تشهد الجابون استعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية في 12 أبريل 2025، مما يمثل نهاية للحكم العسكري الانتقالي الذي ساد البلاد منذ الانقلاب الذي وقع في 30 أغسطس 2023، وتأتي هذه الانتخابات بعد سلسلة من التدابير التي اتخذتها الحكومة العسكرية لتأمين الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحكم، مع استكمال الإصلاحات الدستورية التي تشمل إلغاء منصب رئيس الوزراء وتحويل النظام إلى رئاسي، فضلاً عن توسيع صلاحيات الرئيس، وتُعد هذه الانتخابات تنفيذاً للتعهد الذي قطعته الحكومة العسكرية بإجراء الانتخابات بعد نحو عامين من التحول السياسي.
السياق الراهن للانتخابات:
جاء تأكيد موعد الانتخابات بعد اجتماع ترأسه الحاكم العسكري الجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما في العاصمة ليبرفيل، وسيجري التصويت في يوم السبت 12 أبريل 2025 بدءًا من الساعة السابعة صباحًا وحتى السادسة مساءً بالتوقيت المحلي، كما تم الإعلان عن تأسيس هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات والاستفتاءات، وتكليف فريق مكون من تسعة أعضاء للإشراف على استعدادات الانتخابات لضمان الالتزام الكامل بقانون الانتخابات، وجاء هذا الإعلان بعد أن أقر البرلمان الغابوني في يناير 2025 قانونًا انتخابيًا جديدًا خلال دورة استثنائية والذي يحدد إجراءات التصويت بشكل واضح.
وبعد نحو 18 شهرًا من تعليق عضوية الجابون في الاتحاد الأفريقي بسبب الانقلاب، قد تمثل الانتخابات المقبلة خطوة نحو عودة الجابون إلى المنظمة الإقليمية، فالاتحاد الأفريقي يعتبر الانقلابات وتغييرات الحكومات غير الدستورية غير قانونية، وهو ما أدى إلى تعليق عضوية العديد من الدول من أنشطة الاتحاد في السنوات الأخيرة مثل مالي والسودان وغينيا والنيجر وبوركينا فاسو، وبينما تشير خطة الانتخابات إلى العودة إلى الحكم المدني، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة نهاية الحكم العسكري، إذ قد يظل الجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما في السلطة في إطار صيغة مدنية جديدة[1].
المرشحين للرئاسة في الانتخابات:
وافقت المحكمة الدستورية في الغابون على قائمة تضم ثمانية مرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في الشهر المقبل، بما في ذلك الرئيس المؤقت برايس أوليغي نغيما، ومن المتوقع أن يكون أبرز منافس لنغيما في الانتخابات هو رئيس الوزراء السابق في عهد بونغو، آلان كلود بيلي باي نزي، وتضم قائمة المرشحين أيضًا ستيفان جيرمان إيلوكو بوسينجوي، عضو سابق في الحزب الديمقراطي الجابوني الذي كان يرأسه بونغو، بالإضافة إلى مفتش الضرائب جوزيف لابينسي إيسيجون[2].
برايس كلوتير أوليغي نغيما:
في 3 مارس 2025 أعلن برايس أوليغي نغيما ترشحه رسمياً للانتخابات الرئاسية، ومنذ توليه السلطة في 30 أغسطس 2023 بعد الانقلاب الذي أطاح بالرئيس علي بونغو أونديمبا، يسعى نغيما لإحداث تحول جذري في البلاد حيث يلتزم بإصلاح المؤسسات وتعزيز التنمية الوطنية، وبعد إعلان تقاعده الرسمي من الجيش قبيل الانتخابات، يعتمد نغيما على سجل أعماله الإصلاحية والإجراءات التي تم اتخاذها خلال الفترة الانتقالية لإقناع الناخبين.
ويرتكز برنامج نغيما الانتخابي على تشكيل حكومة انتقالية تضم مدنيين وعسكريين، مع تعزيز الشفافية في إدارة الموارد العامة ومراجعة المؤسسات لمكافحة الفساد واتخاذ تدابير اجتماعية لتحسين ظروف الحياة للشعب، ومن المتوقع أن تمكن الانتخابات الرئاسية المقبلة نغيما من تعزيز مكانته كقائد يسعى لإرساء أسس عهد سياسي جديد في الغابون، ومع ذلك سيواجه منافسة قوية من قوى المعارضة التي بدأت تنظم صفوفها لتشكيل جبهة موحدة ضد ترشحه في الانتخابات[3].
آلان كلود بيليه باي نزي:
هو آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس علي بونغو حيث تولى المنصب من 9 يناير إلى 30 أغسطس 2023، ويُعتبر بيليه باي نزي المنافس الرئيسي للرئيس الانتقالي برايس كلوتير أوليغي نغيما في الانتخابات الرئاسية، وفي سبتمبر 2024 نشر بيليه باي نزي كتابًا ينتقد فيه بشدة الرئيس الانتقالي، وأعلن عن مشروعه الانتخابي تحت شعار “دعونا نأمل في غابون آخر” والذي يعتزم طرحه على المواطنين خلال حملته التي ستبدأ في 29 مارس 2025.
ستيفان جيرمان إيلوكو:
هو طبيب وأحد الشخصيات البارزة في السياسة الجابونية، وكان عضوًا في الحزب الديمقراطي الجابوني (PDG) الذي كان يترأسه الرئيس السابق علي بونغو، ثم انفصل عن حركة “معًا من أجل الجابون” التي أسسها آلان كلود بيليه باي نزي لتشكيل حركة جديدة تحت اسم “أرك إن سييل”، ويترشح إيلوكو للانتخابات الرئاسية، وأشار إلى أن الاختلاف في وجهات النظر هو ما دفعه للانفصال عن بيليه باي نزي الذي كان قد دعا إلى تأجيل الانتخابات.
جوزيف لابينسيه إيسيجون:
هو محامي ومفتش ضرائب يبلغ من العمر 53 عامًا ويصف نفسه بـ “مرشح الانفصال والوحدة”، ويهدف إلى تقديم رؤية جديدة للبلاد في الانتخابات القادمة.
الجولة الثانية من الانتخابات:
سيتم تحديد موعد الجولة الثانية من الانتخابات لاحقًا، ففي أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس علي بونغو، تعهد برايس كلوتير أوليغي نغيما بتسليم السلطة في نهاية الفترة الانتقالية، وبعد إقرار الدستور الجديد سمح قانون الانتخابات المعدل الذي يتضمن بندًا يتيح للمسؤولين العسكريين الترشح للرئاسة، لرئيس الفترة الانتقالية بتأكيد ترشحه رسميًا، ووفقًا للإجراءات المتبعة أعلن برايس كلوتير أوليغي نغيما أنه حصل على تصريح من وزارة الدفاع يسمح له بالترشح، ومع ذلك لم يتم تحديد موعد الجولة الثانية من الانتخابات بعد ولكن ستبدأ الحملة الانتخابية في 29 مارس[4].
التحديات التي تواجه الجابون:
تواجه الجابون تحديات كبيرة تتعلق بتقليص فرص الحصول على التمويل وارتفاع تكاليف الاقتراض، وذلك بسبب التوترات المالية العالمية من جهة، بالإضافة إلى احتياجات التمويل الكبيرة المتوقعة لمواجهة استحقاق سندات اليورو في عام 2025 من جهة أخرى، وتؤدي المتأخرات المستحقة في السداد، رغم جهود الحكومة الجديدة، إلى زيادة تعقيد هذه المخاطر.
وفي حال عدم اتخاذ تدابير تصحيحية قد يؤدي ارتفاع عجز الموازنة إلى تهديد استدامة الدين العام، الذي بلغ أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 80% بحلول عام 2026، وقد أثرت هذه المخاطر على التصنيف الائتماني للجابون، مما دفع وكالتي موديز وفيتش إلى خفضه في منتصف عام 2024[5].
ختامًا:
تُعد الانتخابات الرئاسية المقبلة بمثابة نهاية للمرحلة الانتقالية وعودة إلى النظام الدستوري في البلاد، ورغم أن العملية الانتخابية ستواجه تحديات متعددة مثل التشكيك في نزاهة الانتخابات وضمان حقوق الأحزاب السياسية في التنافس، إلا أن الانتخابات تمثل أيضًا فرصة لإعادة بناء الثقة بين الشعب والحكومة، وستكون التحديات المرتبطة بتنفيذ الإصلاحات اللازمة، فضلاً عن ضمان حرية التعبير والمشاركة السياسية، محورية في نجاح هذه المرحلة الانتقالية وتحقيق تطلعات المواطنين في حكم ديمقراطي ومستقر.
المصادر:
[1] Ndi Eugene Ndi, Gabon sets April 12 as election date to end military rule, the east African, January 23, 2025.
