المقالات
الانتشار الصيني في أمريكا اللاتينية: الدلالات والدوافع
- يناير 31, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد/ عبد الرحمن أنور
باحث في وحدة الشؤون الدولية
تتمتع الصين بعلاقات ثنائية جيدة مع معظم دول أمريكا اللاتينية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي تجعل منها دولة ذات تواجد وتأثير ملحوظ في المنطقة اللاتينية وخاصة “قناة بنما” و”البحر الكاريبي” و”بيرو” التي تقيم الصين علاقات جيدة بتلك الدول والمناطق، ما يخلق حالة من التساؤل حول جدوى الوجود الصيني في هذه المنطقة والدوافع المتبادلة بين الصين والدول اللاتينية، ويأتي ذلك في ضوء عودة “دونالد ترامب” الى البيت الأبيض وسط سياساته التوسعية التي تتبنى نهج وسياسة “أمريكا أولا “، ما قد يشكل انعكاسات جديدة غير مسبوقة على المنطقة اللاتينية.
في ضوء ذلك يمكن الوقوف على ملامح التواجد الصيني ودوافعه في القارة الامريكية الجنوبية والجزء الجنوبي من القارة الامريكية الشمالية والبحر الكاريبي والذي يعرفا مجتمعين بأمريكا اللاتينية Latin America.
مظاهر التعاون والانتشار: –
تعد الصين ولا شك خيار ممتاز للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع دول أمريكا اللاتينية لما تتمتع به من سياسات اقتصادية واضحة وغير حمائية على عكس السياسات الترامبية العدائية، ولكن التواجد الصيني في المنطقة اللاتينية يسبق عودة ترامب ما يوضح التزام الصين بفتح آفاق علاقاتها التجارية مع كافة دول العالم بغض النظر عما كانت الفرصة سانحة سياسيًا ام مليئة بالتعقيدات، وفيما يلي يتم الإشارة الى أبرز اشكال التعاون الصيني مع الدول اللاتينية.
– التعاون السياسي:
تتمتع الصين بوجود علاقات دبلوماسية وقنوات اتصال سياسي بينها وبين دول أمريكا اللاتينية خاصة البرازيل وبيرو وبنما واغلب الدول عدا “باراجواي” التي تعترف وتقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان، وتعد “أسونسيون” هي الوحيدة في أمريكا الجنوبية التي تقيم علاقات رسمية مع تايوان، وعلى الرغم من وجود علاقات دبلوماسية بين الصين والأرجنتين الا ان الأخيرة لا تتفق مع السياسات الصينية، وتعد بوينس آيرس اقرب الى الولايات المتحدة الامريكية منها الى الصين، لذلك يعارض “خافيير ميلي” رئيس الارجنتين بشدة تعاون التكتل مع الصين وهدد بالخروج منه، على الرغم من انه يدفع نحو التعاون مع الاتحاد الأوروبي.[1]
قامت بنما مؤخراً بتعيين سفير جديد لها في الصين في يناير الحالي وتتمتع الدولتين بعلاقات ثنائية متينة[2]، وقد التقى وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” بنظيرة البنمي “خافيير مارتينيز آشا” خلال اجتماع الجمعية العامة بالأمم المتحدة وأكدوا خلالها على أهمية العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وقد افتتحت الحكومة في نيكاراغوا بقيادة “دانييل اورتيجا” معهد كونفوشيوس الجديد في الجامعة الوطنية المستقلة في ماناغوا، ما يبرهن على نية تعميق العلاقات السياسية والثقافية والتعليمية بين الدولتين، ومع باقي الدول اللاتينية والتأكيد أيضا على حسن نيتها السياسية.[3]
وقامت الصين بتوقيع شراكات استراتيجية شاملة مع البرازيل والأرجنتين وتشيلي والاكوادور والمكسيك وبيرو وفنزويلا، في إطار تعزيز العلاقات الدبلوماسية بينهم، وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات الأيديولوجية والسياسية بين الصين والأرجنتين الا ان الصين لديها أكبر منشأة فضائية في “صحراء باتاغونيا” في الارجنتين، بالإضافة الى امتلاكها محطات أرضية للأقمار الصناعية في بوليفيا والبرازيل وتشيلي وفنزويلا.[4]
– التعاون الاقتصادي:
قال الرئيس الصيني “تشي” ان “تقسيم عالم مترابط هو خطوة إلى الوراء في التاريخ”، واكد التزام الصين بفتح أبوابها أمام التجارة الدولية، في تصريح يوضح اتجاه الصين نحو الانفتاح على العالم اقتصاديًا، لذا تسعى الصين الى وضع قدمها وبصمتها الاقتصادية في المنطقة اللاتينية، وقد أشارات بكين سابقا انها تنوي زيادة التجارة الثنائية مع دول أمريكا الجنوبية بنسبة 500 مليار دولار بحلول العام الجاري.[5]
بلغ حجم التجارة بين الصين وأميركا اللاتينية في عام 2000، وفقًا لمنتدى الاقتصاد العالمي 12 مليار دولار ، وارتفعت قيمة التجارة بين المنطقتين عام 2010 إلى 180 مليار دولار، حتى وصلت إلى 450 مليار دولار عام 2021، وهناك توقعات بأن يبلغ حجم التبادل التجاري بينهم إلى 700 مليار دولار بحلول عام 2035، وقامت بكين بإبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع كلا من تشيلي وكوستاريكا والإكوادور وبيرو، ونجحت في ضم 21 دولة من أميركا اللاتينية لمبادرة “الحزام والطريق”، بعد ان كانوا فقط سبع دول من أمريكا الجنوبية في عام 2022 وفقا للجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس.[6]
تعد الصين هي الشريك الاقتصادي والتجاري الأول منذ عام 2009 لاهم وأكبر دولة في أمريكا اللاتينية ألا وهي البرازيل الذي تجمعهما علاقات ممتازة على كافة الأصعدة، وعلى الرغم من الخلافات السياسية بين الصين وباراجواي الا ان الأخيرة كانت منفتحة على التعاون الاقتصادي والتجاري مع الصين، حيث قد أشارت سابقًا انها منفتحة تمامًا على التعاون مع الصين عن طريق تكتل ميركوسور MERCOSUR (أو السوق المشتركة الجنوبية)، ولكن العائق الوحيد يتمثل في ان الصين لا تقبل اعترافها بتايوان، وتضم الكتلة الاقتصادية والسياسية مجموعة من اهم الدول في القارة الجنوبية وهم البرازيل والأرجنتين والباراجواي والاوروجواي، وانضمت بوليفيا مؤخراً في يوليو 2024.[7]
وتؤيد البرازيل بشدة جهود الاوروجواي لتوقيع تكتل ميركوسور صفقة تجارية مع حليفتها وشريكتها في تكتل البريكس الصين بإنشاء بينهم منطقة تجارة حرة Free Trade Area (FTA) ، وتدفع بكل الوسائل الممكنة نحو ذلك ولكنها تواجه معارضة ارجنتينية علنية لهذه الخطوة، التي اكدت بوينس آيرس ان الصفقة التجارية مع الصين تعني تدفق بضائع صينية رخيصة الثمن الي أسواق دول التكتل بما سيجعل اسواقهم المحلية غير قادرة على المنافسة، على الرغم من ذلك وتعنت بعض دول التكتل من عقد صفقة انشاء منطقة تجارة حرة مع الصين، تعد بكين هي اكبر وجهة تصدير لدول ميركوسور منفردة.[8]
كما تقوم دولة الهندوراس والاكوادور بالتبادل التجاري المشترك مع نظيرهم الصيني، كما أصبحت هندوراس واحدة من الوجهات السياحية الرئيسية والمفضلة للسائحين الصينيين وفقًا لمعهد السياحة في هندوراس، وتقوم الصين بتطوير مصانع الليثيوم في بوليفيا عن طريق شركة CBC الصينية، علاوة على قيامها بالاستثمار في المناطق الاقتصادية ذات الأهمية الخاصة في فنزويلا، كما قامت غيانا بتوقيع مذكرة تفاهم مع الصين بشأن تيسير التجارة والتنمية الخضراء مع نائب وزير التجارة الصيني وممثل التجارة الدولية “وانغ شوين” خلال عقد المؤتمر الوزاري الرابع لمنتدى التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الكاريبي، بالإضافة الى قيام الصين بانشاء مصانع لها في بعض البلدان مثل المكسيك لتقوم بالتصنيع من داخل أراضيها، وأشار “ماركو روبيو” حينما كان عضو في الكونجرس قبل تعيينه وزير خارجية ان الصين تقوم بالتهرب من الرسوم الجمركية عبر هذه الحيلة. [9]
كما تخطى حجم التبادل التجاري مع بيرو عام 2022 ال 33 مليار دولار، وقامت الصين بالاستثمار بمختلف القطاعات في بيرو بحوالي 24 مليار دولار، كما أنشئت الصين ميناء تشانكاي ببيرو بقيمة استثمارية تبلغ 1.3مليار دولار، ويعد هذا الميناء خطوة متقدمة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين، حيث يعد الميناء مثال للتكنولوجيا المتطورة التي تسهل من عمليات النقل واوقات الشحن وتقلل التكاليف اللوجستية الأخرى.[10]
وفي عام 2023 بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني الى منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي 9 مليارات دولار، بالإضافة الى ان بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني قاموا بإقراض حكومات أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي منذ عام 2005 بأكثر من 120 مليار دولار في مقابل النفط غالبًا وتمويل مشروعات البنية التحتية والطاقة، وتعد فنزويلا هي أكبر مقترض من الصين بحوالي 60 مليار دولار، فيما تقبع البرازيل في المركز الثاني.[11]
فيما يشكل التبادل التجاري بين الصين وكلا من تشيلي 32% من اجمالي التجارة التشيلية، وفي بيرو تمثل النسبة 28%، ويعد ذلك توجه واضح من كلا الأطراف نحو تعزيز التعاون التجاري فيما بينهم لما يمثله من عائد اقتصادي قوي على دول المنطقة اللاتينية، وتسعى الصين لتعزيز تلك العلاقات في ضوء ما تسميه تعاون دول الجنوب-جنوب او التعاون بين بلدان الجنوب“South-South cooperation”.[12]
– التعاون العسكري:
تقوم الصين بمحاولة تعميق التواجد العسكري بالمنطقة اللاتينية حيث شاركت في المناورات العسكرية البرازيلية التي تقوم بها البرازيل بشكل سنوي “عملية فورموزا” Formosa military exercises في سبتمبر 2024، كما التقى قائد شرطة نيكاراغوا مع وزير الامن العام الصيني وبحثوا خلالها سبل تعزيز التعاون في مسائل الامن العام، وقام الطرفان بتوقيع معاهدة تلتزم من خلالها الصين بتوفير الدعم الفني لقوات الشرطة في نيكاراغوا لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والجرائم الالكترونية.[13]
تعتمد فنزويلا بشكل اساسي على المعدات العسكرية الصينية، فيما تقوم الأرجنتين وبوليفيا والإكوادور وبيرو بشراء الطائرات والمركبات الأرضية والرادارات والبنادق الهجومية من الصين، واستطاعت بكين تعزيز تعاونها العسكري والاستخباراتي مع كوبا وتوفير تدريبات عسكرية لبوليفيا والإكوادور وبعض دول المنطقة، بالإضافة الى تبرعاتها للشرطة في ترينداد وتوباغو.[14]
دوافع التوجه نحو أمريكا الجنوبية: –
تتعدد الدوافع الصينية التي تجعلها تتوجه نحو أمريكا اللاتينية حيث تعد الصين قوة صاعدة اقتصاديا تحتاج الى كم هائل من مختلف المواد الخام مثل النحاس والليثيوم وغيرها من التي تدخل في عمليات التصنيع المختلفة، بخلاف احتياجها لكم هائل من المنتجات الزراعية والغذائية وتتميز بعض دول أمريكا اللاتينية الحليفة مع الصين بطبيعة سهلية متميزة مثل البرازيل، بخلاف رغبة الصين في التعاون السياسي والعسكري مع مختلف الدول اللاتينية.
– الاهتمام بدول الجنوب:
تتبنى الصين سياسة الاهتمام والتوجه نحو دول الجنوب المهملة من النظام العالمي الذي يركز على الشمال بشكل شبه كلي، ما اكسب الصين علاقات جيدة للغاية مع دول الجنوب وفي هذا الحديث نختص بالذكر دول أمريكا اللاتينية التي اقامت الصين مع غالبيتهم علاقات وطيدة وعلى رأسهم البرازيل الحليف الأول لها في المنطقة، واكسبت حسن النية الصينية وعدم تدخلها في الشؤون السياسية للدول الأخرى ثقة الدول اللاتينية التي استشعرت من الصين تعامل متوازن لا يوجد به احتواء ولا تدخل سافر على غرار النموذج الأمريكي الذي يتحكم في توجهات الدول الحلفاء له.
بشكل أساسي يركز التقارب الصيني مع أمريكا اللاتينية على الأمور الاقتصادية كالتجارة والاستثمار كونها عملاق اقتصادي صاعد يفتح ابوابه امام تعزيز التجارة العالمية والروابط بين دول العالم، حتى انهم كانوا منفتحين مع الولايات المتحدة الامريكية، وبالطبع ذلك يصب في مصلحة الصين نظرا لغزارة منتجاتها التي يتم التعبير عنها بقول انها تغرق أسواق دول العالم ما يجعل منتجاتهم المحلية غير قادرة على المنافسة، ولكن وجهة النظر الأخرى تبرهن على حدوث طفرة اقتصادية ايضًا للدول التي تتعاون مع الصين وتفتح استثماراتها امامها، وفي نهاية الامر تبقى الصين خيار اقتصادي افضل من اللجوء الى صندوق النقد الدولي وبرامجه التي تثقل كاهل دول الجنوب العالمي، وعلى سبيل المثال الارجنتين التي أعلنت افلاسها بعد ان ارهقها صندوق النقد تاريخيًا، ومازالت تتردد نحو تعزيز علاقاتها بالصين نظرا لارتباطها الاوثق بواشنطن خاصة التفاهم والتقارب بين ترامب والرئيس الارجنتيني خافيير ميلي الذي حضر حفل تنصيب الأول في العشرين من يناير الجاري.
– رؤية مشتركة لمستقبل النظام العالمي:
تتشارك الصين الرؤية مع دول الجنوب الداعية لإصلاح النظم العالمي احادي القطب الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الامريكية عن طريق التحكم في قرارات مجلس الامن واعتراض أي قرار لا يصب في مصلحتها السياسية والاقتصادية او في مصالح حليفتها الأولى إسرائيل، وتنادي دول الجنوب بإحداث إصلاحات في مجلس الامن الذين يروا ان العالم اكبر من مجرد خمس دول أعضاء دائمين في مجلس الامن يتمتعون بحق النقض VETO بدون مراجعة الدولة او مناقشاتها في قرار اعتراضها، وذلك ما يقوض نزاهة وكفاءة المنظمة الأممية التي يتم التلاعب بها واستخدامها من خلال قطب واحد الا وهو الولايات المتحدة.
وتقوم الصين بدعم الجهود الروسية مع مختلف دول الجنوب بالدعوى الى النظر في المتغيرات الحالية للنظام العالمي وانه لا يمكن ان يظل بنفس الحالة أحادية القطب التي مازال عليها منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وتدعوا بكين وموسكو الى إيجاد نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب وتحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية دولية خاصة أمريكية وهو ما لا يتوقع حدوثه او التفاوض بشأنه مع قدوم ترامب الذي ينتهج سياسة توسعية حمائية تريد تعزيز قوة واشنطن على حساب دول العالم، لذا تحاول الصين جلب اكبر قاعدة جماهيرية ممكنة من دول الجنوب وان تحظى بتأييد عدد كبير من الدول في الجمعية العامة حتى تشكل ضغط عالمي نحو الاتجاه لإصلاح المنظمة الأممية، ولإنشاء نظام اكثر عدالة بين دول العالم وليس نظام مرتكز حول الولايات المتحدة فقط، وبالفعل تنجح السياسات الاقتصادية الصينية في تعزيز روابط علاقاتها مع دول الجنوب في العالم وخاصة الدول اللاتينية.
رأت دول العالم خاصة دول أمريكا اللاتينية الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية والمهملة والمنهكة تاريخيا من صندوق النقد والتدخلات السياسية والولاءات الخارجية للحكومات الديكتاتورية المتعاقبة التي لم تكن يومًا تمثل إرادة شعوب أمريكا اللاتينية، بخلاف الحقبة الاستعمارية الاسبانية والبرتغالية، فأصبحت تلك الدول تعاني الماضي والحاضر، لذا تمثل الصين لاعب نظيف ليس لديه ماضي استعماري لتلك الدول ولا يوجد لديه نوايا للتدخل في الشؤون السياسية الداخلية لهم، ما يجعل من شراكتها فرصة وتجربة تستحق الخوض.
– موازنة للتحرك الأمريكي في منطقة الإندو-باسيفيك:
تقوم الولايات المتحدة بتحرك بارز في العقود الأخيرة لتعزيز تحالفاتها الخارجية في منطقة الإندو-باسيفيك خاصة مع حلفائها الوثيقين، اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا، لموازنة قوة الصين الصاعدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والصاعدة عالميًا اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، والتي تعد المنافس التقليدي للولايات المتحدة الامريكية الذي لا يحظى بثقته حتى مع محاولات التقارب الاقتصادية والحوار المتبادل بين الصين والحكومة الامريكية السابقة بقيادة جو بايدن يقطعها الشك المتبادل والنزاع حول موقف الدولتين تجاه تايوان، ومع قدوم ترامب الى البيت الأبيض وانتقاده دعم الحكومة السابقة لتايوان، تبدأ المشاكل الأكثر حدة الخاصة بالحرب التجارية التي ينوي ترامب شنها على الصين.
لذا تريد الولايات المتحدة ان تحتوي الصين وتطوقها من مختلف الجهات عن طريق إقامة التحالفات سابقة الذكر وذلك هو النهج الذي كان تتبنيه الحكومة الديمقراطية، والذي من المحتمل ان يتغير بشكل او بآخر مع قدوم ترامب وتحول الى حرب اقتصادية تجارية بحتة بين سياسات أمريكا أولا وماجا وبين السياسات الاقتصادية الصينية المتنامية والمنتشرة بسرعة فائقة في مختلف دول العالم.
وعلى غرار هذه التحركات الامريكية لكي تكون على مقربة من الصين عن طريق حلفائها، تقوم بكين بشكل او بآخر بالتواجد على مقربة من الولايات المتحدة الامريكية وتلعب دور محوري في أمريكا اللاتينية التي تعد محط نظر واطماع لترامب، الذي غير رسميًا اسم خليج المكسيك الى خليج أمريكا، كما يلوح بعزمه ضم قناة بنما، فهذا النهج العدائي يجعل تلك الدول اقرب بخطوات كثيرة من ذي قبل الى الصين، حيث من لا تجمعه علاقات وثيقة مع واشنطن بالتأكيد سيذهب الى التعاون مع الصين وروسيا الذين يختلفون شكلا وموضوعًا مع سياسات واشنطن، بل ويوفرون سياسات تتناسب اكثر مع كونهم دول جنوب نامية بدلا من السياسات الامريكية والغربية المنهكة لاقتصاديات الدول الناشئة.
الانعكاسات والتحديات: –
يعكس التواجد الصيني في المنطقة اللاتينية ابعاد وانعكاسات حاسمة قد تفاقم حدة علاقاتها مع منافستها التقليدية الولايات المتحدة الامريكية، حيث يمثل التواجد الصيني خطر على الامن القومي الأمريكي، خاصة في ظل رغبة واشنطن في تعزيز قدراتها والتوقف عن دعم الحلفاء واهدار أموال الدولة على مساندتهم، ما سيشكل فراغ في هذه الدول يمهد للصين المضي قدمًا نحو تعزيز علاقاتها مع مختلف الدول اللاتينية.
– خطر التواجد الصيني على الولايات المتحدة:
تدرك واشنطن مقدار الخطورة الذي يمثله التواجد الصيني في المنطقة اللاتينية، حيث تستشعر الولايات المتحدة ذلك بانه خطر على الامن القومي الأمريكي وكثيرا ما انتقد “روبيو” وزير الخارجية الأمريكي الحالي قبل فوز ترامب في الانتخابات التواجد الصيني في المنطقة اللاتينية،[15] مما سيدفع ترامب الى فرض ضرائب باهظة على الدول المتعاونة والمتساهلة مع الصين بالإضافة الى قيامه بترحيل الكثير من المواطنين اللاتينيين من بلاده، وتعتمد دول أمريكا اللاتينية بشكل كبير على التحويلات الخارجية من مواطنيها في خارج، وذلك ما يحول ترامب دون استمراره بسبب سياسة مراقبة الحدود وطرد المهاجرين الذي ينتهجها، لذا مع قدوم ترامب الى البيت الأبيض من المحتمل ان يتم محاربة التواجد الصيني في المنطقة اللاتينية عن طريق فرضه ضرائب باهظة وايضًا احتمالية ضم قناة بنما التي تعد معبرًا بحريًّا يربط المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي، كنوع من أنواع الاحتياط امام التواجد الصيني القريب من القناة عن طريق موانئها العالمية القريبة من القناة.
– مستقبل العلاقات الصينية مع دول أمريكا اللاتينية:
مع وصول الرئيس ترامب الى البيت الأبيض وتبنية سياسة “أمريكا أولا” وسعيه لفرض جمارك باهظة على كافة دول العالم، الحليف منها وغير الحليف، يتيح ذلك الفرصة أكثر للصين للتوغل ولعب دور اقتصادي تعاوني أكبر مع هذه الدول التي ستعاني من سياسات ترامب العدائية والحمائية في محاولة غليظة منه لتعزيز الامن القومي الأمريكي وتحقيق أكبر قدر ممكن من القوة الاقتصادية على حساب العولمة وحرية التجارة العالمية التي تدعمها بكين.
لذا وفي ظل الخطوة الامريكية لوقف دعم اقتصادات ورفع المعونات عن دول العالم النامي والتركيز على تعزيز قدرات الدولة، تصبح بذلك الصين هي الخيار الأمثل للتعاون الاقتصادي لسد تبعيات الفراغ الأمريكي، كما ان الاتحاد الأوروبي لا يشكل بديل بالنسبة لدول أمريكا اللاتينية بسبب انشغاله بالمشاكل الاقتصادية والتحديات التي يواجهها جراء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، وحديثًا قدوم ترامب وتخليه عن دول الاتحاد الأوروبي وعزمه فرض عليهم جمارك باهظة.
وختامًا،
يعد التوجه الصيني نحو دول الجنوب في أمريكا اللاتينية خطوة اقتصادية وسياسية كبيرة تثقل من وزن الصين الدولي، وتسهم في مساعدة الدول اللاتينية النامية على انشاء خطط اقتصادية تمكنها من بناء قدرات دولتهم الاقتصادية وتلعب بكين دور هام في تحقيق تلك الطموحات لدول الجنوب في ظل الإهمال الأمريكي لها، وعودة ترامب الذي لا يحبذ انفاق الأموال على المشاريع التنموية للحلفاء، فهذه البرجماتية لن تعود بأي ثمار على الدول اللاتينية وهذا ما يجعلهم اقرب الى بكين، وستوضح الأيام المقبلة بوضوح نهج ترامب في التعامل مع التواجد والانتشار الصيني في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي الذي وبالتأكيد تعده واشنطن خطراً على امنها القومي.
المصادر:
[1] “Mercosur: South America’s Fractious Trade Bloc”, Council on Foreign Relations, December 12, 2024
https://www.cfr.org/backgrounder/mercosur-south-americas-fractious-trade-bloc
[2] Ministry of Foreign Affairs ,The People’s Republic of China https://www.fmprc.gov.cn/eng/gjhdq_665435/3376_665447/panama/3515_665122/202501/t20250114_11532950.html
[3] Steven Holmes, and Julia Huesa,” China in Latin America”, Council on foreign relation
September 27, 2024 https://www.cfr.org/article/china-latin-america-september-2024
[4] Diana Roy, “China’s Growing Influence in Latin America”, Council on foreign relation, January 10, 2025
[5] Mercosur: South America’s Fractious Trade Bloc, Opt.Cit.
[6] محمد عزت، “أميركا اللاتينية.. ساحة الصراع المنسية بين الصين وأميركا”، الجزيرة نت 20 ديسمبر 2024
[7] Daniela Desantis and Lucinda Elliott, “Paraguay open to China trade deals despite Taiwan ties, Pena says” Reuters, August 22, 2024 https://www.reuters.com/world/americas/paraguay-open-china-trade-deals-via-mercosur-despite-taiwan-ties-pena-says-2024-08-21/
[8] Mercosur: South America’s Fractious Trade Bloc, Opt.Cit.
[9] Steven Holmes, and Julia Huesa,” China in Latin America”, Council on foreign relation
September 27, 2024 https://www.cfr.org/article/china-latin-america-september-2024
[10] بلومبيرغ: أميركا الجنوبية تتطلع إلى الصين بعد تجاهل واشنطن وأوروبا، الجزيرة نت، 16 نوفمبر 2024
[11] China’s Growing Influence in Latin America, Opt.Cit.
[12] Ibid
[13] Ibid
[14] “أميركا اللاتينية… ساحة الصراع المنسية بين الصين وأميركا”، الجزيرة نت، مرجع سابق
[15] China’s Growing Influence in Latin America, Opt.Cit.