المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > زيارة السيسي لموسكو: أبعاد جديدة في العلاقات المصرية الروسية
زيارة السيسي لموسكو: أبعاد جديدة في العلاقات المصرية الروسية
- مايو 14, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

اعداد: ريهام محمد
باحثة في واحدة شؤون الشرق الأوسط
تُمثل العلاقات المصرية–الروسية إحدى أكثر الشراكات الخارجية رسوخًا في السياسة المصرية المعاصرة، حيث تبلورت خلال السنوات الأخيرة كأحد أعمدة التوجه المصري نحو تنويع الشركاء الدوليين، وتعزيز هامش الحركة في نظام عالمي يمر بتحولات جذرية، وفي ظل تصاعد التنافس بين القوى الكبرى، واتساع فجوة الثقة بين دول الجنوب العالمي والغرب، وجدت القاهرة في موسكو شريكًا سياسيًا واقتصاديًا يلبي متطلبات المرحلة دون إملاءات أو شروط تعيق القرار السيادي.
وجاءت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موسكو في 8 مايو الجاري، للمشاركة في احتفالات “عيد النصر”، تلبيةً لدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في سياق يعكس عمق العلاقات التاريخية والمتينة التي تربط بين القاهرة وموسكو، وتعكس مكانة مصر على الساحة الدولية وحرصها على المشاركة في المناسبات العالمية الكبرى، وتتجاوز رمزية هذه الزيارة حدود المشاركة البروتوكولية في مناسبة عالمية، لتجدد التأكيد على أن التقارب المصري-الروسي ليس نتاجًا لتحولات ظرفية أو رهانات عابرة، بل خيار استراتيجي راسخ يُعبّر عن رؤية مصرية متماسكة لدورها في النظام الدولي المتعدد الأقطاب.
ويخدم هذا التقارب مصالح مصر في ملفات محورية تشمل تعزيز أمنها الإقليمي، وتنويع مصادر تسليحها بما يضمن استقلال القرار السيادي، وضمان استقرار سلاسل الإمداد الغذائي، والانخراط الفاعل في تكتلات اقتصادية بديلة كمنظمة البريكس، بما يعزز قدرة الدولة على مواجهة التحديات العالمية بمرونة أكبر.
الشراكة السياسية بين القاهرة وموسكو :
تُعد العلاقات السياسية بين مصر وروسيا من أكثر الشراكات الدولية رسوخًا في السياسة الخارجية المصرية الحديثة، وقد شهدت منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي تطورًا نوعيًا عكسه التبادل المنتظم للزيارات الرسمية بين الرئيسين السيسي وبوتين، سواء في العواصم أو على هامش المحافل الدولية. هذه الزيارات لم تكن مجرد مظاهر دبلوماسية، بل كانت تعبيرًا عن إرادة سياسية مشتركة لتعزيز التعاون في ملفات تمس الأمن القومي للطرفين، من مواجهة الإرهاب إلى دعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وصولًا إلى تنسيق المواقف في المنظمات الدولية.
وجاءت زيارة الرئيس السيسي الأخيرة إلى موسكو في سياق استثنائي يتسم بتسارع التحولات في بنية النظام الدولي، مما يضفي على الزيارة أبعادًا استراتيجية عميقة. فالقاهرة لم تُقْدِم على هذا الانفتاح نحو موسكو كرد فعل ظرفي، بل انطلاقًا من توجه مصري راسخ لتنويع شراكاتها الدولية، وتعزيز استقلالية قرارها السياسي، بما ينسجم مع رؤيتها لدور مصر كفاعل متوازن في عالم يتجه إلى التعددية القطبية. وقد مثّلت هذه الزيارة تأكيدًا إضافيًا على مركزية العلاقة مع روسيا في هذا التموضع المصري الجديد، ويمكن إيضاح أبعاد الشراكة السياسية بين البلدين في ثلاثة مستويات رئيسية، كما يلي:
تقاطع في المواقف تجاه قضايا النزاع العالمي: منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تميز الموقف المصري بقدر عالٍ من التوازن والانضباط الاستراتيجي، امتنعت القاهرة عن إدانة موسكو في المحافل الدولية، ورفضت الانخراط في سياسة العقوبات الغربية، مؤكدة على أهمية الحوار السياسي واحترام خصوصيات الأطراف. وهو موقف عُدّ في موسكو دليلاً على استقلال القرار المصري، وانسجامًا مع الطرح الروسي لضرورة كسر هيمنة النموذج الغربي على النظام الدولي.[1]
في المقابل، عبّرت موسكو مرارًا عن دعمها للموقف المصري من القضية الفلسطينية، وخصوصًا خلال الحرب المفتوحة على غزة، حيث تلاقت الرؤيتان حول ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، ورفض محاولات فرض واقع ديموغرافي جديد على القطاع عبر التهجير أو التوطين، وهو ما ينسجم مع المصالح الاستراتيجية العليا لمصر.
البريكس والعالم المتعدد : انضمت مصر رسميًا إلى مجموعة البريكس مطلع 2024، وهو تطور عُدّ أحد أبرز تجليات الانفتاح المصري على التكتلات الناشئة، وتعد روسيا لاعبًا مركزيًا في هذا التكتل الذي يهدف إلى إعادة صياغة المنظومة الاقتصادية العالمية خارج القبضة الغربية، من خلال آليات تمويل وتسوية بديلة.
وبينما ترى القاهرة في البريكس وسيلة للتخفف من ضغوط النظام المالي الغربي وشروطه، تنظر موسكو إلى انضمام مصر كدليل على اتساع جاذبية المشروع الأوراسي -العالمي الذي تقوده إلى جانب الصين، وتشير التصريحات المتبادلة إلى رغبة في تطوير آليات تنسيق سياسي واقتصادي ضمن أطر البريكس، تسمح ببلورة موقف جماعي من قضايا الطاقة، الغذاء، النظام النقدي، وتمثيل الجنوب العالمي في المؤسسات الدولية.
الرمزية والاعتراف المتبادل: تمثل دعوة موسكو للرئيس السيسي للمشاركة في احتفالات “عيد النصر” تأكيدًا رمزيًا على مكانة مصر كحليف موثوق في نظر القيادة الروسية، وقد حرصت القاهرة، في المقابل، على التعبير عن تقديرها لدور روسيا في حفظ توازن النظام الدولي، وتثمينها لسياسة موسكو تجاه الأمن القومي العربي، بعيدًا عن ضغوط الاستقطاب.
هذه الرمزية المتبادلة تندرج في إطار أوسع من “الاعتراف الاستراتيجي”، أي الإقرار المتبادل بين الطرفين بمكانة الآخر في المنظومة الإقليمية والدولية، وهو عنصر جوهري في بناء شراكة سياسية طويلة الأجل، لا تقتصر على الملفات الظرفية، بل تؤسس لتحالف مرن وقابل للتطور.
العلاقات الاقتصادية:
شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا تطورًا ملحوظًا منذ زيارة الرئيس السيسي لروسيا عام 2015، حيث تم تذليل الكثير من العقبات التي كانت تعترض انسياب حركة التجارة بين البلدين، كما أوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن اجمالي صادرات مصر من السلع والخدمات خلال الفترة من 2015حتي 2025 لروسيا بلغت 4.495 مليار دولار، مشيرًا إلى أن صادرات مصر لروسيا خلال يناير 2025 بلغت 71.22 مليون دولار.[2]
الاستثمارات الروسية في مصر: تُمثل الاستثمارات الروسية في مصر ركنًا متقدمًا من الشراكة الاقتصادية بين البلدين، حيث بلغ عدد الشركات الروسية العاملة في مصر نحو 467 شركة، موزعة على قطاعات متنوعة تشمل النفط والغاز، والصناعة، والخدمات المالية، وتكنولوجيا المعلومات، وتُعد “المنطقة الصناعية الروسية” في شرق بورسعيد أحد أبرز مشروعات التعاون، إذ يُتوقع أن تجذب استثمارات تصل إلى 7 مليارات دولار وتوفر 35 ألف فرصة عمل، وقد بدأت ملامح هذا المشروع بتوقيع مذكرة تفاهم في عام 2016، تمهيدًا للاتفاق النهائي الذي يشمل مشروعات في تجميع السيارات، والمعدات الزراعية، وتدوير المخلفات، وغيرها من القطاعات الحيوية.[3]
محطة الضبعة النووية: في إطار التنويع الاستراتيجي لمصادر الطاقة، وقّعت مصر وروسيا في نوفمبر 2015 اتفاقية تاريخية لإنشاء أول محطة نووية سلمية لتوليد الكهرباء بمنطقة الضبعة، تضم أربعة مفاعلات بقدرة 1200 ميغاوات لكل مفاعل، وبتكلفة إجمالية تُقدّر بحوالي 10 مليارات دولار للمرحلة الأولى، وتتحمل روسيا تمويل 85% من المشروع عبر قرض حكومي طويل الأجل، بينما تتحمل مصر النسبة المتبقية.[4]
المشروع الذي تنفذه شركة “روساتوم” الروسية يُعد نموذجًا للتعاون التكنولوجي من دون إملاءات سياسية، إذ لم تُفرض شروط تتعلق بالسيادة المصرية أو خياراتها الاستراتيجية، وقد وصلت الأعمال التنفيذية إلى مراحل متقدمة، حيث شهد الرئيسان في يناير 2024، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، صب الخرسانة لوحدة الطاقة الرابعة، ما يؤكد التزام الطرفين بجدول التنفيذ، وسير المشروع كرمز عملي لشراكة قائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتكافئ.
التعاون العسكري:
يمثل التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو أحد أركان الشراكة الاستراتيجية التي تنتهجها مصر في إطار رؤيتها لتعزيز استقلال القرار السيادي، وتنويع شراكاتها الدفاعية بعيدًا عن الارتهان لمحاور دولية بعينها. فمنذ منتصف العقد الماضي، انتهجت مصر سياسة دفاعية متوازنة، اتسمت بانفتاح محسوب على قوى كبرى، من بينها روسيا، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وذلك في سياق استراتيجي يسعى لبناء منظومة تسليحية متعددة المصادر، تعزّز من مرونة التحرك المصري في المحيطين الإقليمي والدولي.
زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موسكو في مايو الجاري، ومشاركة عناصر من القوات المسلحة المصرية في العرض العسكري بمناسبة “عيد النصر”، لم تكن فعلًا رمزيًا فحسب، بل حملت دلالات تتجاوز البُعد البروتوكولي، لترسخ موقع الجيش المصري كشريك عسكري يُنظر إليه في موسكو باحترام مؤسساتي كامل، وتأتي هذه المشاركة في إطار تثبيت العلاقة بين دولتين تتقاطع مصالحهما في قضايا أمنية إقليمية معقدة، كما تعكس ثقة متبادلة في استقرار المسار العسكري الثنائي، بمعزل عن الاصطفافات الاستراتيجية التقليدية.[5]
تحديث القدرات التسليحية رغم الضغوط الغربية: في السنوات الأخيرة، تركّز التعاون الدفاعي بين الجانبين على تعزيز قدرات الدفاع الجوي المصري، حيث تم تحديث منظومات قصيرة ومتوسطة المدى إلى أنظمة روسية متقدمة مثل “تور إم-2” و”بوك إم-2″، فضلًا عن حصول البحرية المصرية على القطعة القتالية “مولينيا R-32″، بما تشمله من قدرات صاروخية هجومية دقيقة. وإلى جانب ذلك، برزت صفقات طائرات “ميغ-29” والمروحيات الهجومية “كا-52 التمساح” كجزء من خطة تحديث شاملة لسلاح الجو المصري، في ظل تحديات أمنية متعددة الأبعاد في محيط مصر الإقليمي.[6]
رغم الضغوط الغربية المتزايدة، ولا سيما من جانب واشنطن، التي حاولت عرقلة التعاون العسكري مع موسكو من خلال التلويح بتفعيل قانون “كاتسا” الذي يفرض عقوبات على الدول المتعاملة مع قطاع الدفاع الروسي، فإن القاهرة تمسكت بثوابتها السيادية، مؤكدة أن تحديد مصادر تسليحها هو شأن وطني غير قابل للمساومة، وأن الأمن القومي المصري لا يُدار من خارج حدوده.
تدريبات ميدانية وثقة استراتيجية متبادلة: لم يقتصر التعاون على صفقات التسليح فحسب، بل امتد إلى برامج التدريب العسكري المشترك، التي كان أبرزها سلسلة مناورات “حماة الصداقة” بين وحدات المظلات المصرية والروسية، والتي مثلت تجربة ميدانية لتكامل القدرات وتبادل الخبرات في ميادين القتال غير التقليدية، بما يعكس تطورًا نوعيًا في مستوى الثقة الاستراتيجية بين الجانبين.[7]
في المقابل، تنظر موسكو إلى مصر باعتبارها شريكًا دفاعيًا يمتلك عقيدة عسكرية مستقرة، ومؤسسات نظامية راسخة، وتاريخًا من عدم التورط في صراعات عبثية. ومن هذا المنطلق، ترى روسيا في الشراكة مع القاهرة ركيزة موثوقة لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط دون الانجرار إلى تدخلات عسكرية مباشرة، مما يجعل من التعاون العسكري بين الطرفين صيغة عقلانية لبناء توازنات ردعية مستقلة تخدم الاستقرار الإقليمي، دون إخلال بحسابات المصالح الوطنية لأي من الطرفين.
الأبعاد الاستراتيجية للزيارة في اطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين:
جاءت زيارة الرئيس السيسي إلى موسكو في لحظة دولية شديدة الحساسية، ما يمنحها أبعادًا استراتيجية تتجاوز الحسابات الثنائية إلى رهانات إعادة تشكيل النظام الدولي، فبينما تخوض روسيا صراعًا ممتدًا في أوكرانيا، وتزداد الفجوة بينها وبين الغرب عمقًا، تحافظ القاهرة على علاقاتها مع كافة القوى الكبرى، وتتحرك بمنطق “تعدد الشراكات” وليس “الاصطفاف الثنائي”، وهو ما يمنح هذه الزيارة دلالات متعدّدة في إطار تطور العلاقات الثنائية بين البلدين، ويمكن إيضاحها كالتالي:
إعادة هيكلة هندسة التحالفات: تأتي الزيارة في إطار سياسة مصرية واضحة تهدف إلى التحرر من الارتهان لمحور دولي بعينه، لا سيما في ظل التحولات الحادة في السياسة الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية، فمن خلال تعميق علاقاتها مع روسيا، تسعى القاهرة لتثبيت موقعها كقوة إقليمية متوازنة، تمتلك هوامش مناورة أوسع في علاقاتها مع الشرق والغرب على حد سواء، هذه المقاربة تسمح لمصر بالحفاظ على استقلالية قرارها في القضايا الإقليمية، خصوصًا حيال القضية الفلسطينية ووالأوضاع في ليبيا واليمن، ومن ثم فإن انخراط القاهرة في حوار استراتيجي عميق مع موسكو، في ظل تراجع فاعلية الدبلوماسية الغربية، يمثل نمطًا من “الموازنة الذكية” التي تتيح للقاهرة الحفاظ على استقلالية القرار دون الدخول في مواجهات مباشرة مع أي من الأقطاب.
تطابق الرؤى في أمن البحر الأحمر ومصالح الملاحة الدولية: في ظل التحديات المتصاعدة التي تشهدها منطقة البحر الأحمر، تعيد مصر التأكيد على أهمية شراكتها الأمنية مع روسيا بوصفها قوة دولية ذات حضور متنامٍ في هذا الممر الاستراتيجي، وبدلًا من النظر إلى هذا التعاون كاستجابة ظرفية للأزمات، فإن ما يجري هو امتداد لمسار طويل من التنسيق العسكري والسياسي بين البلدين، يستهدف الحفاظ على أمن الملاحة وحماية المصالح الاقتصادية المصرية من مخاطر التوترات الجيوسياسية. وتبدو موسكو شريكًا مناسبًا في هذا السياق، لا من باب المواجهة، بل من منطلق دعم التوازن الإقليمي وتوفير أدوات ردع ناعمة في بيئة مضطربة تشهد صراعًا على الموانئ والممرات الحيوية.
تعزيز الردع العسكري وتطوير القدرات الدفاعية: في ظل اضطراب الوضع الأمني في الإقليم، وإمكانية توسع نطاق الحروب غير النظامية، تسعى مصر إلى تطوير قدراتها العسكرية عبر تعميق شراكاتها مع قوى كبرى تمتلك تكنولوجيا متقدمة وخبرة طويلة، ومن ثم فالتعاون مع روسيا في مجالات التسليح والتدريب والاستخبارات يعزز من جاهزية الجيش المصري، ويبعث برسائل ردع واضحة لأي طرف يفكر بتهديد الأمن المصري، سواء في سيناء أو على الجبهة الغربية أو في البحر الأحمر.
إعادة التموضع في النظام الدولي الجديد: انضمام مصر إلى مجموعة “بريكس+” وتزايد دورها في المنظمات متعددة الأقطاب يعكس إدراكًا مصريًا عميقًا بتحول مركز الثقل الدولي من الغرب إلى الشرق، من هنا فزيارة موسكو بهذا المعنى تُعد جزءًا من إعادة التموضع المصري ضمن نظام دولي جديد قيد التشكّل، حيث تلعب روسيا والصين والهند أدوارًا مركزية، وهي رسالة ضمنية بأن مصر تسعى لأن تكون فاعلًا لا تابعًا في هذا النظام.
التحوّط من التقلبات الغربية وخلق بدائل اقتصادية: في ظل تنامي التحديات المرتبطة بالشروط السياسية الغربية المصاحبة للمساعدات أو الاستثمارات، تعزز القاهرة من انفتاحها على موسكو كشريك موثوق يمتاز بالمرونة الاستراتيجية، وقد انعكس ذلك بوضوح في التعاون بمجال الطاقة من خلال مشروع محطة الضبعة النووية، والتصنيع عبر المنطقة الصناعية الروسية في شرق بورسعيد، فضلاً عن شراكة قوية في مجال الأمن الغذائي من خلال واردات القمح، مما يمنح مصر هوامش أوسع للمناورة الاقتصادية بعيدًا عن الضغوط الغربية.
تعزيز مكانة مصر كفاعل مستقل في الوساطة الإقليمية: في ضوء انقسام المعسكرات الدولية حيال الملفات الإقليمية الكبرى، وبفضل علاقات القاهرة المتوازنة مع كل من روسيا والولايات المتحدة، ومع أطراف النزاع الإقليمي (مثل حماس، السلطة، إسرائيل، إيران)، تستطيع مصر لعب دور الوسيط المحايد الذي يحظى بثقة الأطراف كافة، وهنا تأتي زيارة السيسي إلى موسكو لتعكس”دبلوماسية التمكين الإقليمي” وتعزز من مصداقية هذا الدور، وتؤكد أن القاهرة تملك مفاتيح مهمة في ملفات النزاع الإقليمي، ما يعيد لها مكانتها كضامن للاستقرار وليس مجرد متلقٍ للأزمات.
الخاتمة:
تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موسكو في هذا التوقيت الحرج لتأكيد رسائل استراتيجية متعددة في إطار هذه الشراكة العميقة والممتدة، وليس باعتبارها انفتاحًا ظرفيًا أو استجابة مؤقتة لتحولات دولية. فالمشهد الإقليمي والدولي المضطرب – من الحرب في أوكرانيا إلى التوتر في البحر الأحمر – يُحتّم على الدول الفاعلة كالقاهرة تعزيز تحالفاتها المتوازنة مع قوى دولية كبرى تتيح لها تنويع أدواتها الدفاعية والاقتصادية خارج محاور الاصطفاف التقليدي.
من هذا المنطلق، فإن لقاء القمة بين السيسي وبوتين، ومشاركة مصر الرمزية ذات الطابع العسكري في احتفالات “عيد النصر”، يعكسان إصرار القاهرة على ترسيخ مكانتها كشريك نِدي في معادلة توازنات القوة، وتأكيد التزامها بشراكة استراتيجية مع موسكو تخدم المصالح المصرية أولاً، وتمنحها هامشًا واسعًا للتحرك إقليميًا ودوليًا دون الارتهان لتقلبات السياسات الغربية أو حسابات الاستقطاب الحاد.
[1] معتز سلامة، الحرب الروسية الاوكرانية ومبدأ التوازن في السياسة الخارجية المصرية، مركز الأهرام للدراسات السياسية ولاستراتيجية، مارس 2023.
المصادر:
https://acpss.ahram.org.eg/News/17831.aspx
[2] العلاقات المصرية الروسية.. شراكة استراتيجية شاملة ومصالح متبادلة، القاهرة الإخبارية، مايو 2025.
https://linksshortcut.com/ylZwX
[3] المرجع نفسه
[4] مصر حصلت على دفعات من قرض “الضبعة النووية” تجاوزت مليار دولار ، العربية نت، يناير 2024.
https://linksshortcut.com/wUwYf
[5] عناصر من القوات المسلحة المصرية تشارك في احتفالات عيد النصر بموسكو بحضور الرئيس السيسي وبوتين، جريدة الوطن، مايو 2025.
https://www.elwatannews.com/news/details/8073690
[6] مناورات مشتركة تعزز التعاون العسكري بين مصر وروسيا، صحيفة الشرق الأوسط، أكتوبر 2021.
https://linksshortcut.com/jhTaZ
[7] المرجع نفسه