبرز نتائج الزيارة “الإعلان السياسي المشترك”
رفعت مصر والصومال رسميًّا علاقتهما إلى شراكة إستراتيجية؛ ما يُعزِّزُ التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية؛ حيث وقَّعَ الرئيس المصري ونظيره الصومالي، إعلانًا سياسيًّا مشتركًا في قصر الاتحادية بالقاهرة؛ وهو ما يُعدُّ علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، كما تمَّ توقيع عدة مذكرات تفاهم من قِبَلِ وزيريْ خارجية البلدين، شملت هذه المذكرات اتفاقات، تتعلق بالتدريب الدبلوماسي والإعفاء المتبادل من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية؛ ما يفتح المجال لمزيدٍ من التعاون بين الجانبيْن في المستقبل.
ويتضمن الإعلان السياسي المشترك مشاورات رئاسية سنوية واجتماعية نصف سنوية لوزراء الخارجية، بالإضافة إلى اجتماعات وزارية متخصصة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، وستقوم لجنةٌ من كبار المسؤولين في وزارتيْ الخارجية من كلا البلدين، بالإشراف على تنفيذ هذه المشاورات؛ لضمان تحقيق أهداف الشراكة، وأكَّد رئيسا البلدين على أهمية قمة أسمرة، التي عقدت في أكتوبر 2024، بين مصر والصومال وإريتريا، واتفقا على عقْد قِمَّةٍ ثلاثيةٍ ثانيةٍ؛ لتعزيز شراكتهما الإستراتيجية.
وتفتح الاتفاقية أيضًا آفاقًا لتعاون مُوسَّع في مجالات متعددة، مثل التعاون العسكري والأمني؛ حيث ستواصل مصر تقديم الدعم العسكري للصومال، من خلال التدريب والتسليح مع التركيز على مكافحة الإرهاب، وفي مجال التعليم والثقافة، ستعمل مصر على دعم بناء القدرات الصومالية، من خلال المِنَح الدراسية وتبادل الخبرات في مجالات، مثل الرعاية الصحية والزراعة، وفي إطار التعاون الانتخابي، ستقدم مصر المساعدة الفنية والقانونية؛ لضمان إجراء انتخابات شفَّافة في الصومال، وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، تسعى الاتفاقية إلى تعزيز التجارة والاستثمار بين البلديْن، مع تركيز خاصٍّ على قطاعات الزاعة ومصائد الأسماك والبِنْيَة التحتِيَّة والطاقة[4].
ختامًا:
تُمثِّلُ زيارة الرئيس الصومالي نقطة تحوُّلٍ مهمة، نحو تعميق التعاون بين مصر والصومال في جميع المجالات، كما أنها تفتح آفاقًا جديدةً لتعزيز جهود التنمية والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث أسفرت عن توقيع اتفاقات إستراتيجية، تُمثِّلُ أساسًا لشراكة قوية ومستدامةٍ بين البلدين، وذلك من خلال الإعلان السياسي المشترك ومذكرات التعاون في مجالات عدة، ويعكس الاتفاق على عقْد قِمَّةٍ ثلاثيةٍ بين مصر والصومال وإريتريا، رُؤْية إقليمية مُوحَّدة تسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، كما وفَّرت الزيارة للبلديْن فُرَصًا كبيرة للتعاون المستقبلي.
المصادر:
[1] Somalia’s President Visits Egypt After Ethiopia: Balancing Regional Tensions, Addis Insight, January 23, 2025.
