المقالات
يحمل دلالات عدة: الكشف عن “خلية الفوضى” الأردنية يحرك الكثير من القضايا الأمنية بالمنطقة
- أبريل 18, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
في سياق إقليمي شديد الخطورة، ووسط تحديات أمنية معقدة تواجه المملكة، نشرت دائرة المخابرات العامة الأردنية، يوم الثلاثاء 15 أبريل 2025، بيانًا أعلنت فيه إحباط عدة مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني، وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل عمان، مؤكدة توقيف 16 شخصًا يُشتبه بتورطهم في تنفيذ هذه الأنشطة، ويثير هذا التطور الأمني اللافت، الكثير من التساؤلات حول الدلالات والرسائل التي يحملها توقيت الكشف عن هذه الخلية، وكذلك حول التداعيات الناتجة عنها:
أولًا؛ تفاصيل ومعلومات الخلية الأردنية:
كشف وزير الاتصال الحكومي، والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، خلال مؤتمر صحافي مساء يوم 15 أبريل الجاري، عن تفاصيل مخططات التخريب ضد المملكة، موضحًا التالي[1]:
كانت هذه الخلية تنشط داخل أراضي المملكة الأردنية الهاشمية منذ 4 سنوات، أي منذ عام 2021، عندما كان العالم منشغلًا بجائحة كورونا.
تم إلقاء القبض على جميع الضالعين بهذه النشاطات وعددهم 16 أردنيًا، ينتمون إلى جهات سياسية داخل الأردن، وإلى جمعية منحلة سياسيًا وغير مرخصة.
انخرط الـ16 متهمًا ضمن مجموعات كانت تقوم بعمليات وبمهام منفصلة عن بعضها البعض، وقد شملت هذه الأعمال 4 قضايا رئيسية؛ وهي:
-
تصنيع صواريخ قصيرة المدى يصل مداها بين 3 إلى 5 كيلومترات؛ تتكون هذه الخلية من 4 عناصر، أُلقي القبض على 3 منهم خلال شهر فبراير 2025، حيث بدأت العناصر الثلاث بعملية تصنيع صواريخ بأدوات محلية وأدوات أخرى جرى استيرادها من الخارج لغايات غير مشروعة، كما قاموا بإنشاء مستودعين للتصنيع والتخزين في العاصمة عمان ومحافظة الزرقاء، أحدهما كان محصنًا بالخرسانة لتخزين الصواريخ، ويحتوي على غرف سرية مقفلة، وكذلك عملت تلك العناصر على إنتاج هياكل الصواريخ وتصنيعها، وذلك من خلال تلقي التدريبات والأموال من الخارج، حيث تمكنوا من إنتاج النموذج الأول لصاروخ قصير المدى. فيما أُلقي القبض على المتهم الرابع، والذي عمل ضمن خط منفصل، على خلفية اتهامه بإخفاء صاروخ من نوع “كاتيوشا” مجهز بصاعق وذلك في منطقة مرج الحمام.
-
حيازة مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية، تتكون هذه الخلية من 3 عناصر رئيسية ضُبطت بين شهري مايو ويونيو عام 2023، كانت تعمل على نقل وتخزين مواد متفجرة شديدة الانفجار من نوع “تي إن تي” و”سي 4″ و”سمتكس إتش”، وأسلحة أوتوماتيكية تم تهريبها كلها من الخارج.
-
تصنيع طائرات مسيرة؛ انخرطت 4 عناصر في مشروع لتصنيع طائرات مسيرة، مستعينة بأطراف خارجية عبر زيارات لدول إقليمية، للحصول على الخبرات اللازمة لتنفيذ مخططها، وبالفعل استطاعت هذه الخلية تصنيع مجسمًا لطائرة مسيرة مصنوعًا من مواد أولية.
-
تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب في الخارج؛ تتكون هذه الخلية من 5 عناصر ضمن مجموعتين، فقد قام المخططون، الذين تدرب بعضهم في الخارج، بالعمل على تجنيد وترشيح عناصر وإخضاعها لدورات تدريبية أمنية غير مشروعة.
تم إحالة المتهمين بهذه القضايا إلى محكمة أمن الدولة، وذلك بعد انتهاء إجراءات التحقيق معهم، ومصادقة النائب العام لمحكمة أمن الدولة على قرار الظن الصادر بحقهم أصولًا، ووفقًا لأحكام القانون؛ حيث[2]:
-
أسند مدعي محكمة أمن الدولة للمتهمين في قضية تصنيع الصواريخ، عبدالله هشام ومعاذ الغانم، تهمة جناية تصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع، وذلك خلافًا لأحكام المادتين (3/و) و(7/ج) من قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006 وتعديلاته، وبدلالة المادة (7/و) من ذات القانون.
-
أُسند للمتهم محسن الغانم، تهمة جناية التدخل بتصنيع أسلحة بقصد استخدامها على وجه غير مشروع خلافًا لأحكام المادتين (3/و) و(7/ج) من قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006 وتعديلاته.
-
وكذلك أسند مدعي محكمة أمن الدولة تهمة جناية القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر خلافًا لأحكام المادتين (2) و(7/ط) من قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006 وتعديلاته بالنسبة للمتهمين الثلاثة عبدالله هشام ومعاذ الغانم ومحسن الغانم.
-
وفي قضية مشروع تصنيع الطائرات المسيرة؛ أسند المدعي العام للمتهمين علي قاسم وعبدالعزيز هارون وعبدالله الهدار وأحمد خليفة، تهمة جناية القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر خلافًا لأحكام المادتين (2) و(7/ط) من قانون منع الإرهاب رقم (55) لسنة 2006 وتعديلاته.
-
وفي قضيتي التجنيد؛ أُسند للمتهمين خضر عبدالعزيز وأيمن عجاوي ومحمد صالح ومروان الحوامدة وأنس أبو عواد، تهمة جناية القيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، خلافًا لأحكام المادتين (2) و(7/ط) من قانون منع الإرهاب رقم 55 لسنة 2006.
-
أما في قضية نقل وتخزين مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية تم تهريبها من الخارج، فهي منظورة أمام محكمة أمن الدولة، وهي في مرحلة البينات الدفاعية التي يُحاكم فيها 4 متهمين.
وجدير بالذكر أنه ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الإعلان عن تورط أفراد في خلايا إرهابية؛ ففي يونيو 2024 عثرت الشرطة الأردنية على مواد متفجرة مخزنة داخل شقة في منطقة سكنية بالعاصمة عمان، ترتبط بمحاولات إيرانية لتهريب أسلحة ومتفجرات إلى الداخل الأردني للمرة الثانية بعد الكشف عن محاولة أولى في مايو من العام ذاته، تضمنت تهريب متفجرات وأسلحة لحركة حماس.
كما يُذكر أن جهاز المخابرات العامة الأردني، قد أحبط منذ أوائل عام 2021 وحتى الآن، حوالي 34 عملية إرهابية، وساهم في إيقاف 54 مخططًا إرهابيًا آخر على مستوى العالم، وذلك وفقًا لتصريحات مدير الجهاز.[3]
ثانيًا؛ اعترافات للمتهمين بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين:
لم يكتفي الأردن ببيان محمد المومني، بل أيضًا بث جهاز المخابرات العامة الأردني فيديو يتضمن اعترافات مسجلة لـ8 متهمين، قام التلفزيون الرسمي للمملكة بعرضه، كما بثته قناة “العربية”، وفيما يلي أبرز الاعترافات التي أدلوا بها[4]:
المتهم في قضية تصنيع الصواريخ “عبدالله هشام أحمد عبد الرحمن”؛ أكد أن علاقته بجماعة الإخوان المسلمين بدأت عام 2002، مقرًا بأن شخصًا بالجماعة يُدعى “إبراهيم محمد”، طرح عليه فكرة إنتاج صواريخ بالأردن عام 2021، وطلب منه أن يتولى العمل المتعلق بإنشاء الهياكل المعدنية.
كما أشار “عبدالله” إلى أنه وافق على العرض، وأن “إبراهيم” قد طلب منه أن يُزكي شخصًا آخر لمساعدته، فاختار له “معاذ الغانم”، موضحًا أن “إبراهيم” طلب منهما أن يسافرا إلى لبنان حيث التقيا بمسؤول تنظيمي هناك، مؤكدًا أن هذا المسؤول كان هو الذي يدير الملف بأكمله.
وكذلك أوضح المتهم “عبدالله” أنه والمتهم “معاذ” خضعا لفحص أمني عند زيارتهما بيروت، قبل أن يُطلب منهما بعد ذلك العودة إلى الأردن، مشيرًا إلى أن “إبراهيم” عاد وطلب منهما بعد فترة من الزمن زيارة لبنان مرة ثانية، حيث التقى “عبدالله ومعاذ” بالمسؤول التنظيمي، وتلقيا تدريبات على الخراطة اليدوية الفنية.
المتهم “معاذ عبدالحكيم حسن الغانم”؛ أكد أن علاقته بجماعة الإخوان المسلمين بدأت في عام 2010، وأنه ما زال إلى الآن عضوًا في أسرة إخوانية تابعة لمنطقة شفا بدران، مشيرًا إلى التالي:
-
في منتصف عام 2021، عرض عليه المتهم “عبدالله هشام” الذهاب إلى لبنان، حيث تعرفا على المسؤول التنظيمي في بيروت وهو شخص يُدعى “أبو أحمد”، والذي عرض عليهما فكرة تصنيع هياكل الصواريخ في الأردن.
-
في منتصف عام 2022، تم الذهاب مجددًا إلى لبنان، وذلك للإطلاع على عمل ورشة تضم مخارط، وذلك بهدف التعلم حول كيفية عملها.
المتهم “محسن حسن محمد الغانم”؛ أكد أنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1994 وحتى الآن، وأنه كان المسؤول عن حركة ونقل الأموال، حيث:
-
في عام 2022، طلب المتهم “عبدالله هشام” نقل أموال إليه من إحدى الدول، وبالفعل قام بتسليمه 20 ألف دولار.
-
بعد عدة أشهر؛ عاد المتهم “عبدالله” مجددًا وطلب منه مبلغًا صغيرًا، إذ التقى بشخص مجهول وأعطاه 7 آلاف دولار، ورجع إلى الأردن وسلمها إلى “عبدالله”، وبعد عدة أشهر أخرى سلمه مبلغ 10 آلاف دولار.
المتهم “خضر عبدالعزيز”؛ أقر بأنه انتسب لجماعة الإخوان منذ عام 1975، وأنه يعمل حاليًا رئيسًا للمكتب الإداري لجماعة الإخوان والذي يتشكل من شعب إخوان الزرقاء، وحزب جبهة العمل الإسلامي، كما أكد أنه كان عضواً في مجلس شورى جماعة الإخوان لمرتين، وأنه قام بتجنيد شباب من الجماعة عبر عقد دورات فكرية وبعض الدروس الأمنية.
المتهم “مروان الحوامدة”؛ أكد أنه عضو في جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 2010 وحتى الآن، وأنه يعمل الآن كنقيب أسرة داخل الجماعة، مقرًا بأنه جند الشباب للانضمام إلى الخلية، ومنهم المتهم “أبو عواد” الذي أقر بأن “مروان” طلب منه تجنيد مزيد من الشباب في الأردن، موضحًا أن التواصل بينهم كان يتم عبر تطبيق “التلجرام”.
ثالثًا؛ أبرز ردود الفعل الداخلية والخارجية:
1- أبرز ردود الفعل الداخلية:
أ. جماعة الإخوان المسلمين الأردنية؛ لا علم للجماعة بالخلية التي تم الإعلان عنها، ولا تمت لها بصلة، بل هي مجرد أعمال فردية، فالجماعة التزمت منذ نشأتها قبل ثمانية عقود بالخط الوطني، وظلت متمسكة بنهجها السلمي، ولم تخرج يومًا عن وحدة الصف وثوابت الموقف الوطني، بل انحازت دائمًا لأمن الأردن واستقراره.[5]
– تتطلب المرحلة وعيًا وطنيًا صادقًا، وتكاتفًا مسؤولًا، وترسيخًا للوحدة الوطنية، بعيدًا عن محاولات التشويش أو التشويه أو التخوين وحملات التحريض التي لا تخدم الأردن وتستهدف منعته، لأن الحوار والتكامل هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات.
ب. المكتب التنفيذي لحزب جبهة العمل الإسلامي؛ يرفض الحزب التشكيك بدوره الوطني، والتطاول أو التحريض عليه، كما يؤكد التزامه الدائم بالغايات والأهداف التي أُسس عليها كحزب سياسي مستقل يعمل وفق الدستور والقوانين الناظمة للأحزاب، ويمارس دوره السياسي والوطني بتمثيل الإرادة الشعبية في مختلف الاستحقاقات الوطنية في البرلمان والمجالس المحلية والنقابات.[6]
– يحتفظ الحزب بحقه القانوني في الرد على محاولات التجييش والتحريض ضده، ويؤكد على ثقته بالقضاء الأردني في كشف أي متورط في أعمال مرفوضة تستهدف أمن الوطن واستقراره، اولذي يمثل خطًا أحمر لا يُسمح بالمساس به.
ج. رئيس اتحاد الكُتاب والأدباء الأردنيين موسى العدوان؛ يقف الاتحاد صفًا واحدًا إلى جانب جهاز المخابرات العامة، ويدين “الجرائم الإرهابية” التي ارتكبتها “فئة خارجة عن القانون والدين والقيم”.[7]
د. نقيب المحامين الأردنيين يحيى أبوعبود؛ أمن الأردن واستقراره فوق كل اعتبار، فالسلاح لا يجب أن يُرفع إلا بيد الدولة، ولا عمل عسكري خارج إطار القوات المسلحة.
هـ. غرفة تجارة الزرقاء؛ أكدت وقوفها خلف القيادة الهاشمية والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، مشيدة بالدور الذي قامت به دائرة المخابرات العامة في كشف وإحباط المؤامرة التي استهدفت زعزعة الأمن والاستقرار.
2- أبرز ردود الفعل الخارجية[8]:
أ. لبنان؛ أجرى رئيس مجلس الوزراء اللبناني نواف سلام، اتصالًا هاتفيًا بنظيره الأردني جعفر حسان، عبر فيه عن تضامن لبنان الكامل مع الأردن، مؤكدًا استعداد لبنان للتعاون الكامل مع السلطات الأردنية، في ضوء المعلومات التي تحدثت عن تلقي بعض المتورطين في المخططات تدريبات داخل الأراضي اللبنانية، مشددًا على أن بيروت ترفض رفضًا قاطعًا أن تكون منطلقًا أو مقرًا لأي نشاط من شأنه يهدد أمن الدول الصديقة.
ب. المملكة العربية السعودية؛ عبرت الخارجية السعودية عن دعمها لما تتخذه الحكومة الأردنية من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها، مؤكدة تضمانها مع الأردن أمام كل ما من شأنه المساس بأمنه واستقراره.
ج. الإمارات؛ أكد وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، موقف بلاده الراسخ ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، وتتنافى مع القانون الدولي، مشددًا على موقف أبوظبي الثابت في تأييدها وتضامنها ومساندتها للمملكة الأردنية، في التصدي لكل المحاولات التي تستهدف المساس بالأمن الوطني، وفي كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها.
د. مصر؛ أعرب وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، عن إدانة مصر الشديدة للمخططات الإرهابية التي تستهدف الأمن الأردني، مؤكدًا وقوف مصر إلى جانب الأردن في مواجهة كافة أشكال الإرهاب والجماعات المتطرفة، وتضامنها مع عمان في مواجهة تلك المخططات التخريبية.
هـ. الكويت، أدانت الخارجية الكويتية المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف المساس بالأمن الوطني في الأردن، مشددة رفضها لكل أنواع العنف والإرهاب، وكل ما من شأنه نشر الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار.
و. فلسطين؛ أدانت الرئاسة الفلسطينية المخططات التي تهدف للمساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى داخل الأردن، مؤكدة أن من يحاول استهداف الأردن وإضعافه، إنما يستهدف فلسطين وإضعافها، كما شددت على وقوفها إلى جانب المملكة في مواجهة هذه المؤامرة الإرهابية.
ز. رئيس البرلمان العربي محمد اليماحي؛ أكد تضامن البرلمان العربي التام مع الأردن في كل ما يتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنه واستقراره، والتصدي لأي تهديد يمس أمنه وسلامته، مشددًا على أن أمن المملكة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.
ح. الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط؛ أعرب عن دعم الجامعة للأردن وما تتخذه حكومته من إجراءات في مواجهة مخططات الفوضى والتخريب.
رابعًا؛ تبعات الكشف عن “خلية الفوضى”:
لا شك أن توقيت الكشف عن “خلية الفوضى”، وما تضمنته من معلومات واعترافات شديدة الحساسية، تتعلق بأطراف مؤثرة في المشهد السياسي والأمني الأردني، سواء كانت داخلية أو خارجية، يثير الكثير من التبعات والتداعيات الناتجة عن إثارة هذه القضية في الوقت الراهن، ومن أهمها:
1- إثارة جدلًا سياسيًا في الداخل الأردني حول مستقبل جماعة “الإخوان المسلمين”؛ رغم أن بيان الحكومة الرسمي لم يسمي جماعة الإخوان المسلمين بشكل علني بأنها هي التي تقف وراء الخلية الإرهابية المعلن عنها، واكتفى بالقول بأن المتهمين ينتمون لجماعة غير قانونية وغير مرخصة، إلا أن كثير من المصادر أفادت بتورط أعضاء في مجلس شورى الإخوان المسلمين بالمخطط الإرهابي، وبأن الجماعة وذراعها السياسي؛ حزب جبهة العمل الاسلامي، كانتا على علم مسبق بذلك، وقد سبق لهما أن طالبوا الحكومة بالإفراج عنهم باعتبارهم معتقلي رأي. وفي حال تأكدت تلك الاتهامات؛ فمن شأن ذلك أن يؤجج أزمة في الداخل الأردني حول احتمالية اتجاه المملكة لحل الحزب والجماعة، حيث[9]:
-
رغم أنه تم حل جماعة الإخوان المسلمين الأردنية بموجب أمرًا قضائيًا صادرًا في عام 2020، إلا أن جناحها السياسي ممثلًا في حزب جبهة العمل الإسلامي، استمر بالنشاط واستطاع أن يفوز بـ31 مقعدًا في البرلمان الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لذراعها الاجتماعي الممثل في جمعية المركز الإسلامي.
-
وفي حين تتيح القوانين الأردنية حل حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك وفقًا لأحكام المادة 39 من قانون الأحزاب السياسية الأردني، والتي تنص على “في حال ممارسة الحزب أو أحد فروعه أعمالًا مخالفة لأهدافه المصرح بها، أو ممارسة أنشطة عسكرية أو شبه عسكرية أو أمنية، وإذا تلقى تمويلًا خارجيًا من دون الإفصاح عنه أو استخدامه بخلاف ما نص عليه القانون، وإذا ثبت تورط الحزب في أعمال إرهابية أو تحريض على العنف أو إثارة الفتنة الطائفية أو العنصرية أو الإقليمية، فإنه يحق للدولة حل الحزب”، تُثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل الحزب والجماعة، خاصةً وأن جماعة الإخوان المسلمين لم تُصنّف رسميًا كتنظيم إرهابي، مما يثير جدلًا كبيرًا الأمر حول التعامل القانوني معها.
-
وفي هذا الوضع، يبدو أن مصير الجماعة المحظورة، يتوفق على مدى مسؤوليتها وتورطها في التهديدات الأمنية المتعلقة بالخلية، ووجود أدلة بأن ما حدث ليس قراراً فرديًا من بعض أعضائها، بل أن هناك توجيهًا وتنظيمًا لتلك المخططات على مستوى القيادة، فهذا هو ما سيحدد المسار القانوني للتعامل معها مستقبلًا.
-
في حال إثبات تورط الجماعة فعلًا في هذه المخططات، فأنها ستفقد أي تعاطف شعبي معها، بل سيكون هناك دعم شعبي لأي قرار تتخذه الحكومة الأردنية بشأنها وبشأن جبهة العمل الإسلامي، سواء تجميد العمل مؤقتًا، أو حظرهم نهائيًا.
وأيًا ما سيتم الكشف عنه مستقبلًا في هذه القضية، فإنه يبدو أن الأردن قادم على استدارات استراتيجية في التعامل مع جماعة الإخوان غير المرخصة، وأن جميع أعمالها ستخضع للمتابعة والملاحقة القانونية.
2- الكشف عن وجود بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية في الأردن؛ تحمل حيثيات وخلفيات القضية، دلالات عدة حول وجود ميليشيات مسلحة تهدد الداخل والخارج الأردني؛ حيث[10]:
-
تأتي طبيعة التصنيع للصواريخ التي لا يتجاوز مداها الـ5 كيلو مترات، ضمن نشاطات تخريبية وإرهابية للداخل الأردني، وتشكيل ميليشيات مؤدلجة ومسلحة، قادرة على الاستقطاب ضمن جهود تعبوية مؤطرة بخطاب ديني، كما تشير إلى خطر توفير بيئات حاضنة لتنفيذ أجندات عابرة للحدود، ونشر الفكر المتطرف بين الأردنيين عبر أجنحة مسلحة.
-
التطور النوعي والمقلق، والذي يتمثل في محاولة الخلية الإرهابية تصنيع صواريخ وطائرات مسيرة، يُعد نقطة تحول خطرة في نمط التهديد الذي بات يواجهه الأردن، ويعني نقل أخطار التهديد الإرهابي من الوسائل التقليدية إلى أخرى حديثة.
-
تشير التفاصيل إلى وجود بنية تنظيمية وشبكة تجنيد نشطة، بما يعزز فرضية أن المجموعة ليست معزولة، بل مرتبطة بجماعات إقليمية أو عقائدية، وهذا يعني أن ما كشف الأردن عنه ليس إلا جزء من شبكة إقليمية أوسع، ومخطط أكبر قد يحرك الكثير من التفاعلات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط.
3- التخوف من تفاقم التوغلات الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ منذ تصاعد أحداث غزة في 7 أكتوبر 2023، بدأت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، في استثمار القضية الفلسطينية لتأجيج الشارع الأردني، وقيادة موجة من المظاهرات الاحتجاجية، والتي اعتادت تنفيذها في محيط السفارة الإسرائيلية في عمان، هذا إلى جانب الدعوة إلى إلغاء معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة في عام 1994، وإلى المشاركة عسكريًا في الحرب الحالية بقطاع غزة، فضلًا عن مباركتها لحادث وصول مسلحين اثنين إلى السياج الحدودي مع الضفة الغربية، لتنفيذ عملية ضد دورية إسرائيلية في فبراير الماضي.
وفي ضوء ذلك؛ يخشى الأردن من توصيف إسرائيل لنفسها على أنها مستهدفة أمنيًا من ناحية الحدود الأردنية، واستخدام ذلك ذريعة للتوسع في عملياتها العسكرية بالضفة الغربية، وهو ما حذرت منه عمان مؤخرًا.
4- وضع النشاط الإيراني في الأردن تحت الضوء؛ يتضح من اعترافات بعض المتهمين التي بثها جهاز المخابرات العامة الأردني، أنهم تعاملوا مع جهات خارجية وتلقوا أموالًا من دول بالخارج، هذا إلى جانب اعترافهم بأنهم تلقوا التدريب في الجنوب اللبناني، أن الخلية المعلن عنها ترتبط بعناصر من حزب الله اللبناني، وببعض القيادات العملياتية من حركة حماس المقيمة في لبنان، أي كان هناك تمويل إيراني لتلك الخلية.
وفي ضوء ذلك؛ تفيد بعض المصادر بأن إيران والجماعات المتحالفة معها مثل حماس وحزب الله، جندوا عناصر من جماعة الإخوان المسلمين في المملكة، في محاولة لتوسيع شبكة طهران الإقليمية، ومن أجل إقحام الجبهة الشرقية، ممثلة في المملكة، في مواجهة مع إسرائيل، وذلك لإشغالها على جبهات متعددة، وتخفيف عدوانها على قطاع غزة، وكذلك ضغطها على طهران.[11]
كما أن إظهار التحقيقات أن بعض العناصر تعلمت تصنيع المتفجرات والصواريخ واستخدام الطائرات المسيرة الإيرانية، بتنسيق مع قيادات على صلة بالحرس الثوري الإيراني، يؤكد أن هذه الخلية ما هي إلا تخادم مصالح بين الإخوان وحزب الله بدعم إيراني.
وجدير بالذكر في هذا الشأن؛ أن الأجهزة الأمنية الأردنية أحبطت في مايو 2024، تهريب أسلحة أرسلتها فصائل مدعومة من إيران في سوريا، إلى خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن لها صلات بالجناح العسكري لحركة حماس، وقد تم ضبط الأسلحة عندما أُلقي القبض على أعضاء في الخلية، وهم أردنيون من أصول فلسطينية.
5- تعكير صفو العلاقات بين الأردن ولبنان؛ تضمنت التحقيقات الأولية اعترافات من أفراد الخلية تفيد بأنهم تلقوا تدريبات عسكرية على الأراضي اللبنانية، وهو ما أثار جدلًا بشأن مستقبل العلاقات الأردنية اللبنانية، خاصةً وأن الحزب حتى الآن لم يصدر بيانًا ينفي فيه تورطه في الملف، مما أثار تحركًا لبنانيًا سريعًا؛ حيث:
-
تواصلت السلطات اللبنانية مع نظيرتها الأردنية، إذ شددت على أمن واستقرار الأردن والتضامن معه، كما أعربت عن استعداد لبنان للمساعدة والتعاون الكامل مع السلطات الاردنية.
-
وكذلك تحركت بيروت فيما يخص ملف السلاح الفلسطيني بالمخيمات الفلسطينية المتواجدة في الأراضي اللبنانية، وفي هذا الإطار؛ أوقفت المخابرات اللبنانية يوم 16 أبريل الجاري، عددًا من عناصر حركة حماس في مخيمات عين الحلوة وصور في الجنوب، ونهر البارد في الشمال.[12]
-
شدد الجيش اللبناني على أنه لن يسمح بأي حال من الأحوال بالمساهمة في تخريب الأردن أو أي من الدول العربية، مؤكدًا التزامه التام بالحفاظ على الأمن القومي اللبناني والعربي.
-
أجرى الرئيس اللبناني جوزيف عون، اتصالًا هاتفيًا بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، للإطلاع منه على نتائج التحقيقات في خلية تصنيع الصواريخ التي تم الكشف عنها في الأردن، وأبدى كامل استعداده للتنسيق والتعاون بين البلدين، مؤكداً أهمية إدامة التنسيق للتصدي لأية محاولات لزعزعة الاستقرار، والعمل للحفاظ على أمن المنطقة.[13]
-
كما أوعز الرئيس عون إلى وزير العدل عادل نصار، التنسيق مع نظيره الأردني بشأن التحقيقات، وتبادل المعلومات بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والقضائية.
وإجمالًا؛ يبدو من تفاصيل “خلية الفوضى” التي كشفتها المخابرات الأردنية حديثًا، أن مخططاتها لم تكن تقتصر على الداخل الأردني فقط، بل أنها تأتي ضمن شبكة أوسع يمتد عملها إلى دول إقليمية أخرى، وهذا بالتأكيد يثير كثير من التساؤلات حول مستقبل عدد من القضايا السياسية والأمنية التي برزت سريعًا في أعقاب الكشف عن الخلية، ومنها مدى ارتباط الأمر بحزب الله اللبناني، مستقبل التوترات الإسرائيلية في الضفة الغربية، كيفية حماية الأردن من جره إلى محور المواجهة الإيراني، فضلًا عن احتمالات حل حزب جبهة العمل الإسلامي وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن كجماعة “إرهابية”.
المصادر:
[1] «اعترافات صادمة» للمتهمين في «خلية الفوضى» بالأردن، جريدة الغد الأردنية، 15/4/2025، متاح على الرابط: https://www.alghad.tv/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-
[2] تلويح أردني بـ«حظر الإخوان»… ومساعٍ لفك ارتباطها بحزب جبهة العمل، صحيفة الشرق الأوسط، 16/4/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%
[3] الأردن يحبط مخططات إرهابية على صلة بحماس والاخوان، صحيفة العرب اللندنية، 15/4/2025، متاح على الرابط: https://www.alarab.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86
[4] أكدوا انضمامهم للإخوان.. شاهد اعترافات أعضاء خلية التخريب في الأردن، العربية.نت، 15/4/2025، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2025/04/15/%D8%A3%D9%83%D8%AF%D9
[5] جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تصدر بيانا حول الأحداث الأخيرة في المملكة، روسيا اليوم، 15/4/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/middle_east/1664762-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8
[6] الأردن: اتهامات جنائية لـ”خلية تصنيع الصواريخ”.. و”الجبهة”: حمل السلاح حق حصري للدولة، سي إن إن عربية، 16/4/2025، متاح على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/04/16/jordan-criminal-charges
[7] خبراء سياسيون: الإخوان المسلمون يقفون خلف مخطط استهداف أمن الأردن- فيديو، موقع رؤيا الإخباري، 15/4/2025، متاح على الرابط: https://royanews.tv/news/347077
[8] تضامن عربي مع الأردن وإشادة بإجراءاته لإحباط مخططات المساس بأمنه، الشرق الأوسط، 16/4/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%
[9] طارق ديلواني، تفاصيل غير معلنة رسميا عن شبكة “الإخوان” المسلحة في الأردن، اندبندنت عربية، 15/4/2025، متاح على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/621846/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%
[10] «مخطط الفوضى» يدفع الأردن لـ«استدارات استراتيجية» ضد «الإخوان»، الشرق الأوسط، 15/4/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[11] تلويح أردني بـ«حظر الإخوان»… ومساعٍ لفك ارتباطها بحزب جبهة العمل، صحيفة الشرق الأوسط، 16/4/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%
[12] لبنان.. توقيف عناصر من “حماس” في مخيمات فلسطينية، روسيا اليوم، 16/4/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/middle_east/1664953-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7
[13] لبنان يتحرك.. وينسق مع الأردن حول “خلية التخريب”، العربية.نت، 16/4/2025، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/2025/04/16/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%