المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > “عون” في الرياض: خطوة نحو تعزيز الشراكة وإعادة التوازن للعلاقات
“عون” في الرياض: خطوة نحو تعزيز الشراكة وإعادة التوازن للعلاقات
- مارس 4, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في أول زيارةٍ رسميةٍ له منذ تولِّيه منصبه قبْل نحو شهرين، حلَّ الرئيس اللبناني جوزيف عون، الاثنين 3 مارس، ضيفًا على المملكة العربية السعودية، بدعوةٍ من وليِّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وتأتي هذه الزيارة عقب اتصال تهنئة من وليِّ العهد السعودي للرئيس اللبناني بانتخابه، في خطوةٍ تعكس مساعي بيروت لإعادة ترميم العلاقات مع الرياض بعد سنوات من التوتُّر، وأعرب “عون” عن أمله في أن تُمهِّدَ هذه الزيارة لرحلةٍ مستقبليةٍ يتمُّ خلالها توقيع اتفاقيات تُعزِّزُ التعاون بين البلديْن الشقيقيْن.
تقارب “سعودي – لبناني” بعد سنوات من الفتور:
شهدت العلاقات “اللبنانية – السعودية” توترات متزايدة في السنوات الأخيرة، وصلت ذروتها عام 2021، إثر تصريحات بعض المسؤولين اللبنانيين السابقين حول الحرب في اليمن؛ ما دفع السعودية ومؤيديها إلى تقليصٍ كبيرٍ للعلاقات الدبلوماسية مع لبنان، كان ذلك دليلًا واضحًا على استياء دول الخليج، وخاصَّةً السعودية، تجاه الأوضاع في لبنان وسلوك الطبقة السياسية فيه؛ إذ يُعتبر حزب الله القوة الأكثر تأثيرًا داخل البلاد، ومع تزايُد نفوذ الحزب، انخفض اهتمام الرياض بلبنان، وتوجَّهت بدلًا من ذلك لدعم دول أخرى. [1]
ومؤخرًا، عاد التوافق “السعودي – اللبناني”، بعد فترة من الفتور في العلاقات؛ بسبب هيمنة حزب الله على القرار الوطني، إلَّا أن التطورات الأخيرة، بما في ذلك الضربات العسكرية الإسرائيلية التي أضعفت الحزب، والتراجُع النسبي لنفوذ إيران وحلفائها في المنطقة، أسهمت في إعادة تشكيل التوازنات الداخلية، وجاء انتخاب عون في يناير الماضي ضمن مناخ سياسي متغير؛ حيث خرج حزب الله من صراعه الأخير مع إسرائيل بموقفٍ أضعف، بعد أن كان القوة المهيمنة سياسيًّا وعسكريًّا، كما تأثر الحزب بسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا؛ ما أتاح الفرصة لإعادة إحياء العلاقات “السعودية – اللبنانية” على أُسُسٍ جديدةٍ.
وبعد انتخاب “عون” وتكليف نواف سلام بتشكيل حكومة جديدة، زار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بيروت؛ حيث أعرب عن “ثقته” بقيادة لبنان الجديدة لتنفيذ الإصلاحات اللازمة، وقد حظيت الانتخابات الرئاسية لـ”عون” بدعم خمسة بلدان تعاونت لحلِّ الأزمة اللبنانية؛ ومن بينها كانت السعودية التي لعبت دورًا مهمًا كمساندٍ رئيسيٍّ للبنان لعقود قبْل أن يتراجع اهتمامها بقضايا البلد؛ نتيجةً للتوترات الإقليمية مع طهران، وفي خطاب تولِّيه الرئاسة، استعرض “عون” التزامه بـ “سياسة الحياد الإيجابي”، بعيدًا عن المحاور الإقليمية، مع التأكيد على بناء “أحسن العلاقات مع الدول العربية الشقيقة”؛ انطلاقًا من هوية لبنان والانتماء العربي.[2]
وفي هذا السياق، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون، بعد يومين من انتخابه، أن وِجْهَتَه الخارجية الأولى ستكون المملكة العربية السعودية، وذلك بعد تلقِّيه دعوة للزيارة خلال مكالمة هاتفية مع ولي العهد السعودي، وقد جاء هذا كاعترافٍ بدور السعودية “التاريخي” في دعم لبنان، وتأكيدًا على “عُمْق علاقته بالعالم العربي كأساس لرابطته مع بيئته الإقليمية”.[3]
أبعادٌ ودلالاتٌ:
تُعَدُّ زيارة الرئيس عون إلى السعودية ذات دلالات متعددة؛ حيث تتجاوز الزيارة الخارجية الأولى له؛ كوْنها مجرد حدث ديبلوماسي، لتمثل بدايةً لتصحيح العلاقة بين الدولتين وإعادتها إلى مسارها الصحيح؛ ما يشير إلى انطلاق مرحلةٍ جديدةٍ من التعاون والتفاهم؛ إذ تعكس هذه الزيارة رغبة لبنان في تعزيز علاقاته مع المملكة والعودة إلى موقعه الطبيعي في بيئته العربية، خاصَّةً في ظلِّ التحديات الداخلية والإقليمية التي يواجهها البلد، ويمكن تلخيص الأهداف الرئيسية للزيارة على النحو الآتي:
تعزيز الروابط الاقتصادية: تأتي الزيارة في إطار تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في ظل التحديات الجسيمة التي يعانيها الاقتصاد اللبناني، والتي تمخضَّ عنها تدهور المالية العامة للدولة وتأثير ذلك سلبًا على الوضع الاقتصادي للمواطنين، منذ أكتوبر 2019، ولطالما كانت السعودية أحد الشركاء الأساسيِّين للبنان اقتصاديًّا، وقد تكون الرياض الآن أكثر استعدادًا للاستثمار بسخاء في جهود انتشاله من آثار الحرب والأزمة الاقتصادية الراهنة، ومع ذلك، وضعت الحكومة السعودية شرط تقديم مساعدات مالية كبيرة فقط عند وجود تقدُّمٍ ملموسٍ في الإصلاحات الداخلية؛ وأحد القضايا الأساسية بالنسبة للسعوديِّين هي ضرورة عدم لعب حزب الله دور محوري، لا سيما بمنظومته العسكرية داخل لبنان.[4]
ومن ثمَّ جاءت هذه الزيارة آملةً في إحياء تلك العلاقات بما يعود بالنفع على لبنان، في ظل احتياجها الشديد لدعم اقتصادي كبير، خلال هذه المرحلة العصيبة، ومن الواضح أن استعادة السعوديِّين لنشاطهم السياحي والاستثمارات داخل لبنان بعد فترة طويلة من الغياب تُعدُّ واحدةً من أولويات تلك الزيارة؛ إذ يأمل اللبنانيون باستعادة السياحة السعودية والاستثمارات التي كانت تشكل عمود الاقتصاد الوطني قبل السابق والحاضر القريب.
ملف اعادة الإعمار: فمن جانب آخر، تتعلق الزيارة بقضية إعادة الإعمار؛ إذ تعرض لبنان لأضرار كبيرة – خاصَّة في منطقة الجنوب – نتيجة الحرب الأخيرة التي طالت مناطق واسعة؛ بما فيها العاصمة بيروت، ويسعى لبنان اليوم للبحْث عن شركاء إقليميِّين ودوليِّين لمساعدته في عملية إعادة البناء التي تحتاجها البلاد المتضررة، جرَّاء الحرب، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى.[5]
أبعاد سياسية: تتجاوز أهمية هذه الزيارة البُعْد الاقتصادي لتشمل الجانب السياسي أيضًا؛ فهي تعبر عن شكر لبنان للسعودية على دورها الفعَّال الذي ساهم بشكلٍ أساسيٍّ في إنهاء الفراغ الرئاسي المديد الذي أثَّرَ سلبًا على الحياة السياسية اللبنانية، كما أن الدعوة الرسمية المُوجَّهة للرئيس اللبناني تشير إلى تجدُّد اهتمام السعودية بلبنان، وهو ما يتجلَّى ليس فقط في هذه الزيارة، بل أيضًا من خلال دعمها العلني لجوزيف عون ليكون رئيسًا، اعتبارًا من يناير الماضي؛ ما يدل على استعداد أكبر من جانب السعودية لتقديم الدعم للبنان لمساعدته في مواجهة تحدياته المتنوعة.[6]
نتائج الزيارة:
أسفرت الزيارة عن مجموعة من النتائج تمَّ بلورتها في صيغة بيان مشترك بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اللبنانية، يوم الثلاثاء ٤ مارس، تضمن عدة نقاط مهمة، نوجزها كالآتي:
-
أكَّد البيان على ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية المحتلة من الأراضي اللبنانية، مُركِّزًا على السيادة الوطنية للبنان أمام أي تهديدات.
-
شدَّد البيان على أهمية تركيز السلاح بيد الدولة اللبنانية؛ بما يضمن الدور الوطني والشرعي للجيش اللبناني في تأمين الأمن والاستقرار.
-
تمَّ التأكيد أيضًا على ضرورة تعزيز سيادة الدولة اللبنانية عبر كافَّة أراضيها؛ ما يسهم في الاستقرار الوطني ويمنع التهديدات الخارجية.
-
اهتمَّ الجانبان السعودي واللبناني، بضرورة التطبيق الكامل لاتفاق الطائف كركيزةٍ لتعزيز الأمن والاستقرار في لبنان.
-
توافقت المملكة ولبنان بشأن الحاجة إلى دعْم الاقتصاد اللبناني واستعادة العافية الاقتصادية للتغلُّب على الأزمة المالية الحالية عبْر التعاون والتنسيق المستمرين.
-
يُبرز البيان كذلك أهمية تنفيذ ما ورد في خطاب تولِّي الرئيس جوزيف عون لضمان استقرار البلاد وتعزيز عمل مؤسسات الدولة.
-
شمل البيان بحْث الإجراءات اللازمة لضمان سفر المواطنين السعوديين إلى لبنان بأمان، في إطار تعزيز الروابط السياحية والاقتصادية بين البلدين.
-
كما اتفق الجانبان على الشروع في دراسة التحديات التي تعيق استئناف التصدير من لبنان إلى المملكة؛ سعيًا لتنشيط التبادل التجاري.