المقالات
ما بين الاحتواء والانفتاح الحذر: كيف تتعامل الدول الخليجية مع مخاطر عودة جماعات الإسلام السياسي للواجهة من البوابة السورية؟
- فبراير 11, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
![](https://shafcenter.org/wp-content/uploads/2025/02/7a54ad61-81d3-4841-991d-686a5d14be28-1170x500.jpg)
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
تثير التطورات الأخيرة في المشهد السياسي السوري، تساؤلات عديدة حول احتمالية عودة حركات الإسلام السياسي كفاعل مؤثر في المنطقة العربية، خاصةً مع تعيين زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، رئيسًا انتقاليًا في سوريا، بما له من خلفية إسلامية متشددة، ترتبط بفكر تنظيم القاعدة الذي تأسست عليه الهيئة سابقًا تحت مسمى “جبهة النصرة”.
وتخشى عدة دول عربية، وعلى رأسها الدول الخليجية، أن يكون هذا التطور محفزًا لجماعات الإسلام السياسي مجددًا، وأن تحاول تلك الجماعات، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، نقل التجربة السورية للخارج، وبشكل يهدد أمن واستقرار المنطقة، وهو الأمر الذي يثير تساؤلًا رئيسًا حول كيفية استعداد تلك الدول لاحتواء تيار الإسلام السياسي العائد للواجهة مجددًا، والذي تعتبره خطرًا يهدد أمنها القومي:
أولًا؛ تطورات سوريا تعيد حركات الإسلام السياسي للواجهة:
جاءت التطورات المتسارعة التي شهدها الداخل السوري عقب إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، من خلال عملية عسكرية خاطفة قامت بها فصائل المعارضة المسلحة برئاسة هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع، والذي أصبح فيما بعد رئيسًا انتقاليًا للبلاد، لتضع حركات الإسلام السياسي تحت دائرة الضوء مجددًا، بعد تراجعها خلال السنوات الماضية.
ولا شك أن هذا الأمر يحمل مخاوف عدة لبعض دول المنطقة، والتي تعتبر هذه الحركات خطرًا جسيمًا يهدد أمنها القومي، وذلك نظرًا للتجربة السيئة لجماعات الإسلام السياسي في تاريخ الإقليم؛ حيث كان هناك تجارب لدول عربية عدة تمت إدارتها من قبل الجماعات الإسلامية ولم تكن جيدة لهذه الدول بشكل خاص، ولأمن واستقرار المنطقة بشكل عام، مثل جماعة الإخوان المسلمين التي سيطرت على الإدارة السياسية في عدة دول بعد أحداث ما سُمي بـ”الربيع العربي” في عام 2011، وتجربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا والعراق، وبالتالي؛ احتمالية صعود تلك الحركات في المشهد السياسي العربي مجددًا، يثير مخاوف دول المنطقة وخاصةً الأمنية.
وتتعزز هذه المخاوف في الوقت الراهن، مع وجود مجموعة من المعطيات التي تهيئ البيئة الملائمة لعودة جماعات الإسلام السياسي وتصدرها المشهد السياسي في الدول العربية؛ ومن بينها:
أ. الخلفية الإسلامية للإدارة السورية الجديدة؛ إذ تأسست هيئة تحرير الشام في البداية كفرع لتنظيم القاعدة تحت مسمى “جبهة النصرة” في عام 2012، وتبنت أجندة إسلامية متشددة، معلنة ولاءها الكامل للتنظيم، ورغم أن الهيئة أعلنت في عام 2016، انفصالها عن القاعدة، وتقديم نفسها كقوة مستقلة ذات أجندة سياسية وعسكرية مختلفة، تركز بالأساس على الحرب في سوريا، إلا أنها لا زالت على قوائم الإرهاب الدولية هي وزعيمها أحمد الشرع.
ب. حالة الفوضى السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة العربية؛ والتي تمثل بيئة خصبة لبروز هذه الحركات، حيث تستغل هذه الجماعات حالة الفوضى الأمنية في بعض الدول، وضعف السلطة المركزية فيها، والانقسام السياسي الداخلي بين أطياف الشعب، لكسب أرضية وشرعية سياسية وشعبية؛ من خلال تقديم نفسها كبديل للأنظمة القائمة في تلك الدول، والتعهد بتلبية احتياجات المواطنين سواء الاقتصادية أو الأمنية، بما يسمح لها باستقطاب الدعم الشعبي في هذه الدول.[1]
وهذا ما حدث في سوريا؛ إذ قدمت هيئة تحرير الشام نفسها كبديل معتدل لنظام الأسد المرفوض شعبيًا، وقد يحدث في السودان؛ إذ صرح القيادي السوداني في تنظيم الإخوان المسلمين عبد الحي يوسف، بأنه “يتم تدريب عشرات آلاف الشباب من التنظيم للقتال في الحرب الحالية في السودان”، مشيرًا إلى أن “الحرب أعادت للحركة الإسلامية بريقها”.[2]
ج. الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في كثير من الدول العربية؛ والتي تمثل سببًا قويًا للانضمام إلى عضوية تلك الحركات، حيث تقدم جماعات الإسلام السياسي خطابًا يركز على شعارات العدالة الاجتماعية والحوكمة الرشيدة والتنمية الاقتصادية ومكافحة الفساد، وهذا يجعلها جذابة للفئات المهمشة والفقيرة، ومن ثم استقطابهم بسهولة، أملًا منهم في أن تحقق تلك الجماعات هذه الشعارات.
ثانيًا؛ تاريخ جماعات الإسلام السياسي في منطقة الخليج العربي:
لا تختلف نشأة الحركات الإسلامية في دول الخليج العربي عن مثيلاتها في العالم العربي، ولكن أبرز ما يميزها في الوقت الراهن؛ هو أنها مجرد جماعات وليست أحزابًا معترف بها رسميًا؛ إذ أنها لم تُشكل وفق أسس حزبية دقيقة، ويغيب عنها التسلسل القيادي التقليدي، ومعايير العضوية والتشكيل الفرقي والمناطقي المعتمدة حزبيًا، وكذلك تفتقر للأدبيات التي توضح منطلقاتها وأهدافها ورؤيتها السياسية والاجتماعية.
ويمكن تقسيم حركات التيار الإسلامي في الخليج العربي إلى قسمين؛ الأول سني والآخر شيعي، فعلى المستوى الإسلامي السني، برز خطان رئيسيان؛ هما الخط السلفي والإخوان المسلمون، حيث[3]:
-
الخط السلفي؛ ارتبط ظهوره على الساحة الإقليمية وخاصةً الخليجية، بالتداعيات التي أفرزها الغزو السوفياتي لأفغانستان في العام 1979، ويُمثل هذا الاتجاه في الوقت الراهن من خلال بعض المقاعد النيابية في الكويت والبحرين، باعتبارهما الدولتان الأكثر بروزًا من حيث حضور الجماعات السلفية في الخليج العربي، بعد السعودية ذاتها، فيما تُمثل سلطنة عُمان أقل الدول الخليجية استيعابًا لهذا الخط.
-
جماعة الإخوان المسلمين؛ برزت الجماعة في العمل السياسي الخليجي بعد حرب الخليج الثانية، وذلك مع تأسيس جناح سياسي لها في الكويت، ونجاحها في الوصول إلى مجلس الأمة الكويتي خلال انتخابات عام 1992، وتكرر الأمر ذاته في البحرين خلال انتخابات عام 2002 النيابية.
أما على مستوى التيار الإسلامي الشيعي في الخليج العربي، فقد ظهر ارتباطًا بحزب الدعوة الإسلامية، الذي تأسس بالعراق في العام 1957 على يد الإمام محمد باقر الصدر، ثم تطور على خلفية تعاليم الإمام محمد الحسيني الشيرازي التي انتشرت في مدينة كربلاء بالعراق، ولكن كانت النقلة الكبرى لهذا الاتجاه في الثورة الإسلامية بإيران عام 1979، ويُمثل الخط السياسي الشيعي حاليًا بعدد من المقاعد في كل من مجلس الأمة الكويتي والبرلمان البحريني.
وقد واجهت جماعات الإسلام السياسي في دول الخليج العربي، باستثناء قطر، رفضًا سياسيًا وشعبيًا وخاصةً بعد التجربة السياسية السيئة والعنيفة لجماعة الإخوان المسلمين في عدة دول عربية، وكذلك تجربة تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، إذ باتت تنظر الدول الخليجية لتلك الجماعات على أنها حركات عنفية تستغل الدين الإسلامي كواجهة للحشد والتعبئة وممارسة نفوذ عابر لحدود دولها المتواجدة فيها، بشكل مزعزع للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة العربية.
وإدراكًا من الإدارة السورية الجديدة لهذه المخاوف، ونظرًا لحاجتها إلى اكتساب مستوى من الشرعية في الأوساط العربية، وخاصةً الخليجية، فقد عملت منذ توليها إدارة البلاد، على إرسال رسائل مطمئنة لمحيطها العربي والخليجي، تفيد جميعها بأن تجربة هيئة تحرير الشام في سوريا، ستكون مغايرة تمامًا لتجربة تنظيم داعش وجماعة الإخوان المسلمين، وأنها لن تؤسس حكم إسلامي متشدد كالتجارب السابقة، حيث[4]:
1- داخليًا؛ تعهد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في أكثر من خطاب له بالتعايش واحترام وحماية الأقليات، والحفاظ على الممتلكات، ومنع أي سلوكيات انتقامية.
-
نفى رغبته في تحويل سوريا إلى نسخة جديدة من أفغانستان، مؤكدًا أنه ليس لديه مانع في تعليم النساء.
-
أجرى تعيينات في مناصب فنية من خارج دوائر المقربين منه؛ فمثلًا كلف ميساء صابرين برئاسة البنك المركزي، لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ سوريا، وهو تعيين يحمل رسالة ضمنية للمجتمع الدولي بالانفتاح تجاه عمل المرأة.
2- خارجيًا؛ حرص الشرع على عدم إثارة قلق أيًا من الفاعلين الإقليميين أو الدوليين؛ إذ أكد التزام سوريا باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، مشددًا على أن بلاده لا تريد خوض حرب ضد إسرائيل، فيما شدد على أن لتركيا الحق في حماية أمنها القومي، لكنه أبقى باب الحوار مفتوحًا مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بينما أوضح بقاء القواعد الروسية حاليًا في الساحل السوري، مشيرًا إلى أن المسألة ستكون خاضعة لمحادثات مستقبلية بين الدولتين.
-
وكذلك رفض الشرع مبدأ تصدير الثورة، مشددًا على أن “الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام، ولن يسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر، ولن تكون سوريا منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان، وسيسعى إلى بناء علاقات استراتيجية فاعلة مع هذه الدول”.
ولكن يجب التنويه إلى أن تنفيذ هذه التعهدات ليس بالأمر اليسير؛ إذ يجب على الشرع أولًا إقناع الجهاديين المنضمين لهيئة تحرير الشام بهذا النهج الإصلاحي المعتدل، وبأن عليهم أن ينصهروا في مؤسسات الدولة الجديدة، بدستورها وقانونها وانتخاباتها العامة، وهذا يُعد عملًا صعبًا؛ نظرًا لأنهم نشأوا على أدبيات لا تعترف بأدوات الدولة الحديثة في الحُكم، بل تختزل رؤيتها له في مبدأ “تطبيق الشريعة”.
والدليل على صعوبة هذه المهمة؛ أنه من بين الأسباب التي أطلقت شرارة القتال بين جبهة النصرة بقيادة الشرع، وبين تنظيم داعش في العام 2013؛ أن كبار الجهاديين في سوريا اتهموه بالتراجع عن تطبيق الشريعة في المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة، مما دفع معظمهم إلى الانضمام إلى تنظيم داعش آنذاك، على اعتبار أنه النموذج الأنجح في تطبيق الشريعة وإنفاذ الحدود الشرعية بشكل علني.[5]
وفي فبراير 2017، تجدد القتال بين الهيئة ومجموعة من الجهاديين، حيث نشبت معارك طاحنة بين هيئة تحرير الشام وبين لواء الأقصى في إدلب وريف حماة الشمالي، وكذلك بين الهيئة وتنظيم حراس الدين في إدلب وذلك عام 2020، وأيضًا بين الشرع وفصيلي “جنود الشام” و”جند الله” في ريفي إدلب الغربي واللاذقية الشمالي عام 2021، وقد جاءت هذه المعارك على خلفية اتهام الشرع بالتحلل من بيعة تنظيم القاعدة، ومسائل أخرى مرتبطة بمدى التزامه بتطبيق الشريعة.
ومن ثم؛ يتضح من هذا التاريخ الدموي بين هيئة تحرير الشام والجهاديين في سوريا، أن هناك فئات منهم ستجد صعوبة في استيعاب التحولات الجديدة، والأفكار “العلمانية” التي يطرحها الرئيس السوري الانتقالي، وخاصةً المتعلقة بحقوق الأقليات والانتخابات وصياغة الدستور والانفتاح على الدول الغربية وغيرها، حيث سيروا هذه الأفكار بمثابة “تراجع عن قناعات التيار الجهادي”.
ويُضاف إلى ذلك؛ معضلة أخرى تقف حائلًا أمام تعهدات الشرع وهي أن جماعات الإسلام السياسي تظل متمسكة بأيديولوجياتها مهما حاولت إبداء عكس ذلك، وهذه الحقيقة دفعت إلى تلقي خطاب الشرع بنوع من التشكيك والتخوف من أن يكون مجرد خطاب “مرحلي” تقتضيه ضرورات اللحظة الراهنة لحين ترسيخ موقعه في هرم السلطة، مع إمكانية تغيير خطابه مستقبلًا مع تعزيز نفوذه وقبضته على الحُكم في سوريا.[6]
ثالثًا؛ التعامل الخليجي مع الخلفية الإسلامية للرئيس السوري الجديد:
لم تتبع الدول الخليجية نهجًا واحدًا تجاه التطورات السياسية في سوريا، وذلك نظرًا لعدة عوامل؛ منها اختلاف الرؤية السعودية الإماراتية عن نظيرتها القطرية بشأن النظام السابق برئاسة بشار الأسد، وكذلك تباين الرؤيتين حول موقفهما تجاه جماعات الإسلام السياسي، فبينما كانت الدوحة داعمًا لجماعة الإخوان المسلمين في وقت سابق، كانت الرياض وأبوظبي في الاتجاه المعارض لفكر وسياسة هذه الجماعة.
وبناءً عليه؛ اختلفت الأساليب والطرق التي انتهجتها دول الخليج العربي تجاه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، لما له من خلفية إسلامية متشددة ترتبط بتنظيم القاعدة الجهادي، حيث:
1- سياسة “الاحتواء” السعودية؛ اتبعت المملكة سياسة قائمة على احتواء سوريا ورئيسها الجديد، بشكل يتماشى مع المصالح العربية، ويضمن ألا تتحول الإدارة السورية الجديدة إلى حكم إسلامي متطرف يهدد أمن واستقرار المنطقة، وشملت هذه السياسة التحركات التالية:
-
سياسيًا؛ كانت السعودية من أوائل الدول التي أعلنت دعمها لرغبة السوريين بشكل عام، داعية إلى الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، كما رحبت على الفور بإعلان الشرع رئيسًا انتقاليًا لسوريا.
-
في أول زيارة رسمية للخارج، استقبلت الرياض في الأول من يناير 2025، وفدًا سوريًا برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني، ضم وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب، وذلك بدعوة من وزير الخارجية السعودي.
-
وكذلك كانت المملكة أول وجهة خارجية يتوجه إليها أحمد الشرع بعد إعلانه رئيسًا انتقاليًا لسوريا، حيث قام بزيارة رسمية إلى السعودية يوم 2 فبراير الجاري، التقى خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
-
أما اقتصاديًا؛ فقد بذلت الرياض جهود حثيثة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، وخاصةً استضافتها لمؤتمر دولي هو الأول من نوعه، لدراسة الأزمة السورية، وخلاله تم التأكيد على أهمية وضرورة رفع العقوبات عن دمشق، فضلًا عن تسيير المملكة لجسرين إغاثيين، جوي وبري، لتقديم مساعدات إنسانية للشعب السوري.
وعلى خُطى المملكة؛ اتبعت البحرين والكويت نفس سياسة الاحتواء، وإن كان بدرجة أقل من الرياض، حيث أرسل كلًا من العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير الكويت مشعل الأحمد، برقيات تهنئة للشرع، بمناسبة توليه رئاسة سوريا انتقاليًا، وفي 25 ديسمبر الماضي، تلقى وزير الخارجية السوري اتصالين هاتفين من قبل نظيريه البحريني عبد اللطيف الزياني، والكويتي عبد الله علي اليحيا، بغرض التنسيق والتشاور حول الأوضاع في سوريا، فيما استقبلت دمشق وفدًا بحرينيًا رفيع المستوى برئاسة الزياني في 8 يناير 2025.
2- سياسة “الانفتاح الحذر” الإماراتية؛ اتبعت الإمارات نهجًا أكثر حذرًا تجاه تطورات سوريا، حيث في أعقاب إعلان سقوط نظام الأسد، صرح المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش، بأن “طبيعة الفصائل المتمردة وانتماءاتها السابقة لتنظيم القاعدة، مؤشرات مقلقة للغاية، لقد شهدت المنطقة حلقات مثل هذه من قبل، لذلك نحن بحاجة إلى أن نكون على أهبة الاستعداد”.[7]
وكرر قرقاش تصريحاته الحذرة في الأول من يناير الماضي، قائلًا “نسمع تصريحات معقولة وعقلانية حول الوحدة، وعدم فرض نظام على جميع السوريين، لكن من ناحية أخرى، أعتقد أن طبيعة القوى الجديدة، ارتباطها بالإخوان، وارتباطها بالقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية”[8]، مما يعكس تشكيك القيادة الإماراتية تجاه جماعات الإسلام السياسي، وتعهدات الشرع المحسوب على هذا التيار.
ولكن رغم ذلك؛ أبدت الإمارات بعض الإشارات الواضحة التي تفيد بأنها على استعداد للعمل والتنسيق مع الإدارة السورية الجديدة، من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، فمثلًا أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، اتصالًا هاتفيًا بنظيره السوري يوم 23 ديسمبر 2024، ناقشا خلاله تعزيز العلاقات بين البلدين، كما قام الشيباني بزيارة أبوظبي أيضًا.
في السياق ذاته؛ بعث كلًا من رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس مجلس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم، ورئيس ديوان الرئاسة منصور بن زايد آل نهيان، برقيات تهنئة إلى أحمد الشرع، بمناسبة توليه الرئاسة في المرحلة الانتقالية السورية.
وعلى خُطى الإمارات؛ اتبعت عُمان نهجًا متريثًا وحذرًا أيضًا تجاه تطورات سوريا، حيث تأخر أول اتصال بين الشيباني ونظيره العُماني بدر البوسعيدي، حتى الأول من يناير 2025، وأتبعت مسقط هذا الاتصال بزيارة لوفد رأسه المبعوث الخاص للسلطان عبد العزيز الهنائي، إلى دمشق في الـ11 من الشهر ذاته.
3-سياسة “الاحتفاء بمكاسب انتصار المعارضة” القطرية؛ تُعتبر قطر الدولة الخليجية الأكثر ترحيبًا بتطورات الوضع السياسي في سوريا، خاصةً وأنها الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت الانفتاح على بشار الأسد وتطبيع العلاقات معه، وظلت على موقفها الداعم للمعارضة السورية.
ولذلك؛ اتبعت الدوحة سياسة قائمة على التقارب الاستراتيجي السريع مع الرئيس السوري الجديد، إذ أعلنت قطر في 15 ديسمبر 2024، إعادة فتح سفارتها في سوريا لأول مرة منذ عام 2011، فيما استقبلت دمشق وفدًا قطريًا برئاسة وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي يوم 23 ديسمبر الماضي.
والأبرز من ذلك؛ كان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني هو أول زعيم عربي يزور سوريا للقاء أحمد الشرع، وقد جاءت الزيارة في اليوم التالي مباشرةً لإعلان أحمد الشرع رئيسًا انتقاليًا لدمشق، حيث تحمل دلالة التوقيت الكثير من الرسائل الهامة حول مستقبل العلاقات السورية القطرية، ومكاسب الدوحة هناك.
4- سياسة التدابير الاحترازية؛ لجأت بعض الدول الخليجية إلى اتخاذ تدابير وإجراءات احترازية، خشيةً من عودة حركات الإسلام السياسي إلى المشهد السياسي العربي مجددًا، بعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام على الحُكم في سوريا، حيث:
-
الإمارات؛ أعلنت يوم 8 يناير 2025، إدراج 11 فردًا و8 كيانات على قوائم الإرهاب المحلية، لارتباطهم بتنظيم الإخوان المسلمين المصنف إرهابيًا منذ العام 2014، وذلك وفقًا لأحكام القرار رقم (1) لسنة 2025 الذي أصدره مجلس الوزراء، موضحة أن “القرار يأتي في إطار حرصها على استهداف وتعطيل الشبكات المرتبطة بتمويل الإرهاب والنشاطات المصاحبة له بشكل مباشر وغير مباشر”[9].
-
وجدير بالذكر أن القضاء الإماراتي في يوليو 2024، أصدر أحكامًا بالسجن المؤبد على 43 شخصًا متهمين بإنشاء وإدارة تنظيم إرهابي تحت اسم “لجنة العدالة والكرامة” المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين، كما حكمت محكمة أبوظبي الاتحادية الاستئنافية بالسجن خمسة عشر عامًا على خمسة أشخاص آخرين بتهمة التعاون مع تنظيم “دعوة الإصلاح” الإرهابي ومناصرته.
-
الكويت؛ اتخذت الحكومة الكويتية يوم 23 يناير الماضي، قرارًا بإسقاط جنسية البلاد عن المدانين الخمس في قضية “تنظيم أسود الجزيرة” المقرب من تنظيم القاعدة، أي نفس الانتماء السياسي الذي حمله الشرع وهيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” سابقًا[10].
-
وجدير بالذكر أنه تم الكشف عن قضية تنظيم “أسود الجزيرة” في عام 2005، عندما بدأت أحداثها في منطقة ميدان حولي وانتقلت إلى مناطق أخرى منها السالمية وأم الهيمان ومبارك الكبير، وشهدت مقتل بعض المتطرفين واستسلام آخرين واستشهاد عدد من رجال الأمن والمواطنين، وكانت محكمة التمييز قضت بالسجن المؤبد على المتهمين في العام 2007، وذلك لما أُسند إليهم من اتهامات تمثلت في: قتل قوات دولة صديقة متواجدة في الكويت، تخريب المنشآت بدولة الكويت، اغتيال بعض ضباط الإدارة العامة لأمن الدولة ورجال الشرطة والأمن، وحيازة متفجرات وأسلحة نارية وذخائر من دون ترخيص.
رابعًا؛ ملاحظات ختامية:
– يبدو من التطورات الراهنة في الإقليم، وصعود زعيم هيئة تحرير الشام، المنتمية إلى تيار الإسلام السياسي، إلى كرسي الحُكم في سوريا، أن هناك فرصة أمام الجماعات الإسلامية لتشكل نفسها مرة أخرى، وتعود للواجهة مجددًا لتصبح جزءًا من الواقع السياسي العربي.
– رغم توفر ظروف ملائمة لصعود نجم هذه الجماعات، إلا أن الإخفاقات التي ارتكبتها حركات الإسلام السياسي التي سبق وأن سيطرت على الإدارة السياسية لبعض الدول العربية في وقت من الأوقات، مثل جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب ما عُرف بـ”الربيع العربي” عام 2011، وتنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، تقف عائقًا أمام استعادة تلك الحركات لمصداقيتها وثقتها عند شعوب هذه الدول، وخصوصًا مع وجود خطر عودة داعش في دمشق، على خلفية الفوضى الأمنية الحالية في البلاد، وأزمة مخيمات الهول والروج، ورفض قوات سوريا الديمقراطية “قسد” تسليم مقاتلي التنظيم المتواجدين في السجون، وهذا سيجعل المنطقة رافضة لعودة تلك الجماعات حاليًا، خشيةً من إعطاء فرصة جديدة لهذا التنظيم “الدموي”.
– على خلاف خلفيته الإسلامية المتشددة، يتبنى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لغة معتدلة تميل نحو التهدئة، متبنيًا ما يُعرف بـ”النموذج التركي”، باعتباره النموذج الأمثل لتقديم الإسلام السياسي حاليًا، نظرًا لفشل النموذج الإسلامي المتشدد الذي قدمه تنظيم داعش وجماعة الإخوان المسلمين، ويقوم هذا النموذج على الجمع بين العلمانية والإسلامية.
– تدرك الدول الخليجية أن مهما كانت التعهدات التي قدمها الشرع، يبقى من الصعب عليه إقناع المنتمين للتيار الإسلامي، وخاصةً المتشددين منهم، بالنهج الإصلاحي المعتدل الذي يروج إليه، وبالتالي؛ تحاول دول الخليج العربي بمختلف الأساليب والطرق، احتواء مخاوف عودة جماعات الإسلام السياسي للمشهد العربي، من خلال معادلة تقوم على “تمويل إعادة إعمار سوريا وإكساب الشرع شرعية سياسية عربية، في مقابل تنفيذ تعهداته، وتبنيه نهجًا وسطيًا يكون كل البُعد عن النموذج المتشدد الذي تخشاه هذه الدول”.
المصادر:
[1] منال محمود، محمد حازم، صعود الإسلام السياسي في سوريا وتداعياته على المنطقة العربية، مركز ترو للدراسات، 23/12/2024، متاح على الرابط: https://truestudies.org/1142/
[2] عودة الإسلام السياسي.. بين مخاوف التمدد وفرص الاحتواء، سكاي نيوز عربية، 2/12/2024، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1759113-%D8%B9
[3] عبد الجليل زيد المرهون، الجماعات الإسلامية في الخليج العربي، صحيفة الجزيرة القطرية، 23/10/2010، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/opinions/2010/10/23/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85
[4] رلى موفق، الشرع ينتهج سياسة “صفر مشاكل”: رسائل طمأنة في كل اتجاه… والعبرة في التنفيذ، صحيفة القدس العربي، 21/12/2024، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9-%
[5] عبد الغني مزوز، هل يستطيع الجولاني ترويض المارد الجهادي في سوريا؟، الحرة الأمريكية، 18/12/2024، متاح على الرابط: https://www.alhurra.com/syria/2024/12/18/%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B7
[6] أحمد مولانا، “دبلوماسية الهدهدة”.. كيف يتحرك أحمد الشرع في حقل الألغام السوري؟، الجزيرة القطرية، 13/1/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2025/1/13/%D9%83%D9%8A%D9%81
[7] ما بين التخوف من “الإسلام السياسي” و”العودة إلى حضن العروبة”، كيف نقرأ التحركات السورية تجاه دول الخليج؟، بي بي سي عربية، 15/1/2025، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/cx2jl5yggwko
[8] الإمارات حذرة من قادة دمشق الجدد خوفا على النفوذ (محللون)، مونت كارلو الدولية، 17/12/2024، متاح على الرابط: https://www.mc-doualiya.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%
[9] الإمارات تدرج كيانات وأفرادا مرتبطين بالإخوان على قوائم الإرهاب المحلية، صحيفة العرب اللندنية، 9/1/2025، متاح على الرابط: https://alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1%
[10] “الولاء” يُسقط الجنسية عن 38 شخصاً، جريدة السياسة الكويتية، 23/1/2025، متاح على الرابط: https://alseyassah.com/article/430122/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9