شرعت محكمة العدل الدولية في لاهاي، اعتبارًا من 28 أبريل 2025، في عقد جلسات استماع علنية امتدت على مدار خمسة أيام، بناءً على الطلب المقدم من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار رأي استشاري بشأن الطبيعة القانونية للالتزامات الواقعة على إسرائيل بصفتها قوة احتلال، وتأتي هذه الإجراءات القضائية في سياق تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية، وتصاعد التحذيرات الدولية من مجاعة وشيكة نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب اتهامات مُوثقة بعرقلة عمل وكالات الأمم المتحدة، خاصةً الأونروا، منذ أكتوبر الماضي. وقد شهدت الجلسات مشاركة واسعة النطاق ضمت ممثلي الأمم المتحدة، ودولة فلسطين، ونحو أربعين دولة، من بينها مصر، التي قدمت مُرافعة شفهية، فضلًا عن منظمات إقليمية فاعلة مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأفريقي، وتركزت المداولات على مدى امتثال إسرائيل لالتزاماتها القانونية كدولة عضو في الأمم المتحدة وسلطة احتلال، لا سيما فيما يخص تسهيل وصول المساعدات الأساسية للسكان المدنيين، وذلك في ضوء القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة في ديسمبر الماضي، والذي يدعو المحكمة لتقديم تفسير قانوني مُلزم حول مسؤوليات إسرائيل وفقًا لمبادئ القانون الدولي العام، والقانون الدولي الإنساني، وميثاق الأمم المتحدة.
أولًا: أبرز ما جاء في جلسات الاستماع
قُدّمت مُرافعات قانونية وشهادات موثقة تسلط الضوء على الانتهاكات الجسيمة والممنهجة التي تمارسها إسرائيل، وقد مثلت هذه الجلسات لحظة مفصلية في مساءلة إسرائيل قانونيًا على المستوى الدولي:
1- المُرافعة الفلسطينية: استهل السفير “عمار حجازي”، مُمثل فلسطين، مُداخلته بالتأكيد على أن الشعب الفلسطيني يتعرض بشكل يومي وممنهج للقصف والتجويع والتهجير، في انتهاك صارخ لكافة القواعد القانونية الدولية، وذكّر المحكمة بأن هذه الانتهاكات تأتي على الرغم من أن المحكمة سبق أن أصدرت أحكامًا في السنوات الماضية – لا تقل عن ثلاث مرات – بشأن ممارسات إسرائيل[1]، غير أن الأخيرة واصلت انتهاكها لتلك الأحكام، ما يعكس حالة من الإصرار على عدم احترام القانون الدولي، وقد عزز السفير الفلسطيني مرافعته بسلسلة من الصور والوثائق الميدانية التي توثق استهداف طواقم الإغاثة والمسعفين، في نمط متكرر يرقى إلى جريمة حرب، كما أشار إلى أن 90% من الفلسطينيين لا يحصلون على مياه شرب آمنة، وصرّح : “المجاعة ليست احتمالًا، بل واقع، والمساعدات الإنسانية تُستخدم كسلاح في هذه الحرب”. واختتم مرافعته بدعوة القضاة إلى الاعتراف بأن ما يجري هو عملية تهجير قسري ومحو ممنهج للشعب الفلسطيني، كما أنه من المنظور القانوني جاء “بول باركر”، أحد أعضاء الفريق القانوني الفلسطيني، سلط الضوء على خروقات إسرائيل لوقف إطلاق النار الذي دام ستة أسابيع، مؤكدًا أن إسرائيل لم تلتزم بأي من تعهداتها، بل استأنفت عملياتها العسكرية بمزيد من العنف والتدمير.[2]
2- المُرافعة المصرية: مَثَّل مصر أمام المحكمة كل من السفير “حاتم عبدالقادر”، مُساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية الدولية والمعاهدات، والمستشارة الدكتورة “ياسمين موسى”، المستشارة القانونية بالخارجية المصرية. شدد الوفد المصري خلال المُرافعة على أن الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، تمثل جزءًا من إجراءات واسعة النطاق وممنهجة وشاملة تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع وتحقيق ضم فعلي للأراضي الفلسطينية، ولفت الوفد إلى أن هذه السياسة مُثبتة بالتصريحات العلنية الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين وكذلك تشريعات الكنيست، فضلًا عن الإجراءات الإسرائيلية المستمرة لتقويض دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتجفيف مصادر تمويلها، بهدف عرقلة حق العودة للشعب الفلسطيني، والذي يشكل ركنًا أساسيًا من حقهم في تقرير المصير المكفول بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وأوضح الوفد المصري أن ذلك تزامن مع مواصلة إسرائيل تنفيذ عمليات الإخلاء القسري والتهجير المتكرر تحت ذريعة ما يسمى بـ”أوامر الإخلاء”؛ مما أدى إلى نقل الفلسطينيين قسرًا إلى مناطق لا تتمتع بالمقومات الأساسية للمعيشة، وعرقلة وصول الإمدادات والخدمات الأساسية اللازمة للحياة، وذلك ضمن سياسة ممنهجة لخلق ظروف تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للحياة[3]، اختتم الوفد المصري المرافعة بطلب قيام المحكمة بالإعلان في رأيها الاستشاري أن الاحتلال الإسرائيلي الممتد للأراضي الفلسطينية يمثل انتهاكًا مستمرًا للقانون الدولي، وأن الالتزامات الإسرائيلية كقوة قائمة بالاحتلال تستمر في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين انتهاء الاحتلال. كذلك إقرار المحكمة بالتزام إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال بجبر الضرر الذي أحدثته وذلك من خلال رفع الحصار المفروض على غزة بشكل فوري وغير مشروط، وضمان وصول الإمدادات الأساسية للمدنيين بقطاع غزة على نطاق واسع وبشكل آمن عبر كافة المعابر المؤدية للقطاع، دون معوقات أو قيود، والتنفيذ الفوري لقرار مجلس الأمن رقم 2735، والتوافق حول خطة إغاثة عاجلة للمدنيين الفلسطينيين، وتيسير تنفيذها بكافة السُبل المتاحة، والامتناع عن إعاقة وجود ونشاطات الأمم المتحدة ووكالاتها، بما في ذلك الأونروا، وكذلك الدول الثالثة التي تقدم المساعدات الإنسانية، وإلغاء القوانين غير المشروعة المتعلقة بالأونروا التي أقرتها إسرائيل، واحترام الامتيازات والحصانات الممنوحة للأونروا وغيرها من وكالات الأمم المتحدة، وضمان حمايتها. فضلًا عن إعلان المحكمة أن حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير يشمل حقه في السعي لتحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرضه، بما في ذلك الحق في تلقي مساعدات التنمية من أجل التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وعدم تهجيره أو طرده من أرضه.[4]
3- موقف الأمم المتحدة: أكدت المستشارة القانونية للأمم المتحدة، “إلينور همرشولد”، أن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تتحمل التزامًا قانونيًا واضحًا بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين، لا سيما في قطاع غزة. وأوضحت أن هذا الالتزام لا يقتصر فقط على السماح بدخول المساعدات، بل يشمل كذلك تمكين جميع وكالات الأمم المتحدة من تنفيذ أنشطتها دون عوائق. وشددت على أن عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة تُحمّلها التزامات تتعلق بحسن النية، وضمان حرمة منشآت الأمم المتحدة وموظفيها، واحترام الحصانات والامتيازات الممنوحة للمنظمة الدولية، وأكدت همرشولد أنه بموجب المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة، يجب على القوة المحتلة الموافقة على “خطط الإغاثة” وتسهيلها في حال نقص الإمدادات عن السكان. وأوضحت أن المادة 59 لا تقتصر على احتياجات البقاء العاجلة فحسب.[5]
4- ترحيب من وكالة الأونروا: رحب المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين الأونروا “فيليب لازاريني” بجلسة الاستماع التي تعقدها محكمة العدل الدولية بشأن وجود وأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة، في كلمته، ندد المفوض العام للأونروا فيليبي لازاريني بما وصفه بـ”مجاعة من صنع الإنسان وذات دوافع سياسية”، معتبرًا أن ما يجري في غزة لا يعود فقط إلى ظروف النزاع، بل إلى قرارات متعمدة تهدف إلى منع السكان من الوصول إلى الاحتياجات الأساسية للحياة. وقد أشار إلى أن مخازن الأمم المتحدة ومرافق الإغاثة أصبحت فارغة بشكل شبه كامل، مما يهدد حياة مئات الآلاف.[6]
ثانيًا: موقف إسرائيل من الرأي الاستشاري
قدمت إسرائيل دفاعًا مكتوبًا إلى المحكمة، أعلنت من خلاله مقاطعتها الكاملة لجلسات الاستماع، وامتنعت عن إرسال وفد رسمي، مكتفية بإيداع مذكرة دفاع شاملة تضمنت عدة محاور رئيسية تُعبّر عن موقفها السياسي والقانوني من الإجراءات الجارية، وذلك من خلال ما يلي:
1- رفض إسرائيل لاجراءات المحكمة واتهامها بالتحيز: افتتحت إسرائيل مُذكرتها بالتشكيك في شرعية الدعوى، معتبرة أن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية مجددًا في قضية جديدة تتعلق بها – إلى جانب القضية المرفوعة بتهمة الإبادة الجماعية – لا يُمثل تعزيزًا لسيادة القانون الدولي، بل يُعد امتدادًا لما وصفته بـ “حملة تعسفية وممنهجة” تهدف إلى تسليح القانون الدولي واستخدامه كأداة لإضعاف إسرائيل وتجريدها من حقوقها السيادية، وعلى رأسها الحق في الدفاع عن النفس المنصوص عليه في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، كما اعتبرت إسرائيل أن صيغة السؤال المقدم للمحكمة تنطوي على تحيّز فاضح وأحكام مسبقة، فهو – بحسب تعبيرها – يركّز فقط على مسؤوليات إسرائيل ويتجاهل بشكل كامل مخاوفها الأمنية، وحقوقها السيادية، وسلوك الأطراف الأخرى، مما يُحول المحكمة إلى ساحة سياسية وليس قانونية.[7]
2- اتهام إسرائيل وكالة الأونروا بالتواطؤ مع حماس:كرّست إسرائيل جزءًا مهمًا من مذكرتها لمهاجمة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، زاعمة أن بعض موظفيها تورطوا بشكل مباشر في هجمات 7 أكتوبر 2023، وأن منشآتها استُخدمت مراكز للقيادة والتحكم لصالح حماس، ومخازن أسلحة، ومرتبطة بشبكة أنفاق تحت الأرض. وأكدت أن إسرائيل حذرت مرارًا من هذا التواطؤ، ومن مضمون المناهج التعليمية في مدارس الأونروا التي “تحرض على الكراهية والعنف”، ولكنها – بحسب مزاعمها – قوبلت بالتقاعس الدولي والتواطؤ الصامت، واعتبرت إسرائيل أن هذه الانتهاكات تُبرر تشريعاتها الداخلية لإنهاء عمل الأونروا في القدس والضفة الغربية، وأن فقدان الوكالة للحيادية والمهنية يُسقط عنها شرعية العمل وفق قواعد القانون الدولي. كما رأت أن سلوك الأمم المتحدة تجاه تقصير الأونروا يمثل إخلالًا بميثاق المنظمة ذاتها.[8]
3- دعوة المحكمة لرفض إصدار الرأي الاستشاري: تحاجج إسرائيل بأن المحكمة تملك سلطة تقديرية لرفض إصدار رأي استشاري في حالات يُطرح فيها سؤال غير ملائم لطبيعة هذه الآلية. وأكدت أن النزاع الحالي يتطلب تحقيقًا واقعيًا دقيقًا حول وقائع متغيرة ومعقدة، في ظل صراع مسلح مستمر، وهو ما لا تتيحه الإجراءات الاستشارية التي تُبنى على الافتراضات القانونية وليس على جمع الأدلة التفصيلية، واستشهدت إسرائيل بمبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني، مدّعية أن التدابير التي اتخذتها – ومنها الحصار، والهجمات على البنية التحتية، والقيود على دخول المساعدات – تأتي ضمن ما يتيحه لها القانون الدولي من وسائل مشروعة لأغراض أمنية، شريطة ألا تكون تمييزية أو غير متناسبة، وهو ما تدعي التزامها به.
4- خطاب سياسي إسرائيلي مُواكب للمُرافعات: بالتزامن مع انطلاق الجلسات، أصدر وزير الخارجية الإسرائيلي “جدعون ساعر” بيانًا ناريًا من القدس، ندد فيه بالإجراءات الجارية، واعتبرها “إجراءً مخزيًا آخر في حملة ممنهجة لنزع شرعية إسرائيل”، واتهم المحكمة بـ”التحيّز السياسي” والانحياز لصالح “جهات معادية”، وأعاد ساعر تكرار الاتهامات ضد الأونروا، واصفًا المحاكمة بـ”السيرك”، مُؤكدًا أن إسرائيل قدّمت موقفها القانوني كتابيًا، لكنها ترفض أن تكون طرفًا في محاكمة مسيّسة.[9]
ثالثًا: دلالات استنتاجية في ضوء المُرافعات
يُمكن القول بأنه تدور عدد من الدلالات الهامة حول الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول التزامات إسرائيل في الأراضي المُحتلة والتي تتلخص فيما يلي:
1- الطابع غير الملزم للرأي الاستشاري وأبعاده الدبلوماسية والسياسية: صحيح أن الآراء الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية لا تملك طابعًا ملزمًا من الناحية القانونية، إلا أن لها وزنًا معتبرًا في إطار القانون الدولي العام، إذ تُعَد مرجعية تفسيرية عليا من قبل الهيئة القضائية الرئيسة للأمم المتحدة. ومن ثمّ، فإن صدور رأي استشاري يدين إسرائيل من شأنه أن يعمّق عزلتها الدولية ويزيد من الزخم الدبلوماسي والسياسي الداعي إلى مُحاسبتها، كما قد يدفع باتجاه اتخاذ إجراءات أممية جديدة سواء من قبل الجمعية العامة أو مجلس حقوق الإنسان، ويقوّض شرعية أي سردية إسرائيلية تبريرية حول “الحق في الدفاع عن النفس”.
2- دحض مزاعم “الحق في الدفاع عن النفس”: ترتكز الحجة الإسرائيلية الأساسية على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تضمن للدول العضو الحق في الدفاع عن النفس ضد الهجمات المسلحة. غير أن هذا الحق لا يُمكن تطبيقه بصورة تعسفية في سياق احتلال عسكري مستمر. فالمحكمة سبق وأن أشارت بشأن الجدار العازل، إلى أن إسرائيل لا يمكنها الادعاء بحق الدفاع عن النفس تجاه شعبٍ يخضع لسلطتها العسكرية كقوة احتلال. وفي السياق الراهن، تُصنَّف إسرائيل قانونيًا كقوة محتلة وعدوانية تمارس سياسات استعمارية، وبالتالي يسقط عنها هذا الحق، خاصةً وأنها تهاجم جماعات مقاومة وطنية لا تملك صفة الدولة، بل تُمارس حقًا مشروعًا في مقاومة الاحتلال وفقًا لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل القرار 37/43 لعام 1982 الذي يقر بشرعية كفاح الشعوب ضد السيطرة الأجنبية والاستعمار.[10]
3- نزع الشرعية عن محاولات وصم المقاومة بالإرهاب: تزعم إسرائيل في دفاعها أن حماس والأونروا متورطتان في أنشطة إرهابية، وتستخدم ذلك كمبرر لعملياتها العسكرية. غير أن هذا الادعاء يتعارض مع المعايير الموضوعية للقانون الدولي الإنساني، والذي يُفرّق بين المدنيين والمقاتلين، ويمنح الشعوب الواقعة تحت الاحتلال حق الدفاع عن النفس ضد العدوان. كما أن محاولة وصم وكالة أممية كالـ”أونروا” بالإرهاب لأغراض سياسية يُشكّل سابقة خطيرة، ويقوّض مبدأ الحياد المؤسسي للأمم المتحدة. وبالتالي فإن الموقف الإسرائيلي يُنظر إليه دوليًا كمحاولة لـ”إرهاب قانوني مضاد”، يهدف إلى إعادة تعريف القانون الدولي بما يخدم مصالحها الاستعمارية.
4- تراكم الأسانيد القانونية والبيانات المُوثقة لدى المحكمة: إن الطبيعة المستمرة لانتهاكات إسرائيل في الأراضي المحتلة، والتي تتزامن مع جلسات المحكمة، تعزز من الأسانيد القانونية ضدها. إذ تستند المحكمة إلى شبكة واسعة من التقارير والبيانات الموثقة الصادرة عن آليات الأمم المتحدة، بما في ذلك المقررين الخاصين، واللجان المستقلة لتقصي الحقائق، والبيانات المقدمة من الدول والمنظمات الإقليمية. ويتم توثيق هذه الانتهاكات وفقًا لمعايير الإثبات القانوني المعترف بها دوليًا، مما يهيئ الأرضية لإصدار رأي استشاري يدين إسرائيل بارتكاب انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي الإنساني، تشمل: العقاب الجماعي، استخدام الحصار والتجويع كسلاح حرب، استهداف المدنيين، عرقلة عمل المنظمات الإنسانية، وتدمير البنية التحتية المدنية.
5- الإجماع الدولي على إدانة جرائم إسرائيل: أظهرت مداخلات الدول المشاركة في جلسات المحكمة إجماعًا واضحًا حول تحميل إسرائيل المسؤولية عن ارتكاب جرائم جسيمة ومنهجية، بما يشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد تم توثيق استخدامها الممنهج لسياسة الحصار، ومنع وصول الغذاء والدواء، واستهداف المنشآت المدنية، وقصف المدارس والمستشفيات والملاجئ. كما أشار العديد من الممثلين إلى أن هذه الأفعال تُشكّل انتهاكًا صارخًا للمادتين 33 و55 من اتفاقية جنيف الرابعة[11]، وتتناقض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي مثل مبدأ التناسب، والتمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، وحماية السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. هذا الإجماع يمثل صفعة قانونية وأخلاقية على الصعيد الدولي لسردية “الأمن القومي الإسرائيلي”.
ختامًا:
يُمكن القول بأنه أمام التراكم النوعي للأدلة القانونية، والديناميكية السياسية التي تتعزز بفعل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، تجد إسرائيل نفسها في موقع عزلة غير مسبوقة، يُعيد تأطير دورها في الأراضي الفلسطينية بوصفه احتلالًا غير شرعي وعدوانًا مُستمرًا ضد شعب يتمتع بحقه في تقرير المصير والمقاومة. وقد يُمهد هذا السياق لتحركات قانونية لاحقة على مستوى المحكمة الجنائية الدولية أو فرض عقوبات أُممية، ما يُسجّل تطورًا نوعيًا في مسار مُلاحقة إسرائيل قانونيًا.
المصادر:
[1] جلسات استماع في” العدل الدولية” عن التزامات إسرائيل الإنسانية بغزة، الجزيرة نت، تاريخ النشر: ٢٨ أبريل ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/pahbM
[3] مصر تطلب رأي “العدل الدولية” بشأن التزامات إسرائيل كقوة احتلال، القاهرة الإخبارية، تاريخ النشر: ٢٨ أبريل ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/meIuW
[5] أمام محكمة العدل الدولية، الأمم المتحدة تؤكد ضرورة امتثال إسرائيل لالتزاماتها بشأن الأنشطة الأممية في فلسطين، أخبار الأمم المتحدة، تاريخ النشر: ٢٨ أبريل ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://news.un.org/ar/story/2025/04/1141031
[6] الأونروا تصف حصار غزة بـ”الفضيحة الحقيقية”، ومحكمة العدل الدولية تواصل جلساتها العلنية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية، BBC News ، تاريخ النشر: ٣٠ أبريل ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/ce3vqee3jx9o
[7] “لن نشارك في السيرك”.. إسرائيل ترفض التعاون مع العدل الدولية، سكاي نيوز العربية، تاريخ النشر: ٢٨ أبريل ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://linksshortcut.com/JkjfZ
[9] وزير الخارجية جدعون ساعر: ‘ لن نشارك في السيرك الذي تقوم به محكمة العدل الدولية‘، موقع بانيت وصحيفة بانوراما، تاريخ النشر: ٣٠ أبريل ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://www.panet.com/story/4087470
[10] مريم صلاح، التزامات إسرائيل في الأراضي التي تحتلها: قراءة الرأي الاستشاري المرتقب لمحكمة العدل الدولية، المرصد المصري، تاريخ النشر: ٢٩ أبريل ٢٠٢٥، متاح على الرابط: https://marsad.ecss.com.eg/83525/
