المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > مشروعُ ربطِ تركيا بسوريا عبر السكك الحديدية: قراءةٌ في الدوافعِ والتحدياتِ
مشروعُ ربطِ تركيا بسوريا عبر السكك الحديدية: قراءةٌ في الدوافعِ والتحدياتِ
- أبريل 24, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
تُعتبرُ مشاريعُ البنيةِ التحتيةِ عنصرًا أساسيًا في تعزيز العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية بين الدول، حيث تلعبُ دورًا محوريًا في تسهيل حركة التجارة والنقل، ما ينعكس إيجابيًا على النمو الاقتصادي والاستقرار الإقليمي، وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث تتشابك التحديات السياسية والأمنية مع الطموحات التنموية، تصبح المشاريع الكبرى التي تربط الدول بعضها ببعض أداة استراتيجية للتكامل الإقليمي وتعزيز النفوذ.
في هذا السياق، يبرزُ مشروعُ ربط تركيا بسوريا عبر السكك الحديدية كخطوةٍ بارزةٍ ضمنَ خطة تركيا لتوسيعِ شبكةِ بنيتها التحتية وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع جيرانها، ويهدف المشروع إلى تسهيل الحركة التجارية والنقل بين البلدين، ويعكسُ رغبةَ تركيا في توسيع نفوذها في المنطقة عبر أدوات غير تقليدية تجمع بين التنمية الاقتصادية والتوجهات الجيوسياسية.
وفي هذا السياقِ يهدفُ هذا التقريرُ إلى مناقشةِ أبرز الدوافع التركية لإنشاء هذا المشروع ومناقشة التحديات التي تواجه تنفيذه.
أولًا: الإستراتيجيةُ التركيةُ لتأهيل قطاع النقل في سوريا
تولي تركيا اهتمامًا متزايدًا بإعادة تأهيل البنية التحتية في سوريا، لا سيَّما في قطاع النقل الذي يُعدّ شريانًا حيويًا لدفعِ عجلةِ الاستقرار وتعزيز الترابط الاقتصادي داخل البلاد ومع محيطها الإقليمي، ويأتي هذا الاهتمامُ في إطارِ مقاربةٍ تركيةٍ أشمل تسعى من خلالها أنقرة إلى لَعبِ دورٍ محوريٍ في جهود إعادة إعمار سوريا، عبر توظيف أدواتٍ ناعمةٍ تركّزُ على الخدماتِ والتنميةِ الاقتصاديةِ، بما يعكسُ تحولًا في استراتيجيتها نحو حضور مدني–تنموي يُكمّل الأبعاد الأمنية التقليدية، ويعزّز من موقعها كفاعل رئيسي في مستقبل سوريا.
وفي هذا الإطار، كشفت وزير النقل التركي عبد القادر أوغلو في مارس 2025 عن خطة تركية شاملة لإعادة تأهيل قطاع النقل والمواصلات في سوريا، تتكون من 11 محورًا و39 خطوة تنفيذية، تستهدفُ تحسينَ البنيةِ التحتية وتعزيز الكفاءة الإدارية المحلية، وتشمل الخطة تطوير شبكات الطرق، وتأهيل الموانئ والمطارات، إلى جانب تنظيم برامج تدريبية للكوادر السورية في مجالات النقل البحري والجوي والبري، بما يُسهمُ في خلْقِ إدارةٍ مدنيةٍ أكثر فاعلية، كما يُعد تعزيزُ قطاعِ النقل البري والسكك الحديدية أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية.
وفي هذا السياق أعلن أوغلو عن مشروعِ جديدِ لإعادة تأهيل خط سكة حديد يربط تركيا بسوريا، وهو ما يُعد خطوةً استراتيجيةً لتعزيز التكامل الاقتصادي، وتوسيع النفوذ التركي في العمق السوري عبر أدوات النقل، ويخدمُ الرؤيةَ التركيةَ لجعلِ البنيةِ التحتية وسيلةً لإعادة تشكيل النفوذ الإقليمي.
ثانيًا: ماهيةُ المشروع: التفاصيل الفنية والبنية التحتية
يُعد مشروعُ ربطِ السكك الحديدية بين تركيا وسوريا أحد المساعي الإقليمية لإعادة تفعيل خطوط النقل القديمة التي تعطّلت بفعل الحرب السوري، وهو يقومُ على إعادةِ ترميمِ خطِ “ميدان إكبس – حلب”، وهو جزءٌ من شبكةِ السكك الحديدية التي كانت تربط سابقًا تركيا بعمق الأراضي السورية، وصولًا إلى العراق والخليج العربي، وهذا الربطُ ليس مجردَ استعادةٍ لوصلاتٍ لوجستيةٍ، بل يُعدُ أداةً استراتيجيةً لاستئناف حركة البضائع والمسافرين بين البلدين، ويفتحُ البابَ أمام تشبيك أوسع مع مبادرات النقل الإقليمي مثل “الممر التنموي” التركي – العراقي، وعلى المستوى التِقني، يعتمدُ المشروعُ على ترميمِ وتوسعةِ البنيةِ التحتية القائمة، وتوفير معايير أمنية وتشغيلية حديثة تسمحُ باستخدامٍ مزدوجٍ: مدنيٍ وتجاريٍ.
من الناحية الفنية، يرتكزُ المشروعُ على تأهيل خط السكة الممتد من “ميدان إكبس” التابعة لولاية هاتاي التركية إلى مدينة حلب السورية، وهو جزء من خط “حجاز – بغداد” التاريخي الذي شكّل في السابق أحد الشرايين الأساسية لربط تركيا بجنوب بلاد الشام، ويبلغ طول الجزء التركي من الخط حوالي 63 كيلومترًا، ويشملُ أعمالَ تحديثٍ شاملةٍ للبنيةِ الفوقيةِ كالقضبان والإشارات الكهربائية، إلى جانب تحسينات في البنية التحتية مثل الجسور، المعابر، وأنظمة التصريف.
أما على الجانب السوري، فإن الدمارَ الواسعَ الذي لَحقَ بالبنية التحتية في ريف حلب الشمالي يفرضُ ضرورةَ تنفيذِ إعادةِ إعمارٍ شاملةٍ، قد تشملُ استحداثَ مساراتٍ جديدةٍ أو تقويةَ الهياكل القائمة لتناسب المعايير التشغيلية الحديثة، وتشير التقديرات إلى أن المشروعَ سيبدأ بطاقةٍ استيعابيةٍ متوسطةٍ تتراوح بين 4 إلى 6 قطارات يوميًا، على أن يُستخدم لنقل الركاب والبضائع في آنٍ واحدٍ، مع قابلية التوسعة المستقبلية حسب الحاجة، وتقدّر التكلفة الأولية للمشروع بين 50 و60 مليون يورو، في حين تبقى التحديات الأمنية واللوجستية في سوريا عاملًا مرجّحًا لزيادة التكاليف أو تغيير الجدول الزمني للتنفيذ.
ثالثًا: الأهمية الاقتصادية للمشروع
يمثل المشروع خطوة استراتيجية لتعزيز النشاط الاقتصادي في المناطق الحدودية وتحفيز سلاسل الإمداد الإقليمية التي تعطلت بفعل الحرب، من الناحية الاقتصادية، يوفر المشروع وسيلة منخفضة الكلفة لنقل البضائع والركاب مقارنة بوسائل النقل البري، مما يعزز من كفاءة التجارة الثنائية ويقلص زمن العبور وتكاليف الشحن، وتشير الدراسات إلى أن النقل بالسكك الحديدية يمكن أن يكون أكثر اقتصادية مقارنة بالنقل البري على المسافات الطويلة، مما يمنح المشروع قدرة تنافسية في التجارة الإقليمية.
كما أن الربط السككي يعزز كذلك من إمكانية الوصول إلى الأسواق الداخلية والخارجية، خاصة للقطاعات الصناعية والزراعية في شمال سوريا وجنوب تركيا، التي تعتمد على تدفقات مستمرة من المواد الخام والسلع نصف المصنعة، ويتيح المشروع أيضًا تنشيط البنية الاقتصادية المحلية في المدن الواقعة على طول الخط، من خلال تحفيز الاستثمار في البنية التحتية المساندة مثل محطات الشحن، مناطق التخزين، وأسواق الجملة، وتساهم هذه المشاريع في خلق فرص عمل وتنويع الأنشطة الاقتصادية، كما أن البنية التحتية للنقل تسهم في تسريع النمو الاقتصادي بفضل تحسين الوصول إلى الأسواق وتقليل تكاليف النقل.
ومن زاوية أشمل، يمكن لهذا النوع من الربط أن يلعب دورًا في إعادة دمج الاقتصاد السوري تدريجيًا في المنظومة الإقليمية الأوسع، خاصة إذا تَرافق مع تحسينات في شبكات النقل داخل سوريا وربطه بخطوط تمتد نحو العراق والأردن وعمان، هذه البنية التحتية العابرة للحدود تُعد أحد المحددات الجوهرية لتعافي الدول الخارجة من النزاعات، كونها تسهل عودة النشاط الإنتاجي وتعزز من التماسك الاقتصادي بين المناطق المنفصلة بفعل الحرب.
بالتالي، لا يقتصر أثر المشروع على الربط بين نقطتين جغرافيتين، بل يمتد إلى إعادة بناء شبكات السوق وتقوية سلاسل القيمة، مما يساهم في تعزيز التكامل الاقتصادي طويل المدى في منطقة شرق المتوسط.
رابعًا: أبرز الدوافع التركية لإنشاء هذا المشروع
في ظل التحولات الهيكلية التي تشهدها سوريا بعد سقوط النظام السابق، تندفع تركيا نحو ترسيخ نفوذها عبر أدوات غير تقليدية، على رأسها مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود، ويبرز مشروع الربط السككي كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تموضع أنقرة في سوريا الجديدة، انطلاقًا من حوافز متداخلة أمنية، سياسية، اقتصادية، وجيوستراتيجية، وتتمثل أبرز الدوافع التركية في التالي:
تثبيت النفوذ التركي في سوريا ما بعد الأسد
يعتبر هذا المشروع أحد أبرز أدوات أنقرة لإعادة ترسيخ نفوذها داخل الجغرافيا السورية، خاصة في أعقاب سقوط النظام السوري وتشكيل حكومة انتقالية في فبراير 2025 ، وفي هذا الإطار لا تنظر تركيا إلى هذا المشروع كمجرد ممر لوجستي، بل بوصفه وسيلة استراتيجية لإعادة رسم حدود نفوذها في سوريا الجديدة، فربط المناطق الخاضعة للنفوذ التركي بالبنية التحتية الوطنية يضفي طابعًا مؤسسيًا على هذا الوجود، ويمنح أنقرة أداة ناعمة لبناء العمق الاستراتيجي، كما يعكس أيضًا رغبة تركيا في تحويل حضورها العسكري السابق إلى ترتيبات طويلة الأمد قائمة على الترابط الاقتصادي واللوجستي، في محاولة لإضفاء طابع أكثر قبولًا واستدامة على سياساتها في سوريا.
الانخراط المبكر في اقتصاد ما بعد الحرب
تنظر أنقرة إلى مشروع الربط السككي بوصفه بوابة استراتيجية للدخول المبكر إلى عمليات إعادة الإعمار في سوريا، وهي عمليات يُتوقع أن تشهد تنافسًا حادًا بين القوى الإقليمية والدولية، ومع تقديرات تشير إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا قد تتجاوز 400 مليار دولار، تسعى تركيا إلى ضمان موقع متقدم في هذه السوق عبر توفير بنية تحتية تربط شركاتها وموانئها مباشرة بالمدن السورية.
كما يتيح المشروع لتركيا تقليص تكاليف النقل وزمن الوصول، ما يمنح المنتجات التركية ميزة تنافسية حيوية، ويعزز من فرص القطاع الخاص التركي الذي يتمتع بمرونة كبيرة في البيئات الهشة، لاسيما في مجالات البناء والخدمات والتجارة، ما يجعل من هذا المشروع قاعدة اقتصادية لأنقرة في قلب سوريا.
إدارة الملف الأمني الحدودي بأدوات جديدة
لم تعد الأدوات الأمنية التقليدية كافية لضبط المشهد الحدودي المعقد بين تركيا وسوريا، وهو ما دفع أنقرة إلى تبني أدوات بديلة تدمج بين الأمن واللوجستيات، في هذا السياق، يوفر مشروع الربط السككي وسيلة للتحكم المنهجي في حركة الأفراد والبضائع، ويقلّص من مساحة التهريب والتسلل التي شكلت عبئًا أمنيًا على أنقرة خلال السنوات الماضية، كما أنه يتيح لتركيا إدارة مناطق نفوذها بطريقة أكثر تكاملًا، عبر توفير خطوط إمداد رسمية ومراقبة إلكترونية متقدمة على امتداد المحطات، فضلًا عن ذلك، يوفر المشروع إطارًا غير مباشر لتنسيق أمني محتمل مع الإدارة السورية الجديدة، ما يُنهي حالة الانكشاف الأمني التي اتسمت بها الحدود الجنوبية منذ 2011.
إعادة توظيف التاريخ في خدمة الجغرافيا السياسية
في تصريحات متعددة، وزير النقل التركي اوغلو إلى البعد الرمزي للمشروع باعتباره إحياءً لسكة حديد الحجاز التي كانت تربط إسطنبول بالحجاز مرورًا بدمشق، هذا التوظيف التاريخي ليس محض رمزية، بل يُستثمر سياسيًا لبناء سردية جديدة تُقدّم النفوذ التركي بوصفه امتدادًا لعلاقات تاريخية عريقة، وليس تدخلاً أو فرضًا خارجيًا، كما يعزز المشروع من الطموحات التركية في شرق المتوسط، إذ يربط الجغرافيا السورية بموانئها الغربية، ويجعل من سوريا ممرًا لوجستيًا جديدًا يربط بين آسيا وأوروبا عبر البوابة التركية.
تسهيل ملف اللاجئين وإعادة التوطين
لطالما واجهت الحكومة التركية ضغوطًا سياسية واجتماعية بشأن ملف اللاجئين السوريين، ويُنظر إلى مشروع الربط السككي كجزء من استراتيجية أوسع لإدارة هذا الملف بطريقة أكثر انضباطًا، فمن خلال إنشاء مسارات نقل رسمية وآمنة، يمكن لأنقرة تسهيل عودة تدريجية للاجئين إلى مناطق تراها صالحة لإعادة التوطين، هذه المناطق ستكون مرتبطة لوجستيًا بالداخل التركي، ما يسهل تقديم الدعم والخدمات ويعزز من فرص الاستقرار.
تعزيز الدور الجيوسياسي واللوجستي لتركيا
تسعى تركيا من خلال هذا المشروع إلى تعزيز موقعها الجيوسياسي والاستراتيجي في المنطقة، عبر استغلال موقعها الجغرافي المتميز في قلب الممرات اللوجستية الدولية، إذ تركز تركيا على لعب دور محوري في شبكات التجارة العالمية وتعزيز مكانتها كمركز استراتيجي للخدمات اللوجستية العالمية، ويعد مشروع الربط السككي جزءًا من هذه الاستراتيجية، حيث يتيح لتركيا توسيع قدرتها على التحكم في سلاسل الإمداد الإقليمية والدولية، وتحويلها إلى نقطة عبور رئيسية للسلع والطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا.
من خلال الربط السككي، تأمل تركيا في الاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز لتكون جزءًا فعالًا في مشاريع ربط اقتصادية كبرى مثل “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، و”الممر الأوسط” عبر بحر قزوين، كما تهدف إلى إقامة ممرات إقليمية جديدة، مثل مشروع طريق التنمية وممر زانجيزور، والتي تمثل خطوة لتعزيز مكانتها الاقتصادية، وعلاوة على ذلك، تسعى إلى تنشيط حركة التجارة على المسار الشمالي-الجنوبي، وهو المسار الذي يُعتبر بديلاً منافسًا لممر “الهند – الشرق الأوسط – أوروبا”، الذي تم استبعاد تركيا منه رغم موقعها الاستراتيجي.
في هذا السياق، يعكس مشروع الربط السككي مع سوريا جزءًا من استراتيجية تركيا لزيادة تأثيرها على الساحة الجيوسياسية والاقتصادية، بما يسهم في تعزيز قدرتها على المناورة في المعادلات الاقتصادية العالمية وتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة.
خامسًا: أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ المشروع
رغم الطموحات التركية لإعادة ربط شبكات النقل مع سوريا، يواجه المشروع تحديات متعددة ومعقدة قد تعيق تنفيذه على المدى القريب، تتوزع هذه التحديات بين جوانب أمنية، سياسية، لوجستية، وتمويلية، مما يتطلب استراتيجيات متكاملة للتغلب عليها.
التحديات الأمنية والسياسية
يواجه المشروع العديد من التحديات الأمنية والسياسية التي قد تُعيق تنفيذه، وفي مقدمتها احتمالية عودة نشاط تنظيم “داعش”، بما يحمله ذلك من مخاطر أمنية تهدد سلامة المناطق التي يمر بها المشروع، وقد تؤدي إلى تعطيل عمليات التنفيذ. كما تواصل إسرائيل شن ضربات داخل الأراضي السورية، ما يُشكّل تهديدًا إضافيًا للاستقرار الإقليمي، ويعرقل جهود التنمية والبناء في المناطق المتأثرة.
على الصعيد السياسي، يُعد الغموض المحيط بمستقبل الإدارة السورية الجديدة أحد أبرز مصادر القلق، حيث لا تزال احتمالات التغيير قائمة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على استقرار البيئة الحاضنة للمشروع. وبناءً على ذلك، فإن هذه التحديات المتشابكة تستدعي تبني استراتيجية مرنة وشاملة قادرة على التكيف مع المتغيرات، لضمان استمرارية المشروع وتحقيق أهدافه على المدى الطويل.
التحديات اللوجستية والفنية
تعاني البنية التحتية للسكك الحديدية في سوريا من تدهور كبير نتيجة سنوات الحرب، حيث تعرضت العديد من الخطوط للتدمير أو السرقة، بما في ذلك سرقة المواد المعدنية والكابلات الكهربائية، كما أن بعض المحطات، مثل محطة القدم في دمشق، تحولت إلى مواقع عسكرية خلال النزاع، مما أدى إلى تدميرها بشكل كبير، إعادة تأهيل هذه البنية التحتية تتطلب جهودًا كبيرة واستثمارات ضخمة، بالإضافة إلى توفر المعدات والكوادر الفنية المتخصصة.
التحديات التمويلية
تُقدر تكلفة إعادة بناء الخطوط السككية بين تركيا وسوريا بحوالي 50 إلى 60 مليون يورو، وهي تكلفة كبيرة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا، كما أن تركيا قد تواجه صعوبات في تأمين التمويل اللازم للمشروع، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية والتزاماتها في مشاريع أخرى، بالإضافة إلى ذلك، فإن جذب الاستثمارات الخارجية للمشروع قد يكون صعبًا بسبب المخاطر الأمنية والسياسية المرتبطة به.
التحديات الجيوسياسية
يواجه المشروع منافسة من مبادرات إقليمية أخرى تهدف إلى ربط المشرق العربي بشبكات نقل جديدة، مثل ممر “الهند – الشرق الأوسط – أوروبا”، الذي تم استبعاد تركيا منه، هذا الاستبعاد يعكس تراجع الدور التركي في بعض التحالفات الإقليمية، مما يدفع أنقرة إلى البحث عن بدائل لتعزيز موقعها الجيوسياسي ومع ذلك، فإن نجاح هذه البدائل يعتمد على قدرتها على تقديم مزايا تنافسية مقارنة بالمبادرات الأخرى، وهو ما يمثل تحديًا إضافيًا للمشروع.
الخاتمة
يمثل مشروع الربط السككي بين تركيا وسوريا أكثر من مجرد بنية تحتية للنقل؛ إنه تعبير عن رؤية استراتيجية تركية لإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية في مرحلة ما بعد الأسد، عبر أدوات ناعمة تجمع بين التنمية والهيمنة المستترة، حيث يُسهم في إرساء ترتيبات جديدة للنقل الإقليمي، ويعكس سعي أنقرة لتحويل حضورها في شمال سوريا من طابع عسكري إلى وجود اقتصادي مؤسسي طويل الأمد.
وبينما تُواجه هذه المبادرة تحديات سياسية وأمنية ولوجستية، فإنها تظل إحدى أبرز تجليات الدور التركي المستقبلي في سوريا، خاصة في ظل ديناميات إقليمية متغيرة وتحولات داخلية عميقة، لذا، فإن نجاح المشروع لن يُقاس فقط بمدى اكتمال بنيته الفوقية، بل بقدرته على إعادة بناء مسارات التأثير الإقليمي وتوسيع عمق تركيا الاستراتيجي عبر الجغرافيا الاقتصادية.
المراجع
-
Esra Karataş Alpay, How the iconic Hejaz Railway benefits Syria and the wider region, TRT World, 23 December 2024.https://www.trtworld.com
-
ضياء عودة، مشروعا ربط تركيا بسوريا والعراق.. ما فرص تنفيذهما على الأرض؟، موقع الحرة، 1 إبريل 2025. https://www.alhurra.com
-
ماري ماهر، نقاط ارتكاز: كيف تُشكل سوريا قيمة إضافية للمشروع الإقليمي التركي؟، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 13 فبراير 2025. https://ecss.com.eg/52181/
-
إيثيم إمري أوزكان، محطة “القدم” للقطارات بدمشق.. إرث عثماني دمره نظام الأسد، وكالة الأناضول، 21 فبراير 2025. https://www.aa.com.tr/ar/
-
خطة تركية لدعم قطاعي النقل والاتصالات في سوريا، أثر برس، 23 من مارس 2025. https://www.athrpress.com/