المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > أزمة نزْع سلاح حزب الله: بين الضغوط الدولية والتجاذُبات الداخلية
أزمة نزْع سلاح حزب الله: بين الضغوط الدولية والتجاذُبات الداخلية
- مايو 7, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: ريهام محمد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في ظِلِّ تعافٍ سياسيٍّ نِسْبِيٍّ يشهدُهُ لبنانُ بعد انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية وتشكيل حكومةٍ طَالَ انتظارُها، لا تزال البلاد تواجه تحدياتٍ عميقةً على المستوييْن الاقتصادي والسيادي؛ فرغم الانفراج في المؤسسات الدستورية، تبقى البِنْيَة الداخلية هَشَّةً، ومثقلةً بإِرْثٍ من الانقسامات، وسط محاولاتٍ متجددة لاستعادة دور الدولة وهيبتها.
في خِضّمِّ هذا السياق المُعقَّد، يُعادُ فتْح ملف سلاح “حزب الله” بوصفه أحد أكثر الملفات حساسية وإثارة للجدل؛ إذ تتقاطع الضغوط الدولية المتصاعدة، الرامية إلى نزْع سلاح الحزب، مع رغبة لبنانية داخلية، تعكسها مواقف متفرقة في السلطة، لإعادة تنظيم المشهد الأمني تحت سقف الدولة، ويتزامن ذلك مع عودة الاتصالات “الأمريكية – الإيرانية” إلى الواجهة؛ ما يُضْفِي على هذا الملف طابعًا إقليميًّا يتجاوز الحدود اللبنانية.
وفي تطوُّرٍ ميدانيٍّ لافتٍ، شنَّتْ إسرائيل، مساء الإثنين، 5 مايوالجاري، غارةً جويةً استهدفت مخزن أسلحةٍ تابعًا لحزب الله في جنوب لبنان، في خطوةٍ تصعيديةٍ قد تفتح الباب أمام احتمالات متعددة لردِّ الحزب، سواء عبْر تبنِّي العملية والرَّد عليها مباشرة، أو عبْر استراتيجية الإنكار كما جرى في مرَّاتٍ سابقةٍ سبقت جولات التفاوض الإقليمية.
أمام هذا المشهد، تطرح إشكالية نزْع سلاح “حزب الله” نفسها بإلحاح متجدد: هل باتت هذه الخطوة واردة ضمن سياق التسويات القادمة؟ ما طبيعة الضغوط الدولية في هذا الاتجاه؟ وما دوافع القيادة اللبنانية من تبنِّي هذا التوجُّه؟ والأهم، ما هي التداعيات المحتملة على مختلف الأصعدة في حال تمَّ المُضيّ بهذا المسار؟
الواقع الحالي لحزب الله في المشهد اللبناني:
بات حزبُ الله في واحدةٍ من أضعف لحظاته منذ دخوله المعترك السياسي والعسكري اللبناني؛ إذ تكبَّدَ خلال الأشهر الأخيرة خسائر َنوعيةً؛ نتيجة التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر، تمثَّلَتْ في اغتيال عددٍ من قادته الميدانيين من الصف الأول، وتدمير منظومات تسليحية دقيقة ومستودعات لوجستية، يُعتقدُ أنها كانت تُشكِّلُ ركيزةً في استعداده لأيِّ مواجهةٍ واسعةٍ، هذه الضربات لم تقتصر على الجانب العسكري، بل شكَّلَتْ أيضًا ضربةً معنويةً وسياسيةً، لا سيما في ظلِّ تراجُع هامش الحركة الإقليمية للحزب.
على المستوى الإقليمي، خسر الحزب حليفه السوري الأهم بسقوط نظام بشار الأسد، الذي مثَّلَ لعقودٍ حاضنةً استراتيجية أساسية تربط بين طهران وبيروت عبْر دمشق.
ومع انكشاف هذا العُمْق الجيوسياسي، وتزامنًا مع عودة قنوات التفاوض بين واشنطن وطهران، بات الحزب أمام لحظة تحوُّلٍ حَرِجَةٍ؛ إذ يُعادُ رسْم خارطة التفاهمات الإقليمية بمعزلٍ عن موازناته التقليدية؛ ما يطرح تساؤلاتٍ جِدِّيَّةً حول مستقبل سلاحه ودوره في المعادلة اللبنانية.
الموقف اللبناني من سلاح حزب الله:
في ضوء التحوُّلات الإقليمية والدولية، بدأ الموقف اللبناني الرسمي يتجه تدريجيًّا نحو مقاربة أكثر وضوحًا لمسألة سلاح حزب الله، بوصفها إحدى المُعْضلات الأساسية التي تعيق بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.، كما شكّلت تصريحات “عون”، نقطة تحوّل في الخطاب الرسمي، ففي حوارٍ مُوسَّعٍ بُثَّ مؤخرًا بالتزامن مع زيارته إلى قطر، أطلق “عون” إشاراتٍ واضحةً إلى “ضرورة تنظيم السلاح داخل الدولة”، معتبرًا أنه من الممكن “إعادة تأهيل عناصر من حزب الله ودمْجهم تدريجيًّا ضِمْنَ المؤسسة العسكرية”، على غرار ما جرى بعد الحرب الأهلية مع الميليشيات السابقة، هذه التصريحات لم تكن معزولةً عن السياق السياسي القائم، بل عكست تحوُّلاتٍ في التوجُّه الرسمي اللبناني نحو تفكيك هيْمنة الحزب على القرار الأمني،[1] وتكْمُنُ دوافع القيادة اللبنانية خلْف هذا الموقف في عِدَّة اعتبارات منها:
-
كسْب شرعية دولية متجددة، في ظلِّ الاهتمام المتزايد من المجتمع الدولي بمستقبل الاستقرار في لبنان.
-
تحسين صورة الجيش اللبناني كمؤسسة جامعة وموثوقة، قادرة على تولِّي الملف الأمني بمفردها.
-
تجنُّب الاحتكاك مع دول الجوار العربي، لا سيما بعد حادثة “خلية الأردن”، والتي نُسِبَتْ إلى عناصر تابعة لحزب الله، وأثارت مخاوف إقليمية من تمدُّدِ نفوذ الحزب خارج لبنان.
-
فتح الباب مجدَّدًا للمساعدات الخليجية والدولية، التي غالبًا ما تُربط بشروطٍ تتعلق بتقليص دور حزب الله في القرار اللبناني.
-
احتواء خطر التصنيف الدولي كدولة راعية لميليشيات مسلحة.
ومن ثمَّ، بات الموقف اللبناني الداخلي ممثًلا في تصريحات “عون” يُمثِّلُ محاولةً ذكيةً لطرْح مخرج “تفاوضي – مؤسساتي” لنزْع السلاح، من دون الصدام المباشر مع الحزب، مع الإبقاء على باب التسويات مفتوحًا داخليًّا وإقليميًّا.
تزايُد الضغوطات الدولية على حزب الله:
منذُ بداية أبريل الماضي، تعرَّض حزب الله لضغوط دولية غير مسبوقة تطالبه بتسليم سلاحه أو على أقلِّ تقدير، تقليص نشاطاته العسكرية خارج إطار الدولة، وجاءت هذه الخطوات ضمن إعادة تموْضع أكبر في السياسة الإقليمية والدولية تِجَاه لبنان والمنطقة، كما تلعب الولايات المتحدة دورًا مركزيًّا في تنسيق الجهود الدولية الرامية إلى نزْع سلاح الحزب أو الحدِّ من نفوذه العسكري داخل لبنان، بينما يستمر التصعيد بين الحزب وإسرائيل في الجنوب، تزايدت التحرُّكات الأمريكية عبْر القنوات الدبلوماسية والعسكرية باتجاه الحكومة اللبنانية؛ حيث تمَّ التأكيد مرارًا على أهمية “حصْر السلاح بيد الدولة” كشرطٍ أساسيٍّ لأيِّ دعْمٍ سياسيٍّ أو اقتصاديٍّ للبنان خلال المرحلة المقبلة، وقد تزامنت هذه الضغوط مع تطوُّرات إقليمية ملحوظة أبرزها:
– استئناف المفاوضات “الأمريكية – الإيرانية” حول البرنامج النووي، التي تتناول بالإضافة إلى الجانب النووي ملفات النفوذ الإيراني الإقليمي؛ بما فيها دور حزب الله في كل من لبنان وسوريا.
– إعلان طهران عن وقْف دعْمها لجماعة الحوثي في اليمن وسحْب مستشاريها العسكريِّين؛ وهي خطوةٌ اعتبرت بمثابة محاولة لتهدئة الأوضاع الإقليمية وفتح آفاق تفاهُم جديدة مع واشنطن ودول الخليج.
– استمرار تصاعُد العمليات العسكرية بين الحزب وإسرائيل عند الحدود الجنوبية، آخرها إعلان تل أبيب، مساء الإثنين 5 مايو الجاري؛ عن استهدافها مواقع للبِنْية التحتِيَّة داخل منشأة استراتيجية لإنتاج وتخزين الأسلحة تابعة لحزب الله، في منطقة البقاع بلبنان،[2] إضافةً إلى إعلان إسرائيل في وقتٍ سابقٍ رفْض الانسحاب من خمْس مناطق استراتيجية بجنوب لبنان وشروطها المتعلقة بـ”نزْع السلاح الكامل” للعودة لمراجعة موقفها.
– فرْض بعض الدول الخليجية كالسعودية؛ شروطًا تدعو للانفتاح مُجَدَّدًا على لبنان اقتصاديًّا وماليًّا مقابل ضمانات حاسمة لتقليص هيْمنة الحزب العسكرية والسياسية.[3]
كل هذه التحوُّلات جعلت ملف سلاح حزب الله نقطة ارتكازٍ في أيِّ حلٍّ شامل للبنان، سواء من منظور داخلي أو خارجي، وسط تصعيد في لغة البيانات الدبلوماسية، والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، المطالبة بتنفيذ القرار 1701 بشكلٍ كاملٍ، ووقف “الأنشطة غير القانونية” التي يقوم بها الحزب، كما أن مزامنة الضغط الأمريكي لنزْع السلاح مع مفاوضاتها مع إيران، عزَّزَ من نظرية أن واشنطن تُحاول تفكيك منظومة النفوذ الإيراني في المنطقة بطريقة “هادئة ومنسقة”، بدْءًا من اليمن وصولًا إلى لبنان.
موقف حزب الله من هذه الضغوط:
حتى الآن، يرفض حزبُ الله بشكلٍ قاطعٍ أيَّ حديثٍ عن تسليم سلاحه أو تقليص بِنْيته العسكرية، وقد عبَّر الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، خلال الأسابيع الماضية عن موقف الحزب بلهجةٍ تصعيديةٍ، في موقف مُعتبرًا أن سلاح “المقاومة” لا يزال يُشكِّلُ عنصر قوة وضرورة دفاعية في مواجهة ما وصفه بـ”الأطماع التوسُّعية الإسرائيلية”، وأكَّد قاسم، في كلمةٍ متلفزةٍ، أن حزب الله سحْب سلاحه من جنوب الليطاني تنفيذًا لتعهُّداته بموجب اتفاق وقْف إطلاق النار الذي تمَّ التوصُّل إليه، في نوفمبر 2024، لكن إسرائيل – بحسب قوله – لم تلتزم بتعهُّداتها؛ إذ أبقت على وجود عسكري في خمس تلال استراتيجية جنوبية، مستخدمةً ذلك كأداة ضغط وتوسُّعٍ محتملٍ.[4]
وشدَّدَ قاسم على أن البحث في الاستراتيجية الدفاعية لا يمكن أن يتم في ظلِّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي وغياب إعادة الإعمار الجِدِّي في الجنوب والبقاع، معتبرًا أن الدولة اللبنانية مطالبة أولًا بإثبات قدرتها على حماية مواطنيها وإعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي، قبْل أن يُفتح النقاش حول مستقبل سلاح الحزب، كما حذَّرَ من تكرار سيناريوهات انهيار الجبهات كما حصل في سوريا، مشيرًا إلى أن تفكيك منظومة الدفاع الوطني في لحظةٍ حَرِجَةٍ قد يُعرِّضُ لبنان لمزيدٍ من الانكشاف أمام إسرائيل.[5]
وميدانيًّا، تُظهر تحرُّكات الحزب تعزيزًا لوجوده العسكري في الجنوب والبقاع، وسط مؤشرات على رفْضه – حتى الآن – الانخراط في أيِّ مبادرة محلية أو دولية تقترح دمْج قواته ضمن الجيش، أو تحديد جدول زمني لنزْع سلاحه، ويبدو أن التطوُّرات الأخيرة على الأرض ستزيد من تصلُّب موقف الحزب؛ إثْر التصعيد العسكري الاسرائيلي الأخير مساء أمس الإثنين، باستهداف أحد مخازن الأسلحة التابعة لحزب الله في الجنوب، في خطوةٍ تصعيديةٍ قد تفتح الباب أمام مزيد من الانفجار، وربما تُستغلُّ لتبرير تمسُّكه الشديد بمنظومته العسكرية، سواء عبر ردٍّ مباشرٍ يتبنَّاه صراحةً، أو عبْر عمليات غير معلنة كما جرى في الأسابيع التي سبقت استئناف التفاوض “الأمريكي – الإيراني”.
وعليه؛ فهذا الموقف المتشدد يُعبِّرُ عن إصرار الحزب على التمسُّك بموقعه كقوة إقليمية فاعلة، ويعكس في الوقت نفسه إدراكه لاحتمال تخلِّي إيران عن بعض أذرعها إذا ما اقتضت المفاوضات مع الولايات المتحدة ذلك؛ لذا، فإن تصلُّبه الحالي قد يكون محاولة لتحسين شروط التفاوض مستقبلًا، لا سيما إذا دخل ملف السلاح بشكلٍ مباشرٍ في التفاهُمات الإقليمية الكبرى.
تداعيات الخطوة:
رغم استبعاد تحقُّق خطوة نزْع سلاح حزب الله في المدى المنظور؛ نظرًا لتعقيداتها السياسية والأمنية، إلا أن تحقُّقها، إن تمَّ، قد يُفْضِي إلى سلسلةٍ من التداعيات المحتملة التي قد تُعيد رسْم توازنات الداخل اللبناني وتُحْدِثُ ارتدادات إقليمية أوسع، ويمكن مقاربة هذه التداعيات على مستوييْن مترابطيْن: داخليًّا لجهة تأثيرها على المشهد اللبناني والحزب نفسه، وإقليميًّا لجهة انعكاسها على مواقف إيران وإسرائيل والمعادلات الأمنية في المنطقة:
على الداخل اللبناني:
نزع سلاح حزب الله داخل لبنان لا يُمثِّلُ مجرد خطوةٍ أمنيةٍ، بل هو تحوُّلٌ بنيويٌّ في طبيعة النظام اللبناني القائم على توازنات دقيقة بين الطوائف والمصالح الإقليمية، وقد يُشكِّلُ هذا التحوُّلُ بداية نهاية مرحلة امتدت لعقود، كان فيها الحزب يُمثِّلُ فاعلًا عسكريًّا مهيمنًا خارج إطار الدولة، تحت مظلة “المقاومة”،وعليه، فإن تفكيك هذه القوة ستكون له عدة دلالات محلية:
-
تعزيز الدولة وسيادتها: نزْع السلاح ضِمْن تسوية وطنية يُعيد احتكار الدولة للقوة، ويُعزِّزُ دور الجيش كمؤسسةٍ أمنيةٍ وحيدةٍ؛ ما يفتح المجال لبناء دولة مُوحَّدة ذات قرار سيادي.
-
تغيير توازن القوى السياسي: سيؤدي إضعاف حزب الله إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي، وتراجع نفوذ محور واسع يشمل حلفاء طائفيِّين وسياسيِّين؛ ما قد يخلق تحوُّلات حادَّة في موازين الحُكْم.
-
مخاوف أمنية في الجنوب: غياب بديل منظم قد يترك فراغًا أمنيًّا جنوب الليطاني، في ظلِّ هشاشة الدولة؛ ما يفتح الباب أمام فوضى أو تهديدات أمنية.
-
احتقان داخل البيئة الشيعية: نزْع السلاح قد يُفسر كاستهداف للطائفة الشيعية؛ ما يثير خطر توتُّرات طائفية أو بروز تيارات أكثر تطرُّفًا.
على مستوى حزب الله:
عملية نزْع سلاح الحزب تعني له أكثر من خسارة أداة قتالية؛ هي ضربة في العُمْق لهويته وبنيته وشرعيته، وهو ما يتجلَّى في الآتي:
-
زعزعة عقيدة الحزب وهويته الجوهرية: فحزب الله تأسس كـ”تنظيم عقائدي مقاوم”، لا كحزبٍ سياسيٍّ تقليديٍّ، ومن ثمَّ، نزْع سلاحه لا يعني فقط فقدان أداة عسكرية، بل تفكيك للبِنْيَة العقائدية التي تُشَرْعِنُ وجوده نفسه؛ ما قد يفتح الباب أمام صراع داخلي بين جناحه العسكري والقيادة السياسية.
-
فقدان المشروعية القتالية والرمزية: فمنذُ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، ثمَّ حرب يوليو 2006، رسَّخَ الحزب نفسه كـ”قوة ردْع استراتيجية” لا كحزبٍ سياسيٍ عاديٍّ، وارتبط وجود الحزب بفكرة “المقاومة”، هذا الدور مكَّنَه من التصرُّف كطرف موازن للدولة، وليس تحت سلطتها، ومن ثمَّ فنزْع سلاحه يعني نهاية هذا الدور، وبالتالي تحجيمه ليكون أحد اللاعبين السياسيِّين العاديِّين، وهو ما قد يُفْقِدُه القدرة على فرْض شروطه في القضايا السيادية (الأمن -السياسة الخارجية-التعيينات).
-
تآكل القوة التفاوضية والسياسية: لطالما كان سلاح الحزب ورقة ضغط بيده، داخليًّا وخارجيًّا، سواء في التوازُنات الداخلية أو في دعم إيران وسوريا، ونزْع هذا السلاح يعني خسارة ثقله السياسي الإقليمي والدولي.
-
فكُّ الارتباط بينه وبين المشروع الإيراني:حزب الله هو الامتداد الأكثر فاعلية للمشروع الإيراني في المنطقة، وهو ما يعطيه مكانةً خاصَّةً داخل شبكة “محور المقاومة”، ونزْع سلاحه يُفقده هذه المكانة، ويجعل دوره الإقليمي هامشيًّا، خصوصًا أن إيران باتت تواجه اليوم مفاوضات دقيقة مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وقد تختار الأولى تقديم تنازلات على مستوى الأذرع الخارجية لتخفيف الضغط، كما فعلت في اليمن حين أعلنت التوقُّف عن دعْم الحوثيِّين.
-
اختبار حقيقي لعلاقته ببيئته: بدون سلاح، سيُختبر الحزب لأول مرة في قدرته على الحفاظ على ولاء قواعده الشعبية بوسائل غير أمنية أو عسكرية، كالخدمات والتمثيل السياسي فقط، وهو تحدٍّ قد لا ينجح فيه بسهولة.
على مستوى اسرائيل:
يبدو أن إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر من أيِّ خطوةٍ تؤدي إلى نزْع سلاح حزب الله، باعتبارها طالما اعتبرت الحزب التهديد العسكري الأبرز على حدودها الشمالية؛ إذ ستجني عدة مكاسب محتملة من وراء تلك الخطوة حال تحقُّقها؛ منها:
-
انتهاء التهديد الصاروخي القريب المدى: فتقليص أو تفكيك ترسانة الحزب الصاروخية (وخاصَّة الدقيقة) سيمنح إسرائيل هامشًا أكبر للمناورة العسكرية في الشمال دون الخوْف من ردٍّ مكافئٍ.
-
تفكيك حلقة وصْلٍ مهمةٍ في محور المقاومة؛ وهو ما يُضْعِفُ التنسيق بين إيران وسوريا وحركات المقاومة في فلسطين.
-
إعادة رسْم قواعد الاشتباك في الجنوب لصالح إسرائيل، خاصَّةً في المناطق المتاخمة للحدود؛ حيث كانت عمليات الحزب تُشكِّلُ قيودًا على التحرُّكات الإسرائيلية.
التأثير على ايران:
يشهد الوضع الإقليمي حاليًا تصاعُدًا متسارعًا في التوتُّر بين إيران وإسرائيل؛ إذ اتخذت المواجهة طابعًا غير مباشر عبْر ساحات النفوذ الإقليمية؛ حيث أقدم الحوثيون، صباح الأحد 4 مايو، على استهداف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي فرط صوتي، في خطوة تحمل بصمات الدعم الإيراني.
وردًّا على ذلك، صعَّدَت إسرائيل هجماتها على حلفاء طهران، فاستهدفت، مساء الإثنين 5 مايو، مطار الحُدَيْدَة في اليمن، بالإضافة إلى مخزن أسلحة تابع لحزب الله في جنوب لبنان، في تصعيدٍ يُنْذِرُ بتوسيع رقعة الاشتباك، وفي ظلِّ هذا المنْحَى التصادُمي، تبدو أيّ محاولة لنزْع سلاح حزب الله خطوةً شديدة الحساسية والتعقيد، وقد تُعتبر بمثابة اختراق استراتيجي للمشروع الإيراني في المنطقة.[6]
إلا أنه على الرغم من تلك التطوُّرات، وفي حال تحقَّقت خطوة نزْع سلاح حزب الله، فإن تداعياتها على إيران ستكون عميقةً، ويمكن قراءة تأثير الموقف كالآتي:
-
فُقْدان إيران لقناة استراتيجية لنقْل الدعم والتسليح للفصائل المتحالفة معها في “سوريا، العراق، فلسطين واليمن”؛ ما يضرب العُمْق اللوجستي للمحور الإيراني.
-
تقييد قدرة طهران على استخدام لبنان كورقة تفاوضية في محادثاتها مع الغرب حول الملف النووي أو النفوذ الإقليمي.
-
ضربة لمفهوم “الهلال الشيعي” الذي كانت إيران تطمح إلى ترسيخه من طهران إلى بيروت، عبْر شبكة نفوذ متعددة الأذرع.