المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > أوراق بحثية > العلاقات العراقية الأمريكية في عهد ترامب: بين الماضي والمستقبل
العلاقات العراقية الأمريكية في عهد ترامب: بين الماضي والمستقبل
- مارس 18, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: أوراق بحثية تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط
مرت العلاقات العراقية-الأمريكية خلال ولاية ترامب الأولى (2017-2021) بتقلبات حادة، حيث جمعت بين التعاون العسكري في محاربة الإرهاب والتوتر السياسي الناتج عن الضغوط الأمريكية على العراق للحد من النفوذ الإيراني، كما تركت العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران أثرًا مباشرًا على الاقتصاد العراقي، مما زاد من تعقيد المشهد، وبلغ التصعيد ذروته باغتيال قاسم سليماني، الأمر الذي دفع البرلمان العراقي للمطالبة بخروج القوات الأمريكية، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يثار التساؤل حول مستقبل هذه العلاقة، خاصة في ظل قراره الأخير بإنهاء الإعفاءات الممنوحة للعراق لاستيراد الكهرباء من إيران في 9 مارس الجاري، مما قد يعمّق التحديات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
العراق وأمريكا خلال ولاية ترامب الأولى: تحولات كبرى:
شهدت العلاقات العراقية-الأمريكية خلال ولاية ترامب الأولى (2017-2021) العديد من التطورات والتوترات، حيث اتسمت بمزيج من التعاون الأمني والضغوط السياسية والاقتصادية، ويمكن إيضاح ذلك على النحو الآتي:
أولًا: الجانب السياسي:
شهدت العلاقات السياسية بين العراق والولايات المتحدة توترًا ملحوظًا أثناء إدارة ترامب، حيث تأثرت بعدد من العوامل الرئيسية، منها:
انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني: في مايو 2018، أعلن ترامب عن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران وأعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة على طهران، وقد أثر هذا الأمر بصورة مباشرة على العراق الذي يعتمد بصورة كبيرة على إيران لتزويده بالطاقة والكهرباء، لذا واجهت الحكومة العراقية ضغوطات أمريكية للامتثال لهذه العقوبات؛ مما دفع الولايات المتحدة إلى منح العراق إعفاءات مؤقتة لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران، لكن هذه الإعفاءات كانت تُجدد كل 90 يوم فقط، ما وضع العراق في موقف حرج، ومع تشديد إدارة ترامب لسياسة “الضغوط القصوى” على إيران، باتت بغداد ساحة للصراع غير المباشر بين واشنطن وطهران[1].
زيادة النفوذ الإيراني وردود الفعل الأمريكية: خلال فترة حكم ترامب، حاولت الولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في العراق عبر فرض عقوبات على شخصيات عراقية موالية لطهران مثل بعض قادة فصائل الحشد الشعبي، منها فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على “فالح الفياض” رئيس هيئة الحشد الشعبي في يوليو 2020، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بقمع الاحتجاجات العراقية[2].
قرار البرلمان العراقي بإنهاء وجود القوات الأمريكية: عقب اغتيال الجنرال “قاسم سليماني” ونائب رئيس الحشد الشعبي “أبو مهدي المهندس”، صوت البرلمان العراقي في 5 يناير 2020 على قرار يطالب الحكومة بإخراج جميع القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، ورغم أن هذا القرار لم يحمل صفة الإلزام القانوني، إلا أنه أدى إلى تفاقم التوتر بين بغداد وواشنطن بشكل كبير.[3]
الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة (2020-2021): سعت واشنطن وبغداد الى تنظيم العلاقة بينهما عبر الحوار الاستراتيجي الذي بدأ اولى جولاته في يونيو 2020، في إطار مناقشة ملفات التعاون الامني والاقتصادي والطاقة والتعليم، في محاولة لإعادة ضبط العلاقة بما يتماشى مع المصالح المشتركة، بجانب تشكيل مستقبل الوجود الأمريكي في العراق، وفي أغسطس من نفس العام، قام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بزيارة إلى واشنطن حيث التقى بالرئيس ترامب، وتم الاتفاق على تقليل عدد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق، وفي سبتمبر 2020، أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها إغلاق سفارتها ببغداد نتيجة لزيادة الهجمات الصاروخية عليها، لكنها تراجعت بعد تلقي ضمانات عراقية بشأن تعزيز الأمن.[4]
ثانيًا: البعد الاقتصادي:
تميزت العلاقات الاقتصادية بين البلدين بالتعاون في بعض المجالات ولكن شهدت ضغوطًا في مجالات أخرى بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
تبادل تجاري واستثمارات أمريكية بالعراق: بلغ إجمالي التجارة السنوية بین العراق والولايات المتحدة حوالي 13 مليار دولار خلال فترة حكم ترامب، وفي أغسطس 2020، وقع العراق اتفاقيات مع شركات أمريكية بقيمة تصل إلى 8 مليارات دولار لتنمية قطاع الكهرباء والطاقة، وكان من بينهم شركة جنرال إلكتريك وشيفرون وهانيويل.
– عقب تصويت البرلمان العراقي على إخراج القوات الأمريكية في يناير 2020، هدد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية ضد العراق وحتى إمكانية تجميد الأرصدة العراقية الموجودة بالبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والتي بلغت حينذاك قرابة 35 مليار دولار من عائدات النفط والتي كانت تشكل 90% من ميزانية الدولة[5].
أزمة الاقتصاد العراقي وسط الضغوط الأمريكية: نتيجة للعقوبات المفروضة على إيران واجه العراق صعوبات دفع مستحقاته لاستيراد الغاز الإيراني مما أدى إلى نقص الطاقة الكهربائية وحدوث احتجاجات شعبية، كما تأثر الاقتصاد العراقي بشكل حاد عام 2020 جراء انهيار أسعار النفط ما دفع الحكومة لتخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار بنسبة وصلت إلى 22% بحلول ديسمبر من العام نفسه.[6]
ثالثًا: البعد العسكري والأمني:
كان الجانب العسكري والأمني من أكثر المواضع حساسية في علاقات الولايات المتحدة بالعراق خلال فترة ترامب، وقد شهدت تلك العلاقات عدة أحداث بارزة يمكن تلخيصها كالآتي:
الحرب ضد داعش والتعاون العسكري: في ديسمبر 2017، أعلنت الحكومة العراقية بشكل رسمي انتصارها على تنظيم داعش، بعد سنوات من المعارك المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ورغم الهزيمة التي لحقت بالتنظيم، أبقت واشنطن قواتها موجودة في العراق لملاحقة فلول التنظيم ومنع ظهوره مجددًا، مما أدى إلى انتقادات من بعض القوى السياسية العراقية، وبحلول عام 2020، كان عدد القوات الأمريكية يقدر بنحو 5,200 جندي؛ لكن ترامب أعلن عن تخفيض العدد إلى 3,000 جندي، تبعه في سبتمبر 2020، وفي إطار الحوار الاستراتيجي بين البلدين، وافقت الولايات المتحدة على تقليل وجودها العسكري هناك وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 17 نوفمبر 2020 عن سحب 500 جندي من العراق لتنخفض بذلك أعداد القوات الأمريكية في العراق من 3000 إلى 2500 جندي[7].
اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس: شنت الولايات المتحدة هجومًا بطائرة مسيرة بالقرب من مطار بغداد الدولي أسفر عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي “أبو مهدي المهندس”، مما أثار غضب الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وردّت إيران بعملية صاروخية استهدفت قاعدة “عين الأسد” الجوية في يناير 2020 أدت لإصابة جنود أمريكيين بارتجاجات دماغية.[8]
بالإضافة لذلك، أصدرت محكمة عراقية عليا بتاريخ 7 يناير 2021 مذكرة اعتقال بحق ترامب بتهمة “القتل العمد” عقب هذه الضربة الجوية التي اعتبرت بغداد فيها انتهاكًا لسيادتها، ومع ذلك فإن تنفيذ المذكرة ظل رمزيًّا نظرًا لعدم وجود آليات دولية فعالة تجبر الأطراف على الالتزام بها خاصة مع عدم اعتراف الولايات المتحدة باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.[9]
هجمات صاروخية على القوات الأمريكية: تعرضت القواعد العسكرية الأمريكية بالعراق، وبالأخص قاعدة التاجي وعين الأسد، لعدة هجمات من قبل فصائل مسلحة مدعومة من إيران مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق. وفي أكتوبر 2020، قامت واشنطن بتهديد بإغلاق سفارتها في بغداد إذا استمرت هذه الهجمات، مما دفع الحكومة العراقية للقيام بجملة اعتقالات ضد بعض هذه الفصائل.
مستقبل العلاقات العراقية-الأمريكية بعد عودة ترامب:
أولاً: على المستوى السياسي:
من المتوقع أن تشهد العلاقات السياسية بين العراق والولايات المتحدة بعض التوترات الجديدة، لكن قد توجد أيضًا فرص للتعاون، فعودة ترامب إلى البيت الأبيض، واتباعه سياسة “الضغط الأقصى” تجاه إيران مجددًا، بما في ذلك إنهاء الإعفاءات التي كانت تمنح للعراق لاستيراد الكهرباء من إيران والتي صدرت عن إدارته في 9 مارس الجاري، ستحدث تحولات سياسية كبيرة تطرأ على العلاقة بين بغداد وواشنطن وفق العوامل التالية:
تصاعد الضغوط الأمريكية على العراق: إن إنهاء تلك الإعفاءات يعني أن أمام العراق خيارًا صعبًا؛ إما الالتزام بالسياسات الأمريكية وتقليص اعتماده على إيران أو مواجهة احتمال التعرض لعقوبات أمريكية مباشرة أو غير مباشرة، ومن شأن ذلك أن يؤدي لتوتر كبير بين بغداد وواشنطن خاصة إذا أصرت قوى سياسية عراقية معينة لا سيما الفصائل القريبة من إيران على مواصلة تعاونها الاقتصادي والسياسي مع طهران.
إعادة تشكيل التحالفات داخل العراق: الضغط الأمريكي قد يسبب انقسامات داخل الطيف السياسي العراقي حيث يمكن للقوى الموالية لإيران مقاومة أي تخفيف استجابة للضغوط الأمريكية وقد تستخدم البرلمان والشارع كوسيلة للضغط على الحكومة، بالمقابل هناك قوى أخرى قد تعتبر التشدد الأمريكي فرصة لتحسين علاقاتها مع واشنطن سواءً للحصول على دعم اقتصادي أو لتعزيز الاستقرار بالعراق بعيداً عن ضغوط الجانب الإيراني.
النفوذ الأمريكي في المؤسسات المالية كوسيلة ضغط: قد تعتمد واشنطن على نفوذها داخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للضغط بشكل غير مباشر على بغداد، ومن الممكن أن يتم تقييد المشروعات الاستثمارية أو القروض ما لم تلتزم الحكومة العراقية بتقليص علاقاتها مع إيران، هذا الوضع قد يُلزم العراق بإعادة تقييم سياسته الخارجية وتحديد خياراته بوضوح بين الاستمرار تحت النفوذ الإيراني أو التكيف مع التحولات الأمريكية.
إمكانية مراجعة الاتفاقيات الثنائية: من المرجح أن يسعى ترامب لإعادة المفاوضات حول الاتفاقيات التي تم توقيعها بين العراق والولايات المتحدة، خصوصًا فيما يتعلق بالتعاون العسكري والاقتصادي، وقد يطلب من الحكومة العراقية تقديم تنازلات إضافية لضمان استمرار الدعم الأمريكي، مثل تقليل تأثير الحشد الشعبي داخل مؤسسات الدولة.
ومن ثم، فإن تنفيذ سياسة ترامب تجاه العراق قد يفتح قضايا جديدة ويؤدي إلى تفاهمات واتفاقيات تعزز النفوذ الأمريكي، مما يشكل تحدياً كبيراً للعراق في الحفاظ على استقلال قراراته.
ثانيًا: على الصعيد الاقتصادي:
سيكون الملف الاقتصادي عاملًا حاسمًا في تحديد طبيعة العلاقة بين بغداد وواشنطن خلال فترة ولاية ترامب الثانية، يستند ذلك إلى خلفية ترامب التجارية، حيث يعكس توجهه الخارجي فلسفة قائمة على مبدأ الربح والخسارة، إذ قضى سنوات عديدة في بناء مشاريع عقارية وإبرام صفقات تجارية، مما دفعه لتبني سياسة تهدف لتحقيق المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة بأكبر قدر من الفوائد وأقل تكاليف ممكنة، ويبدو أن ترامب يعتزم تطبيق هذا المبدأ ذاته في علاقاته مع العراق، سعيًا للحصول على “أرباح” من الشراكات الدولية الأميركية ويرى أن الوجود الأمريكي في أي دولة ينبغي أن يكون مربحًا وليس مجرد التزام أمني أو دبلوماسي، وبالتالي، يمكن أن يسعى ترامب إلى فرض تكلفة تحرير العراق وفق تصريحاته التي أكدت أنه يجب ألا تكون المساعدة الأمريكية مجانية وأن على العراقيين تسديد ثمن التحرير الذي حدده بمبلغ لا يقل عن ترليون ونصف دولار[10]. في سياق ذلك، يُتوقع عدة احتمالات:
استمرار الضغوط الأمريكية على الاقتصاد العراقي: قد تلجأ الولايات المتحدة إلى وضع شروط صارمة بشأن التحويلات المالية العراقية، ولا سيما فيما يتعلق بإيرادات النفط التي يتم الاحتفاظ بها لدى البنك الفيدرالي الأمريكي، كما يمكن لواشنطن استخدام نفوذها أيضاً لتعطيل الاستثمارات الصينية في العراق خاصة تلك المتعلقة بمشاريع البنية التحتية والطاقة.
-
بالإضافة لذلك، إذا استطاع العراق تقديم ضمانات أمنية وسياسية كافية، فقد نشهد ازدياداً في الاستثمارات الأمريكية خصوصاً بمجالات النفط والغاز والطاقة الكهربائية؛ وقد تدفع إدارة ترامب الشركات الكبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل للتوسع في عملياتها بالعراق مقابل تعهدات سياسية وأمنية من الحكومة العراقية.
-
يتوقع أيضا أن تفرض واشنطن رقابة صارمة على التحويلات المالية العراقية إلى إيران، الأمر الذي قد يعطل بعض المشاريع الحيوية بالعراق. وإذا اتجهت بغداد لتنويع شراكاتها الاقتصادية بعيداً عن الولايات المتحدة؛ فقد تواجه تهديدات بعقوبات اقتصادية أو تجميد للأصول المالية.
ثالثًا: على الصعيد العسكري والأمني:
سيظل التواجد العسكري الأمريكي في العراق مسألة جدلية، ومن المحتمل أن تشهد الأمور تغيرات كبيرة تحت إدارة ترامب الثانية، ويمكن إبراز بعض الاحتمالات على النحو التالي:
إعادة نشر القوات الأمريكية في العراق: على الرغم من جهود إدارة بايدن لتقليص عدد الجنود الأمريكيين وتحويل مهمتهم إلى استشارية، إلا أن ترامب قد يُعيد تقييم هذه السياسة، وقد نشهد زيادة في العوامل العسكرية الأمريكية إذا تفاقم تهديد تنظيم داعش أو ارتفعت الهجمات ضد المصالح الأمريكية بالعراق.
-
كما يرجح استمرار الاعتداءات التي تشنها الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من إيران على القوات الأمريكية هناك، مما قد يدفع ترامب لاتخاذ إجراءات عسكرية صارمة، ويحتمل رؤية عمليات أمريكية تستهدف قيادات الحشد الشعبي، مشابهة لاغتيال قاسم سليماني عام 2020. وقد تجدد هذا الأمر الآن مع مقتل القائد الثاني لتنظيم داعش المعروف بأمير العمليات العالمية – عبدالله مكي مصلح الرفاعي الملقب بـ’أبو خديجة‘ وأحد عناصر التنظيم الآخر في غارة جوية دقيقة نفذتها قوات القيادة المركزية الأمريكية بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات والأمن العراقية ضمن محافظة الأنبار يوم ١٣ مارس الجاري.