أثار تصريح الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في ٢٧ يناير ٢٠٢٥ بشأن مُقترح تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن مُوجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي[1]، نظرًا لما يحمله من تداعيات سياسية وأمنية تُهدد بتصفية القضية الفلسطينية وتقويض أي آفاق لحل عادل ودائم، جاء الموقف المصري والأردني حاسمًا في رفض هذه التصريحات، حيث أكدت القاهرة وعمان أن أي مُحاولة لفرض تهجير قسري للفلسطينيين تتناقض مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي والاستقرار الداخلي لدول الجوار، في هذا السياق، تعكس هذه الأزمة مدى أهمية أدوات النفوذ المصري في العلاقات مع الولايات المتحدة، إذ تمتلك مصر مجموعة من العوامل الاستراتيجية التي تجعلها طرفًا محوريًا في مُعادلة التوازن الإقليمي، بدءًا من دورها كضامن لاتفاقية السلام ومُرورًا بموقعها الجيوسياسي الحيوي المتمثل في قناة السويس، وانتهاءً بعلاقتها مع الفصائل الفلسطينية، مما يضعها في موقع فاعل في أي ترتيبات تتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ويثير هذا التطور تساؤلات جوهرية حول مُرتكزات القوة التي تعتمد عليها مصر في إدارة علاقاتها مع واشنطن، وكيفية توظيف أدواتها الدبلوماسية والسياسية والأمنية للتأثير على مسار التفاعلات الإقليمية، لا سيما في ظل تباين الرؤى بين الجانبين بشأن قضية تهجير الفلسطينيين ومستقبل التسوية السياسية في المنطقة.
أولًا: الثوابت المصرية تجاه مُقترح التهجير الفلسطيني
رفض الرئيس “عبد الفتاح السيسي” خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الكيني “وليام روتو” في القاهرة يوم الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠٢٥ مُقترح ترحيل وتجهير الشعب الفلسطيني الذي قدمه الرئيس “ترامب”، حيث وصف ذلك “بأنه ظلم لا تُشارك مصر فيه” [2]، وبالنظر إلى الموقف المصري السابق نجد أن السياسة الخارجية المصرية تقوم على عده مُحددات وثوابت تجاه القضية الفلسطينية والتي تتمحور حول ما يلي:
1- التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية:استشرفت مصر منذ اللحظات الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أن حكومة “بنيامين نتنياهو” اليمينية المُتطرفة تسعى إلى استغلال الصراع كأداة لتصفية القضية الفلسطينية وبناءً على ذلك، تبنّت القاهرة موقفًا صارمًا برفض سياسة العقاب الجماعي ومنع التهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء، إدراكًا منها لما قد يترتب على ذلك من خلق نكبة جديدة تؤدي إلى تصفية الشعب الفلسطيني، الذي يشكّل الذخر الاستراتيجي للقضية، في هذا السياق، بادرت مصر عبر قنواتها الدبلوماسية والأمنية إلى تقديم وساطة لوقف الحرب، مُؤكدةً أن ما يحدث في غزة يمثل جريمة ضد الشعب الفلسطيني. كما دفعت القاهرة بجهودها نحو التوصل إلى صفقة تبادل بين إسرائيل وحركة حماس، تضمنت الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين مقابل وقف إطلاق النار، مما أسفر عن نجاحها في جهود الوساطة بين الطرفين.
2- تعزيز العمل العربي المشترك: في مُواجهة المُخططات الإسرائيلية الرامية إلى فرض ترتيبات أحادية الجانب، سعت مصر إلى توحيد المُوقف العربي، خاصةً بين السعودية والإمارات والأردن وقطر، إضافة إلى السلطة الفلسطينية. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى إحباط أي تحركات إسرائيلية تهدف إلى تقويض القضية الفلسطينية، سواء عبر نشر قوات دولية أو إسرائيلية في قطاع غزة أو تحييد دور السلطة الفلسطينية، كما حرصت القاهرة على تفادي أي انقسام في جهود الوساطة العربية، لا سيما بين مصر وقطر، لضمان استمرار التنسيق في مفاوضات الإفراج عن المحتجزين وعقد الهدن الإنسانية. ومن خلال هذا النهج، تسعى مصر إلى خلق بيئة سياسية مستقرة تدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة في إطار حل الدولتين.
3- توحيد الصفّ الفلسطيني وتعزيز المُصالحة: في ظل المحاولات الإسرائيلية المتكررة لإقصاء السلطة الفلسطينية من ترتيبات “اليوم التالي” في غزة، كثّفت مصر جهودها لإنهاء الانقسام الفلسطيني، إدراكًا منها لأهمية وحدة الصف في مواجهة المخططات الإسرائيلية. وتعمل القاهرة على تهيئة أفق سياسي مستقر للفلسطينيين، من خلال رعاية المصالحة بين فتح وحماس، بهدف تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة هيكلة السلطة الوطنية، لضمان وجود قيادة فلسطينية قادرة على إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة بفعالية، وإفشال أي محاولات لإعادة تشكيل المشهد الفلسطيني وفقًا للرؤية الإسرائيلية.
4- تطوير الاستجابة الإنسانية في قطاع غزة:في ظل الكارثة الإنسانية المُتفاقمة في قطاع غزة تبنّت مصر نهجًا عمليًا للتخفيف من تداعيات الحصار، فقد أصبح مطار العريش في شمال سيناء مركزًا محوريًا لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية، التي تتدفق إلى القطاع عبر مصر، إضافةً إلى ذلك، عملت القاهرة على فتح مسارات لوجستية جديدة، من خلال معبري “العوجة” و”كرم أبو سالم”، لضمان تدفق الإمدادات إلى غزة بكميات أكبر. وفي إطار التنسيق الإقليمي والدولي، تعاونت مصر مع الأردن والإمارات والولايات المتحدة أكثر من مرة في تنفيذ عمليات إنزال جوي للمساعدات، مستهدفة المناطق الشمالية من غزة، حيث يواجه أكثر من ٣٠٠ ألف فلسطيني خطر المجاعة.[3]
ثانيًا: أدوات القوة المصرية في مُواجهة ضغوط الولايات المتحدة
تمتلك مصر مجموعة من أوراق القوة التي تعزز موقفها في مواجهة ضغوط الإدارة الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بإصرار الرئيس “ترامب” على هذا الطرح، بل وتصعيد الضغوط عبر التلويح بتخفيض المساعدات أو فرض رسوم جمركية تستهدف التأثير على المصالح الاقتصادية لمصر، فإن القاهرة تستند إلى عوامل استراتيجية تجعلها قادرة على التصدي لهذه الضغوط، والتي منها ما يلي:
1- التلويح بتعليق العمل بمُعاهدة السلام:يُعد التلويح بتعليق العمل بمُعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية ورقة ضغط استراتيجية ذات وزن ثقيل في مواجهة الضغوط التي يمارسها “ترامب”، فهذه المعاهدة تُمثل حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي، ليس فقط للعلاقات المصرية-الإسرائيلية، بل أيضًا للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، لذلك فإن أي مساس بها لا يشكل تهديدًا للعلاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل وحسب، بل يعصف أيضًا بالأسس التي قامت عليها سياسة واشنطن في المنطقة لعقود، ويعرض نموذج السلام المصري-الإسرائيلي الذي طالما تم الترويج له باعتباره الأساس لأي عملية سلام مستدامة في الشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي إلى تعطيل خطط ترامب لإبرام صفقات مالية كبيرة في المنطقة، أو توسيع “اتفاقيات إبراهام” مما سيجبره على التراجع، ومن ثم هذه الأداة تُظهر قدرة مصر على إحداث تغيير مُجريات اللعبة ليس فقط بالنسبة لإسرائيل بل أيضًا للملفات الإقليمية الأخرى سواء في ليبيا أو السودان، ما يمنحها تأثيرًا حاسمًا في رسم معالم التوجهات المستقبلية في المنطقة.[4]
2- قناة السويس: تُعد قناة السويس أحد أبرز أوراق القوة الاستراتيجية التي تمتلكها مصر في سياق الضغط على الولايات المتحدة، حيث تُعتبر القناة شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، إذ تتحكم مصر في أحد أكثر ممرات الملاحة البحرية ازدحامًا في العالم، مما يمنحها قدرة هائلة على التأثير في حركة التجارة العالمية، بما في ذلك في الإمدادات العسكرية والتجارية التي تخص الولايات المتحدة، في هذا الإطار، إن التلويح بتقليص التسهيلات اللوجيستية المقدمة للقوات الأمريكية عبر قناة السويس، والمطارات والمجال الجوي المصري، يُعد تهديدًا مباشرًا للمصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. فهذه التسهيلات تمثل جزءًا أساسيًا من قدرة واشنطن على تنفيذ عملياتها العسكرية وأهدافها السياسية في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، فإن التلويح بإعادة تقييم قبول المعونة العسكرية الأمريكية، واستبدال مصادر التسليح المصري، يضع الضغوط على الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في خياراتها تجاه مصر، وبالتالي إن وقف التعاون العسكري المشترك مع الولايات المتحدة، بما في ذلك التدريبات العسكرية بعينها، ليس مجرد رسالة احتجاج دبلوماسي، بل يعبّر عن مستوى عالٍ من رفض الهيمنة الأمريكية على القرار المصري، هذه الخطوات، مُجتمعة، تعكس قدرة مصر على استخدام قناة السويس كأداة قوية للضغط على الولايات المتحدة، حيث تساهم في توازن القوى الإقليمي والدولي، ما يُجبر واشنطن على التكيف مع المواقف المصرية، خصوصًا في قضايا مصيرية مثل “القضية الفلسطينية”.[5]
3- الثقل الإقليمي والقوة العسكرية لمصر:تستفيد مصر من ثقلها الإقليمي ومكانتها الدولية كأداة ضغط قوية في مواجهة “ترامب”، فمصر لا تقتصر على كونها القوة العسكرية الأكبر في المنطقة، بل هي أيضًا لاعب رئيسي في السياسة الإقليمية والدولية، حيث تلعب دور الوسيط الأساسي في حل العديد من الأزمات الإقليمية، والذي يضعها في مكانة الفاعل الذي لا يُمكن إغفاله في المسائل المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كما أن قدرة مصر على فرض نفسها كمرجعية في المساعي السلمية والمفاوضات الدولية، تجعلها قوة ردع فعالة ضد أي محاولات لزعزعة استقرار المنطقة، وبالتالي فإن استخدام هذا الثقل للضغط على ترامب يمثل نهجًا دبلوماسيًا مدروسًا يدفعه إلى إعادة النظر في موقفه من التهجير الفلسطيني.
4- الوساطة المصرية والعلاقة مع كافة الأطراف الفلسطينية:إن العامل الجغرافي الذي يربط مصر بقطاع غزة، من خلال حدودها التي تمتد لمسافة ١٤ كيلومترًا ومعبر رفح الذي يُعد البوابة الوحيدة لغزة بعيدًا عن المعابر الإسرائيلية، يضع مصر في موقع استراتيجي يجعلها أحد اللاعبين الرئيسيين في أي مفاوضات تتعلق بالقضية الفلسطينية، هذا الموقع الجغرافي المتميز يعزز من دور مصر كوسيط رئيسي في جميع الجولات التصعيدية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بما في ذلك اتفاقات تبادل الأسرى والتهدئة. علاوة على ذلك، تُعتبر مصر هي الدولة العربية الوحيدة القادرة على التواصل المباشر مع كافة الأطراف الفلسطينية، بما في ذلك حركة حماس، وذلك بفضل روابطها السياسية والتاريخية مع هذه الفصائل. فمصر ليست مجرد وسيط فني بل تمتلك أوراق ضغط قوية، من بينها التحكم في معبر رفح، الذي يعد شريان الحياة لغزة. في هذا السياق، فإن مصر تسخر هذه الأوراق لتحقيق مصالحها الإقليمية وتعزيز مكانتها في أي تسويات تتعلق بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك رفض تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها. وبذلك، تستطيع مصر أن تمارس ضغوطًا فعالة على الولايات المتحدة، من خلال هذه الوساطة الفعالة، تضمن مصر لنفسها دورًا محوريًا في أي محاولات لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهو ما يضعها في موقع قوي يمكنها من استخدام هذه العوامل للضغط على الولايات المتحدة من أجل ضمان عدم المساس بالأمن القومي المصري أو محاولة فرض حلول تتعارض مع مصالحها الإستراتيجية.
5- ورقة الضغط الشعبي: تُعتبر ورقة الضغط الشعبي التي تحدث عنها الرئيس “عبد الفتاح السيسي” خلال خطابه إحدى الأدوات المهمة التي يمكن أن تُستخدم بفاعلية في مُواجهة الضغوط الأمريكية بشأن مُقترح تهجير الفلسطينيين، حينما أكد الرئيس “السيسي” أن الشعب المصري سيرفض تمامًا أي مسعى لتهجير الفلسطينيين إلى مصر، مُحذرًا من أن ذلك سيؤدي إلى عدم استقرار الأمن القومي المصري والعربي[6]، فإنه أشار إلى عنصر أساسي في أي حسابات استراتيجية تواجهها الحكومة المصرية، وهو “الرأي العام المحلي”، هذا التصريح يعكس بوضوح فاعلية الضغط الشعبي في مصر، الذي يمكن أن يخلق تحولات كبيرة في السياسات الحكومية، لا سيما في قضايا الأمن القومي والملفات الحساسة. ومن خلال هذه الورقة، يسعى الرئيس “السيسي” إلى تحصين موقف مصر داخليًا، حيث يعتبر أي محاولة لفرض حل كهذا تهديدًا للأمن القومي قد يؤدي إلى موجة من الاحتجاجات الشعبية العارمة. هذه الورقة لا تقتصر على التهديد الداخلي، بل تكتسب طابعًا استراتيجيًا على الصعيد الإقليمي والدولي، يرسل “السيسي” من خلالها رسالة مفادها أن أي ضغط أمريكي لتحقيق أهداف سياسية في القضية الفلسطينية لا يمكن أن يتم على حساب استقرار مصر أو مصالحها الحيوية. وبهذا الشكل، فإن مصر تبني موقفًا ثابتًا في مواجهة الضغوط الخارجية، مدعومًا بالشرعية الشعبية، مما يجعل من الصعب على واشنطن أو أي قوة خارجية فرض حلول تُعصف بأمن المنطقة.
ثالثًا: الييان المُشترك للاجتماع الوزاري العربي بالقاهرة
وفي إطار التحرك المصري نحو رفض مُخططات التهجير الفلسطيني وحشد الجهود العربية للتعبير عن هذا الرفض، جاء الييان المُشترك للاجتماع الوزاري العربي بالقاهرة وبدعوة من مصر في يوم السبت ١ فبراير ٢٠٢٥ [7]، حيث شارك في الاجتماع كل من المملكة الأردنية الهاشمية، دولة الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، دولة قطر، جمهورية مصر العربية، بالإضافة إلى السيد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن دولة فلسطين والسيد أمين عام جامعة الدول العربية، وقد اتفقت الأطراف المشاركة في الاجتماع على التالي:
1- الترحيب بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن والمحتجزين، والإشادة بالجهود التي قامت بها كل من جمهورية مصر العربية ودولة قطر في هذا الصدد، والتأكيد على الدور المهم والمقدر للولايات المتحدة في انجاز هذا الاتفاق، والتطلع للعمل مع إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، وفقاً لحل الدولتين، والعمل على إخلاء المنطقة من النزاعات.
2- تأكيد دعم الجهود المبذولة من قبل الدول الثلاثة لضمان تنفيذ الاتفاق بكامل مراحله وبنوده، وصولاً للتهدئة الكاملة، والتأكيد على أهمية استدامة وقف إطلاق النار، وبما يضمن نفاذ الدعم الإنساني إلى جميع أنحاء قطاع غزة وإزالة جميع العقبات أمام دخول كافة المساعدات الإنسانية والإيوائية ومتطلبات التعافي وإعادة التأهيل، وذلك بشكل ملائم وآمن، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل والرفض التام لأي محاولات لتقسيم قطاع غزة، والعمل على تمكين السلطة الفلسطينية لتولي مهامها في قطاع غزة باعتباره جزءاً من الأرض الفلسطينية المحتلة إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، وبما يسمح للمجتمع الدولي بمعالجة الكارثة الإنسانية التي تعرض لها القطاع بسبب العدوان الإسرائيلي.
3- التأكيد على الدور المحوري الذي لا يمكن الاستغناء عنه وغير القابل للاستبدال لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”الأونروا”، والرفض القاطع لأية محاولات لتجاوزها أو تحجيم دورها.
4- التأكيد في هذا الصدد على أهمية تضافر جهود المجتمع الدولي للتخطيط وتنفيذ عملية شاملة لإعادة الإعمار في قطاع غزة، بأسرع وقت ممكن، وبشكل يضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم، خاصةً في ضوء ما أظهره الشعب الفلسطيني من صمود وتشبث كامل بأرضه، وبما يُسهم في تحسين الحياة اليومية للفلسطينيين من سكان القطاع على أرضهم، ويعالج مشكلات النزوح الداخلي، وحتى الانتهاء من عملية إعادة الإعمار.
5- الإعراب عن استمرار الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه المشروعة وفقاً للقانون الدولي، وتأكيد رفض المساس بتلك الحقوق غير القابلة للتصرف، سواءً من خلال الأنشطة الاستيطانية، أو الطرد وهدم المنازل، او ضم الأرض، او عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل او اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم بأي صورة من الصور أو تحت اي ظروف ومبررات، بما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع إلىالمنطقة، ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
6- الترحيب باعتزام جمهورية مصر العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة، استضافة مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة، وذلك في التوقًيت الملائم، ومناشدة المجتمع الدولي والمانحين للإسهام في هذا الجهد.
7- مناشدة المجتمع الدولي في هذا الصدد، لاسيما القوي الدولية والاقليمية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أجل بدء التنفيذ الفعلي لحل الدولتين، بما يضمن معالجة جذور التوتر في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال التوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، بما في ذلك تجسيد الدولة الفلسطينية على كامل ترابها الوطني وفي سياق وحدة قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، وخطوط الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧. وفي هذا الإطار، دعم جهود التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين والمشاركة الفاعلة في المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين برئاسة المملكة العربية السعودية وفرنسا، والمُقرر عقده في يونيو ٢٠٢٥.
رابعًا: رسائل الاتصال الهاتفي بين السيسي وترامب
في خطوة لافته في هذا السياق، أعلنت الرئاسة المصرية يوم السبت ١ فبراير ٢٠٢٥ أن الرئيس السيسي تلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميركي ترامب [8]، حيث تضمن الاتصال مناقشات واسعة حول عدد من القضايا، حيث جاء هذا الاتصال ليحمل عده دلالات ورسائل والتي تتمثل فيما يلي:
1- دور مصر في تثبيت وقف إطلاق النار في غزة:كان محور النقاش الرئيسي في هذا الاتصال يدور حول دور مصر في الوساطة لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو تطور بالغ الأهمية في سياق التوترات المستمرة في المنطقة. الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية-قطرية-أميركية يظل مرهونًا بتنفيذ مرحلتين إضافيتين لضمان الاستقرار في القطاع، فضلًا عن الغموض المحيط بالمرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق، كما أكد الرئيس السيسي على أهمية تكثيف إيصال المساعدات لسكان غزة إلى إدراكها لحجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة، وهو أمر ضروري لتعزيز التهدئة، لكنه لا يكفي وحده لضمان استدامة وقف إطلاق النار.
2- مصر بين الوساطة وفرض مُعادلة سياسية جديدة في غزة: لم يكن التركيز على ضرورة التوصل إلى “اتفاق سلام دائم وتاريخي” مجرد تأكيد على موقف مصر التقليدي، بل هو رسالة واضحة بأن القاهرة ترفض الحلول المؤقتة أو تلك التي تقوم على إعادة رسم الخريطة السكانية للقطاع، فمصر تدرك أن أي تحرك في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى تغيير ديموغرافي قسري يهدد بتفجير الوضع الإقليمي، فضلًا عن كونه انتهاكًا صارخًا للحقوق الفلسطينية، تبدو مصر مصممة على لعب دور رئيسي في أي ترتيبات مستقبلية، بما يضمن أمنها القومي ويحافظ على حقوق الفلسطينيين، بعيدًا عن أي سيناريوهات قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية والديموغرافية للمنطقة.
3- الرهان المصري على إدارة ترامب لتعزيز العلاقات الثنائية:لم يكن الاتصال مُقتصرًا على الملفات الإقليمية، بل حمل أبعادًا استراتيجية للعلاقات الثنائية، حيث أكد على “تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية” و”التعاون في الأمن المائي”، وهي إشارات واضحة إلى سعي القاهرة للاستفادة من الإدارة الأميركية الجديدة لدعم أولوياتها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى أن الاتصال جاء ليؤكد حرص الجانبين على تعزيز العلاقات الاستراتيجية الثنائية، والتي تتراوح بين التعاون الأمني، الاقتصادي، والسياسي. من خلال دعوة الرئيس السيسي لترامب لزيارة مصر والمشاركة في افتتاح المتحف المصري الجديد، يسعى الطرفان إلى تعزيز الروابط بينهما على مختلف الأصعدة. في المقابل، أبدى الرئيس ترامب دعوته للسيسي لزيارة واشنطن، ما يعكس التزامًا متبادلًا بالتحاور المستمر، وأخيرًا تسعى مصر إلى التوصل إلى حل شامل يضمن حقوق الفلسطينيين ويؤدي إلى استقرار دائم في المنطقة. ومع ذلك، تظل الشكوك قائمة حول مدى قدرة الجانبين على دفع هذه المبادرة قدماً في ظل التعقيدات الضغوط القائمة التي قد تعوق أي تقدم ملموس.
ختامًا:
يُمكن القول أن الرئيس “ترامب”، في سياق اصراره على التهجير الفلسطيني، سيسعى بلا شك إلى تكثيف الضغط على مصر والأردن، عبر تقليص أو ربما حجب المساعدات الأمريكية، بالإضافة إلى فرض التعريفات الجمركية كوسيلة لابتزاز سياسي، حيث من المتوقع أن تُستخدم هذه التهديدات كورقة ضغط رئيسية في أي مفاوضات تتعلق بقضية تهجير الفلسطينيين، مما يضع كلا البلدين في موقف صعب. إلا أن مصر، بفضل مكانتها الإقليمية الفاعلة، تمتلك مجموعة من الأدوات الاستراتيجية ومُرتكزات القوة التي تتيح لها التصدي لهذه الضغوط بحنكة دبلوماسية عالية، قادرة على الحفاظ على مصالحها الوطنية والإقليمية. فهي تمتلك أوراق قوة عسكرية وسياسية، فضلاً عن دعم شعبي واسع، مما يمنحها القدرة على التعامل مع هذه الأزمة بمرونة واتزان، مع الحفاظ على ثوابتها السياسية في وجه محاولات الابتزاز الأمريكية.
[2] السيسي عن تهجير الفلسطينيين: ظلم لا يمكن أن نشارك فيه، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٢٩ يناير ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/bTDKx
[4] عبدالله حامد، هذه أوراق مصر لإفشال مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، الجزيرة نت، تاريخ النشر: ٢٧ يناير ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/UKzSI
[6] سارة أبو شادي، ٤ أوراق في يد مصر لمواجهة ضغط ترامب واجهاض “تهجير غزة”، مصراوي، تاريخ النشر: ٣٠ يناير ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/DVyPO
[7] بيان مشترك للاجتماع الوزاري العربي بالقاهرة، الهيئة العامة للاستعلامات- مصر، تاريخ النشر: ١ فبراير ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/PFLUx
